Thursday 29 December 2011

جمعة الرحيل: البناء الجدلى للفيلم الوثائقى


جمعة الرحيل
البناء الجدلى للفيلم الوثائقى
فى فيلمها " جمعة الرحيل" تواصل منى عراقى أسلوب " التحقيق الاستقصائى" الذى بدأته فى عملها " طبق الديابة " الذى حاز عدة جوائز ووضع صاحبته على طريق مخرجى السينما التسجيلية السينما الوثائقية المهموين بقضايا أوطانهم بعيدا عن أفلام الدعاية والتوجيه المعنوى.
تبدأ المخرجة فيلمها بمقطع من خطاب حسنى مبارك الذى أثر فى قطاع عريض من المصريين الذى يقول فيه إنه يعتز بالسنين التى قضاها فى خدمة مصر وشعبها وأنه لم يكن ينتوى الترشح لفترة رئاسية جديدة، تذهب منى بالكاميرا إلى المطار لتتقصى حقيقة ردود الأفعال مع عائد لوطنه ، ومع سائق سيارة أجرة وتمضى فى عقد لقاءات متنوعة أغلبها مع  مؤيدين لمبارك، وقبل أن نعتقد أنها أيضا تؤيد إعطائه الفرصة ليكمل فترة ولايته، تنتقل مع صوت مثقف يتحدث عن تضليل الإعلام للرأى العام المصرى مما جعل الناس ينقسمون بعد الثورة إلى قسم معها وقسم آخر ضدها، تقدم مقاطع من تلفزيون رسمى توضح ما يقوله المثقف. مقاطع اشتهرت لأن المتحدثين بها من مشاهير لعبة كرة القدم –ابراهيم حسن- أو من الفنانين- سماح أنور وغادة عبد الرازق. تركز العراقى على التضليل الذى قام به الإعلام الرسمى الذى يصل لقمة سخافته مع تحذير لمذيعة شهيرة من كرات نار يطلقها ما أسمتهم " عناصر إيثارية" الوحدة المشهدية التالية ستكون ليلا من ميدان التحرير تبدأها بهتاف " باطل .." وتمضلى فى لقاءات تتواجد فيها بشخصها لتظهر الجانب الآخر من الثوار الذين رفضوا تضليل الخطاب، تلتقى الداعية صفوت حجازى الذى يشرح تواجد وحدة أمن دولة تقوم بالقبض على من يخرج من الميدان، فتاة متحمسة تزيد قائلة أن " حسنى مبارك يدفع للبلطجية وأن الإعلام لا يقول كلمة حق"  يقاطعها هتاف لجموع " إرحل " فتنضم إليهم. وما بين أسئلة المخرجة وإجابات الثوار تتضح حقيقة إيمانهم بضرورة الرحيل. ولم يكن صدفة أن تختار العراقى " جمعة الرحيل " عنوانا لفيلمها رغم أنها لم تكن جمعة 11 فبراير التى تخلى فيها حسنى مبارك عن السلطة، بل الجمعة 4 فبراير التى أسماها الثوار كذلك مفوعين بطاقة تفاؤل كبيرة بعدما انتصروا فى معركة الجمل التى جرت 2 فبراير ونشاهد مقاطع منها صبيحة الخميس 3 فبراير، وسط هتاف النصر من منصة يقول الشاب وتردد الجموع خلفه :" وكسبنا أمن الدولة.. " .
فضح إعلام النظام الذى كان أحد أسباب سقوطه، الموضوعية فى نقل الرأى والرأى الآخر، التركيز على الفكرة والمضى فى الكشف عن الحقائق التى تؤيدها ، هو ما يميز أعمال المخرجة منى عراقى وأسلوبها فى صياغة الوثيقة ليس فقط بغرض الرصد ولكن للمكاشفة والفضح.
الكاميرا حرة لا تضع الجماليات فى خطتها ولكنها تركز على التقاط اللحظة، وتتم صياغة جمالية من صوت الأذان فى الغروب يكون خلفية لمشاهد متتابعة  لمعتصمين يفطرون على تمر وبقسماط جاف . مشاهد تظهر حميمية العلاقات بين الثوار وبساطة عيشهم، وتستمر المخرجة فى عرض وجهات نظر الثوار وتقطع على تظاهرة حاشدة تهتف " يسقط يسقط حسنى مبارك" ثم جلسة لرائدة العمل النسوى د. نوال السعداوى تجرى نقاشا مع شباب متجمع حولها تسألهم: " هل سترضون بشفيق أو عمر سليمان؟ أم ستشكلون أنتم حكومة انتقالية؟" والسؤال يتضمن الإجابة التى تحفز الشباب وتدفعهم إلى التفكير. ينتهى  الفيلم بهتافات هادرة: " الشعب يريد إسقط النظام" . أسلوب العمل المعتمد على التصوير فى موقع الحدث وعدم إغفال وجهات النظر المختلفة يصاغ فيما بعد فى المونتاج فى بناء جدلى يؤدى إلى استنتاج تنحاز له المخرجة فى حتمية الرحيل بعد الإرادة الشعبية التى ظهرت فى النجاح فى مقاومة مؤامرة أجهزة قمع النظام فى القضاء على الثورة. "جمعة الرحيل" وثائقى فى 17 ق إنتاج قناة الحياة المملوكة لرئيس حزب الوفد الحالى وهو حزب معارض شارك فى دعم الثورة منذ يومها الأول.
شارك " جمعة الرحيل " بمهرجان "العجلات " وهو مهرجان جوال بتركيا يحتفى بالأفلام الحائزة على جوائز فى مهرجانات أخرى، بدأ فى الثالث من ديسمبر بالعاصمة أنقرة وتجول فى عدد آخر من المدن فى إطار الاحتفاء بالربيع العربى فى تركيا والذى بدأ فى مهرجان "أدنة لدول حوض البحر المتوسط" ويستمر مع كل مهرجان معبرا عن الرعاية التركية للثورات العربية ودعمها للشعوب الحرة فى نضالها ضد الدكتاتوريات .

" فنون الثورة" مسلسل وثائقى لفنون الثورة المصرية


وجوه الثورة  فى مسلسل وثائقى
" فنون الثورة"
والنجاح فى ربط الخاص بالعام
أفلام الشخصيات نوع من الفيلم الوثائقى المحبب لدى صناع الأفلام ومتلقيها كما تخصص له مهرجانات بعينها. ومن أشهر نماذجه " نجيب محفوظ ضمير عصره للمخرج هاشم النحاس أحد كبار مخرجى السينما الوثائقية فى مصر، وفيلم " إنجى أفلاطون للمخرج محمد شعبان، وفيلم " العمل فى الحقل" عن الفنان التشكيلى حسن سليمان للمخرج المبدع داوود عبد السيد. وفيلم "عبد العاطى صائد الدبابات" لخيرى بشارة الذى أرخ لحرب أكتوبر 1973 من خلال شخصية مقاتل .
اختار داوود حسن هذا القالب ليقدم من خلاله توثيقا للثورة بعمل مكثف فى خمس دقائق لكل وحدة من العمل مما مكنه من تقديم ما يشبه المسح الاجتماعى لمختلف الشرائح التى قامت بالثورة المصرية التى بدأت 25 يناير ومستمرة حتى الآن.
السلسلة أنتجتها شركة فنار ميديا  التى تقوم على جهود عدد من المخرجين والمصورين والصحفيين الشباب  وتحاول توثيق تجارب إنسانية، وإبراز عناصر الجمال في الشخصية المصرية، وقد تأسست عام ٢٠٠٨ وأنتجت العديد من الأفلام مثل "أمازيغ مصر"، وبعض التجارب التنموية المستقلة في مصر مثل "كفر ميت الحارون" و"البسايسة الجديدة" و" تفهنا الأشراف" وشركة فنار ميديا بهذا التوجه تجمع بين العمل التنموى فى خدمة المجتمع وبين توثيق مسارات التغيير فى مختلف المجالات، تدعم فكرة آمن بها رواد السينما الوثائقية فى مصر والعالم العربى، كما تقول المخرجة عطيات الأبنودى عن أن الفنان له وظيفة مجتمعية، وهو ما يتجلى فى فنانى الأفلام الوثائقية بشكل واضح.

بعد عدة لقطات وسط متظاهرى التحرير يقدم لنا نفسه ، محمد عواد منسق حركة شباب من أجل الحرية والعدالة وعضو اللجنة التنسيقية لحركة كفاية. ويقول بأن الهتاف له دور كبير فى تجميع الناس وخاصة عندما تكون لدى الهتيف المقدرة على اختيار ما يعبر عن الشعب. يمضى فى عرض تجربته ويتوقف بنا مع عدد من الهتافات التى وجدت صدى لدى المتظاهرين منها" مصر ياأم،ولادك أهم." المخرج يقطع على مظاهرة فعلية يتردد فيها الهتاف ونستكمل " بناتك أهم، دول علشانك شالوا الهم"، لن يحيد الفيلم عن طريقه من ربط الخاص بالعام وينجح فى وضع الشخصية فى إطارها العام بمكان التحرير  فى مظاهرة تدور بالفعل، على نفس المنوال تستمر النماذج الأخرى التى تستعرض " فنون الثورة" فنتعرف على الخطاط  خالد فوزى الذى يقف بنا على محطات عامة فى مسيرة الثورة كموقعة الجمل التى يسميها مجزرة الجمل ويشبه فاعليها بكفار قريش، يقول بأن الخط ينادى الناس أقوى مما يفعله الهتاف.  فقرة أخرى من السلسلة مع فنان شعبى من صعيد مصر اسمه حجازى متقال، الذى أتى إلى القاهرة مرددا أغنياته ومواويله فى قلب ميدان التحرير، يكشف لنا كيف أن أغنياته السابقة على الثورة عبرت فى الكثير من معانيها عن معاناة الشعب وحلمه فى التغيير، وكنجم سينمائى  يتجمع حوله معجبون من الأطفال يلتقطون معه الصور فى نهاية حميمة للفيلم . أما القلة المندسة فهم مجموعة من الشباب والفتيات أصدروا جريدتهم الحرة وأسموها "الجرنال " تقوم على إدارته سناء سيف وهى طالبة فى السابعة عشر تروى لنا بإيقاع الشباب السريع كيف تجمعت "القلة المندسة"  عندما كان مصابى معركة الجمل يتجمعون فى بناية مطلة على التحرير. وكيف نجحوا فى إصدار مطبوعتهم التى يوزعونها بالمجان ليس فى القاهرة فقط ولكن فى عدة محافظات أخرى، وكيف يدور العمل بالتبرعات والجهود الذاتية دون دعم يقلل من حريتها. لقد بدأت الصحافة حرة قبل النظم الشمولية وأعادت الثورة لها حريتها ،هذا ما نجحت فى رصده المخرجة الشابة ياسمين ماهر فى فقرتها عن " الجرنالجية" .
وكما كشف المنتج الفنى عن عدد من الشخصيات التى ساهمت بأدوار متنوعة فى الثورة كشف عن عدد من المخرجين والمخرجات قاموا بتكوين فريق يتبادل الأدوار لصنع أفلام تتسم بالجدة ودقة المعلومة ورساخة البناء. من أنشط شباب المجموعة المخرج على كشك الذى قدم أكثر من فقرة مع زميلته مروة عامر وياسمين ماهر. لم تخرج الأعمال على تنوعها عن أسلوب حرص عليه المنتج الفنى حيث تبدأ الأعمال من العام إلى الخاص وتربطها طوال الوقت بالخلفية الحقيقية للأحداث، وتعود لتؤكد على الشخصية التى وجدت لها مكانا تحت سماء الحرية فى ميدان التحرير.  
شاركت شركة " فنار ميديا" في توثيق الثورة من خلال عدد من الأعمال مثل: يوميات الثورة والطريق إلى التحرير، وفى سلسلة فنون الثورة من خلال عرض لشخصيات ومهن نادرة منها الهتيف، الخطاط ، رسام الكاريكاتير، الجرنالجية، الخطيب، المسرحجى، والمطرب الشعبى.
تروى طرفة أن المصريين القدماء كان من بينهم المهندس والبناء والزارع والطبيب، ومع كل مشروع حضارى كانت صفوفهم تتقدم وفى الخلفية منها طبالين وزمارين يستعدون للاحتفال انتهاء بالمشروع، ومع الزمن فقدت مصر طلائع المهنيين الذين مات أغلبهم فى الحروب والمشروعات الضخمة، وبقى فقط الطبالون والزمارون ، ويقال والعهدة على الراوى أن المصريين المحدثين هم أحفاد هؤلاء من الطبالين والزمارين. بقول آخر إن الحس الفطرى لدى المصرى بالفن والقدرة على ارتجاله يمثل قوتهم الناعمة التى تسم أفعالهم فتكون الثورة على الطريقة المصرية فنية ضاحكة ، ثورة ناعمة بالرسم والدعابة والغناء.

Tuesday 6 December 2011

متابعات لأفلام تسجيلية




رابطة فنانى الثورة 
فى مواجهة الدولة الأمنية
منذ عدة سنوات كان الداخل والخارج إلى محطة "الأوبرا" فى مترو الجيزة يسير فى جنبات متحف مفتوح أقامته دار الأوبرا على حائط الممر المؤدى لحرم الأوبرا، هذا المظهر الحضارى سرعان ما اختفى عقب غلق الباب لأسباب أمنية. كانت كل المقالات والآراء ترصد تنامى  دور الأمن فى النظام المصرى حتى سميت مصر " الدولة الأمنية". وبعد ثورة 25 يناير عادت اللوحات تملأ ممرات محطات المترو ليس فقط محطة الأوبرا ولكن محطة التحرير– رسميا "أنور السادات " ،والإسعاف - رسميا " جمال عبد الناصر" - كما قام ائتلاف فنانى الثورة بإقامة معارض فنية خصصت للوحات تعبر عن الثورة المصرية فى عدة أماكن بالقاهرة والإسكندرية.
 فى الفيلم قصيدتين بالعامية سمعنا مقاطع من الأولى من الشاعر وخلفه المحتفلين فى الميدان، والثانية صورت وخلفها اللوحات فى معرض أتيليه القاهرة. وفى الفيلم أيضا مقابلات لعدد من الرسامين والرسامات يحكى كل منهم عن علاقته بالثورة وعن مشاركته بعمله الفنى فى التوثيق لها. المخرج حرص على الوقوف على محطات ثورة 25 يناير الرئيسية بداية من الهتاف لسقوط النظام، مرورا بجمعة الغضب وعنف الشرطة مع المتظاهرين، معركة الجمل الشهيرة ثم التنحى- أو التخلى- وفرحة الشعب بسقوط رأس النظام. لم يصنف المخرج الأعمال التى تتراوح بين لوحات فنية  عالية القيمة لفنانين محترفين  وبين أعمال مباشرة أقرب للفن التلقائى. أنهى العجمى السيد وهو مخرج من موظفى المركز القومى للسينما التابع للحكومة، فيلمه بجملة الشاعر العامى" وفى لحظة هب الميدان ، بركان غضب ثائر" ثم عودة لفرقة الموسيقى العسكرية التى احتفلت مع الشعب فى جمعة 18 فبراير التى سميت " جمعة النصر ". وبهذه التوليفة بين الأحداث والظواهر يعبر الفيلم عما آلت إليه الأمور من التوافق بين طوائف الشعب والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ، الذى يرى الغالبية أنه حمى الثورة ويرى البعض الآخر أنه اختطفها ليعدل مسارها نحو ما آلت إليه الأمور الآن من نظام لا يزال فيه العسكر هم القوة المهيمنة التى تسن القوانين وتشكل الحكومة وتحدد معالم الطريق لمرحلة ما بعد الثورة.  
تخرج العجمى السيد من المعهد العالى للسينما قسم الاخراج بعدما درس علم النفس فى جامعة عين شمس وعين منذ تخرجه مخرجا  بالمركز القومى للسينما . قدم عددا من الأفلام القصيرة الروائية منها يوميات حصان و ناس من الايام،  والوثائقية منها كتاتيب الأزهر، وكاركاتير الثورة – ورابطة فنانى الثورة . كما قدم حلقات وثائقية طويلة منها فيلم حوار الأديان ( من جزئين ) إنتاج تليفزيون المملكة العربية السعودية – القناة الأولى،  وفيلم عن تاريخ المملكة العربية السعودية - القناة اأاولى،  كما أخرج عدة حلقات تسجيلية عن الحياة اليومية السعودية فى رمضان. وجدت السينما الوثائقية مادة خصبة لها فى أحداث الربيع العربى، والأهم أنها تحررت من القيود الرقابية التى كانت تلزم صانع الفيلم بالحصول على تصاريح من عدة جهات ليتمكن من تصوير فيلمه، جموع المتظاهرين الذين تجمعوا فى ميدان التحرير بالقاهرة شكلوا فرق حماية لفنانى الثورة فمارسوا عملهم بحرية ورصدوا الحدث دون الحصول على إذن مسبق. وبقى فقط الرقابة الذاتية التى تملكت الكثيرين من فنانى العرب ومبدعيهم لتظل هناك مناطق محظورة يخشون الاقتراب منها، وهذه المناطق مازالت تشكل عبئا على الإبداع وتقلل من تميزه. ولا شك نحتاج وقتا ليصدق الفنانون أنفسهم أنهم تحرروا بالفعل وامتلكوا مصائرهم.