وكيف
تحكى الثورة
من وجهة نظر مسيحية
تسمع عن فيلم للمخرج أحمد رشوان
وتعرف عن عنوانه "
جزيرة الأقباط" فتتهيأ لمشاهدة فيلم عن القرصاية وتلك الجزيرة التى تقع فى
جزيرة بالنيل أغلب سكانها من فقراء المسيحيين، ولكن ها نحن مع جورج فوزى فى جورجيا
الجميلة ومع مسيحى آخر وأسرته يحكون عن تجربة الهجرة إلى جورجيا ، الهجرة التى
دفعهم إليها وصول الإخوان المسلمين إلى حكم مصر، دقائق مع سفر الخروج الذى وصف به
أحمد رشوان هذا الجزء من عمله التسجيلى الطويل بعد "مولود فى 25 يناير"
عن الثورة المصرية التى بدأت فى 25 يناير 2011 . ينتقل رشوان إلى السفر الثانى
والثالث وتتعدد الأسفار لنجد أن فكرة الهجرة قد تراجعت واندمجنا مع توثيق تأريخى
لمحطات فى أحداث الثورة تتركز على العلاقة بالمسيحيين فى مصر. السيدة صابرين فخرى
وأسرتها فى الإسكندرية والمغنية الشابة كرستين مجدى لا توافقان على فكرة الهجرة
وتشعران بأن " دى بلدى" ولن أتركها، بينما منى مكرم التى وجدت أنه آن
الأوان بعد وصول الطفل وبعد استلام الإخوان الحكم ويؤكد زوجها حرصهما على أهمية أن
تكون لديهم جنسية أخرى.
كاميرا رشوان تنتقل بنا بين الأماكن والشخوص، فمن حدائق فى
جورجيا وكنيسة هناك، إلى زحام القاهرة وكنيسة بها ، لا أنجح فى الاندماج وتثور
داخلى مقارنات خاصة بالهدوء هناك والزحام هنا، بالخضرة هناك وزحام المبانى هنا،
أفكر هل لا يفكر المصريون جميعا فى الهجرة؟ ألا تدفعنا المقارنة إلى التفكير
بالخروج ؟ يدخلنا الفيلم مع الشهيد مينا دانيال وأخته مارى دانيال فى فيلم آخر عن
الثورة وأخطاء المرحلة الانتقالية بعد مبارك، محطات كثيرة يصحب فيها المخرج
شخصياته فى قلب أحداث نعرفها، بعض الوثائق النادرة تثير شجوننا وتؤكد أن شركاء
الوطن لا يختلفون فى التمسك بحلم التغيير وفى التضحية من أجل الوطن. أبقى منتظرة
أن يعود الفيلم للمسألة التى بدأ منها، الهجرة نتيجة التمييز والشعور بصعوبات
الحياة، وتأتى العودة متأخرة وغير حاسمة ليس فى الفيلم فقط ولكن مع الشخصيات نفسها
، فها هو جورج بين جورجيا ومصر، ومنى مكرم مخرجة الأفلام بين استراليا ومصر وكمال ينتظر "لما
مصر تبقى حلوة" ، ولماذا لا تأتى يا كمال لتسهم فى جعلها حلوة!
بالطبع لا يمكن محاكمة شخصيات العمل، ولكننا رغما عنا
نجد أننا نتعاطف مع البعض ونتفهم قضيته دون البعض الآخر. نفرح بتماسك مارى دانيال
وقوتها بعد استشهاد أخاها الذى تصفه بأنه ابنها وصديقها وزميل نضالها، ونفرح
بكريستين وصابرين ومشاركتهم فى ثورة 30 يونيو وتوقيع استمارات تمرد. نتفهم أزمة
فقد الأب بابا شنودة الذى كان جمال عبد الناصر شعب الأقباط وجنازته تشبه جنازة
ناصر كما يصفها لنا الباحث فى الشئون القبطية سليمان شفيق، وكان وجوده هاما لتوضيح
بعض الحقائق مستندا إلى دراساته العلمية.
يبقى " جزيرة الأقباط" عملا تلفزيونيا أقرب
إلى تحليل لأخبار نعرفها من شرائط الأخبار ، توقعت له أن يغوص فى مشكلة الهجرة وأن
يعود بها لسنوات سابقة ولكن نداهة الثورة قد دعت رشوان ووجد نفسه غارقا فى أمواج
الثورة التى بدأت ولم تنتهى بعد.
ويبقى العمل الذى أنتجته قناة العربية وأنجزه المخرج
أحمد رشوان فى 85 ق إضافة هامة للسينما التسجيلية التى تواصل دورها فى خدمة
المجتمعات العربية وتحاول سبر أغوارهم.
صفاء الليثى شاهدته بعرضه الأول فى مصر بمركز الإبداع بالقاهرة