Sunday 30 August 2020

القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا 7 آدم وحواء 1951


آدم وحواء: طاعة الزوج والأب من طاعة الرب
لو حذفنا المقدمة المقروءة بصوت حسين صدقي ، مؤلف الفيلم ومنتجه ومخرجه، وصاحب التوجه الذكوري المنسوب إلى الدين الإسلامي قرآنا وحديثا ، بدون هذه المقدمة وما بداخل الفيلم من استشهاده بآيات قرآنية لوجدنا أنه فيلم اجتماعي لا يختلف عن أفلام مصرية سبقته وتلته في المفاهيم عن علاقة الرجل بالمرأة ،
 ليلى مراد / فاطمة الزوجة  بلا عمل ولديها شغالة وتجد أن من حقها أن تخرج للتسوق مثلا دون إعلامه، هو يخرج الى عمله ويعلمها بذلك كما تعلم موعد عودته . يقدم الفيلم نموذج آخر لزوجين أختها سميحة توفيق وزوجها اسماعيل يس ، اختار الكاتب اسما غير شائع للزوجة المتسلطة عزات التي تصف علاقة الزواج بأنها تقوم على راكب ومركوب، المركوب هنا زوجها مختار فاشل في عمله كمدير ، بينما الزوج المسيطر سامي ناجح في عمله ، وهو صاحب جريدة ورئيسها، خرج صباحية زواجه ليرعى مصالحه بينما حصل عديله مختار على أسبوعين شهر عسل مما أثر على عمله الخاص أيضا. اختار صدقي نموذجا لصاحب عمل مختلف تماما عن الموظف المسئول في "العزيمة" ، فيلم الواقعية الذي نحترمه، كما اختار ربة بيت لدور ليلى مراد وليست مدرسة في مدرسة نائية بمطروح كفيلمها البديع " شاطيء الغرام" هنا يخاطب كمنتج طبقة رأسمالية ويعطيهم درسا في كيف تعامل زوجتك وتقود بيتك.
يستخدم ورقة الطلاق لتأديبها كرد فعل على طلبها النفقة. غناء ليلى مراد يخفف من ثقل المواعظ ، وهناك مفارقة في شكل الفساتين وموديلات الشعر المرسل في تضاد مع الشعارات الدينية، ويبدو أنه لم يلتفت لهذا الأمر وإلا كان ألبسها خمارا أو عباءة. كما أن اختيار أماكن السهر في كازينو حيث الراقصة كيتي، وعشاء على أنغام موسيقى غربية ناعمة، يتناقض مع البطل وتوجهاته الدينية. ولكنها شروط التوزيع التي تفرض وجود كل توابل السينما المصرية من سهرات وتعاطي خمور وراقصة شرقية، وأيضا حفلة زار ، مما يؤكد أنه لم يكن ملتزما حقيقيا كما أراد أن يرسم صورة لنفسه، وأتفهم حجم كراهية الناقد الكبير سمير فريد للنجم حسين صدقي الذي يتأكد أن تدينه لم يكن أكثر من قشور لتاجر يريد الحصول على دعم لينتج فيلما هو خليط من التركيبة التقليدية للفيلم المصري مع رشة من الحكم والمواعظ الدينية. وبعض النصائح للتجار، منها ألا ينفقون من رأس المال كما يفعل عديله مختار، سامي هو النموذج الوحيد المثالي كما يرى هو، حماه سلم أمره لزوجته، ماري منيب في نمط الحماة التي تخرب على بناتها ، الأب الوالد شريف بيه يصحو من غفلته ويقول لزوج ابنته ، بحبك وبأحترمك، ثم يثأر لرجولته ويطلق زوجته بعد خضوعه لها لسنوات، تعالج نفسها بالزار وتسقط ميتة، ماتت علوية وسامي يخطب، لسه معتقدين في الخرافات!!، والأب نادم، ياريتني ما زعلتها، عزات تفشل في إدارة عمل زوجها وسيعلن إفلاسه، سامي يذكر أن الطلاق أبغض الحلال كمقال يمليه على مساعده عبر تسجيل مفتوح، سعيد أبو بكر في دورجميل الأخ المدلل يحرضه صلاح نظمي الثري الطامع في الزواج من فاطمة على قتل سامي ، فيتم تسجيل محاولة القتل وتثبت الجريمة على جميل. 

يحفظ التحقيق وينتهي الفيلم بموعظة من سامي الى حماه، لازم تفهم فاطمة إن طاعة الزوج والأب من طاعة الرب ، فاطمة كزوجة صالحة ، تعتذر وتعترف بغلطتها، تقول ببلاهة تجيد ليلى مراد التعبير عنها، أنا جايالك علشان أرجع آدم الجنة تاني . حسين صدقي كانت تربطه صداقة بالشيخ محمود شلتوت  الذي وصفه  "بأنه رجل يجسد معاني الفضيلة ويوجه الناس عن طريق السينما إلى الحياة الفاضلة التي تتفق مع الدين". " آدم وحواء" 1951  به كثير من الرقص شرقي وغربي، ورش حكم وآيات قرآنية مجتزأة من سياقها ليقدم حسين صدقي  فيلما برؤيته الكاملة كتابة وتمثيلا وإخراجا ،أما أفلامه التي لم يخرجها فما زلنا نشاهدها ونتحمل سماجته بفضل الإخراج الجيد والغناء الجميل لفنانة لا أعرف أين كان عقلها حين شاركت معه هذا الفيلم بمواعظه المباشرة .
صفاء الليثي
نشر بمجلة روز اليوسف العدد4811 باب للفن فقط إشراف شيماء سليم





Sunday 23 August 2020

القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا 6 " عاشت للحب 1959


عاشت للحب وماتت تحت شجرة اللبلاب
على بوستر الفيلم وبخط كبير عن قصة شجرة اللبلاب ، قرأت العمل الأدبي الذي طبع عام 1949 قبل عشر سنوات من إنتاج الفيلم، حتى صفحة خمسين ما يعني ثلث الرواية يحكي السارد عن طفولته وعن تكون عقدة لديه تجاه النساء بسبب خيانة زوجة أبيه لوالده. وستبدأ أحاث الفيلم بعدما وصلنا الى صفحة 77 عند منتصف الرواية بسكنه في حجرة فوق السطوح وتحته صاحبة البيت وابنتها وفرع شجرة اللبلاب الذي تهزه فيظهر من النافذة ويتبادلان الحديث. حسنا فعل صناع الفيلم بكتابة عن قصة، فقد تم أخذ بعض خطوطها وأضيفت شخصيات وحذفت أخرى ليصبح السيناريو مثله مثل العديد من أفلامنا المصرية عن علاقة شاب وفتاة وما يحدث بينهما من حب ، غدر من قبل الشاب المعقد ووفاء من قبل الفتاة المقدامة التي بدأت الاعتراف بالحب وبادرت إلى اقتراح أماكن وسبل لكي يتقربا ويتحابا . زبيدة ثروت بعينيها الجميلتين الجريئتين وبراءة بسمتها اختيار موفق جدا لشخصية زينب التي كتبها الأديب محمد عبد الحليم عبد الله كفتاة عصرية مثقفة تبحث عن الحب ولا تصطاد عريسا، قوية وفية مخلصة حتى لو عاملها الحبيب بقسوة. أما حسني الشاب القادم من الريف بما يحمله من عقدة تجاه النساء فهو مشوش بين حبها وبين شكه بها رغم نصح صديقه عبد المنعم ابراهيم بأن مش كل الستات خاينين. 
أسوأ ما قام به كاتب السيناريو إضافة شخصية الأخت ومثلتها ليلى طاهر، وهو حل شاهدناه كثيرا عن رفيقة البطلة التي تخبرنا بالمعلومة واضحة وفجة رغم أنها في العمل الأصلي مفهومة من وصف الكاتب . وهنا ينحرف الفيلم ليكرر الخطاب الاجتماعي في مئات غيره من الأفلام، فحين تبكي زينب وتقول لأختها أنا ضعت، تصعد الأخت وتدفع باب حجرة حسني ، وتعنفه، ما تحاولش تنكر اللي حصل، لسه هتفكر، علشان تصلح غلطتك لازم تطلبها من ماما . زينب أمانة في رقبتك ومستقبلها في إيدك ، أنا عندي أمل كبير انك هتكون شهم وتصلح غلطتك. نوع الخطاب الوعظي هذا وجدنا مثيله في فيلم " أنا وبناتي" ويمكن لنا أن نسمعه في مئات الأفلام، وهو خطاب شائع مختلف عن قصة الأديب الذي رسم الفتاة محبة متحملة لما فعلته حتى أنها ستنتحر بعد أن كتبت خطابات للحبيب فحواها تحملها مسئولية أفعالها دون أن تجبره على الزواج منها. لولا شجرة اللبلاب التي حرص المخرج على استخدامها من شرفة حجرة الفتاة الى شباك الشاب لما وجدنا أي رباط بين القصة والفيلم. زبيدة بالبيجامة للنوم، تقرأ وتلتقي معه في المكتبة، حين يغيب عنها ولا يجيب على اهتزازات الشجرة تصعد إليه، يقول لها أنا اللي غلطان اللي ما أقدرتش أحافظ عليك. وينفعل بعد زيارة الأخت، يا سلام على البراءة ، فهمت الخطة كويس، أمك وأختك يسافروا اسكندرية علشان يخلى لنا الجو ونغلط. وبعدين أنا مستحيل أتجوز بالطريقة دي. ترد هي بصوتها الباكي ورقتها، انا عمري ما كلمتك عن الجواز. ينهي الحوار بكلمته الصادمة ، مفيش حاجة اسمها حب. لم يكن كمال الشناوي من أبطالي المفضلين في الطفولة والصبا وغالبا السبب دور كهذا يصوره قاسيا معقدا، في مقابل رومانسية عماد حمدي أو شكري سرحان. هذا المنطق الذكوري الذي يردد في الفيلم مستمر وبدرجة أكبر في مجتمعنا، عدم التعاطف مع الفتاة المبادرة بالحب والحكم عليها وانعدام الثقة بها. وعن القصة لم أقتنع بما شرحه المؤلف عن سبب عقدة بطله بخيانة زوجة الأب الشابة، فالوضع يختلف ، زينب ليست زوجة لأحد، أحبت شابا مناسبا لها تربطهما محبة القراءة والاستمتاع بجمال الطبيعة. هي ليست من تزوجت رجلا يكبرها بثلاثين عاما، وخانته مع قريب شاب لها. زينب ند لحسني شابة ومثقفة وتثق في الحب.
تغيير آخر جرى على مهنة حسني ليصبح طبيبا بدلا من مهندس، كمهنة تعد الأرفع ،هذا التنميط أحد آفات السينما المصرية، وإن كان التحويل سيفيد عندما يفسحون له الطريق ليكشف عن سبب سقوطها ليلة زفافها على عريس لم تستطع أن ترفضه وهي مبيتة النية على الانتحار ويتأكد  لنا أنها  فقط عاشت للحب.  
صفاء الليثي
نشر بمجلة روز اليوسف العدد 4810 باب للفن فقط إشراف شيماء سليم
مقاطع من قصة شجرة البلاب صدرت عام 1949 للكاتب محمد عبد الحليم عبد الله



Saturday 15 August 2020

القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا 5 يوم من عمري 1961


          يوم من عمري
رفض تزويج الابنة دون رغبتها 
يوم من عمرى فيلم مصري أنتج عام 1961 بطولة عبد الحليم حافظ وزبيدة ثروت، دون أن يكتب على الفيلم ما يفيد اقتباسه عن عمل أجنبي، ولكنها معلومة معروفة وكلنا شاهدنا فيلم " أجازة في روما " 1953 الأمريكي بطولة جريجوري بيك والجميلة أودري هيبورن التي حصلت على أوسكار أفضل ممثلة عن دورها فيه. تمضي السنوات وأتذكر أمنيتها في أن تلبس بيجامة للنوم وتتحقق حين تضطر للمبيت في شقة البطل وتنام بالبيجامة التي تخصه . 

الفيلم الأجنبي تتلخص فكرته في رغبة أميرة من الأسرة المالكة أن تتحرر من القيود خلال رحلة دبلوماسية إلى إيطاليا، لا يوجد كما الفيلم المصري عريس سيجبره عليها أحد، هرب البطلة في فيلمنا من العريس الذي اختاره لها أبوها، بضغوط من زوجة أبيها التي أبعدتها خمس سنوات عن أبيها، للتعلم بالخارج دون رغبتها، وهي كبنات العائلات عليها أن تتزوج من اختاره أبوها ( الأدرى بمصلحتها) في استراحة المطار يقول الأب لزوجته بتردد، كنا نبعت نقولها، فترد بقسوة ورفض للفكرة ، ليه كنا هناخد رأيها !!!، عشنا وشفنا بنات العائلات يتصرفوا من دماغتهم. يتقرر ما تخطط له زوجة الأب لتزويجها من أخيها فتبقى لها السيطرة على أموال الأب وأعماله. يستقبلها والدها في المطار ويقدم لها صلاح نظمي الذي وصفه حليم بأنه أغلس ممثل في السينما المصرية، نادية تعاتب والدها ، كنت جايبني علشان كده يا بابا، فيرد بعنف المغصوب، أنا فكرت بدالك، المخرج عاطف سالم اختار زكي طليمات في دور الأب بصوته النحاسي الذي يعكس ثقة فارغة لشخص تقوده زوجته وأدت الدور زوزو ماضي ووضح سيطرتها عليه تماما . زبيدة ثروت الجميلة بعيونها الخضراء أدت دور الفتاة الرقيقة بتمكن تام مع صوتها الباكي. 
في العمل الأصلي الأقدم "حدث ذات ليلة  1937" امتلك كلارك جيبيل وسامة وخفة ظل، وفي الفيلم المصري 1961 تم إضافة النابلسي كبطل سنيد ليثير الضحكات بينما يتفرغ حليم بتسبيل العينين وكلمات الحب التي يجيدها مدعومة بأربعة أغنيات من أجمل ما غنى.
قضية اجتماعية واحدة عرضها الفيلم عن تزويج الابنة دون رغبتها وقضية في مرتبة تالية عن احترام السكان للشقة المؤجرة فلا يمارس فيها أي رزيلة ( بيتي مفيش ساكن وسخه أبدا )  تتغير أحكام مالك الشقة وزوجته حين يعرفان أن الفتاة ابنة مليونير وليست ( فتاة من الشارع) ويردد المالك إن الله حليم ستار، وينقلب غضبهما على الفتاة الهاربة الى تعاطف بعد معرفة دراما حياتها وما تفعله بها زوجة الأب. هي تعبر عن يأسها ، البنات اللي في سني مايملكوش غير كده، تقصد طاعة الأب بينما يؤكد المطرب الرومانسي أنه ضد فكرة زواج البنت غصب عنها. ويطلب منها، اوعديني ما تتجوزيش العريس ده غصب عنك . ينسى عمله والسبق الصحفي الذي سيحل كل مشاكله ويتعلق بها ويحبها . وككل أفلامنا ننتهي الى نهاية سعيدة، حيث يرفض تسليم الموضوع والصور التي ستسبب فضيحة، مضحيا بالمكافأة المالية فيحترمه الأب الثري وينشأ له جريدة ليكون رئيسا لتحريرها. 
هل صحافة الفضائح كانت معروفة في مصر وقت انتاج الفيلم؟ هذا النمط لرئيس التحرير الذي أداه محمود المليجي باقتداره المعروف ، هل يشبه شخصية في واقعنا الشائع؟، بعض الكتابات تلسن أن المقصود به صحفي كبير بأخبار اليوم، الجريدة المصرية الأكبر شعبية. في الفيلم الأجنبي القديم لكلارك جيبل إنتاج 1937 سيشجع والد البطلة على زواجها من الصحفي المحترم الظريف . أما في الفيلم الأحدث 1953 فلا شيء يحدث ولا يتطور الأمر الى علاقة فعلية بين الصحفي الأمريكي والأميرة الإنجليزية  بل يأخذنا صناعه إلى رحلة خلال  24 ساعة عبر  روما كأجمل بلد زارتها الأميرة وكأن الفيلم كله تحية لروما ولشعبها الظريف. في فيلمنا المصري سنستمتع بأغنيات عبد الحليم حافظ، بأمر الحب وضحك ولعب وجد حب بتلحين منير مراد، وخايف مرة أحب بتلحين بليغ حمدي، وأغنية الفيلم  الرائعة بعد ايه، يوم من عمري لكمال الطويل، استمتعنا بالتوزيع الموسيقي لعلي اسماعيل ونسينا اقتباس الفيلم الذي نجح صناعه في تمصيره .
                                                                      صفاء الليثي
نشر بمجلة روز اليوسف العدد9480 باب للفن فقط إشراف شيماء سليم






Saturday 8 August 2020

القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا 4 رسالة من امرأة مجهولة

رسالة من امرأة مجهولة

رؤية مغايرة لعلاقة الحب المحرمة

أمل تلميذة في ثانوي، يسكن قصادهم المطرب المشهور أحمد سامح، تنجذب إليه، تصادق خادمه الأمين، هو محاط بشلة منتفعين ونساء طامعتن في الزواج منه، يرغب فيمن تحبه بصدق ، تحبه أمل دون أي أطماع وتمضي قصتهما حتى يحدث لقاء ينتج عنه حمل . رسالة تصل للنجم تشرح له ولنا كل شيء.

على خلاف أفلام كثيرة لم تقدم قصة الحمل خارج الزواج كنتيجة لخداع رجل وتغريره لفتاة بريئة، بل كمسئولية مشتركة بين فتاة أحبت وأصرت على تتبع خطوات حبيبها وتجاوبت معه حتى حدث لقاء كامل حملت بعده ثم سافر الحبيب، لم يعرف ولم يهرب بل هي طبيعة عمله.  وجدت أمل سندا في عمتها التي صارحتها بحملها ودافعت عن الحبيب، هوه مالوش دعوة ، دي غلطتي أنا ، أنا اللي رحت له برجلية، وحين تقاطعها العمة، يعني تصعبي مستقبلك وتسكتي ، مش عاوزاه يحس إنه غلط وضميره يأنبه، قد كده بتحبيه !، هوه مسافر كل اللي عاوزاه منك انك تستري عليا ، فترد العمة بجملة مورال الفيلم  بالمفهوم المصري ، ربنا حليم... ستار يا بنتي. بطريقة أداء أمينة رزق وبتوجيه صلاح أبو سيف دون صراخ ولا انهيار. تخلع دبلتها وتلبسها يد أمل،   سترت العمة ابنة أخيها وساعدتها على مواجهة المجتمع الذي لا يرحم. هل الالتزام بالأصل الأجنبي كان السبب لهذه النظرة المغايرة للعلاقة المحرمة؟، سار الفيلم في طريق الرحمة فلم يمت الطفل ثمرة الخطيئة ، بل تم إنقاذه بعدما أوصلت أمل رسالتها الى الحبيب ، تستنجد به لينقذ ابنهما بعد حادث أفقده دماء، سيعوضها له الأب في مشهد تشويق يحبس الأنفاس ، يتم إنقاذ الطفل والأب يطلب السماح ، سامحيني .
الفيلم أحد الأعمال التي نجح صناعها في تمصيرها عن أصل أجنبي، اقتباس لم يخل بأساس الأصل وبالطبع تم تغيير ما يلزم ليشعر المشاهد بأنه مستمد من واقعنا بكل تحابيشه، الأم ماري منيب وحقها في الزواج بعد ترملها، انتقال البطلة للعيش لدى عمتها وليس في بنسيون، والعمل في شركة تأمين، أحد مظاهر ستينيات مصر في عصر عبد الناصر، قامت أمل بجهد أجبر الزملاء ورئيس العمل على احترامها، نجاحها بمساعدة العمة في تربية ابنها بمال تكسبه من عمل شريف، لم تضطر الى العمل في ملهى ليلى أو أن تبيع جسدها، بل عزمت ونجحت في الارتقاء بحياتها ومنحت ابنها حنانا وظروفا معيشية لا ينقصه فيها إلا الأب ، برسالتها ستعيده إليه فتعوض الغياب وتحقق للأب النجم حلمه بحب بلا أطماع. حب حقيقي كحب أمل له.
 أضفى حوار السيد بدير واقعية مصرية على القصة الأجنبية، ومع رؤية صلاح أبو سيف التقدمية، وضعت نهاية ممكنة ورحيمة لعلاقة حب سبقت زواجا شرعيا يمكن أن يحدث حتى بعد ولادة الطفل. المقارنة مع فيلم أنا وبناتي الذي سبق إنتاجه بعام واحد يوضح دور المخرج في طرح مفاهيم محافظة أو رجعية، تقدمية وطليعية، أو أن يبدو حائرا فيتقدم خطوة ويتراجع خطوات تحت ضغوط شباك التذاكر، والخوف من الاتهام بالإساءة إلى قيم المجتمع ، يتميز الفيلم أيضا بتضمينه لمعلومات عن مصر دون مباشرة ، المنصورة ومدارسها، المنشئات الجديدة من المصانع ورجال الرأسمالية الوطنية، أهمية العمل للمرأة لتتكفل بمعيشتها ، ولا تلقي ببلاءها على أحد. لماذا نشعر بالأسف لتراجع مفاهيمنا وقيمنا الاجتماعية كشعب وكصناع فن.
في فيلمنا هذا امتلكت البطلة شجاعة الاعتراف بمسئوليتها عما حدث لها، لم تنهار ولم تطلب من الرجل أن يصلح خطأه، بل اختارت أن تعمل جاهدة لتوفر لابنها سامح حياة كريمة تليق بكونه ابنا للنجم أحمد سامح .
أدهشني هذا الفيلم لاختلافه عن أغلب أفلام فريد الأطرش وأفلام صلاح أبو سيف أيضا، ظننت أن الاختلاف مرجعه أن القصة مأخوذة عن الكاتب النمساوي توماس سفايج. ولكن بمشاهدة النسخة المصرية التي صدرت عام 1962 والنسخة الأمريكية  في عام 1948 شعرت بأن التغيير مصدره الأساس لبنى عبد العزيز و المنتج رمسيس نجيب الذي اكتشفها وقدمها في أدوار مختلفة  كفتاة متمردة تسعى إلى الحرية.
صفاء الليثي
نشر بمجلة روز اليوسف العدد 4808 للفن فقط اشراف شيماء سليم





نشر بمجلة روز اليوسف العدد 4808 للفن فقط اشراف شيماء سليم

Saturday 1 August 2020

فيلم ابراهيم عيسى ومحمد العدل " صاحب المقام"


صاحب المقام
والتصالح مع فكرة الشفاعة
في سياق يختلط فيه الواقع مع ما وراء الطبيعة حيث تظهر ( ست روح/ يسرا) مع رجل الأعمال قاسي القلب (  يحي الرملي /آسر يس ) وتحثه على عمل الخير تقربا إلى الله ليشفي زوجته الحبيبة ( أمينة خليل) من غيبوبة ليس لها سبب مادي تظهره الفحوص ولا التحاليل. بمنظور يتفهم الفعل الشعبي في التقرب إلى الله بشفاعة أولياء الله الصالحين بعد أن هدم مقاما لولي مجهول ليقيم مشروعا في الأرض وحدثت له بعد الكوارث. 
 في لحظة فارقة يصرح البطل بمقولة الفيلم " آن الأوان أن يجيب الإمام الشافعي على الخطابات" جملة مفتاح لفهم مغزى الفيلم والغرض من تأليفه كما قرأته. إنها دعوة للأغنياء لحل مشاكل الفقراء المرسلة عبر الخطابات ، يوقف رجل الأعمال كل أشغاله يقرأ الخطابات التي أخذها من الضريح بمساعدة خادمه، يختار ما يمكنه حله وما يتحمس لتحقيقه، مستعينا بلواء بوليس مرة ومجموعة تكونت ممن وصل إليهم وحقق أمانيهم. كحلم رومانسي ثوري يغامرون يقودهم لتحرير الفتاة حبيسة زوج أمها محمد لطفي بعد تنميطه في شخصية الشرير المعاصر. فكرة مهداة لكل من يرغب في فعل الخير ليس بالتبرع الى جهات غير معلوم أمانتها ، ولكن بالجهد المبذول والدخول مع المشاكل ومواجهتها. اصطحاب الطفل ابن البطل وكأنه يتلقى درسا في العطاء ، العطاء الفعلي والعملي مع مغامرة الوقوع في مشاكل أثناء تحقيقه. يطرح الفيلم مفاهيم دينية إسلامية ويصحهها، حين تطول غيبوبة الزوجة يغضب يحي ويسأل الست روح، ألستم تقولون أنها تجارة مع الله، فتجيبه نعم تجارة وليست صفقة، التجارة بها مكسب وخسارة.

هناك دائما اتهام للكاتب ابراهيم عيسى بأنه يكتب مقالات وليست خطة لعمل فيلم، لماذا يكتب السيناريو؟ في الضيف تفهمت أسلوبه، وهنا في " صاحب المقام" أجده وقد خطا خطوتين نحو كتابة السيناريو ، جسد فكرة من روح وبشكل سينمائي تظهر ليحي  في كل مكان يذهب إليه، في المستشفى والشوارع التي يبحث فيها عن العناوين، وفكرة الدفاع عن الأضرحة جسدها في شخص الممثل بيومي فؤاد وقرينه يسخر منها ، نفس الممثل مع لون مخالف للبدلة، حل إخراجي بظهور الشخصين في كادر واحد، عفوا ليسا توأمين كما فهم البعض ، بل فكرة متجسدة في شخص . وما أفلام السينما إلا تجسيد لأفكار عبر مشاهد وأحداث تصاغ ، تشمل الرجوع الى قصص حقيقية ولكنها ليست واقعا بكل حذافيره، تعكس المشاهد في السينما الأفكار والمفاهيم بتجسيدها واللعب بها ومعها، وعلينا أن نفتح عقولنا لاستقبالها بوعي يتلقى ما نشاهده كمرآة للواقع، حلما فنيا أو مجازا للحياة وليس الحياة نفسها بكل تفاسيرها الملموسة. إنها الخيالة، فن الظلال والأضواء على شاشة لم نعد نجلس أمامها مسلوبي الإرادة، بل نتفاعل معها في ردود أفعال انترأكشن للأكشن الذي كتبه وصوره وأخرجه ومثله صناع الفيلم الراغبين في طرح مفاهيم ، كحجارة تلقى في مياه ساكنة لإحداث موجات من التغيير مع حقائق الحياة التي نعيشها. جسد المؤلف فكرة الإيمان بالمعتقد الشعبي من خلال ست روح ، الفكرة كانت ستكون أقوى لو أسند الدور لممثلة أخرى، ممثلة وليست نجمة ولكن ماذا نفعل مع ضغوط شباك التذاكر. ورغم النجومية التي حققها آسر يس مع مسلسله الأخير، إلا أنه يبقى ممثلا لم ينمط بعد ووجدته موفقا في دوره هنا ، ورسم الشخصية بجوانبها الحلوة والسيئة ساعده على النجاح.

الإيقاع مسئولية المخرج ، تعثرت بداية الفيلم  وطال الدخول إلى عمق الفكرة الأساس التي نطق بها آسر. آن الأوان لكي يرد الإمام الشافعي على الجوابات، هكذا وصلتني فكرة الفيلم ، المورال بلغة أهل الصنعة كدعوة للقادرين لتلبية أمنيات المحتاجين بشكل مادي وعملي وممكن. دون أن نبقي على جدل حول ما يظنه البعض خرافات !، وأجده عشم الغلابة في رحمة الله بشفاعة الصالحين. حقيقة أنه لا شفاعة في الإسلام وأن علينا التوجه إلى الله ، نعم فهنا في "صاحب المقام" تفهم الكاتب المثقف الباحث في أمور الدين ، تفهم لجوء البسطاء إلى أولياء الله الصالحين نتيجة الفقر وقلة الحيلة. محاكمة العمل الفني بمقياس الواقعية البحتة خطأ كبير، الفيلم عمل فني يبدأ بافتراض طرحه المؤلف كسؤال، وماذا لو حاول أحدهم أن يحقق أمنيات المساكين. تسامحوا مع الفن وافتحوا قلوبكم، فما حدث للزوجة من مرض ، وحرق الفيلا وأمور أخرى مصادفات، تكئة لطرح الفكرة، كما أنها حققت التشويق المطلوب لأي عمل فني مع جرعة كوميديا وحوار ظريف، نجاح للإنتاج تقديم كل هؤلاء الممثلين ابراهيم نصر، محمود مسعود،  وكأنها هدية وداع لهم، هدية لنا لنتذكر كيف كانوا مبدعين حتى في أقصى لحظات المرض. نجاح في أدوار قصيرة ومؤثرة للفنانة سلوى محمد علي، والعائدة  منذ فترة بعد غياب القديرة فريدة سيف النصر، وانجي المقدم بدون ماكياج، وبساطة الطقل الممثل وتمثيله المقنع بطبيعية. للكومديدبات الذين خففوا وقع الدراما فلم يسقط الفيلم في فخ الميلودراما رغم المآسي التي يعرضها.  نجاح المخرج محمد العدل في اختيار الممثلين وتسكينهم في أدوار تلائمهم تماما وفي توجيه أداؤهم. نجاح آسر يس الذي انتبهت إليه منذ فيلم " فرش وغطا" مع أحمد عبد الله . نظرت للفيلم نظرة كلية وكمصرية أحببته، وهذا متاح في النقد كما قالت د. نهاد صليحة، أن تحب أو تكره دون أن يخرجك هذا من زمرة النقاد ، أن تستعيد بعض مشاهد أثرت فيك كما كنا نفعل صغارا بعد عودتني من متابعة فيلم ، نسير في صف واحد سعداء ويخرج واحد منا عن الصف ليواجه الآخرين ويذكرنا ولما عمل كذا وكذا ويقاطعه آخر ... اخلع نظارة المثقف أو البسها ولكن كن صادقا مع نفسك هل استمتعت بالفيلم ولم تتوقف عن المشاهدة ، هل تحدثت عنه لمعارفك ونصحتهم بحضوره، هل كتبت يوما خطابا تتمنى فيه شيئا وخجلت أن ترسله لصاحب المقام؟ . 
صفاء الليثي
كتبته ونشرته مباشرة على مدونتي الخاصة " دنيا الفيلم "



القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا 3 في فيلم أنا وبناتي 1961

أنا وبناتي والحق في العمل
" بيت العز " هو العنوان الراسخ في أذهاننا عن " أنا وبناتي " ببدايته المرحة ومشهد ما قبل العناوين للفتاة بفستان زفاف وفتاة أخرى مركبة شنب . مع غنوة لفايزة أحمد ويدخل الأب يبشرهم بعريس وتنزل العناوين، بعد أن أخبرتهم المؤلفة بينهم أنها تكتب قصة عنوانها أنا وبناتي.
يدفع الموظف المطحون محمود مكافأة معاشه لرجل ليوظفها له ، يثق في حصوله على شهرية تبلغ نفس مرتبه يبشر بناته الأربعة فيغنون في سعادة بيت العز ، الأب يجلس سعيدا وأمامه طبق عنب، وتنتهي الغنوة بالبعد ياشيطان، لكنه قريب وسيتبين أن التاجر نصاب أخذ معاش الأب وهرب ، يسقط الأب وتكسر قدمه، البنات ولا يهمك يا بابا هنشتغل والقرش نجيبه بعرق جبينا ينزعج جدا، ما عنديش بنات تشتغل ، أنا ربتكم علشان تكونوا ستات بيوت وتخدموا أزواجكم. بيعم عفش البيت علشان المصاريف . أنا لسه بصحتي وأقدر اشتغل 20 سنة كمان. يتناقض مع ما يقوله مع قدمه في الجبس في قطع دال من المخرج المؤلف عليها.
يأتي صوت العقل من مايسة التي تصر على فكرة العمل ، عندنا مهارات لازم نستغلها ، صوت محاسن تغني في حفلات، ومرفت تبيع قصتها، وأنا اشتغل عارضة ازياء لننتقل الى ما يمكن اعتباره الفصل الثاني من قصة الفيلم يظهر البطل سمير، ثري يحضر عرض الأزياء لاصطياد الفتيات، سينتبه إلى مايسة ويرمي بشباكه عليها. تتعثر بخطوتها في الفستان الأول، ولكنها تكون مناسبة مع فستان زفاف وكأنه تعويض خيالي عن رغبتها المحمومة في الزواج من عريس مليونير. الحوار مؤثر جدا والجمل مختارة بعناية تناسب كل شخص. هل يدعم الفيلم فكرة بقاء الفتيات في البيت؟، التي غنت عادت بسجحات في رأسها، وعارضة الأزياء تم اصطيادها وستسقط في الغواية، ومنى النموذج المثالي على ماكينة الخياطة. لم تنجحن في جمع مبلغ لسداد مستشفى الوالد. الأب يوصي منى، خلي بالك من مايسة لابسة ثوب غير ثوبها لحد ما اسلم الأمانة لغيري. هناك مشهد مكثف لمحاسن تغني بينما يعد سمير مايسة للدبح  في حفل عيد ميلاده المزعوم.
يقوم بسمير بمؤامرة كاملة الأركان ويحكي عن نيته لصديقه كما يتفاخر ذكور بلادنا السعيدة بقدرته على إيقاع الجميلات. نسمعها منه ونشاهد كيف يعطيها الخمر كدواء للمغص ، يلعب بوردة قطفتها من حديقته ، يعترف لها بأن الدواء كونياك ويقول" كنت بامتحن أخلاقك" مجتمع الفساد في أغلب أفلامنا القديمة يظهر أغنياء بلا أخلاق ، امرأة تصف نفسها بالمدمرة وهي بمايوه في نادي بجوار حمام السباحة.
شاهدت هذا الفيلم للمرة الأولى بسينما النصر بقويسنا ، كنت طفلة وما بقي في ذاكرتي أغنية بيت العز، والجانب المشرق في الفيلم للأب وبناته الأربعة. وأعتقد أن أغلب المتفرجين مهما كانت أعمارهم لن يتوقفوا عند سفالة سمير الذي خطط ليفقد الفتاة عذريتها ثم يعرض عليها بعض المال، سيتوقف الجميع عند مايسة متهمينها بالتفريط في شرفها وجلب العار لأبيها وأخواتها. أما سمير الذي خطط وصرح ونفذ فما فعله مجرد غلطة عليه أن يصلحها ، ومايسة هي المذنبة التي استحقت الموت وألا تهنأ بتحقيق حلمها.
نسبة كبيرة تحتاج إحصاء دقيقا لأفلامنا تفقد فيه  فتاة عذريتها لسبب أو لأخر ، ويعاقب المجتمع الفتاة فقط وأغلب المخرجين يتبنون وجهة نظر المجتمع فتعاقب بالموت بعد العيش ذليلة، ويتم التعاضي عن مسئولية الرجل، الشريك الأقدر ومطلوب منه فقط أن يصلح غلطته. يطرح الفيلم مسئولية الأب الذكر في إعالة بناته كأمانة حتى يتسلمها ذكر آخر، زوج يأنيها في مقابل أن تخدمه طول العمر. هذه الصيغة الاجتماعية كانت موجودة في أمريكا وأوروبا في الأربعينيات تناولها فيلم ابتسامة الموناليزا حيث يتم تأهيل الفتيات لتكن زوجات مطيعات لأزواجهن، وما تعليمهن إلا لرفع قيمتهن في سوق الزواج . في فيلمنا لم تكتمل النهاية السعيدة للم شمل الأسرة وانقلبت إلى فاجعة موت مايسة وسمير يعرض عليها الزواج وكأن المخرج المؤلف أراد أن يمسك العصا من منتصفها ويجعل عقابها الهيا لإرضاء أصحاب الأخلاق المنافقين المتغاضين عن مسئولية الرجل في خداع فتاة بريئة رغم كل ما وهبه الله من شباب ومال وقدرة على حد وصفه لنفسه.  
صفاء الليثي
نشر بمجلة روز اليوسف العدد 4807 باب للفن فقط إشراف شيماء سليم