Tuesday 24 November 2020

نظرة على أعمال كريستوفر هامبتون المكرم بجائزة الإنجاز الإبداعي الهرم الذهبي في CIFF 42

سيناريست كلاسيكي ينطلق من أعمال أدبية

رغبة في التعرف على أعمال كاتب السيناريو " كريستوفر هامبتون"  الذي اختاره محمد حفظي واللجنة العليا 

لمهرجان القاهرة ليكون الشخصية الأجنبية المكرمة بجائزة الإنجاز الإبداعي الهرم الذهبي في الدورة 42، أعدت مشاهدة أفلامه وأولها " علاقات خطرة " 1988 ووجدت تميزه الأكبر في صياغة الحوار بشكل يوجز المعاني ويضع تحتها خطوطا للتوكيد. فكرة الانتقام المبنية على خداع شخصية سيئة شعارها في الحياة " اربح أو مت " الحبكة عن فساد الطبقة الأرستقراطية ، صراع الطبقات العليا من البرجوازية العفنة كما يسميها اليسار، استخدام النساء وإخلاص الخدم واستخدامهم لكل شر. العمة الثرية والقريب الشاب الفاسد والمفلس ، يمثله جون ملكوفيتش ببراعة، قدرته الفذة على خداع النساء عملا وحيدا يتعيش منه، إغواء الثريات، يغوى السيدة " مدام دورفيل " التي ترغب الماركيزة البطلة في تحطيمها، يستهويه إذكاء المعركة بين العشق والفضيلة ، هكذا يحدد هامبتون بكلمات موجزة راسما شخصياته ويستمر مؤكدا على لسان بطله، كل النصائح عديمة الجدوى.  وعبر الخطابات يتم فيها عرض الإغواء والانتقام، نقف عند الجملة المفتاح، هذا فوق سيطرتي، تلك الحياة تماما فوق سيطرتي، يجن جنون الماركيزة وتدفعه لاستخدام الكلمة ليتخلص من العاشثة المسكينة، هذا الذكر الداعر تتلاعب به الماركيزة ولكنه يقع في شباك صنعها حيت يتعارض غروره مع سعادته، حين تتأزم الأمور ونصل إلى إحدى مشاهد هذه الطبقة بالمبارزة ، يصرح وهو مقبل على الموت، حبها كان السعادة الحقيقية الوحيدة التي عرفتها. يعرض الفيلم كثيرا على قنوات الأفلام، لم أنتبه مسبقا الى الكاتب المولع بفضح الأثرياء وبتناول فترات تاريخية قديمة مازجا الحب بالحرب كما سيظهر في عمله " كفارة"  2007 الذي تبدأ أحداثه في انجلترا عام 1935 لمست فيه ازدراءه للطبقة العليا وفضح أكاذيبها، عبر سيناريو بحبكة قوية تظهر الحقائق تدريجيا ولن تتضح الا مع اقتراب النهاية بتقديمه لشخصية الكاتبة التي كتبت العمل كله لتكفر عن خطيئتها في شهادة الزور التي أفسدت حياة حبيبين، أختها الأكبر وحبيبها الذي رغبت فيه وهي طفلة فاسدة ومغرورة.

يبدو أن كريستوفر هامبتون مقتنع تماما بأن الناس معادن ، وبأن هناك بشر أشرار مؤذيون غير قادرون على المضي قدما في حياتهم دون أن يدمروا حياة من يغارون منهم. العمل أيضا مبني على رواية من تأليف إيان ماكيوان للمخرج جو رايت الذي قدم مشاهد مؤثرة لنهايات الحرب التي تلت معركة دانكريك الشهيرة، بتركيز على البطل الذي اختار الجندية بديلا عن سجنه عقب شهادة الزور للفاسدة الصغيرة كاتبة كفارة.  

وبعيدا عن أجواء الطبقات الاجتماعية الفاسدة يأتي عمله " الأمريكي الهاديء" عام 2002 فاضحا هذه المرة الدور الأمريكي في فيتنام وتقسيمها الى شمال وجنوب. اعتمادا على رواية للكاتب جراهام جرين والبداية مع تعليق المراسل الصحفي الذي يقوم بدوره مايكل كين وهناك حرب وحب وعلاقات انسانية ، بطل طيب هو طوماس فايلر ، يعشق الفيتنامية فونج ولكنه لايستطيع الزواج منها، لرفض زوجته الانجليزية الكاثوليكية منحه الطلاق، والشرير بايل الذي يتكشف دوره المخابراتي ببطء، يعلن أن الأمريكيون ليسوا مستعمرين ، هم فقط يساعدون الناس، مقارنة بالمستعمر الفرنسي الذي لا يقوم بفظائع رجال المخابرات الأمريكية التي تقوم بأعمال ارهابية وتلصقها بالشيوعيين رغم ادراك المراسل أنه ليس من مصلحتهم قتل السكان المحليين. رغم اختلاف عناصر فيلم الأمريكي الهادئ الا أن جمل كريستوفر هامبتون الحوارية لا تفارقنا، وسنسمع على لسان بطله، عاجلا أو آجلا على المؤء أن ينحاز إلى جانب ما إذا أراد الحفاظ على آدميته، كما بدأ الفيلم بتعليق من مايكل كين على مشهد المراكب في النهر ليلا متغزلا في سايجون وفيتنام حيث يوجد شبح في كل منزل بها ، فيلم مركب عن الحرب والحب، وعناصر مرتبطة بهما في بيوت الهوى ونوع غريب من العاهرات. عبث الأمريكان في فيتنام وحقائق تاريخية تكتب مع نهاية الفيلم ، سيحكم الشيوعيون الشمال بينما تعزز أمريكا انفصال الجنوب ، عمليات برية للأمريكان وموت الآلاف.  

في عام 2020 يحول كريستوفر هامبتون مسرحية فلوريان زملر إلى فيلم " الأب"  ويكون عملا  سينمائيا أول لزملر بعد عرض المسرحية عدة سنوات على المسارح ، لا شك أنه احتاج كاتبا قديرا للسيناريو كي يصبح العمل فيلما بكل عناصر السينما ، الأب" رحلة تجريبية شاهقة ومذهلة ومؤلمة حقًا في كابوس الخرف ولكل من يشاهد الفيلم سينتابه شعور بالألم وستنتقل حالة التشوش والمعاناة التي يشعر بها المسن ويشعر بالتعاطف مع آن العاجزة عن حل مشكلة والدها ومعاناته مع الخرف. 

وهكذا سنجده في كل أعماله ، من علاقات خطرة إلى الأب ، ينطلق بداية من نص أدبي به غنى في رسم الشخصيات وثراء في التفاصيل وتحليل نفسي لدوافع أبطاله مع انعكاس واضح للخلفية الاجتماعية وربط زمن العمل بالتاريخ، باستثناء الأب الذي يكون على المشاهد اكمال الصورة عن الحياة المعاصرة وخاصة في الدول المتقدمة التي ارتفع فيها معدل حياة الفرد واهتزت الروابط الاجتماعية وأصبح إعالة المسنين عبئا لا يمكن لأي من عائلته تحمله ويأتي دور موظفون يقومون بالمهمة، ممرضون ومساعدون يرفضهم " الأب " كما يرفض الاعتراف بمرضه المؤلم الذي أثر على عقله وأربك حساباته التي عُرف قديما بدقتها.

صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 24 نوفمبر 2020 رئيس التحرير عماد الغزالي



 

تكريم فنان المناظر أنسي أبو سيف بالجونة الرابع GFF4

 قراءة صوفية عن أنسي أبو سيف

ها هو الفتى الذي يصنع من خلاء البلاتوه الموحش مدناً وسفناً ومقاهي وحواري وقصوراً وحانات " . هكذا يصف سيد سعيد فنان المناظر السينمائية أنسي أبو سيف في كتاب تكريمه الصادر عام 2004  مواكبا للمهرجان القومي للسينما المصرية، وهي كلمات- كما يقول الناقد أحمد يوسف   تذكرك على نحو ما ببعض من روح نجيب محفوظ ، لكن المهم أنها تصوغ فكرة الصراع بين الخلاء والبناء ، بين العدم والوجود ، فالفنان في هذا الشأن خالق في مجاله ، منشيء لواقع لم يكن موجوداً أبداً

كتب الناقد الراحل عن كتاب واحد من البنائين لسيد سعيد  أنه وجد التكليف  بالكتابة - عن فنان المناظر أنسي أبو سيف طوق النجاة ، حيث يمكن له أن يغوص بكل حرية في عالم يجسد أكثر عناصر االفن السينمائي اعتماداً على الإحساس البصري المجسد ، وحيث يمكن له أن " يرى " ذاته من خلال " الآخر " سيد سعيد من خلال أنسي أبو سيف ، وفيما يشبه الفلاش باك الخاطف – تلك الأيام الخوالي حينما تقابل – في حلقة شادي عبد السلام – وأنسي أبو سيف ، الذي كان آنذاك شابا أقرب إلى الخجل والانهماك في العمل . يواصل أحمد يوسف عرضه المختلف للكتاب الذي كان فارقا عن كل كتب التكريم السائدة، أشبه بمحاورات في معاني الأشياء وعوالم الفن صورة ومعنى وفلسلفة. فيقول أن " حبكة " الكتاب تولد وتنمو كما لو كانت فيلماً يصنعه سيد سعيد ، جاء " المشهد " الأول – بعد " الأفان تتر " – في جلسة على مقهى ريش ، " الذي أصبح خلفية بلا روح " ، وهكذا يصبح الديكور وكل عناصر " المنظر " – أو الواقع – البصرية خلفية محايدة ، منبتة الصلة بما يدور في مقدمة الكادر ، وخلافا مع " الطريق " الصوفية في توطيد العلاقة بين الذات والموضوع دون وسيط ، يتدخل طرف ثالث هو داود عبد السيد الذي يقوم بدور فاعل في تحفيز طرفي العلاقة ، بما له من خبرة تؤهله لكي يدفع الكتاب – كأنه فيلم – إلى الأمام : " لدينا الزمان والمكان ، فلنبحث عن الحدث " !

والحدث الحقيقي  هنا هو الرغبة العميقة في اكتشاف أنفسنا في سياق الزمان والمكان ، والماضي والحاضر ، وهكذا تتداخل الذكريات الماضية والتجارب المعاصرة بين كوم أمبو أنسي أبو سيف ، وبورسعيد سيد سعيد ، وشبرا ، وشوارع القاهرة . إن حديث أنسي عن مدينته الجنوبية كوم أمبو ، والتغيرات الفيزيقية الاجتماعية فيها خلال العقود الماضية ، يجعل سيد سعيد ، وفي جملة واحدة وبلا فاصلة تفصل بين العالمين ، يقفز إلى مدينته الساحلية الشمالية بورسعيد ، يصنعها كلوحة سينمائية هادئة تحولت مع الأيام إلى كابوس ومتاهة !

وخلال رحلة أنسي أبوسيف في تذكر مدينته الجنوبية الصغيرة، نتعرف شيئاً فشيئاً على معنى أن تكون " فناناً للمناظر السينمائية " ، الذي نصفه خطأ بمصطلح " مصمم الديكور "  ، ودون كلمات متفلسفة يجسد لك أنسي الأماكن بعين الفنان ، مثلما فعل عندما رسم لنا – بالكلمات – معمار البيوت في المدن الجنوبية الصغيرة ، وسوق كوم أمبو ، ويتلقف منه سيد سعيد الخيط ليكمل بنفس الطريقة – وهو الفنان السينمائي – وصفه لشقة أنسي المعاصرة في الضاحية القاهرية . إن " المناظر " تكتسب حياة مع رؤية الفنان ، أو أن الأماكن حية بطبيعتها ، وقدرة الفنان الموهوب تتجلى في الإمساك بها في لحظة من لحظات حياتها ، بدلا من تحويلها إلى " ديكور " مكون من قطع أثاث ميتة . وبكلمات بسيطة بليغة يوضح أنسي كيف أن للأماكن  أو لعناصر المنظر ، علاقة تفاعل لا تنتهي مع الإنسان الذي يسكن فيها . نرى العلاقة الحية بين عناصر النمط المعماري ، والجوانب المناخية والاجتماعية : الفرق بين المشربية والشيش ، وفتح النافذة أو غلقها ، وبين الحارات الضيقة ذات البيوت المتقابلة دون مسافة تفصل بينها والفضاءات الممتدة إلى المجهول والوحشة . تأمل على سبيل المثال وصف أنسي أبوسيف لمدينة كوم أمبو ، من خلال الصورة والمعمار والاكسسوار ، حيث يتلاحم البناء المعماري مع البناء الاجتماعي والاقتصادي ، وحيث لكل شيء في " المنظر " علاقة لا تنفصم بين ما هو جمالي وما هو وظيفي .

هذا التفاعل الحيوي بين المكان / المنظر ، والإنسان / الوظيفة الحيوية يعطي له أنسي أبو سيف مثالاً كاشفاً إلى درجة هائلة : الفرق بين معمار السوق ومعمار " المول " ، والفرق بين العلاقات الاجتماعية في كل منهما، يقول أنسي : " المكان الذي نراه على الشاشة يخص الشاشة وحدها ، وفيلماً معيناً بالذات ، حتى لوكانت ملامحه تشبه الواقع ، فأنا أخلق ، المكان مرتبطاً بالخصائص الذاتية للسينما ، والمكان في الفيلم يدخل في علاقات مع عناصر الفيلم الأخرى " .

 ويستمر الناقد موضحا ما لفن السينما من علاقة وثيقة مع التجارب الصوفية زأنه بمعنى ما كل تجربة فنية  بها قدر من الصوفية ، فهي ذوبان الكل في واحد ، وليس تصميم المناظر إلا جزءا من هذا الكل . إنك تجد تأكيد وجهة النظر تلك في  صفحات الكتاب ، على نحو صوفي صاف وشفاف.

ويستمر أنسي أبو سيف ويقااطع معه  داود عبد السيد ، لكي يجسد لك هذا الفن : " عندما تنتهي من كتابة سيناريو وتبدأ رحلة تحقيقه ، ستجد ثلاثة فراغات كبيرة عليك أن تملأها ، الأول هو اختيار الممثلين ... أما الثاني فهو الجانب المرئي أو التشكيلي ، يجب أن تبحث عن الشمس التي ستضيء هذا الفيلم ، شدة الضوء ولونه ومساحة الظلال ودرجاتها ، ولحظات أو مراحل اليوم من الفجر حتى الغسق والليل ، وألوان الحوائط والأثاث والاكسسوار والملابس ، ثم الطرز المستخدمة والمختارة سواء في الملابس والإكسسوار والعمارة والديكور، وهذا الجانب من أصعب جوانب تحقيق الأفلام ، خاصة في ظل الإنتاج المصري . والثالث هو التكوين الصوتي .. " .

يخبرنا داود عبد السيد بصفات ومواهب فنان المناظر السينمائية كما يجب أن يكون ، مجسداً في أنسي أبو سيف أهمها : ذاكرة بصرية تاريخية حضارية شاملة ، وجذور تضرب في الواقع الراهن ، إدراك العلاقة بين المعماري والتشكيلي من جانب ، والاجتماعي والنفسي من جانب آخر ، إدراك العلاقة بين الجمالي والنفعي ، وبين الإنسان والمكان ، وبين الواقع المادي والخيال الجامح !وهي شروط يجب توافرها في كل فنان مثقف .

هناك مبدع لفن المناظر في السينما المصرية هو أنسي أبو سيف، يكتب عنه بندية المخرج والباحث عن نظرية نقدية سيد سعيد ويكتب عن تجربة هذه التجربة ناقد أكاديمي يتبع منهجا صعبا في نقد النقد. حاولت جاهدة أن أوجز هذه العلاقة الثلاثية الشائكة التي أثارها تكريم أنسي أبو سيف في دورة مهرجان الجونة الرابعة. تكريم يجعلنا نقترب أكثر من فن هذا الفرع من فروع الفيلم والتي تبقى في عمق الصورة لا تدرك الا بالحس السليم ولا يتمكن من توصيفها الا مثقف كبير وفنان موسوعي مثلهم هؤلاء البنائيين والمحللين والمفككين العظام سعيد ويوسف وأنسي أبو سيف. 

المقال عن دراسة للناقد أحمد يوسف عن كتاب سيد سعيد بمناسبة تكريمه بجمعية نقاد السينما المصريين احتفالا بالكتاب.

صفاء الليثي

  مقال نشر بجريدة القاهرة أكتوبر 2020 رئيس التحرير عماد الغزالي



 

 

Sunday 22 November 2020

علي عبد الخالق مخرج سينما وجندي في جيش الوطن

 علي عبد الخالق  بين نبض الوطن ونبض الجماهير

كانوا اثني عشر مخرجا ، كل بمصور وفريق تنفيذ، تمرتسوا في اثني عشر موقعا من مكان خروج النعش حتى مثواه الأخير، انها جنازة الزعيم الذي احترمه حتى أعداؤه، أكبر جنازة في التاريخ، جنازة ناصر الذي غنى له الشعب مرثية " أنشودة وداع" لم تكن فقرة اخبارية تذاع وتنسى، بل فيلما وثق للحدث وأظهر محبة الشعب ورموز الأنظمة عربية و عالمية ، كلف أصغر المخرجين علي عبد الخالق بالسفر مع الفيلم لمهرجان ليبزج  فاستلم الجائزة ، جائزة لمصر في عمل بلغ 30 ق زاخرة بالمعلومة ومعبرة عن روح الزعيم. بعدها صور فيلم السويس مدينتي أثناء حرب الاستنزاف بدعم من الشئون المعنوية التي دربت المخرج الشاب وقتها على تتبع الاشتباكات على القناة فكان مخزونا استغله في عمله الطويل الأول، كانت المعايشة ومسرحية علي سالم أساسا بنى عليه فيلمه " أغنية على الممر " الإنتاج الأول لجماعة السينما الجديدة، محمد راضي وأحمد متولي وباقي المجموعة ، كان من الممكن أن يطوي النسيان العمل  ولكن بمقارنته بأعمال معاصرة تفوق عليها رغم اختلاف الزمن، الجيش أنفق على الفيلم 19 ألف جنيه، وحضر عرضه في المعمل، الفريق صادق، ورئيس مجلس الشعب سيد مرعي، أعجبهم الفيلم واشتروا 30 نسخة بمقاس 16 مللي دعما إضافيا وتحية للفيلم، خلافا لشراء حفلات لعرض الفيلم في سينما ديانا واستمر العرض ثلاثة أسابيع ، نجاح كبير وقتها . تضمن الفيلم أغنية كتب كلماتها عبد الرحمن الأبنودي ولحنها حسن نشأت تبقى كلماتها حية في قلوبنا ، أبكى.. أنزف.. أموت، وتعيشي يا ضحكة مصر، وتعيش يا نيل يا طيب ، وتعيش يا نسيم العصر، وتعيش يا قمر المغرب ، وتعيش يا شجر التو ، أبكى.. أنزف.. أموت ، وتعيشي يا ضحكة مصر.

وهكذا قدم المثقف الفنان حبه للوطن عبر مساهماته القصيرة والطويلة،  مر بمرحلة وسطى بين الدراما المشبعة بقضايا الوطن، ثم وصل لمرحلة أفلامه الجماهيرية مع العار، والكيف مجموعة أفلامه التي كتبها محمود أبوزيد وحققت نجاحا جماهيريا ونقديا.  

ومن أعماله الأولى مسلسل في 15 حلقة " بعد الضياع" صور بشريط السينما 35 مللي ، شرفت فيه بالعمل في أعمال المونتاج مع نفيسة نصر والمونتير أحمد متولي، تصور الحلقة ويصل الخام المصور ويحمض في الحال ، تطبع نسخة عمل يقوم عليها المونتاج بوزيتيف ثم نيجاتيف، ويعود لطبع نسخة العرض، كلها في ساعات ثم تبث الحلقة في التلفزيون ، يتجمع الجمهور حوله وقت ما كانت هناك ثلاث قنوات فقط. اقترح المنتج رياض العريان على علي عبد الخالق أن يتم تصوير فيلم بنفس الأماكن والديكورات، فكان فيلم " مسافر بلا طريق" تمثيل محمود يس وماجدة الخطيب وصلاح السعدني، وقصته تحكي عن أسامة الفنان التشكيلي الذي  يقرر السفر إلى الأقصر للبحث عن أسرار الرسوم واللوحات التي خلفها الفراعنة، وهنا يتعرض لعصابة أنطوان المتخصصة في سرقة الآثار، ويفقد أسامة ذاكرته ويلتقي بإحدى القبائل البدوية. يعيش معهم، تعتنى به أسرار إحدى فتيات القبيلة وتشعر بالحب نحوه.  ثم يموت . ولكن المنتج طلب تغيير النهاية فلا يموت البطل كما المسلسل، عند عرض الفيلم واحد من الجمهور صرخ رافضا النهاية وأعلن أنه شاهد القصة في المسلسل أثناء عرضه بالخليج وكان البطل يموت في النهاية ، تأثر المخرج برأي جمهوالمشاهد وأعاد النهاية التي تتسق مع الحكاية وتتوافق مع ما تعود عليه الجمهور، تجربة أثرت عليه وأصبح يضع الجمهور في حساباته عند صنع أفلامه وكان النجاح الكبير حين تعاون مع محمود أبوزيد في العار والكيف. خلال (العار) 1982، (الكيف) 1985، (جري الوحوش) 1987، (البيضة والحجر) 1990.   حققا فيها معا نجاحا تجاوبت معه الجماهير وأخذت تردد جملا من الحوار المعبر عن نبض الناس، وكان لاختيار النجوم وتعاونهم في بطولة جماعية عاملا للجذب واستمرارا لأسلوب المخرج في الانحياز للأفكار القوية دون الاكتقاء بجاذبية النجم الأوحد.

صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 17 نوفمبر 2020 رئيس التحرير عماد الغزالي



 

مشروعات لصناع أفلام مصريون تدشن في الجونة الرابع

 جوائز دعم لهاملت و رامبو ورجل لا يبكي

الإنجاز الكبير في منطلق الجونة  كان لصاحبي فيلم " هاملت من عزبة الصفيح " المخرج أحمد فوزي صالح والمنتج والكاتب أحمد عامر، ومعهم الممثل أحمد داش. بفوز الفيلم بأربع منح كجوائز رعاة منطلق الجونة السينمائي  إذ حصل المشروع على جائزة بقيمة 20 ألف دولار أمريكي من شاهد، وجائزة بقيمة 10 ألف دولار أمريكي من سباركل، كما حصل على  مشاركة في إقامة منتدى فيلم إندبندنت الافتراضية المقدمة من فيلم إندبندنت والسفارة الأمريكية، ومشاركة في مبادرة جلوبال فيلم إكسبرشن المقدمة من إيفتا. وجائزة خامسة جائزة خاصة مقدمة من وزارة السياح والاثار المصرية للمنتج أحمد عامر للتصوير لمدة شهر مجانا في أماكن أثرية. واكتملت في الختام بالجائزة السادسة جائزة خالد بشارة المستحدثة لصناع السينما المستقلة في مصر ، وهي الجائزة التي تلقاها في حفل الختام وقيمتها ماليا عشرة آلاف دولار أمريكي. في حوار مع أحمد فوزي صالح صرح بأن الأموال لا تصنع أفلام. وأن الفيلم لابد أن ينجز على تمهل بالكتابة وإعادة كتابة، وهذه أهم مراحل صناعة الفيلم، أي مخرج ينجح فيلمه يؤكد أن السيناريو ثم السيناريو وقد يكررها عشر مرات، مهم جدا العمل على السيناريو طويلا قبل البدء في تصوير الفيلم. وقد تستغرق الكتابة عامين على الأقل لكي يمكن صناعة فيلم جيد. وعندما سألته عما يتردد كثيرا عن شروط الدعم قال " من تجاربي السابقة لا توجد أي جهة تفرض وجهة نظر أو شروط معينة ، تكون لدى صانع الفيلم وجهة نظر فنيا أو إنسانيا يوضحها ومن يريد أن يتحمس للمشروع يقدم دعمه ، وهي تخضع لذائقة لجان التحكيم. التي تتغير كل عام، قد تكون لجنة أخرى ولا تتحمس للمشروع، لم ألمس أي تدخل من اللجنة التي منحتني الدعم. وبالنسبة للعمل مع المخرج والكاتب أحمد عامر أعتقد لكي تكون هناك موجة من الأفلام لابد من العمل بشكل جماعي مستحيل شخص واحد يمكنه بمفرده إحداث تأثير أو أن يترك أثرا. أحمد عامر كاتب سيناريو محترف ورائع، وجوده معي في كتابة السيناريو إضافة للمشروع الذي فكرت فيه، وجدت أننا متفقين على كثير من الأمور، ونتيجة العمل ستكون مضاعفة عندما نعمل معا. ثم فكرت لم لا نكون نحن منتجي العمل ففي مثل هذه النوعية من الآرت هاوس فيلم يكون أصحابها هم منتجوها ، وبدأنا شراكة رائعة مع انسان غاية في النبل والإخلاص ، أتعلم منه في كل خطوة وأتمنى أن تستمر الشراكة في أفلام قادمة.  ليست كل مهرجانات العالم لديها البلات فورم أو المنصة الإنتاجية التي تساعد مشروعات لكي تنتج، يكون هناك موقع به طلبات معينة. ملخص، معالجة وأحيانا يطلب نسخة سيناريو، يتم التقديم وكل مهرجان يختار لجنة تبعا لسياساته ، وعند اختيار المشروع يرسلون رسالة عبر البريد الشخصي أنه تم اختيارك ويكون اللقاء في الجونة وعرض المشروع ومناقشته . خلاصة ما صرح به لي مخرج ورد مسموم أن فيلمه باسمه اللافت " هاملت من عزبة الصفيح" لن نشاهده في الجونة قبل مرور عامين أوثلاثة في الدورة السادسة أو السابعة حتى يكون قد أخذ حقه في الكتابة والتحضير الجيد ليكون منافسا قويا في أفلام المسابقة التي تضم 14 فيلما من أفضل انتاجات العالم. والصبر طيب.

منطلق الجونة السينمائي مختبر لتطوير المشاريع والإنتاج المشترك، يوفر الفرص للمخرجين والمنتجين العرب لإيجاد الدعم الفني والمالي اللازم. استقبل المنطلق المشاريع الروائية والوثائقية الطويلة في مرحلة التطوير، والأفلام في مرحلة ما بعد الإنتاج التي تم إرسالها في وقت التقديم المُحدد. كما حصل "مفيش راجل بيعيط" لمحمد مصطفى (حصالة) على مشاركة في إقامة منتدى فيلم إندبندنت الافتراضية المقدمة من فيلم إندبندنت والسفارة الأمريكية. بينما حصل "خذوني إلى السينما" للباقر جعفر (العراق، مصر) على إقامة للمونتاج لمدة 10 أسابيع وجلسات توجيه مقدمة من دوكس بوك.

انجاز آخر لصناع السينما الجدد في مصر لرشا حسني منتجة، وخالد منصور مخرجا للفيلم القصير البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو  بمنحتين من روتانا ومؤسسة إنتاجية " production la goonie film. ومعهم في الفريق ، محمد الحسيني، ومحمد أحمد السيسي .

تكونت لجنة تحكيم المنطلق من وكيل مبيعات الأفلام الفرنسي كليمون شوتون والمخرجة والمنتجة اللبنانية ديما الجندي والكاتبة والمخرجة والمنتجة الأردنية ليالي بدر.

هناك سينما مصرية جديدة قادمة مع اكتساب صناعها الشباب لمهارات الحصول على الدعم ، ففي السنوات الأخيرة ازدهرت تجمعات وكيانات مستقلة، مثل حصالة هالة لطفي، فج ليف مارك لطفي، ومنتجون مستقلون مازالوا يتجمعون بعد أن أدركوا أنه لا يمكن انتظار قبولهم بأفكارهم المختلفة في الكيانات القديمة ومؤسسات الإنتاج بنمطها القديم، ولا ينتظرون أيضا دعما حكوميا من مؤسسات الدولة  التي وعدت وخصصت ميزانيات لمشروعات لم تنفذ .

صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 10 نوفمبر2020 رئيس التحرير عماد الغزالي  

 

 

Tuesday 3 November 2020

عن أفلام أعجبتني بالجونة 4 بعيدا عن الجوائز

بالجونة الرابع أفلام بديعة 

عن قضايا معاصرة بأساليب غير واقعية

رغم تركيز المتابعين لأي مهرجان على أفلام المسابقات إلا أنه هناك دائما أفلام عالية المستوى يمتعنا مشاهدتها وخاصة في القسم الرسمي خارج المسابقىة منها الفيلم الفرنسي حذف التاريخ هو فيلم كوميدي فرنسي بلجيكي لعام 2020 مشترك من كتابة وإخراج بينوا ديلبين وجوستاف كيرفيرن. قبل وصوله الى الجونة فاز الفيلم بجائزة الدب الفضي السبعين في برلينالة، جاب بعدها عدة مهرجانات .

حذف التاريخ وصراع مع التكنولوجيا

أبطال الفيلم الثلاث تعساء سذج يقعون في مشكلات مع القروض ومغريات الإعلانات ، هم جيران في حي واحد ضحايا وسائل التواصل الاجتماعي، أعلن ثلاثتهم الحرب على عمالقة التكنولوجيا. هناك ماري ، التي يمكن أن تكون على وشك فقدان احترام ابنها بسبب شريط جنسي سجله لها مبتز دعته الى شراب مجاني فصورها ليبتزها ويتمكن من الحصول على مصاريف دراسته، وهناك برتراند ومشاكل ابنته  ضحية التنمر عبر الإنترنت وترفض الذهاب إلى المدرسة، ؛ وكريستين سائقة سيارة بالأجرة ترفض التقييم بنجمة واحدة  في أوبر وتبحث عن مساعدة لتغيير ذلك، حتى أنها تتعامل مع موقع هندي يزيف التقييمات ولكن بلا جدوى. الثلاثة يرتحلون لمواجهة التكنولوجيا الكبيرة. وعن طريق كوميديا ساخرة ينتقد " امح التاريخ " بجدارة ودقة سخافات التقنية العالية في العالم المعاصر.اختار المخرجان أسلوبا كوميديا يتجاوز الواقع ويحقق من خلال شخصياته والأساليب المضحكة التي تلجأ إليها لمواجهة طواحين الهواء القوية في الحياة المعاصرة منهجا لفيلمه. هناك بالفعل صحراء بها طواحين هواء ، وشخص يسمونه القدير يقوم بعمليات سحرية لتحقيق مطالبهم، حذف التسجيلات المصورة التي تهدد حياتهم وإضافة نجمات الى تقييم السائقة البائسة التي أدمنت مشاهدة المسلسلات في ملمح آخر ساخر لمخرج الفيلم. نهاية الفيلم الساحرة بتحقيق التواصل عبر التليفون بالسلك الأقصر، الكوز الصفيح الذي لعبنا به صغارا وكان لعبة لأطفال أفلامنا القديمة، ويا للغرابة يستمعون لبعضهم ويتواصلون من خلال هذا الاختراع الطفولي القديم. فيلم حذف التاريخ يقدم نموذجا للفيلم الذي يمكنه مناقشة قضية كبرى وينتقدها دون ضرورة استخدام لغة الواقع للتعبير المباشر عنها . سنتعاطف مع الثلاثة ونتفهم مشكلاتهم مع التكنولوجيا الحديثة التي تشبه مشاكل واقعية لنا ولكن من خلال السخرية المريرة التي تحقق هدفها.

جنة الفيزا والمخلص من تشرينبول

وبلمسة تجمع بين الكوميديا وفنون المجاز يتناول فيلم المخرجة البولندية ماجورزاتا شوموفسكا " لن تثلج مجددا" حزمة من مشكلات العصر الآني، الفوارق الطبقية المتسعة بين الناس، من يسكنون كومباوند من فيلات متشابهة باردة في مربع سكني تظهر في خلفيته عمارات قبيحة عالية يسكن إحدى شققها المهاجر الأوكراني زينيا بدون إقامة ، يقوم بعمل المساج لأثرياء المربع الغني، تشفي أصابعة المحملة بطاقة قد تكون بسبب تعرضه لإشعاع تشرنوبل، أو بسبب كونه مسيحا جديدا له قدرة على شفاء الأمراض. يحمل الأوكراني سريرا ضخما على كتفه، يفرده ويقوم بتدليك الأثرياء، كلهم لديهم مشاكل مع مرض أو وفاة أو افتقاد الحنان والحب، يهمس لهم بالروسية، هو يتذكر أمه والثلج يتساقط بحنان تطلب منه أن يلعب قليلا بالثلج ويعود. يتكرر في الفيلم جملة العنوان، لن يسقط الثلج مرة أخرى، تقوله ابنة شقية لثرية لا تحب زوجها، وتقوله ساكنة فيتنامية كسؤال للأوكراني، وتمضي أحداث الفيلم لا تخرج عن المربع السكني وسكانه الذين فقدوا هويتهم الشرقية ويعيشون كأثرياء الغرب. يبدو أنهم يشعرون بالحزن الداخلي والشوق. ربما يكون هذا في فصل الشتاء الذي لم يعد موجودًا في هذا البلد الشرقي. على عكسهم ، لم يعد أطفالهم يبنون رجال ثلج بعد الآن. لكن ربما يكون خواءهم أعمق؟ المدلك ، رجل جذاب من الشرق الأصيل والغريب يدخل حياتهم. لديه موهبة. يداه تشفي ، وعيناه تخترقان أرواح النساء الوحيدات. بالنسبة لهم ، تبدو لهجته الروسية وكأنها أغنية من الماضي ، لحن هادئ لطفولتهم ، عندما كان العالم مكانًا أكثر أمانًا. زينيا ، يغير حياتهم. يؤدي الأوكراني دور الزوج الذي مات والذي أعده ليكون في الحفل المدرسي لابنه، كعروض الساحر في الصندوق يختفي زينيا، قد يكون كمسيح صعد إلى السماء، أو كمهاجر غير شرعي ينجح في الهرب قبل وصول السلطات إليه لترحيله.

مشكلة الفيزا مطروحة بشكل ناعم في فيلم "لن تثلج مجددا" ، وبشكل ميلودرامي في فيلم المخرجة التونسية كوثر بن هنية " الرجل الذي باع ظهره"، ومطروحة بشكل ساخر في الفيلم القصير " لعبة شنجن"  ويحكي عن  شركة ألعاب تصنع لعبة فيديو عن الاتحاد الأوروبي. شخصية اللاعب هي طائر وطني يحتاج إلى التكاثر والعش ، ولكن لا يمكنه الطيران إلا وفقًا لما تسمح به حقوق تأشيرة الاتحاد الأوروبي. يسخر الفيلم خلال فنون الإعلان من هذا الحاجز صعب المنال في العالم المعاصر، كيف يمكن للمبدعين أن يجعلوا شنغن جذابة؟ ينتهي الفيلم بلوحة مكتوبة، ممنوع الدخول، طرعلى بلدك .

صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 2 نوفمبر 2020 رئيس التحرير عماد الغزالي


 

 

 

 

الجونة الرابع GFF4 والسينما الفسطينية (2) وسينمات أخرى

 هموم العالم من نافذة مهرجان الجونة بالغة الاتساع


الحدث الآخر الذي انتظرناه جميعا كان الفيلم الفلسطيني 200 متر في اليوم الثالث لعروض المهرجان معرفة حكاية الفيلم وملخص قصته لم يقلل من متعة مشاهدته وخاصة مع الأداء الرائع لبطله علي سليمان، وحساسية مخرجه وتفاصيل العلاقة مع أبنائه الذي يلتقيهم بصعوبة وعبر مساعدات من رئيس عمال فلسطيني يحضر له تصاريح عمل فيتمكن من تخطي الحاجز. بعضنا دمعت عيناه وخاصة في المشهد الفائق وهو يعد الكشافات على سطح بيته لكي يرسل لهم إشارات بالضوء وتمنيات بصباح خير . هذه البداية الناعمة تلاها عبوره الحواجز هذا الوضع السريالي الذي نعجز عن تخيله، هذه القضبان، وضباط الجوازات بين ما بقي من فلسطين وبين اسرائيل، شغلني تصوير المشهد بكل ما ظهر عليه من تفاصيل وتكدس العابرين ، كيف نفذه المخرج الشاب أمين نايفة؟ هل أقام ديكورا يتطابق مع الواقع وصوره بهذا الإتقان؟ سيتحول الفيلم الى فيلم طريق ويمضي المخرج في سيناريو عرض فيه شخصيات مختلفة سواء فلسطينة أو اسرائيلية، منهم الطيب ومنهم الفاسد، معادن البشر وبينهم الطيب والشرير والقبيح، سيصعد في سيارة المهرب شاب فلسطيني ومعه أوربية سيقدمها لهم على أنها مخرجة ألمانية، الحديث بالإنجليزية وتتعقد الأمور ويظهر أشرار اسرائيليون تنجح السيدة في اخفاء بطلنا والفلسطينيين ويتكشف تدريجيا معرفتها بالعبرية، ينزعج صديقها ويتساءل هل أنت اسرائيلية، ويزجره حسن، لولاها ما عبرنا الحاجز لماذا تهتم. قرأت مشهد النهاية أنه يشبه الجدل الذي سيثيره الفيلم بعد المشاهدة، لماذا تعرف العبرية؟ هل هي ألمانية أم اسرائيلية من جماعة محبي السلام، لماذا ضيع أمين نايفة فرحتنا بفيلمه القوي المتماسك والمؤثر؟ جدل تبادلناه اختلفنا ، ولكننا اتفقنا على تميز الفيلم في كل عناصره من إخراج وتمثيل ومونتاج قام به المونتير المصري كمال الملاخ ، وتوقعنا جائزة أفضل ممثل لعلي سليمان البعض رجحها عن جائزة لمهاينة ، توقعنا حصول الفيلم على نجمة المهرجان الذهبية ولكنه حصل على جائزة نقاد الفيبريسي لأفضل فيلم عربي، وجائزة سينما من أجل الإنسانية التي يصوت لها الجمهور. طارت المنتجة مي عودة فرحا وهي تتسلم شهادة النقاد وكانت فازت بجائزة مجلة فارايتي، 

تأثر المخرج بجائزة الجمهور وسلمها له أمير رمسيس المدير الفني للمهرجان. الجونة أصبح نافذة للسينما العربية بداية من تنافس الأفكار في المنصة، مرورا بدعم مراحلها بعد الإنتاج وانتهاء بالترويج لها في مسابقات المهرجان وعروضه وندواته التي يحرص على حضورها جموع السينمائيين والنقاد والصحفيين. محبة فلسطين وشعبها تتجلى واضحة في اهتمامنا بكل ما يأتي منها، وتتملكنا الحيرة بشأن المحتوى الذي يتضمن حقائق نرفض تصديقها أحيانا.

قبل الفلسطيني عرض فيلم " لن تثلج مجددا"  للمخرجة البولندية مالجورزاتا شوموفسكا هي صانعة أفلام فازت بجائزة الفهد الفضي من مهرجان لوكارنو عام 200 عن فيلمها " 33 مشهدا من الحياة" الفيلم يتيح قراءات سياسية وفنية مختلفة وهذا سر جماله وبالنسبة لي أعتبره أروع أفلام المهرجان وان خرج من سباق الجوائز. عبر صورة رمادية تعبر عن الفوارق الطبقية المتسعة بين الناس، من يسكنون كومباوند من فيلات متشابهة باردة في مربع سكني تظهر في خلفيته عمارات قبيحة عالية يسكن إحدى شققها المهاجر الأوكراني زينيا بدون إقامة ، يقوم بعمل المساج لأثرياء المربع الغني، تشفي أصابعة المحملة بطاقة قد تكون بسبب تعرضه لإشعاع تشرنوبل، أو بسبب كونه مسيحا جديدا له قدرة على شفاء الأمراض. الصورة بديعة في الفيلم صوره ميخائيل انجليرت وهو مصور بولندي شهير صور للمخرجة فيلمها " 33 مشهدا من الحياة" . في نقاشي عن الفيلم مع زملاء نقاد ذكر واحد منهم أنها متأثرة بتاركوفسكي وهناك مشاهد بعينها مأخوذة من المرآة وطفولة إيفان ، وأعتقد أن الثقافة المتقاربة لدول أوربا الشرقية تنعكس في أفلامهم وخاصة طريقة العمل بشكل مجازي اكتسبوه من سنين التعامل مع الرقابة الشمولية فنجحوا في التعبير بفنية تتجاوز الواقع وتعبر عنه بشكل كالحلم، "لن تثلج مجددا" عكس كثير من أفلام تتناول روسيا بالهجوم ، بل يتخذ الفيلم اللغة الروسية ينطق بها الأوكراني ذو اللمسة الساحرة فتكون لها قدرة تأثير كتنويم مغناطيسي شافي للمرض. 

كعادتنا اذ نمتلك قدرا من الانحياز لكل ما هو مصري اهتممنا بمشاهدة فيلم " حارس الذهب " الاسترالي يقوم بدور البطولة فيه الممثل الشاب أحمد مالك، والفيلم جاء تقليديل كأفلام التلفزيون التي تتناول مغامرات عبر صحراء في زمت تاريخي قديم نسبيا وصراع على الذهب بين سكان أصليين ومستعمرين انجليز وتجار صينيين، كان تصويرهم ورسم شخصياتهم أميز ما جاء بالفيلم ، ورغم تمثيل جيد لأحمد مالك الا أن الفيلم من نوعية أفلام تشبه غيرها ولا يترك تأثيرا لا يثير جدلا، كفيلم مغامرات وصراع بين خير وشر.

وجاء الفيلم الياباني زوجة جاسوس باهتا رغم ما يكشفه موضوعه عن وجود توجه لدى بعض اليابانيين في تفضيل العدو الأمريكي وتشويه صورة مواطنيهم طمعا في عيشة مريحة في أمريكا. عرض الفيلم في فينيسا واختاره مبرمجي الجونة للمشاركة في المسابقة الرسمية ضمن 14 فيلما جمعتها مواضيع قوية مع اختلاف أساليبها الفنية ، بين ما هو تاريخي، أو واقعي، أو دراما نفسية أو فلسفيا كفيلم " احتضار " للمخرج هلال بادييف الذي فاز بنجمة الجونة البرونزية كواحد من أفلام تعتمد على التأمل والسير وراء فكرة كالموت بما تحمله من بعد ديني . يذكرني أسلوبه بالمخرج الأرميني الكبير بارادجانوف ولكنه هنا بتيمات عصرية لكل قضايا الشرق الاجتماعية، امرأة يضربها زوجها وهي تعد له الطعام كل يوم، عروس تهرب من زوج فرضه عليها أهلها، منتقبة تنتظر زوجا لا تعرف شكله، وأم تنتظر من ابنها أن يحضر لها الدواء، عبر مسيرته تحدث وفاة وبدلا من اتهامه بالقتل يعاملونه كمخلص ينفذ إرادة الله. لم أشعر بأصالته رغم مشاهد جمالية في الطبيعة مع الحصان والغابات والصورة التي تشعر بأنها محملة برطوبة مطر أو ضباب كثيف.

قبل أيام المهرجان تمكنت من مشاهدة " كوفاديس عايدة" وقارنت بينه وبين كوفاديس القديم عام 1951 ، كانت حيرتي لماذا اختارت المخرج ياسميلا زبانيتش أو جميلة هذا العنوان، أين تذهبين يا عايدة بما يعني أين المفر، قديما كان العنوان الروماني مناسب لفترة تناول الفيلم في نهاية الامبراطورية الرومانية مع نيرون المجنون الذي حرق روما، يرصد كوفاديس عايدة نوع معاصر نسبيا من الجنون مارسه الصرب في حرب التطهير العرقي ضد أهل البوسنة. راهنا على فوز الممثلة القديرة ياسنا دورسيتش عن دورها وهي تحاول الحفاظ على أمان زوجها وابنيها خلال الإبادة الجماعية في سريبرينيتشا عام 1995.وقد فازت بنجمة الجونة الذهبية لأفضل ممثلة ، كما فاز الفيلم بالنجمة الذهبية لأفضل فيلم. وكانت المخرجة فازت بالدب الذهبي من دورة برلين 56 عن فيلمها الطويل الأول " جربافيتسا، أرض أحلامي" ومن عنوانه يتضح مدى ارتباطها بالتعبير عن بلادها التي خاضت حروبا قاسية وهي في كوفاديس عايدة تفضح الأمم المتحدة التي تساهلت أو فشلت في القيام بدورها لحماية مواطنيها من بشاعة التطهير العرقي الذي مارسه الصرب.


رأس لجنة التحكيم بيتر ويبر رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، وهو مخرج مسلسل " ممالك النار " عن فترة صراع المماليك والعثمانيين ، من بطولة النجم المصري خالد النبوي ، فيلمه الطويل الأول " الفتاة ذات قرط اللؤلؤ 2003 ، ترشح لثلاث جوائز أوسكار، وله انجازات في الأفلام الوثائقية آخرها يتتبع فيه مجموعة من رواد موسيقى الريجي. أقيم له ماستر كلاس بعد انتهاء عمله في اليوم الأخير للمهرجان بحضور انتشال التميمي مدير المهرجان وبشرى رزة مدير العمليات. قال ويبر أن ما وصل إليه لم يكن بالأمر السهل، حيث تدرج في كل الوظائف المساعدة، وراء الكاميرا، و العمل كمونتير حتى الوصول لإخراج أفلام تسجيلية، وعبر علاقات كثيرة، كنت جيدا في تكوينها، حققت ما أريد.  وفي تقليد جديد تم في الدورة الرابعة أعيدت عروض الأفلام الفائزة ولحق كل منا مافاته، لحقت الفيلم  الإيطالي الصادم "حكايات سيئة" عن أخطاء الآباء في التربية مما دفع أولادهم الصغار للانتحار وحصل على نجمة الجونة الفضية. كما شاهدت الفيلم التسجيلي الرائع " صائدو الكمأ الحاصل على برونزية الجونة. فيلم ايطالي يوثق لعدد من المسنين البارعين في جمع فطر الكمأ النادر بمساعدة كلابهم هذا العمل الذي يندثر كما يقتربون هم من الموت لكبر السن . ظُرف الشخصيات وطرافة الموضوع وجمال التصوير كلها عناصر تستحق الجوائز من لجنة تحكيم شاركت فيها ماريان خوري ونتوقع منها أن تجلب هذه الروائع للقاهرة في زاوية التي تخصصت في عروض أفلام أوربية نادرة ننتظرها في كل عام.

صفاء الليثي

نشر بموقع سينماتك يحرره الناقد البحريني حسن حداد

Monday 2 November 2020

يوميات الجونة السينمائي GFF4 (1) فيلم الافتتاح والمصري القصير 16

الجونة الرابع GFF4 وحلم السينما

ينصح أطباء علم النفس بألا تكون أفعالك رد فعل لاستفزاز الآخرين، في فترة أحسست بالرغبة لمراجعة طبيب نفسي وكان سؤاله الأول هل تخضعين لابتزاز الآخرين؟ لا من أجل سلامتك النفسية خذ قراراتك بنفسك ولا تمضي خلف القطيع، ولهذا كان قراري بعدم مقاطعة مهرجان الجونة لأني اخترت أن أخوض التجربة وألمس بنفسي حقيقة موقف المهرجان من قضايانا السياسية ومن الفن والحياة. 

" الرجل الذي باع جلده " تونسي روائي طويل 104 ق

بداية من المؤتمر الصحفي تم توزيع دليل المهرجان وكان به معلومات كافية عن الأفلام المشاركة، بعضها آت من مهرجانات كبرى برلين وفينيسيا وسانسباستيان، والأهم أن أهم الأفلام العربية متاحة ويبدأ الافتتاح بفيلم كوثر بن هنية " الرجل الذي باع ظهره " وكان فكرة تم تطويرها قبل عامين في منصة الجونة التي يتقدم إليها صناع الأفلام بمشاريعهم، تناقش مع منتجين وموزعين، ثم يتم الاختيار من بينها ، عن طريق هذا الدعم ومنح أخرى تمكنت المخرجة التونسية من تحقيق فيلمها الذي شارك فينيسا 77 الذي أقيم وسط اجراءات احترازية في أجواء الجائحة العالمية فيروس كوفيد 19. حصل ممثل الفيلم على جائزة أفضل ممثل من فينيسا . لم أشاهد الفيلم في الافتتاح وشاهدته ومعي زملاء من النقاد في عرضه بقاعة الأوديماكس بالجامعة الألمانية حيث تقام عروض الأفلام بعد عرضها في قصر المهرجان الذي افتتح جزئيا هذا العام. أجمل ما يحدث أننا في جلسة حرة نتناقش حول الفيلم الذي شاهدناه بشوق، أولا لاهتمامنا بالسينما العربية التي تشهد نجاحات منذ عدة سنوات، وثانيا لسمعة الفيلم بعد مشاركته فينيسا وحصوله على جوائز. اتفقنا على أن الفكرة لامعة ، وعرغت أن محمد سعد تناول شبيها لها في فيلم " محمد حسين " قبل عامين، دائما الأهم من الفكرة كيفية تناولها ، في رأي أن فيلم  كوثر بن هنية مضى متسقا ومؤثرا وأصيلا حتى ثلثيه، هذا السوري الذي يطمح في السفر إلى أوربا ليلحق حبيبته التي تزوجت رجلا تابعا للنظام السوري، فيزا شنجن بوابة العبور لجنة أوربا ، ثم عرض فنان بوهيمي على الشاب السوري أن يرسم على ظهره ، وتحول إلى لوحة عرض حية حققت صدى إعلامي واعتبرها السوريون إهانة لهم . ثم بالغت صاحبة الفيلم  فتحول الرجل بظهره إلى سلعة معروضة بالمزاد، وقد بلغ إحساسه بالإهانة مداه فصرخ في المزايدين في مشهد يكاد يكون إعادة لفيلم "المربع" الذي حصد السعفة الذهبية منذ عدة أعوام ومنحناه أفضل فيلم أجنبي عرض بمصر في جمعية نقاد السينما المصريين . الثلث  الأخير من فيلم " الرجل الذي باع جلده" تحول إلى عمل ميلودرامي يفتقد المنطق، وتغير رسم شخصية الفنان ليصبح متعاطفا ويقرر مساعدة السوري . تظهر داعش وقتل الرجل للحصول على اللوحة من على جلده ، رجلا آخر وضحية مجهلة، ويمضي بطلنا واللوحة على ظهره بعد اقتسام بيعها. تهافت الحل الأخير جعلنا نفكر ، ألم يكن من الممكن أن يتم محو اللوحة بطريقة ما !!. سوريا وداعش وشنجن ، الثوار والنظاميون ، مجموعة من الأفكار تم طحنها وكانت لجنة التحكيم الرسمية عادلة في حكمها فلم يحصل الفيلم سوى على جائزة أفضل فيلم عربي وخرج من المنافسة مع أفلام من كل بلاد العالم، أفلام لا تتسم بخلل في البناء أو انحراف عن الهدف، أو مزايدات من أجل إرضاء جميع الأطراف. أعجبني أداء الممثل يحي مهايني وحرفية المخرجة ، ووجدت السيناريو قد انحرف عن مساره وسقط في الميلودراما.  

" أخشى أن أنسى وجهك" 16 مصري قصير 15 ق

العروض التي نتابعها في أربع صالات مغلقة بالإضافة لعروض البلازا المفتوحة هذا العام وسوف يستكمل البناء ليضم صالة مغطاة ومسارح للعروض بنيت بشكل معماري رائع يجمع بين الشكل الهرمي للعمارة الفرعونية وبين أقواس العمارة الإسلامية مع بحيرة صناعية تحيط الموقع ، إنجاز كبير وصرح حضاري على أرضنا. البرنامج اليومي يرسل لنا كل ليلة، نستعد ونختار ما سوف نشاهده، قد نلتقى كصديقات وأصدقاء في مجمع سي سينما " سينما البحر" ويكون كل منا قد اختار فيلما مختلفا ونلتقي بعد العرض نتبادل الآراء وقد نختار فيلما فاتنا في عرضه الثاني أو الثالث، أو نحضره في المكتبة التي توفر حوالي 25 جهازا يمكننا استخدامه لتعويض ما فاتنا. غالبا أترك عروض الأفلام القصيرة لمشاهدة مكتبية ، وفيها ركزت على الأفلام العربية المشاركة منها الفيلمين المصريين " ستاشر " والخد الآخر واللبناني شكوى. مشكلة قمع النساء ومحاربة الحب في ستاشر وعنوانه الثاني " أخشى أن أنسى وجهك " بسينما بسيطة ولكنها تركز على مشاعر الشاب الذي استمع الى رسالة عبر الموبيل من حبيبته تقول " انت وحشتني .. وهتوحشني على طول" بإيجاز في الحكي نعرف أنها انتحرت بعد أن حبسها أهلها لشهرين، يصعد الفتى على سطح البيت، يسرق عباءة سوداء وطرحة النقاب ، في الخلفية لوحة قديمة لسينما الكورسال، يذهب لبيت الحبيبة بنقابه فيدخل بين الحريم، يفسحون له ، لها مكانا يسألون عمن يريد وداعها ، يدخل عليها هي في الكفن ووجهها مكشوف، كفن أبيض ووجه الفتاة في شحوب الموت. يقترب ويرى وجهها للمرة الأخيرة، بالتأكيد سيبقى عمره دون أن ينسى وجهها، ينتهي الفيلم به وقد أزال غطاء رأسه باكيا في صمت الممثل سفالدين حميدة ودموع صامتة . الفيلم من إخراج سامح علاء ، قام محمد فوزي مع المخرج بتطوير الفكرة في سيناريو اعتمد على الحكي دون ثرثرة حوارية. وجدت السينما المصرية الشابة طريقا مختلفا عن منافذ الإنتاج التقليدية، لا مؤسسة سينما ولا دعم حكومي، ولا إنتاج الشركات الخاصة التي تعتمد على نظام النجوم وما كان يسمى بسلف التوزيع، في الأعوام الأخيرة تكونت كيانات إنتاجية مستقلة منها فيج ليف ، مارك لطفي ومجموعة من شباب اسكندرية أنتجوا هذا الفيلم مع محمد تيمور ومارتن جيروم. المخرج المصري سامح علاء درس الأدب الألماني، ثم انتقل إلى براغ وتعلم فنون الأداء في التشيك ، ثم درس صناعة السينما في مدرسة إيكار بباريس، عرض فيلمه الأول خمستاشر في تورنتو السينمائي الدولي، وعرض فيلمه الثاني 16 في مهرجان كان مشاركا المسابقة الرسمية للفيلم القصير وحصل على السعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير، أعلنت الجائزة أثناء تواجد الفيلم في الجونة ، بعدها حصل على نجمة الجونة لأفضل فيلم غي مسابقة  شارك فيها مع ثلاثة أفلام أخرى. رحلة المخرج سامح علاء تلخص الطريق الصحيح الذي يسلكه الفنان السينمائي لكي يقدم أعمالا يمكنها المنافسة مع أفضل إنتاجات العالم، دراسة للسينما والعمل مع مجموعة تتشارك في الحلم بسينما مصرية بلغة عالمية.

( الخلاصة الاحتفاء بالسينما العربية والسينما المصرية الجديدة والمختلفة ( يستكمل) صفاء الليثي

كتب 2 نوفمبر 2020  بعد العودة من الجونة ونشر مباشرة على مدونتي الخاصة.