وجوه الثورة فى مسلسل وثائقى
" فنون الثورة"
والنجاح فى ربط الخاص بالعام
أفلام الشخصيات نوع من الفيلم الوثائقى المحبب لدى صناع الأفلام ومتلقيها كما تخصص له مهرجانات بعينها. ومن أشهر نماذجه " نجيب محفوظ ضمير عصره للمخرج هاشم النحاس أحد كبار مخرجى السينما الوثائقية فى مصر، وفيلم " إنجى أفلاطون للمخرج محمد شعبان، وفيلم " العمل فى الحقل" عن الفنان التشكيلى حسن سليمان للمخرج المبدع داوود عبد السيد. وفيلم "عبد العاطى صائد الدبابات" لخيرى بشارة الذى أرخ لحرب أكتوبر 1973 من خلال شخصية مقاتل .
اختار داوود حسن هذا القالب ليقدم من خلاله توثيقا للثورة بعمل مكثف فى خمس دقائق لكل وحدة من العمل مما مكنه من تقديم ما يشبه المسح الاجتماعى لمختلف الشرائح التى قامت بالثورة المصرية التى بدأت 25 يناير ومستمرة حتى الآن.
السلسلة أنتجتها شركة فنار ميديا التى تقوم على جهود عدد من المخرجين والمصورين والصحفيين الشباب وتحاول توثيق تجارب إنسانية، وإبراز عناصر الجمال في الشخصية المصرية، وقد تأسست عام ٢٠٠٨ وأنتجت العديد من الأفلام مثل "أمازيغ مصر"، وبعض التجارب التنموية المستقلة في مصر مثل "كفر ميت الحارون" و"البسايسة الجديدة" و" تفهنا الأشراف" وشركة فنار ميديا بهذا التوجه تجمع بين العمل التنموى فى خدمة المجتمع وبين توثيق مسارات التغيير فى مختلف المجالات، تدعم فكرة آمن بها رواد السينما الوثائقية فى مصر والعالم العربى، كما تقول المخرجة عطيات الأبنودى عن أن الفنان له وظيفة مجتمعية، وهو ما يتجلى فى فنانى الأفلام الوثائقية بشكل واضح.
بعد عدة لقطات وسط متظاهرى التحرير يقدم لنا نفسه ، محمد عواد منسق حركة شباب من أجل الحرية والعدالة وعضو اللجنة التنسيقية لحركة كفاية. ويقول بأن الهتاف له دور كبير فى تجميع الناس وخاصة عندما تكون لدى الهتيف المقدرة على اختيار ما يعبر عن الشعب. يمضى فى عرض تجربته ويتوقف بنا مع عدد من الهتافات التى وجدت صدى لدى المتظاهرين منها" مصر ياأم،ولادك أهم." المخرج يقطع على مظاهرة فعلية يتردد فيها الهتاف ونستكمل " بناتك أهم، دول علشانك شالوا الهم"، لن يحيد الفيلم عن طريقه من ربط الخاص بالعام وينجح فى وضع الشخصية فى إطارها العام بمكان التحرير فى مظاهرة تدور بالفعل، على نفس المنوال تستمر النماذج الأخرى التى تستعرض " فنون الثورة" فنتعرف على الخطاط خالد فوزى الذى يقف بنا على محطات عامة فى مسيرة الثورة كموقعة الجمل التى يسميها مجزرة الجمل ويشبه فاعليها بكفار قريش، يقول بأن الخط ينادى الناس أقوى مما يفعله الهتاف. فقرة أخرى من السلسلة مع فنان شعبى من صعيد مصر اسمه حجازى متقال، الذى أتى إلى القاهرة مرددا أغنياته ومواويله فى قلب ميدان التحرير، يكشف لنا كيف أن أغنياته السابقة على الثورة عبرت فى الكثير من معانيها عن معاناة الشعب وحلمه فى التغيير، وكنجم سينمائى يتجمع حوله معجبون من الأطفال يلتقطون معه الصور فى نهاية حميمة للفيلم . أما القلة المندسة فهم مجموعة من الشباب والفتيات أصدروا جريدتهم الحرة وأسموها "الجرنال " تقوم على إدارته سناء سيف وهى طالبة فى السابعة عشر تروى لنا بإيقاع الشباب السريع كيف تجمعت "القلة المندسة" عندما كان مصابى معركة الجمل يتجمعون فى بناية مطلة على التحرير. وكيف نجحوا فى إصدار مطبوعتهم التى يوزعونها بالمجان ليس فى القاهرة فقط ولكن فى عدة محافظات أخرى، وكيف يدور العمل بالتبرعات والجهود الذاتية دون دعم يقلل من حريتها. لقد بدأت الصحافة حرة قبل النظم الشمولية وأعادت الثورة لها حريتها ،هذا ما نجحت فى رصده المخرجة الشابة ياسمين ماهر فى فقرتها عن " الجرنالجية" .
وكما كشف المنتج الفنى عن عدد من الشخصيات التى ساهمت بأدوار متنوعة فى الثورة كشف عن عدد من المخرجين والمخرجات قاموا بتكوين فريق يتبادل الأدوار لصنع أفلام تتسم بالجدة ودقة المعلومة ورساخة البناء. من أنشط شباب المجموعة المخرج على كشك الذى قدم أكثر من فقرة مع زميلته مروة عامر وياسمين ماهر. لم تخرج الأعمال على تنوعها عن أسلوب حرص عليه المنتج الفنى حيث تبدأ الأعمال من العام إلى الخاص وتربطها طوال الوقت بالخلفية الحقيقية للأحداث، وتعود لتؤكد على الشخصية التى وجدت لها مكانا تحت سماء الحرية فى ميدان التحرير.
شاركت شركة " فنار ميديا" في توثيق الثورة من خلال عدد من الأعمال مثل: يوميات الثورة والطريق إلى التحرير، وفى سلسلة فنون الثورة من خلال عرض لشخصيات ومهن نادرة منها الهتيف، الخطاط ، رسام الكاريكاتير، الجرنالجية، الخطيب، المسرحجى، والمطرب الشعبى.
تروى طرفة أن المصريين القدماء كان من بينهم المهندس والبناء والزارع والطبيب، ومع كل مشروع حضارى كانت صفوفهم تتقدم وفى الخلفية منها طبالين وزمارين يستعدون للاحتفال انتهاء بالمشروع، ومع الزمن فقدت مصر طلائع المهنيين الذين مات أغلبهم فى الحروب والمشروعات الضخمة، وبقى فقط الطبالون والزمارون ، ويقال والعهدة على الراوى أن المصريين المحدثين هم أحفاد هؤلاء من الطبالين والزمارين. بقول آخر إن الحس الفطرى لدى المصرى بالفن والقدرة على ارتجاله يمثل قوتهم الناعمة التى تسم أفعالهم فتكون الثورة على الطريقة المصرية فنية ضاحكة ، ثورة ناعمة بالرسم والدعابة والغناء.
No comments:
Post a Comment