Thursday 28 January 2021

Anne with E مسلسل عن رواية " آن في المروج الخضراء"

 

كيف تكتب مسلسلا ممتعا وعصريا عن زمن فات

" آن في المروج الخضراء"

شاهدت مؤخرا 27 حلقة تمثل المواسم الثلاث لمسلسل كندي تدور أحداثه في السنوات الخمس الأخيرة للقرن التاسع عشر، المسلسل عن رواية لكاتبة لوسي مود مونتجمري تتناول فيه شخصية صبية يتيمة تربت في ملجأ بعد وفاة والديها، ثم تنتقل إلى مزرعة المروج الخضراء بديلا عن صبي عرض تبنيه ماثيو وماريلا وهما أخ وأخت لم يتزوجا بعد وفاة والديهما والرحيل المؤسف لأخيهما الأكبر الحنون والقوي، المسلسل رومانسي تاريخي نجح من خلال الشخصية الرئيس أن يستعرض جانبا من تاريخ البلاد وتحولاته الاجتماعية من المساواة بين الفتيات والشبان، ومن تغير القيم العنصرية واضطهاد السود والهنود الحمر، يتميز برسم شخصياته بعيدا عن التنميط ، الجارة راشيل حشرية ولكنها فعالة تميل لتفهم منطق خرين، البطلة آن مندفعة وشجاعة ولكنها تتجاوز الحدود وتتدخل في خصوصيات الآخرين وترتكب أخطاء نتيجة تسرعها، صديقتها ديانا برعم ما تتميز به من تعاطف ورقة تستغل إعجاب فتى فقير لها فتتبادل معه القبل فقط لتجرب دون أن تنوي الارتباط الحقيقي به، ماثيو قليل الكلام غير قادر على التعبير عن مشاعره فيساء فهمه ويفسر بأنه خال منها. يصحب التغييرات الاجتماعية  ظهور الكهرباء والطباعة وكيف ستدخل البلدات الصغيرة تجري تجربة شرحها المدرسة الجديدة بشخصيتها الصادمة والمختلفة عن السائد ، ترتدي البنطلون وتقود الدراجة وترفض زواجا بلا مشاعر حقيقية بعد وفاة زوجها، المسلسل درس في الكتابة كيف لا تسقط في الميلودراما وأنت تتناول قصة فتاة يتيمة، وكيف تقودنا حكايتها لاستعراض التطور التاريخي الذي مرت به جزيرة الملك ادوارد والمدينة الصغيرة ، موقع الأحداث التي تلخص عملية الانتقال من القرن التاسع عشر الى القرن العشرين.

نشكو كثيرا من مسلسلات الثلاثين حلقة ونطالب بالاكتفاء بأن تكون سبع حلقات أو عشر، ولكني مع هذا المسلسل لم أشعر بالإطالة لأن هناك عنصرا جديدا يدخل مع كل حلقة في حكاية آن ، فتظهر شخصيات ليتم طرح قضايا مختلفة كلها تصب في نبع قصة آن الرئيس وترتبط بكل من تتعامل معه، زميلها ومنافسها في التفوق جيلبيرت وحكايته، عائلها وحكايته مع حب قديم، زميلات الدراسة وحكاياتهن، محبتهن لها أو صراع بعضهن لاختلاف القيم والعادات. دون خطابة سنعرف أن سماجة الشاب المغرور بيل سبببها معاملة والده الخاطئة وتدليله له، سنعرف أن كراهية الزميلة  س سبببها دفاعها عن القيم المفروضة عليها من والديها، وهكذا لا يوجد شرير بطبعه،  أو مثالي وخير لأنه ولد كذلك، بل هناك تأثير وتأثر بالبيئة المحيطة.

شعرت بالغيرة من صناع المسلسل، كاتبته والمخرجات والمخرجين الذين تناوبوا على إخراج الحلقات لأنهم وجدوا من ينتج لهم عملا أبطاله مراهقين في مرحلة الانتقال من الطفولة إلى الشباب، فأبطال العمل في مرحلة ما قبل الجامعة هم من يحركون الأحداث، هم من يخطئون ويتعاركون ويثورون ، يحلمون ويقاومون سيطرة الكبار وقادة المجتمع، هم الأبطال أما الكبار فهم في الأدوار الثانية. عمل يحتفي بالحياة ويدافع عن حرية هؤلاء المراهقين في اختيار مستقبلهم ، يجري هذا على خلفية من المناظر الطبيعية التي لا تظهر باردة مثل الكارت بوستال ولكنها طبيعة حية تزيدها كلمات آن الثثارة جمالا،  طبيعة تتنوع بين الغابة التي يعيش فيها ثعلب نادر وحيد، لا نسمع عن وجوده كما يمكن لإنتاج فقير أن يكتفي به، بل نشاهده وهو يقترب من آن التي تتوحد معه وتجده شبيها بها في وحدتها وكونها عانت من الكراهية والنبذ. وجوده سيطرح رفض قتل الحيوانات والحصول على فرائها ويصوره كعمل بغيض، ستحب كيف يظهر التل المطل على البحيرة التي تقع الجزيرة عليها والحقول التي يزرعها ملاكها دون الاستعانة بعمالة، فهم يقومون بالعمل بأنفسهم ولا يلجئون للمساعدة إلا عند الضرورة، وتكشف المساعدة عن تملك السود لبعض الأراض بعد قوانين ألغت نظام العبيد، كما تكشف عن الفارق بين أوضاع مواطني كندا من أصول انجليزية وآخرين من أصول فرنسية، عن يهودي في صفة بائع متجول، وهندي أحمر يصنع عصا الجولف التي يحتاجها البيض، وابنته التي صادقتها بطلتنا آن وكتبت عنها في صحيفة المدرسة.

استغل المسلسل الخلفية التاريخية مهتما بكل تفاصيل الأزياء وشكل البيوت والأثاث والعلاقات داخل مدرسة الفصل الواحد ليطرح قضايا معاصرة، منها تقبل المثلية، وندية المرأة والرجل، وتقبل الاختلاف في اللون أو العرق أو الطبقة. على مدى حلقات المسلسل عايشت تاريخا لبلدة كندية صغيرة وكأنك تقرأ كتابا عن تاريخ البلاد ولكنه مصاغ في دراما تم كتابتها بفن ممتع.

بمثل هذه المتابعات أمكننا الاستفادة مما يبث على الشبكة الدولية  من أعمال تنتجها المنصات الحديثة، نتفلكس وشاهد وغيرها في التعرف على انتاجات متنوعة من مختلف بلاد العالم يمكن التعلم منها كيف تقدم عملا غنيا ممتعا ويطرح أفكارا تقدمية حقيقية عن ضرورة تقبل الاختلاف وعن الإيمان بالتغيير لتستمر الحياة.

صفاء الليثي 

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 26 يناير 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي 


 

No comments:

Post a Comment