Tuesday, 3 November 2020

الجونة الرابع GFF4 والسينما الفسطينية (2) وسينمات أخرى

 هموم العالم من نافذة مهرجان الجونة بالغة الاتساع


الحدث الآخر الذي انتظرناه جميعا كان الفيلم الفلسطيني 200 متر في اليوم الثالث لعروض المهرجان معرفة حكاية الفيلم وملخص قصته لم يقلل من متعة مشاهدته وخاصة مع الأداء الرائع لبطله علي سليمان، وحساسية مخرجه وتفاصيل العلاقة مع أبنائه الذي يلتقيهم بصعوبة وعبر مساعدات من رئيس عمال فلسطيني يحضر له تصاريح عمل فيتمكن من تخطي الحاجز. بعضنا دمعت عيناه وخاصة في المشهد الفائق وهو يعد الكشافات على سطح بيته لكي يرسل لهم إشارات بالضوء وتمنيات بصباح خير . هذه البداية الناعمة تلاها عبوره الحواجز هذا الوضع السريالي الذي نعجز عن تخيله، هذه القضبان، وضباط الجوازات بين ما بقي من فلسطين وبين اسرائيل، شغلني تصوير المشهد بكل ما ظهر عليه من تفاصيل وتكدس العابرين ، كيف نفذه المخرج الشاب أمين نايفة؟ هل أقام ديكورا يتطابق مع الواقع وصوره بهذا الإتقان؟ سيتحول الفيلم الى فيلم طريق ويمضي المخرج في سيناريو عرض فيه شخصيات مختلفة سواء فلسطينة أو اسرائيلية، منهم الطيب ومنهم الفاسد، معادن البشر وبينهم الطيب والشرير والقبيح، سيصعد في سيارة المهرب شاب فلسطيني ومعه أوربية سيقدمها لهم على أنها مخرجة ألمانية، الحديث بالإنجليزية وتتعقد الأمور ويظهر أشرار اسرائيليون تنجح السيدة في اخفاء بطلنا والفلسطينيين ويتكشف تدريجيا معرفتها بالعبرية، ينزعج صديقها ويتساءل هل أنت اسرائيلية، ويزجره حسن، لولاها ما عبرنا الحاجز لماذا تهتم. قرأت مشهد النهاية أنه يشبه الجدل الذي سيثيره الفيلم بعد المشاهدة، لماذا تعرف العبرية؟ هل هي ألمانية أم اسرائيلية من جماعة محبي السلام، لماذا ضيع أمين نايفة فرحتنا بفيلمه القوي المتماسك والمؤثر؟ جدل تبادلناه اختلفنا ، ولكننا اتفقنا على تميز الفيلم في كل عناصره من إخراج وتمثيل ومونتاج قام به المونتير المصري كمال الملاخ ، وتوقعنا جائزة أفضل ممثل لعلي سليمان البعض رجحها عن جائزة لمهاينة ، توقعنا حصول الفيلم على نجمة المهرجان الذهبية ولكنه حصل على جائزة نقاد الفيبريسي لأفضل فيلم عربي، وجائزة سينما من أجل الإنسانية التي يصوت لها الجمهور. طارت المنتجة مي عودة فرحا وهي تتسلم شهادة النقاد وكانت فازت بجائزة مجلة فارايتي، 

تأثر المخرج بجائزة الجمهور وسلمها له أمير رمسيس المدير الفني للمهرجان. الجونة أصبح نافذة للسينما العربية بداية من تنافس الأفكار في المنصة، مرورا بدعم مراحلها بعد الإنتاج وانتهاء بالترويج لها في مسابقات المهرجان وعروضه وندواته التي يحرص على حضورها جموع السينمائيين والنقاد والصحفيين. محبة فلسطين وشعبها تتجلى واضحة في اهتمامنا بكل ما يأتي منها، وتتملكنا الحيرة بشأن المحتوى الذي يتضمن حقائق نرفض تصديقها أحيانا.

قبل الفلسطيني عرض فيلم " لن تثلج مجددا"  للمخرجة البولندية مالجورزاتا شوموفسكا هي صانعة أفلام فازت بجائزة الفهد الفضي من مهرجان لوكارنو عام 200 عن فيلمها " 33 مشهدا من الحياة" الفيلم يتيح قراءات سياسية وفنية مختلفة وهذا سر جماله وبالنسبة لي أعتبره أروع أفلام المهرجان وان خرج من سباق الجوائز. عبر صورة رمادية تعبر عن الفوارق الطبقية المتسعة بين الناس، من يسكنون كومباوند من فيلات متشابهة باردة في مربع سكني تظهر في خلفيته عمارات قبيحة عالية يسكن إحدى شققها المهاجر الأوكراني زينيا بدون إقامة ، يقوم بعمل المساج لأثرياء المربع الغني، تشفي أصابعة المحملة بطاقة قد تكون بسبب تعرضه لإشعاع تشرنوبل، أو بسبب كونه مسيحا جديدا له قدرة على شفاء الأمراض. الصورة بديعة في الفيلم صوره ميخائيل انجليرت وهو مصور بولندي شهير صور للمخرجة فيلمها " 33 مشهدا من الحياة" . في نقاشي عن الفيلم مع زملاء نقاد ذكر واحد منهم أنها متأثرة بتاركوفسكي وهناك مشاهد بعينها مأخوذة من المرآة وطفولة إيفان ، وأعتقد أن الثقافة المتقاربة لدول أوربا الشرقية تنعكس في أفلامهم وخاصة طريقة العمل بشكل مجازي اكتسبوه من سنين التعامل مع الرقابة الشمولية فنجحوا في التعبير بفنية تتجاوز الواقع وتعبر عنه بشكل كالحلم، "لن تثلج مجددا" عكس كثير من أفلام تتناول روسيا بالهجوم ، بل يتخذ الفيلم اللغة الروسية ينطق بها الأوكراني ذو اللمسة الساحرة فتكون لها قدرة تأثير كتنويم مغناطيسي شافي للمرض. 

كعادتنا اذ نمتلك قدرا من الانحياز لكل ما هو مصري اهتممنا بمشاهدة فيلم " حارس الذهب " الاسترالي يقوم بدور البطولة فيه الممثل الشاب أحمد مالك، والفيلم جاء تقليديل كأفلام التلفزيون التي تتناول مغامرات عبر صحراء في زمت تاريخي قديم نسبيا وصراع على الذهب بين سكان أصليين ومستعمرين انجليز وتجار صينيين، كان تصويرهم ورسم شخصياتهم أميز ما جاء بالفيلم ، ورغم تمثيل جيد لأحمد مالك الا أن الفيلم من نوعية أفلام تشبه غيرها ولا يترك تأثيرا لا يثير جدلا، كفيلم مغامرات وصراع بين خير وشر.

وجاء الفيلم الياباني زوجة جاسوس باهتا رغم ما يكشفه موضوعه عن وجود توجه لدى بعض اليابانيين في تفضيل العدو الأمريكي وتشويه صورة مواطنيهم طمعا في عيشة مريحة في أمريكا. عرض الفيلم في فينيسا واختاره مبرمجي الجونة للمشاركة في المسابقة الرسمية ضمن 14 فيلما جمعتها مواضيع قوية مع اختلاف أساليبها الفنية ، بين ما هو تاريخي، أو واقعي، أو دراما نفسية أو فلسفيا كفيلم " احتضار " للمخرج هلال بادييف الذي فاز بنجمة الجونة البرونزية كواحد من أفلام تعتمد على التأمل والسير وراء فكرة كالموت بما تحمله من بعد ديني . يذكرني أسلوبه بالمخرج الأرميني الكبير بارادجانوف ولكنه هنا بتيمات عصرية لكل قضايا الشرق الاجتماعية، امرأة يضربها زوجها وهي تعد له الطعام كل يوم، عروس تهرب من زوج فرضه عليها أهلها، منتقبة تنتظر زوجا لا تعرف شكله، وأم تنتظر من ابنها أن يحضر لها الدواء، عبر مسيرته تحدث وفاة وبدلا من اتهامه بالقتل يعاملونه كمخلص ينفذ إرادة الله. لم أشعر بأصالته رغم مشاهد جمالية في الطبيعة مع الحصان والغابات والصورة التي تشعر بأنها محملة برطوبة مطر أو ضباب كثيف.

قبل أيام المهرجان تمكنت من مشاهدة " كوفاديس عايدة" وقارنت بينه وبين كوفاديس القديم عام 1951 ، كانت حيرتي لماذا اختارت المخرج ياسميلا زبانيتش أو جميلة هذا العنوان، أين تذهبين يا عايدة بما يعني أين المفر، قديما كان العنوان الروماني مناسب لفترة تناول الفيلم في نهاية الامبراطورية الرومانية مع نيرون المجنون الذي حرق روما، يرصد كوفاديس عايدة نوع معاصر نسبيا من الجنون مارسه الصرب في حرب التطهير العرقي ضد أهل البوسنة. راهنا على فوز الممثلة القديرة ياسنا دورسيتش عن دورها وهي تحاول الحفاظ على أمان زوجها وابنيها خلال الإبادة الجماعية في سريبرينيتشا عام 1995.وقد فازت بنجمة الجونة الذهبية لأفضل ممثلة ، كما فاز الفيلم بالنجمة الذهبية لأفضل فيلم. وكانت المخرجة فازت بالدب الذهبي من دورة برلين 56 عن فيلمها الطويل الأول " جربافيتسا، أرض أحلامي" ومن عنوانه يتضح مدى ارتباطها بالتعبير عن بلادها التي خاضت حروبا قاسية وهي في كوفاديس عايدة تفضح الأمم المتحدة التي تساهلت أو فشلت في القيام بدورها لحماية مواطنيها من بشاعة التطهير العرقي الذي مارسه الصرب.


رأس لجنة التحكيم بيتر ويبر رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، وهو مخرج مسلسل " ممالك النار " عن فترة صراع المماليك والعثمانيين ، من بطولة النجم المصري خالد النبوي ، فيلمه الطويل الأول " الفتاة ذات قرط اللؤلؤ 2003 ، ترشح لثلاث جوائز أوسكار، وله انجازات في الأفلام الوثائقية آخرها يتتبع فيه مجموعة من رواد موسيقى الريجي. أقيم له ماستر كلاس بعد انتهاء عمله في اليوم الأخير للمهرجان بحضور انتشال التميمي مدير المهرجان وبشرى رزة مدير العمليات. قال ويبر أن ما وصل إليه لم يكن بالأمر السهل، حيث تدرج في كل الوظائف المساعدة، وراء الكاميرا، و العمل كمونتير حتى الوصول لإخراج أفلام تسجيلية، وعبر علاقات كثيرة، كنت جيدا في تكوينها، حققت ما أريد.  وفي تقليد جديد تم في الدورة الرابعة أعيدت عروض الأفلام الفائزة ولحق كل منا مافاته، لحقت الفيلم  الإيطالي الصادم "حكايات سيئة" عن أخطاء الآباء في التربية مما دفع أولادهم الصغار للانتحار وحصل على نجمة الجونة الفضية. كما شاهدت الفيلم التسجيلي الرائع " صائدو الكمأ الحاصل على برونزية الجونة. فيلم ايطالي يوثق لعدد من المسنين البارعين في جمع فطر الكمأ النادر بمساعدة كلابهم هذا العمل الذي يندثر كما يقتربون هم من الموت لكبر السن . ظُرف الشخصيات وطرافة الموضوع وجمال التصوير كلها عناصر تستحق الجوائز من لجنة تحكيم شاركت فيها ماريان خوري ونتوقع منها أن تجلب هذه الروائع للقاهرة في زاوية التي تخصصت في عروض أفلام أوربية نادرة ننتظرها في كل عام.

صفاء الليثي

نشر بموقع سينماتك يحرره الناقد البحريني حسن حداد

No comments:

Post a Comment