Tuesday 3 November 2020

عن أفلام أعجبتني بالجونة 4 بعيدا عن الجوائز

بالجونة الرابع أفلام بديعة 

عن قضايا معاصرة بأساليب غير واقعية

رغم تركيز المتابعين لأي مهرجان على أفلام المسابقات إلا أنه هناك دائما أفلام عالية المستوى يمتعنا مشاهدتها وخاصة في القسم الرسمي خارج المسابقىة منها الفيلم الفرنسي حذف التاريخ هو فيلم كوميدي فرنسي بلجيكي لعام 2020 مشترك من كتابة وإخراج بينوا ديلبين وجوستاف كيرفيرن. قبل وصوله الى الجونة فاز الفيلم بجائزة الدب الفضي السبعين في برلينالة، جاب بعدها عدة مهرجانات .

حذف التاريخ وصراع مع التكنولوجيا

أبطال الفيلم الثلاث تعساء سذج يقعون في مشكلات مع القروض ومغريات الإعلانات ، هم جيران في حي واحد ضحايا وسائل التواصل الاجتماعي، أعلن ثلاثتهم الحرب على عمالقة التكنولوجيا. هناك ماري ، التي يمكن أن تكون على وشك فقدان احترام ابنها بسبب شريط جنسي سجله لها مبتز دعته الى شراب مجاني فصورها ليبتزها ويتمكن من الحصول على مصاريف دراسته، وهناك برتراند ومشاكل ابنته  ضحية التنمر عبر الإنترنت وترفض الذهاب إلى المدرسة، ؛ وكريستين سائقة سيارة بالأجرة ترفض التقييم بنجمة واحدة  في أوبر وتبحث عن مساعدة لتغيير ذلك، حتى أنها تتعامل مع موقع هندي يزيف التقييمات ولكن بلا جدوى. الثلاثة يرتحلون لمواجهة التكنولوجيا الكبيرة. وعن طريق كوميديا ساخرة ينتقد " امح التاريخ " بجدارة ودقة سخافات التقنية العالية في العالم المعاصر.اختار المخرجان أسلوبا كوميديا يتجاوز الواقع ويحقق من خلال شخصياته والأساليب المضحكة التي تلجأ إليها لمواجهة طواحين الهواء القوية في الحياة المعاصرة منهجا لفيلمه. هناك بالفعل صحراء بها طواحين هواء ، وشخص يسمونه القدير يقوم بعمليات سحرية لتحقيق مطالبهم، حذف التسجيلات المصورة التي تهدد حياتهم وإضافة نجمات الى تقييم السائقة البائسة التي أدمنت مشاهدة المسلسلات في ملمح آخر ساخر لمخرج الفيلم. نهاية الفيلم الساحرة بتحقيق التواصل عبر التليفون بالسلك الأقصر، الكوز الصفيح الذي لعبنا به صغارا وكان لعبة لأطفال أفلامنا القديمة، ويا للغرابة يستمعون لبعضهم ويتواصلون من خلال هذا الاختراع الطفولي القديم. فيلم حذف التاريخ يقدم نموذجا للفيلم الذي يمكنه مناقشة قضية كبرى وينتقدها دون ضرورة استخدام لغة الواقع للتعبير المباشر عنها . سنتعاطف مع الثلاثة ونتفهم مشكلاتهم مع التكنولوجيا الحديثة التي تشبه مشاكل واقعية لنا ولكن من خلال السخرية المريرة التي تحقق هدفها.

جنة الفيزا والمخلص من تشرينبول

وبلمسة تجمع بين الكوميديا وفنون المجاز يتناول فيلم المخرجة البولندية ماجورزاتا شوموفسكا " لن تثلج مجددا" حزمة من مشكلات العصر الآني، الفوارق الطبقية المتسعة بين الناس، من يسكنون كومباوند من فيلات متشابهة باردة في مربع سكني تظهر في خلفيته عمارات قبيحة عالية يسكن إحدى شققها المهاجر الأوكراني زينيا بدون إقامة ، يقوم بعمل المساج لأثرياء المربع الغني، تشفي أصابعة المحملة بطاقة قد تكون بسبب تعرضه لإشعاع تشرنوبل، أو بسبب كونه مسيحا جديدا له قدرة على شفاء الأمراض. يحمل الأوكراني سريرا ضخما على كتفه، يفرده ويقوم بتدليك الأثرياء، كلهم لديهم مشاكل مع مرض أو وفاة أو افتقاد الحنان والحب، يهمس لهم بالروسية، هو يتذكر أمه والثلج يتساقط بحنان تطلب منه أن يلعب قليلا بالثلج ويعود. يتكرر في الفيلم جملة العنوان، لن يسقط الثلج مرة أخرى، تقوله ابنة شقية لثرية لا تحب زوجها، وتقوله ساكنة فيتنامية كسؤال للأوكراني، وتمضي أحداث الفيلم لا تخرج عن المربع السكني وسكانه الذين فقدوا هويتهم الشرقية ويعيشون كأثرياء الغرب. يبدو أنهم يشعرون بالحزن الداخلي والشوق. ربما يكون هذا في فصل الشتاء الذي لم يعد موجودًا في هذا البلد الشرقي. على عكسهم ، لم يعد أطفالهم يبنون رجال ثلج بعد الآن. لكن ربما يكون خواءهم أعمق؟ المدلك ، رجل جذاب من الشرق الأصيل والغريب يدخل حياتهم. لديه موهبة. يداه تشفي ، وعيناه تخترقان أرواح النساء الوحيدات. بالنسبة لهم ، تبدو لهجته الروسية وكأنها أغنية من الماضي ، لحن هادئ لطفولتهم ، عندما كان العالم مكانًا أكثر أمانًا. زينيا ، يغير حياتهم. يؤدي الأوكراني دور الزوج الذي مات والذي أعده ليكون في الحفل المدرسي لابنه، كعروض الساحر في الصندوق يختفي زينيا، قد يكون كمسيح صعد إلى السماء، أو كمهاجر غير شرعي ينجح في الهرب قبل وصول السلطات إليه لترحيله.

مشكلة الفيزا مطروحة بشكل ناعم في فيلم "لن تثلج مجددا" ، وبشكل ميلودرامي في فيلم المخرجة التونسية كوثر بن هنية " الرجل الذي باع ظهره"، ومطروحة بشكل ساخر في الفيلم القصير " لعبة شنجن"  ويحكي عن  شركة ألعاب تصنع لعبة فيديو عن الاتحاد الأوروبي. شخصية اللاعب هي طائر وطني يحتاج إلى التكاثر والعش ، ولكن لا يمكنه الطيران إلا وفقًا لما تسمح به حقوق تأشيرة الاتحاد الأوروبي. يسخر الفيلم خلال فنون الإعلان من هذا الحاجز صعب المنال في العالم المعاصر، كيف يمكن للمبدعين أن يجعلوا شنغن جذابة؟ ينتهي الفيلم بلوحة مكتوبة، ممنوع الدخول، طرعلى بلدك .

صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 2 نوفمبر 2020 رئيس التحرير عماد الغزالي


 

 

 

 

No comments:

Post a Comment