Wednesday 22 December 2021

شعار الدورة الحادية عشرة من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية

 

إعادة اكتشاف مصر 

 شعار الدورة الحادية عشرة من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية

إطلاق أفيش الدورة الجديدة بعناصر إفريقية ومصرية وإظهار الروح الشبابية التي تميز المهرجان

مناقشة منهجيات وآليات جذب الإنتاج السينمائي العالمي لمصر في مائدة مستديرة

جوائز المهرجان علي شكل القناع الذهبي لتوت عنخ أمون صممها الفنان التشكيلي العالمي محمد عبلة

اطلق مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية افيش وشعار دورته الحادية عشرة التي من المقرر انطلاقها في الفترة من 4 الي 10 مارس 2022 تحت رعاية وزارة الثقافة و وزارة السياحة والآثار.

قام بتصميم أفيش الدورة الجديدة الفنان الشاب محمود إسماعيل، و هو عبارة عن دمج ما بين الحداثة والتطور التكنولوجي في صناعة السينما مع التمسك بعناصر التراث البصري الذي خلفه لنا الأجداد في كل من الهوية المصرية وكذلك الهويات الأخرى للدول الأفريقية الشقيقة وقد تم استنباط العناصر المرئية في البوستر للتعبير عن السينما من خلال ( يد ) صناعها ممثلة للكادر السينمائي مع بعض الاكسسوارات المعبرة عن الهوية المصرية ودول أفريقيا ، كما جاءت الشمس كأحد رموز الحضارة المصرية القديمة كما تظهر درجات الألوان الروح الشبابية المميزة للمهرجان .

اما شعار دورة 2022 فهو يدور حول "إعادة اكتشاف مصر"، الذي يهدف إلى عرض وتوضيح التراث المصري لكل صناع الأفلام في العالم، وتأتي تلك الرؤية بالتوازي مع الاحتفالات المصرية بالذكرى المئوية للاكتشاف العظيم لمقبرة توت عنخ أمون في وادي الملوك بالأقصر- عاصمة مصر القديمة- على يد عالم المصريات البريطاني هاوارد كارتر عام 1922 ، وثانيا : (ذكرى المئوية الثانية لفك رموز اللغة المصرية القديمة من على حجر رشيد على يد عالم المصريات الفرنسي جان فرنسوا شامبليون عام 1822

و سوف تركز المائدة المستديرة الرئيسية للمهرجان علي اهمية و جماليات و فرادة مواقع التصوير الأجنبي في مصر للمساهمة في رفع الوعي العالمي تجاه مصر وكذلك محاولة فك العوائق التي تقف عقبة في طريق التصوير السينمائي الدولي ، و يذكر أيضا أن جوائز المهرجان يتمثل في القناع الذهبي لتوت عنخ أمون والذي صممه الفنان التشكيلي العالمي محمد عبلة منذ دورة المهرجان الأولي

المهرجان يهدف أيضًا خلال دورته المقبلة إلى مناقشة منهجيات وآليات جذب الإنتاج السينمائي العالمي، وبالتالي ينعكس شعار "إعادة اكتشاف مصر" على برنامج مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية لعام 2022 وأنشطته الموازية بوضع برنامج أفلام مصرية و عالمية التي تم تصويرها في المواقع الأثرية في مصر وكذلك وضع برنامج خاص الافلام المخرج المصري شادي عبدالسلام ، كما سيتم عمل كتالوج مصور لمواقع التصوير في مصر.

مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية تقيمه وتنظمه مؤسسة شباب الفنانين المستقلين بدعم من وزارات الثقافة والسياحة والاثار والشباب والرياضة والخارجية. وبالتعاون مع نقابة المهن السينمائية ومحافظة الأقصر وبرعاية البنك الأهلي المصري.

(رسالة المهرجان من المدير الفني عزة الحسيني)

تستضيف المدونة أخبار الدورة الحادية عشر لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية 


 

Tuesday 7 December 2021

بنات وبنات عبد الرحمن في مسابقة الروائي الطويل Ciff 43

 هموم بنات العرب وبنات الغرب

يشارك مسابقة مهرجان القاهرة 43 فيلمان يحملان كلمة بنات في عنوانهما " بنات عب الرحمن " الأردني لمخرجه زيد أبو حمدان، وبنات الإيطالي الألمااني لمخرجته ناتا نيول.  الفيلمان يطرحان علاقة البنات مع الأب، في فيلمنا العربي برغم العنوان " عبد الرحمن " لم يظهر الأب في العمل إلا كمختفي ونوقشت قضايا تتعلق بالبنات وعلاقتهن بالمجتمع، وخاصة ذكوره، زوجا أو جارا أو رئيس عمل. قضايا قهر المرأة زوجة وابنة، أو عزوبية قاهرة للمرأة زينب التي تفرغت لرعاية الأب بعد وفاة الأم. قضايا النساء في المجتمعات العربية واختلاف الأخوات كل حسب مقاومتها وجد لها المخرج مساحة للعرض بعد أن لجأ في السيناريو إلى إخفاء الأب لمدة يومين مما سمح بمناقشة تستعرض مشاكل كل ابنة وتكشف عن حقيقة تختفي وراء حجاب أمال / صبا مبارك، وتبرج أخرى لإرضاء زوجها، حرية الابنة الصغرى في اختيار نمط حياتها في سفرها الى دبي، ومأساة الكبرى التي تعمل بالخياطة وترفض العرسان لتتفرغ لرعاية والدها. أفسح المخرج لكل واحدة ما يشبه المونولوج لتبوح بما يعتمل في صدرها، وقرب النهاية سيعثرن على الأب في المقابر بجوار قبر أمهن. مشاركة النجمة صبا مبارك في الفيلم لافتة تظهر منتقبة انصياعا للزوج، وفي حركة أمريكاني تزيح الغطاء عن وجهها وتقود السيارة بمهارة تفوق أختها السافرة، وتتكشف قوتها في مواجهة الزوج وحماية ابنتها من زواج مبكر حتى لا تتكرر مأساتها. في الفيلم أيضا مرور عابر على عمالة طفل يتولى شئون مكتبة عبد الرحمن الذي لم يعد يعمل. 

أما في الفيلم الألماني فعرض المشكلة يتركز في احتياج الابنة إلى حب والدها والحاجة أن يعبر لها عنه سواء كان الأب البيولوجي أو كان الأب بالتنشئة زوجا للأم، كل ما تريده منه الابنة أن يحبها وأن يدعها تحبه. في الفيلم الغربي " بنات " افتقاد دور الأب في حياة بناته، وخوض الفتاتان وقد بلغتا الأربعين من العمر مغامرة شاقة لتستعيد علاقتها بالأب الذي حرمت منه أو الذي حرم منها. عرض مشكلة تخص أحلام الأب وكيف تساعده ابنته على تحقيقها، ومشكلة رغبة زوج الأم في التخلص من حياته وجهد الابنة في منعه من ذلك وتشجيعها له على مواصلة الحياة، مشاكل العالم الأول وجودية  لا تخص جنسا بعينه رجلا كان أم امرأة ، .أما في " بنات عبد الرحمن "  فالفكرة الرئيس عن قهر المرأة في المجتمع الذكوري مع طرح مشكلة المثلية الجنسية تم عرضها بمواربة دون وضوح كاف. مشكلة الزواج المبكر للفتيات وعمالة الأطفال، وضغوط المجتمع حتى لو كان الأب متفهما . فرصة كبيرة ومكسب هام أن نتعرف على حياة الناس في مجتمع الأردن بشكل واقعي متجاوزا الراما التلفزيونية، وأعتقد أن الفيلم سينافس على جوائز المهرجان في مسابقة الروائي الطويل أو في مسابقة أفضل فيلم عربي في جميع المسابقات. مشاركة النجمة صبا مبارك في التمثيل والإنتاج تجربة مشجعة لخلق سينما أردنية تضاف إلى السينما العربية صاحبة التجربة الأطول في مصر وتونس والجزائر والمغرب. 

فيلم بنات بدأ كرحلة ليوم واحد إلى سويسرا يتحول إلى رحلة برية عبر نصف أوروبا. ونتعرف على ايطاليا بمدنها الصغيرة وناسها المنفتحين على الآخرين دون الحكم عليهم أو اتهامهم بتهمة ما، تقول المرأة الشابة هل تعرف أكثر ما أعجبني فيك أنك لم تسألني عن أي شيء، الفضول والحشرية هذه الصفة البغيضة التي تعكنن على بنات عبد الرحمن من الجارات والأقارب ومن الشباب المتسكع المتربص بهن  في  الرايحة وفي الجاية ) كما نقول. هذا الأمر الضاغط على النساء بوجه خاص في مجتمعنا العربي لا وجود له في أوربا ويتفرغ بناته لعيش حياتهن ومساعدة الآباء وهم يقتربون من نهاية الرحلة رغم مشتقها للجميع. 

بنات يكاد يكون منقسما إلى جزأين نصفه الأول يطرح مشكلة مارثا وتعاونها بيتي في تحمل أبيها وحل رغبته الأخيرة في مقابلة حبيبة قديمة، والنصف الثاني يعرض حكاية بيتي التي تكاد تكون وحدها دون عون مارتا الأكثر هشاشة منها. تلتقي الفتاتان في النهاية وقد حلت كل منهما مشكلة تخص الوالد في رحلة تتطهر فيها الفتاتان من معاناتهن. في " بنات عبد الرحمن " تدور الأحداث في يومين في منزل الوالد حيث تجتمع الأخوات الأربعة وتحتدم الصراعات التي تكشف عن حقيقة الاختلاف بينهن ، تتبارى الممثلات كل في دورها ، ويحدث التطهر من المكاشفة والبوح .

صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 29 نوفمبر 2021 ريس التحرير عماد الغزالي


 

Monday 6 December 2021

أبو صدام رجل مهزوم في البيت والشارع شارك القاهرة 43 في المسابقة الرسمية

نادين خان مخرجة على الطريق

قرأت فيلم  " أبو صدام" على أنه نظرة نسوية للفحولة الزائفة عند الرجال، أبو صدام رجل مهزوم في بيته مع زوجته، وأخيها، ومعلمه وحتى من المغنية الشعبية التي كان مشهدها أحد مشاهد الفيلم الفائقة بل المشهد الفائق الأهم الذي طرح رؤيته بقوة على لسان المرأة التي لم نتأكد من كونها عاهرة بمقابل مادي، أم أنها فقط تتعامل بحرية (جيت معاك بمزاجي) وهي تلقنه درسا، تبعثر كرامته، وتسخر من اعتقاده القوي بفحولته ( ما تعرفوش تعملوا حاجة وانتم ساكتين، لازم هيصة) الحوار الذي سبق هذه اللحظة لا يكتبه إلا رجل، الحديث عن الليونة والحديد الصلب، كان خلفي أثناء العرض متفرج يمثل غالبية جمهور السينما المصرية، تنفجر ضحكاته ويبدو جاهزا للاستجابة لمثل هذه الكلمات، بل أجزم أنه يتوقعها، كلمات موحية  تصدم مشاهدين آخرين وتشعرهم بالنفور من صاحبها ومن الموقف ككل. بينما يتوح معها متفرج السينما المصرية التقليدية التي تعتمد على اللزمات والأيفيهات. استفزاز الرجال من امرأة تقود سيارة وتتفوق عليه في الطريق شائع في كل الطبقات، يكتسب في فيلم نادين بعدا طبقيا عن المرأة المسافرة بشورت في سيارة فاخرة. تضاف لهزائم أبو صدام مع زوجته التي تستجير بأخيها فينصفها على زوجها، وتضاف إلى هزيمته من المعلم الذي يطلب منه الاعتذار وهو حرنان، يتعرق من الضغط على أعصابه ورفضه التسليم بضعف موقفه، أبو صدام ، كنيته هذه تجعلنا نتساءل هل هناك قصدية عن ذكر دكتاتور العراق الذي أصبح مثلا على التعرض للإهانة القصوى ؟ أبو صدام  رجل غير قادر على الكسب ويبيع مصاغ زوجته، وتأتي المرأة وتجهز عليه قبل أن يتسلمه ضابط المرور الذي يحجزه فقط لأن مزاجه كده.  كم منا يمر في حياته بمواقف ضاغطة كالتي يمر بها أبو صدام مع اختلاف التفاصيل؟ كم منا يتظاهر بالقوة وفي داخله إحساس كبير بالمهانة وأنه ( رجل مش قادر يحكم بيته ) قد يكون أبو صدام شخصية واضحة الملامح للتعبير عن هذا التناقض ولكن مثله كثيرون على الطريق.

بدأ حفل افتتاح مهرجان القاهرة 43  بالسخرية من أفلام المهرجانات، وقال رئيس المهرجان أنه لن ينتج أفلام مهرجانات مرة أخرى، وتأتي نادين خان لتصرح في الندوة أن فيلمها يحقق المعادلة بين فيلم مهرجانات وفيلم للجمهور. لم يعرض الفيلم جماهيريا بعد ولكن رد فعل الحضور في العرض الأول لمهرجان القاهرة، والتهليل الشديد من جانب البعض أثناء العرض، والصمت من أغلب النقاد الحاضرين، هذه الحالة لا يمكننا الجزم معها أن الفيلم قد حقق المعادل الصعبة.

كتب محمود عزت السيناريو عن قصة لنادين هان التي تعرضت لموقف مشابه مع سائق للنقل كما صرحت في ندوة أعقبت عرض الفيلم، شارك محمود عزت في كتابة فيلم " فيلا 69 " لأيتن أمين عام 2013، باستناء لغة الحوار فالفيلم نسوي يعبر عن مخرجته التي اختارت موضوعا صعبا عن تريلا على الطريق، واختارت نجما محبوبا لم يتحرج من شخصية أتصور أن نجمي السبعينيات نور الشريف أو محمود عبد العزيز كانا سيرفضان القيام بها، ولا أستطيع أن أبعد عن تفكيري فيلم " ثلاثة عل الطريق " تأليف وإخراج محمد كامل القليوبي وتمثيل محمود عبد العزيز، كان النقد السياسي للقليوبي موازيا لتناول شخصية سائق النقل غير المتعلم وكان طوال الطريق يتلقى دروسا من الصبي المتعلم الهارب من أبيه وزوجته، ، هناك المرأة الراقصة وهناك مشهدهما معا بأسلوب كوميدي توافق مع فهم محمود عبد العزيز لشخصية السائق، وضعه المخرج في أجواء ضاحكة انتهت بقتله على الطريق من مروجي مخدرات قابلهم صدفة. سائق وطريق وامرأة ولكن في تناول مختلف تماما، وأسلوب سينمائي مختلف تماما، ملاحظة أسوقها للبعض ممن يسارعون باتهام آخرين بسرقة أفكارهم، تسيطر عليهم أوهام أن ما فكروا به ابتكار لم يسبقهم إليه أحد. لم يحقق أبو صدام الغاية من أفلام الطريق التي عادة ما تنتهي بتغير البطل تغيرا كبيرا وتغير مصيره فلا يعود نفس الشخص الذي بدأنا معه الرحلة، تنتهي رحلة فيلم نادين خان بلا أي تغيير في حياة بطليها، فلم ينجح حسن التباع/ أحمد داش في سرقة نقود العهدة، ولم تتغير هزائم أبو صدام / محمد ممدوح لا مع زوجته أو معلمه أو ضباط المرور المسئولين عن الطريق. يشعر المشاهد المعتاد على الحكايات التي يخرج منها بعبرة ما بالإحباط، فلا شيء تحقق ولم ينتصر أحد في معركة الطريق. المنتصر الوحيد في رأي نادين خان وفريق فيلمها الذي عبر زمنا صعبا تواجه فيه السينما المصرية مأزق الاختيار بين البقاء كصناعة مربحة يقبل عليها الجمهور وبين بقائها محاصرة في قاعات لا يتابعها سوى ضيوف المهرجان. نادين خان على طريق قطعه الوالد بأفلام يحبها الجمهور العام  وتحظى بقبول النقاد دون تحقظات كبيرة من جانبهم. 

 

ملحوظة: كتبت المقال قبل إعلان نتائج المسابقة الدولية، حصل الممثل محمد ممدوح على جائزة أفضل ممثل من لجنة التحكيم الدولية التي رأسها المخرج الكبير المحبوب أمير كوستوريتسا وضمت في عضويتها نجمتنا المحبوبة نيللي كريم .وقام بتسليمه الجائزة الممثل المخضرم رشوان توفيق . 

                                                                                                 صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 8 ديسمبر 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي   

 

Sunday 14 November 2021

قيم اجتماعية في أفلام السبعينيات المصرية

شيطنة النساء وتفوق الرجال

مضت الخمسينيات والستينيات  بأفلامها التي تعكس قيما تعبر عن مصر في المرحلة الأولى من نظام يوليو بطموحاته وطرحه لقيم اجتماعية متغيرة، كان العالم كله شهد ثورة الشباب في الستينيات وقامت في أوربا حركة 68 وانتقلت الى مصر ظواهر من هذه الثورة فارتدت الفتيات الملابس القصيرة، وارتدن الملاهي الليلية، وعكست أفلامنا نماذج من شابات وشباب يتحركن ويتحركون بحرية وأسرف المخرجون في عرض هذه المظاهر دون التخلي بالطبع عن ترديد الحكم والمواعظ على لسان الأمهات والآباء، بل على ألسنة الرجال الذين ينطلقون مع الفتيات ثم يتبرأون من مسئوليتهم ويلبسون ثياب الحكمة ولا يخلو فيلم من صفعات على وجوه النساء الضالات ، وحملت عناوين الأفلام إهانات للمرأة، فهي "المرأة التي غلبت الشيطان" ، و"الشيطان امرأة" ، و"فتاة تبحث عن الحب" و"العذاب امرأة " 1977 الذي سأتوقف عنده وقد بقي في ذاكرتي كفيلم جيد الصنع قامت فيه نيللي بأداء تمثيلي كبير، وسبقها في العناوين محمود يس وقبله نجم مصر الأول. كما كتب في العناوين أيضا أن الفيلم مأخوذ عن مسرحية الأب تأليف سترندبرج . وجدت نصها في كتاب مصور. ترجمها وديع فلسطين الى العربية  في مايو 1945، كاتبها مولود 1849 وتوفي عام 1912، في مقدمة ترجمته يقول عنه ( يميل سترندبرج إلى التعرض للحزازات الجنسية،  والنزاع بين آدم وحواء)  ويبدو أن القضية التي شغلت أوربا أواخر القرن التاسع عشر شغلتنا في النصف الثاني من القرن العشرين ، قضية "الأب" وهل يمكن التأكد من نسب الطفل لأبيه ؟ أجرى السيناريست على الزرقاني تعديلات على الشخصيات ووظائفها، ونقل حرفيا جملا حوارية قيلت في الأب وكان التحوير الأكبر عن الدافع لتصرفات الزوجة، في فيلمنا "العذاب امرأة" كان سببها الغيرة من نجاح الزوج وغيرتها عليه من زمالته لطبيبة بينما في الأصل المسرحي كان الدافع رغبتها في الوصاية التعليمية على ابنتها، ولا يوجد خط الغيرة من امرأة أخرى وان بقيت الغيرة من تفوقه العلمي وانفاقه النقود على كتبه وأبحاثه، في الفيلم المصري تحول الضابط كمهنة رفيعة في أوربا القديمة الى طبيب نساء وتوليد ناجح في فيلمنا المصري. أسهمت السينما المصرية في ترسيخ الفكرة السائدة عن المهن الرفيعة وعلى رأسها يأتي الطبيب. محمود يس بشعره المفرود خلافا لعماد حمدي بطل الخمسينيات والستينيات بشعره المفروق الخشن كرجل مصري أفريقي وان جمعهما الظهور بملابس رسمية ومهنة الطبيب. الزوجة لا تفعل شيئا سوى توبيخ الزوج والتدلل عليه في الفراش، سمة أخرى موجودة في أفلامنا فكل الزوجات تتمنعن عندما يريد الزوج أن يمارس معها الحب، فيتركها غاضبا وينام على كنبة في مكتبه. أفلام أخرى تصور الزوجة شبقة تسعى للجماع بينما الزوج متعب أو مشغول ذهنيا، الحاصل أن العلاقة الجنسية محل خلاف ولا يوجد توافق إلا بين امرأة ورجل لا يجمعهما رباط الزواج، وحتى هذه العلاقة تتسم بخداع طرف للطرف الآخر، المرأة لتحصل على مكاسب، والرجل ليستغلها ويتمتع دون روابط زوجية أو أعباء. هذا التوتر في العلاقات هو ما يدعم الدراما في أغلب الأفلام وبدونها يتم اللجوء لضغوط أخرى اجتماعية كعدم المقدرة الاقتصادية على الزواج وتكوين بيت والإنفاق عليه، أو تدخلات العائلات وفرض شروط على راغبي الزواج . في فيلم "العذاب امرأة" مرور عابر على الرفض الأولى من والد الزوجة للزواج من الطبيب للفروق الاجتماعية بين أسرة الزوجة الثرية وبين أسرة الزوج التي مازالت تسكن في المنيرة، مرور عابر ليتم تناول المرأة مسيطرة وتغار من الرجل وترفض تفوقه رغم أنه سبب حياتها الرغدة الفارغة التي نشاهدها في الفيلم، الزوج يعمل بجد في مهنته المرموقة كطبيب وهي لم تعد تعزف على البيانو ولا تكسب بطولات في السباحة وتفرغت لبيتها ولابنها، رغم أن عاملة منزل هي التي تقوم بأعبائه ولم نشهد سوى خروج الزوجة من الحمام ببشرة وردية تضع الكريمات وتتدلل على الزوج ، تتمنع عليه وهو يطلب منها التفرغ ليقضوا ليلة كزوج وزوجة، لن تتحقق لإصرار الزوجة على فرض رأيها بدفعه لقبول عرض للسفر الى الخارج مع رفضه لأنه يرى أنه ناجح بالفعل. وحتى لا يبدو صانعا الفيلم كارهين للنساء فهناك مساعدة الطبيب امرأة محبة تحترم رئيسها وتنشغل به، دون رغبة في الزواج منه أو تحقيق مكاسب من ورائه. تبقى الزوجة الجبارة المتسلطة كما يصفها والدها اذن هو طبع لا يتوافق مع النساء الأخريات في الفيلم، الطبيبة المساعدة وأم الزوج، وامرأة خائنة حملت من غير الزوج وتريد أن تجهض لأن ضميرها يأبى أن تخدع زوجها، ونصل إلى عقدة الفيلم، (هوه مش هيعرف ولكن ضميري يعذبني)، وبعد رفض الطبيب القيام بعملية الاجهاض يوحي لنا الفيلم أن المرأة وضعت طفلها وهاهي وزوجها يتنزهان والزوج يحمل من يعتقد أنه طفله وفرح به. مشهد من خيالات د. جلال يأتي على لسان بطل مسرحية الأب . (ليس للرجل أطفال .. الأبوة لا يمكن اثباتها .. أولاد زوجتي.. الخيانة الغريزية، سرد في المسرحية يثبت أن النساء كلهن واحد وأنهن خائنات.. الأم الصديقة والزوجة العدوة . والحب بين الجنسين صراع.) جمل تلخص رأي سترندبرج يتبناها صانعا الفيلم المخرج أحمد يحي وكاتب السيناريو علي الزرقاني .


حل العلم الحديث مشكلة اثبات النسب عن طريق بصمة الحمض النووي التي  تثبت نسب الابن لأبيه أو تنفيه بدرجة تقترب من الكمال، كثير من أفلامنا أصبحت عقدتها بلا معنى الآن بعد الكشف العلمي الذي حسم الأمر دون تكهنات وقطع الشك باليقين وبقيت أمور أخرى معلقة منها الولاية التعليمية حديث العصر بعد تزايد حالات الطلاق والخلاف حول من يقرر طريقة تعليم الطفل والمدرسة التي يلتحق بها .

صفاء الليثي

نأتي إلى سرد للفيلم "العذاب امرأة " 1977

مشهد ما قبل العناوين، صفية العمري في مطعم ويظهر الجرسون، تندهش تسأل عنه تعرف أنه صادق تتصل بعمر الحريري لقيت د. جلال ، متأكده هوه هو ثم لافتة د. جلال متولي أ. د. نساء وتوليد وتنزل العناوين نجم مصر الأول محمود يس، وتحته نيللي في لوحة واحدة. ولوحة اسم الفيلم وتحتها الفكرة مستوحاة من مسرحية الأب لسترندبرج. المخرج أحمد يحي. الطبيب يصل لبيته يستقبله ابنه ، يشغل له اسطوانة بأغنية أطفال اضحك، منزل أسرة متوسطة عليا يسأل الشغالة على الست، في الحمام، يلاعب ابنه منحني على الأرض فجأة تظهر أقدام السيدة وسيجاره في يدها وتلت اب عليها بروب حمام وفوطة توبخه . تقديم موفق لكلا من الأب والأم واختلاف العلاقة مع الطفل. كادر يعبر عن سيطرة ايناس نيللي . ثم هو راغب فيها (هنشرب نبيت) وهي تتمنع يقاطعهما الطفل الكفتة هتبرد. في السرير تعطيه خطاب يطلبه للعمل في لندن هي تريده ان يسافر وهو يرفض(ناجح في شغلي هنا أسافر ليه) تأتيه مكالمة تليفونية ويقوم بتوليد سيدة لخمس توائم ويصبح حديث الصحف، (وراء كل رجل عظيم امرأة) يقول المذيع في اللقاء الإذاعي تتحدث عن تفوقها السابق وتعطل كل شيء بسبب زواجها، غيرتها من عمله واضحة وهو يحاول احتواءها. متضايقة علشان أنا بأكبر؟ أنا لسه ابن الحاج متولي وأمي ساكنة في المنيرة. الحوار منطقي من ناحيته وهي  تأكلها غيرة كمن يشعر بالنقص. المشاهد تتلاحق لتكمل رسم الشخصية، هي تعزف على البيانو في منزل والدها أشبه بقصر، أنيقة جدا وشعرها مرفوع كملكة بعقد من اللؤلؤ المستعار، يصل من عمله ويحكي عن السيدة التي حملت من غير زوجها وتشعر بالذنب، ويصبح الأمر حديث المجتمعين وهي تسرح كمن واتتها فكرة.

يسقط الفيلم في خطأ كبير حيث يبوح الطبيب بأسرار مرضاه وتصبح محلا للتفكه من الحاضرين حفل عيد ميلاد الأب الثري، وجدها المؤلف حلا سهلا لطرح الفكرة الرئيس للفيلم ، نسب الأطفال لآبائهم والخيانة الزوجية التي ستدعيها الزوجة المتسلطة لتنتقم من الرجل عدوها في هذا الرباط الزوجي. الذي عبر عنه الكاتب المسرحي السويدي أوجست سترندبرج وذكره بحوار صريح ينقله نصا علي الزرقاني دون مراعاة اختلاف الزمن أو طبيعة عمل الزوج الذي تتغذي شكوكه من اعترافات مريضاته. والأب في فرحة عيد ميلاده يداعب ابنته (الله يكون في عون اللي يعاشرك، ويدافع الزوج (بالعكس ايناس لطيفة جدا). بينما هو شارد في خيانة امرأة العيادة واعترافها له بحملها من غير زوجها. مجموعة المشاهد التالية يمنح فيها الزرقاني سببا لاشتعال غيرة الزوجة فتبدأ في إثارة جنونه وتشككه في أبوته لطفلها. وتماما كما يحدث في مصر يترك الرجل البيت ويذهب الى سليم وهو قريب له يتعاطى مخدر الحشيش ونعرف أنه طلق زوجته التي نادت عليه باسم حسن بعد أن أعد لها (قعدة مزاج) أداء كوميدي من الممثل نبيل بدر وصفعات على وجه الزوجه وكأن المخرج يؤكد على استحقاق كل امرأة للضرب لسبب أو آخر. القطع على الزوجة تدخن في السرير وقد حملت ابنها لينام بجوارها، جريمة أخرى مرفوضة من الرجل ومن الأم بالذات أن تلوث الهواء حول الطفل، امعانا في رسم شخصيتها غير المسئولة، السهرة انتقلت الى عوامة ومغنية تغني، كل الحاضرين رجال في دورالأعمى سلطان يقوم بدوره الممثل علي الشريف ببراعة، التحابيش المصرية والتوابل التي تميز السينما المصرية، وموقف كوميدي حين يطلب منهم الأعمى معرفة عددهم كل واحد يقول اسمه، فيكون بينم شخص اسمه حسن فينهال سليم عليه ضربا. ونصل إلى المشهد الأعنف بحوار مأخوذ تقريبا من مسرحية الأب وايناس بقوة تقول أنها ستعلن اسم الأب الحقيقي. أندهش من هشاشة الأب واهتزاز يقينه بنسب ابنه إليه، يأخذ الطفل ويجري له تحليل دم، رغم أنه ذكر أن التحليل ليس كافيا لاثبات النسب.ولأننا نعرض فيلما مصريا فلا يكفي عرض فكرة واحدة وتحليلها من كافة جوانبها بل ندخل في أمر آخر يتعلق بفقدان الذاكرة بديلا عن اتهام بطل مسرحية الأب بالجنون، تناولت أفلام مصرية كثيرة فكرة فقدان الذاكرة لصياغة دراما مشوقة. وبالبحث عن مدى علمية المرض وجدت تعريف يمكن أن يكون متوافقا مع الفيلم اذ أن فقدان الذاكرة المؤقت يحدث بسبب القلق والاكتئاب والتوتر ويحدث بسبب تعاطي المخدرات. في الفيلم وفي جلسة الحشيش الثانية سيسقط مغشيا عليه، سيتصورون أنه مات تقوم رفيقة الأعمى بإفاقته وحين يجري ينسى من هو ويصبح الجرسون صادق ونعود من الفلاش باك الطويل جدا. ولا ينتهي الفيلم نهاية تضايق الجمهور وتنجح جهود الطبيبة المساعدة وحماه وأمه والطفل في تنشيط ذاكرته، ويستعيدها تماما حين تعيد عليه الزوجة الذكية الموقف الذي سبب انهياره ويصفعها عدة مرات ويجري على ابنه الذي أصابته حمى نتيجة الضغط النفسي. أرضى أحمد يحي غرور رجال مصر بانتصار الزوج والد الطفل بعد أن تثبت من نسبه إليه، ليس عن طريق التحليل ولكن بهذا الإحساس الخفي الذي تؤكد عليه أفلامنا منذ القدم، حاسة سادسة تربط الابن بأبيه، أو أمه فيصرخان، ابني حبيبي ويحتضنه بقوة. أما السويدي أوجست سترندبرج فقد أنهى مسرحيته بإلباس الزوج رداء المجانين وفازت الزوجة بالوصاية على ابنتها ووضعت يدها على ثروة الزوج رغم تأكدنا من أنه والد طفلته ومن أنها هي التي دفعته إلى الشك والجنون.

زواج صوري بالوكالة

ارتبطت نجلاء فتحي في ذاكرتي بفيلم " دمي ودموعي وابتساماتي " 1973 كان احسان عبد القدوس قد بدأها كرواية ونشرت سلسلة في أخبار اليوم ثم توقف لنشر مقالات سياسية وعندما عاد إليها كتبها في صيغة" أدب سينمائي" وفي ذهنه أن تعد للسينما مباشرة. تبدأ بوصفه لأسرة أب وأم ولدين اختصر الفيلم الى ولد واحد وناهد في الثانوي أزاحها الفيلم الى الجامعة. بينها وبين عصام حب جاد نظيف، حوار الفيلم منقول بالنص من الكاتب، فقط جرت تعديلات على أماكن الحدث، الكويت انتقلت الى سوريا وبقيت المغرب. يبدأ الفيلم بلوحة شكر لسوريا ولبنان والمغرب والعناوين تكتب على مشهد لرفع الأثاث من فيلا بينما نجلاء تراقب حزينة وسنعرف من الحوار أن تنقلهم المعيشي يحدث كثيرا نتيجة طبيعة عمل الأب في الاستثمار. نجلاء بميني جيب في شقتهم الجديدة والكتب والأشياء في الكراتين، تخرج مسرعة لتلحق الجامعة وتقابل عصام الذي اقتحم التاكسي الذي تركبه ليشتري لأمه الدواء. تقديم مكثف لشخصيات العمل نجح فيه كاتبا السيناريو محمد مصطفى سامي وكوثر هيكل. تنتظره بعد عودتها من الجامعة ويتعارفان، هي كلية آداب وهو سياسة واقتصاد، تتطور العلاقة سريعا ونراهما يتنزهان في حديقة وقبة الجامعة تظهر في الصورة، صباح تالي تخرج (هأذاكر عند صاحبتي) أكاذيب الطبقة الوسطى المصرية، هي مع نور الشريف يعطيها هدية عيد ميلادها، صورتهما منعكسة على الماء مهتزة تعطي دلالة على مشكلة قادمة بينهما، الوحدة المشهدية التالية ليلة عيد ميلاد ناهد وحضور سليم صديق الأب الممثل صلاح نظمي من عمر أبيها، مع هدايا قيمة وعرض سريع للزواج من سعيد ابن أخيه، يظهر لها صورة لا نراها. تلبس هديته  فستان أحمر يبدو لي كقميص للنوم ، يطفئون الشمع يقبلها الجميع وأونكل سليم أيضا. عقدة الفيلم واضحة فتاة صغيرة تحب شابا يناسبها، ومصلحة الأسرة في تزويجها من عريس أونكل سليم، وسيتضح أنه زواج صوري بالوكالة، وسيتهجم عليها سليم في فندق ببيروت، وينهرها حين تتمنع ( انت لسه ما فهمتيش ولا ايه، أنا أبوك قدام الناس، وجوزك بيني وبينك) حين يحضر العريس يوبخها ده عقد بيني وبين عمي زي عقود الشغل. زواج الوكالة انتشر في مصر مع الانهيار الاقتصادي حيث تشحن العروس وغالبا تكون فتاة صغيرة الى زوج لم تقابله، ناهد يودعها أهلها في المطار بفستان الفرح إلى مجهول ستقاومه حتى تظهر عائلة سورية وصديقهم ممدوح ينقذونها ويتم الطلاق وترد لأونكل سليم هداياه التي اشتراها لها بما فيها (الفستان اللي عليك شاريه بفلوسي). رغم قسوة الحدث فلا تناول ميلودرامي من المخرج وفريق الفيلم بل عرض صادق لواقع مرير عن كيف تضحى أسرة بابنتهم الجميلة ليتم إنقاذ الأب من الإفلاس ويكمل الأخ تعليمه ويتوظف. إيقاع الفيلم مشدود فرغم مرور 50 ق انكشفت فيها الخطوط ما زال لدينا مفاجآت إذ أن ممدوح الذي أنقذها من الزواج الصوري سيتقدم لها ثم تدريجيا سيتركها للكبار ممن يرغبونها ليحقق مكاسب في عمله، ومع ظهور كمال الشناوي الثعلب العجوز تنهار مقاومة ناهد وتستسلم لعباس بيه، قدم الشناوي شخصية شريرة باسم عباس في المرأة المجهولة، واختيار الاسم يؤكد للمشاهدين الصورة لهذا الذئب الكبير، ممدوح في حيرة وناهد تعلمت الدرس، تلعب لحسابها وتتحول تدريجيا إلى مومس برعاية زوجها ، حسين فهمي يمثل انقلابا دراميا لنا فبعد أن بدا أنه أنقذها من عذابها وملأ حياتها ابتسامات، ستعود للتفكير في عصام الذي تحبه بالدم، يظهر في نهاية الفيلم بعد أن حقق أحلامه تخرج بامتياز وسيذهب في بعثة الى فرنسا التي ستذهب هي اليها مع زوج ديوث عشيقة لرئيسه ومحظية لكل من تربطها به مصلحة ليحقق الزوج صعوده الطبقي وتغرق هداياها أسرتها ويتوظف أخيها. هذه الأجواء في تحولات الحالة الاقتصادية بمصر لا تناقش بالشعارات ولكن من خلال انعكاسها على مصير فتاة شابة لأسرة متوسطة تتعثر بسبب تعثر تجارة الأب. ونشهد بالفيلم كيف تسير الأعمال، يجعل زوجته تصعد الى حجرة رئيسه الذي يرغبها بينما هو ينتظر ويشرب. صورة شديدة القسوة نجح في عرضها فريق الفيلم وقامت نجلاء فتحي بدورها وعيناها تعبر عن دهشتها وعجزها واستسلامها لمصير المرأة التي يتم التضحية بها ليصعد الجميع. 

صفاء الليثي

قصص حب بعيدة عن العذرية

قبل " دمي ودوعي وابتساماتي " بعام واحد أخرج حسين كمال " أنف وثلاث عيون " 1972 من إنتاج ماجدة، وقامت نجلاء فتحي بدور شبيه لدور ناهد، نجوى العين الثانية وعمو عبد الفتاح بيه زوجها بورقة عرفية، صلاح نظمي أيضا برعاية ماما عزيزة خالتها التي تبنتها وسوقتها للرجل الثري. استغلال الفتيات حكاية من حكايات العمل الأدبي " أنف وثلاث عيون" ومعه حكايتين حكاية أولى وثالثة فرعية يربطها رجل واحد يمثله نجم الفترة محمود يس.

كيف "أنف وثلاث عيون" يعني، أشارت صديقتي السورية ، زميلة الدراسة بمعهد السينما بيدها ضاحكة ، وانتبهت عن العيون الثلاث والأنف بما يحمله من إيحاءات جنسية، وبعد إعادتي مشاهدة الفيلم تأكد معنى الرمز عن الطبيب الناجح وزير النساء، الأنف  للبطل الذكر الوحيد، وستكون العيون الثلاث هن على التوالي كما ظهرن بالفيلم ،ماجدة، ونجلاء فتحي، ومرفت أمين.

ماجدة تتصدر العناوين ثم احسان عبد القدوس نجلاء فتحي محمود يس مرفت أمين، ماجدة كنجمة مع شلة النادي (أنا اتجوزت وانتوا لأ، هوه راجل طيب وبيفسحني ومش مخليني عاوزة حاجة . ما قلتيش انك بتحبيه، بكره أحبه ) ثم السهرة في ملهى ليلي مع الزوج ثم يظهر الأنف د. هاشم عبد اللطيف ، تروج أفلامنا لما يسمى بالمهن الرفيعة، زوجها يعرفها به (دكتور شاطر قوي)، السرد يسير بين حياتها مع زوج المستقبل والعائلة وشلة النادي بينهن ماجدة التي يصعب علي تقبلها كفتاة صغيرة، هي وقت تصوير الفيلم تخطت الأربعين والدور مكتوب لفتاة في السابعة عشر، ولم ينجح الفيلم في تعويض ماكتبه عبد القدوس عن اعجابها بجسدها واعتقادها بأنها تستحق رجلا أفضل من عبد.السلام، تستحق الأنف ، تبادر بالاتصال به، (ممكن تقولي هتسهر فين علشان ما أرحش الحتة اللي هتروح فيها ، طيب ما تروحيش يا باردة) يعرض عليها الزوج السهر في البيت ولكنها وكأنها تتوعد من يلاحقها بإغوائه تقرر السهر بشبرد حيث د.هاشم ، يقدم حسين كمال هاشم بلقطات مقربة تظهر أنفه شامخا إمعانا في تمجيد الذكورة. وسامة رجل شرقي بشعر أسود وأنف عريض كبير. وستمضي المطاردة فتذهب العيادة كمريضة، تصر الممرضة على أن تخلع ملابسها للكشف، هي خجلة ومشهد بالغ المخرج في زواياه ليعبر عما كتبه احسان،(ذهبت اليه كامرأة الى رجل وليس كمريضة لطبيبها). تكون قد خلعت دبلة الزواج وتقدم نفسها كآنسة، سنسمع بالطبع جملة انت ما فكيش حاجة أبدا ، يعطيها دواء أعصاب ورقمه الخاص وتبدأ العلاقة، يحدد موعدا في بيت له مع قهوة يعدها على مهل، ماجدة راغبة ولكن لاعتبارات رقابية أو للتوزيع لا يوضح الفيلم حقيقة العلاقة التي صورها الكاتب علاقة حسية مع تركها بكرا للزوج، الفهم متروك للجمهور، يعتمد صناع الأفلام المصرية على ذكاء الجمهور والحدق يفهم. ماجدة هي المنتجة وأجدها " ميسكاست" لا تناسب الدور الذي يشغل ثلثي الفيلم التزاما بطول القصة الأدبية. تريد الطلاق ( مش قادرة أستلطفه، طيب اتجوزتيه ليه ، كنت فاكرة اني ممكن أحبه) ومنطق الأم ( مين اللي قال ان الحب ضروري علشان الواحدة تتجوز)  ستتزوج ناهد بعبد السلام، تتحجج بحماتها وتعود لبيت أسرتها والدها يشجعها على الطلاق ( في حد يستحمل جواز من غير حب، اسأليني أنا الجواز نظام بايخ ، وإذا ما كانش فيه حب وفرفشة ما حدش يستحمله) تعود وتقابل هاشم العشيق وتتعامل معه كزوج تعد له العشاء وتوقد له الشموع،هي تريد البقاء معه ((بيت أحبه، ماليان حب وحنان، مش ورقة ومأذون ويس ) تتغير شعاراته (مفيش بنت محترمة تقعد مع واحد كده مهما كانت صلتها بيه ) يصدها وينصحها بالعودة الى أبيها بينما يكون قد تعرف على العين الثانية نجوى، نجلاء فتحي التي تصاب بنوبات مرضية، وسنعرف أنها محظية رجل كبير تسميه عمو، ينفق عليها ويشتري لها سيارة تقودها وتنتظر هاشم تحت بيته ولا تصعد، يرتبط بها بشكل رومانسي وحين يفكر في التقدم للزواج بها تخبره عن وضعها (أنا بتاعت عبد الفتاح، أنا مش بتاعة جواز يا هاشم) وكأنها صفعة على وجهه تردد الجملة التي رددها لأخريات، ينهار ويلتقي بالعين الثالثة مرفت أمين نموذج سبعيناتي متحرر، ترقص وحذاءها في يدها تلقى به على مائدة هاشم ونجوى في لقائهما الأخير، وتبدأ في مطاردته ولأمر لم أفهمه تنوي الانتقام منه والسخرية منه حين يأخذها في مكان هادئ لشرب القهوة، ايه ده أهل الكهف، المتحف المصري، هي وكأنها ترتدي جاكيت بدون بنطلون، في نفس شقته والقهوة، يفتح فمه لها في قبلة شبقة، وكأنه وجد ضالته أخيرا بلا لف ولا دوران أو أوهام غير واقعية، مرفت أمين في دور رحاب تظهر في كل مشهد بباروكة مختلفة، تصحبه لمكان كله شباب يسخرون منه، كوباية مايه ياعمو. بعدها ينفعل عليها، (مين عصام ده، رجلين في وقت واحد، هوه احنا في باريس!!.)، انفعال هاشم يعبر عن الرجل المصري الذي يسمح لنفسه بممارسة علاقات مفتوحة دون أي ضوابط، ثم يستنكر ( أنا راجل وانت ست، فترد رحاب وكأنها صوت صانع الفيلم ( الكلام ده كان زمان، الدنيا اتغيرت، الناس طلعت القمر، ما بقوش بيشربوا قهوة بيشربوا سجاير وفيها حاجات كمان). هو وحيدا في بار وفجأة يشاهد ماجدة وقد تحولت الى فتاحة في الملاهي الليلية. وجه هاشم مندهش، تتر النهاية على وجه ماجدة والكأس في يدها يدها، الرجل غير المسئول والمجتمع الذي  يدفع المرأة الى الانحراف. في خضم الأحداث فاتني ما حدث مع أمينة بعد طلاقها وتهرب هاشم منها تتعرف على حسن/ جلال عيسى وتكون سمعتها مشجعة له على إغوائها وإقامة علاقة معها دون زواج ( ما احنا متحوزين ناقصنا ايه) تمضي ستة أشهر ثم يترك مفتاح بيته لصديقه الذي يهجم عليها. 

هل يرفض الفيلم فكرة أن الحب يأتي بعد الزواج، هل يرصد أن كل إنسان مسئول عن تصرفاته ولا يوجد ضحية وسط كل هذه العلاقات المتشابكة، هل نجوى ضحية خالتها وعمو العجوز؟ هل أمينة ضحية انفصال والدتها عن أبيها وعيشها مع زوج أم فأرادت أن تتزوج ليكون لها بيت كما قالت في الفيلم؟ من المؤكد أن رحاب ليست ضحية لأحد وأن ما تفعله اختيار خاص بها وتمرد على مجتمع تصفه بأهل الكهف، هي الوحيدة المتصالحة مع نفسها ولا تلقي باللوم على أحد غيرها.

في فقرة دعائية عن الرواية تتحدث عن أسلوب الكاتب ( يسحبك إليه بخفة تعيش فيه تتفاعل معه... ترفض حيناً وترضى أحياناً، لما يجول في عقليات شخصياته من أفكار وبما يحملنه أو يتجاهلهن من قيم اجتماعية وخلقية... ولكنك وبكل الأحوال تمضي إلى نهاية المطاف مع ذاك الأنف وتلك العيون الثلاثة.)

تحايل صناع الفيلم على البعد الجنسي للموضوع  لكن ما يبدو واضحا أنهم يتناولون قصص حب بعيدة عن العذرية، رغم شموع أمينة، ونزهات نجوى البريئة مع هاشم واعترافها (أنا بتاعت عبد الفتاح) فقط مع رحاب صورها وقد اعتلته في السرير، راكبة فوقه بباروكتها الحمراء، لا خجل ولا تمنع بل ندية علاقة بعيدة عن العذرية.  يمكن اعتبار الفيلم إدانة  للكبار أمهات وآباء فهم سبب ضياع بناتهن وسبب تأخر زواج الطبيب الناجح الذي يتعرض للغواية وتطارده الجميلات طمعا في زوج ثري وسيم لسه ما اتجوزش.

هامش: المقال استكمال لسلسلة مقالات عن أفلام الخمسينيات والستينيات صدرت في كتاب " القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا " والأفلام المختارة عينة عشوائية لاكتشاف الكامن من القيم في ثنايا هذه الأفلام ، ليست أفضل الأفلام ولا أهمها ولكنها تمثل علامات على طريق مشوار السينما المصرية عبر تاريخها الطويل.

صفاء الليثي

نشرت الدراسة في مجلة إبداع العدد 26 أكتوبر 2021 رئيس التحرير الشاعر ابراهيم داوود


 

 

 

Tuesday 26 October 2021

في معرض كيشلوفسكي بقاعة المعارض بالجامعة الألمانية ( الجونة 5 )

 إبداع المخرج الفني أنسي أبو سيف

يطالعنا وجه مرسوم بالحفر وتحته تاريخ الميلاد ثم يسارا لوحات رسمها الفنان التشكيلي البولندي أندريه باجوفيتش، أفيشات فنية مختلفة عن أفيشات الأفلام والبداية مع أفيشات الثلاثية ( أزرق، أبيض ، أحمر) ولوحات أخرى  سبق عرضها بمهرجان كان وأحضرتها شركة اكس لاب التي قامت بتنفيذ المعرض الذي صممه منسق المناظر الفنان أنسي أبو سيف ووضع اللوحات بنفس إطارتها،


اختار كادرا للمخرج المكرم الكبير كيشلوفسكي يشير بأصابعه، أنه رفض قبوله بمعهد الفيلم البولندي ثلاث مرات، الكادر المختار يشبه علامة كادر السينما التي يشير بها السينمائيون. كادر أصابعه الثلاث يغطى جانبا من وجهه اختاره أبوسيف مفتتحا للمعرض، في الواجهة على اليمين كلمة ستانلي كوبريك عن كيشلوفسكي على خلفية سوداء باللغتين الإنجليزية والعربية وعلى اليسار، (كنت دائما أمام السمة المميزة لسينما كيشلوفسكي ، لكن تلك السمة بدت جلية بالنسبة لي عندما شاهدت الوصايا العشر بأن كيشلوفسكي لديه قدرة فريدة على تحويل ما يحمله من أفكار إإلى دراما )  ثم وجه كيشلوفسكي على كادر من فيلمه " الهدوء " حيث الناس يجرون متفرقين.

في الممر التايم لاين لسنوات هامة مكتوبة بعرض الحائط وفي المواجهة بداية من مولده وتطوره وينتهي بكادر له يراجع تكوين كادر في فيلم يصوره، تصميم مدهش لقاعة عرض صغيرة بكراسيها وشاشة عرض لفيلم عن حياته يمكن لزائر المعرض أن يستريح ويشاهد الفيلم، وإذا استدار خلفا ستتابع ثلاث شاشات متجاوره تتبدل عليها كادرات من ثلاثية الألوان أشهر أعماله، وحين تتهيأ للمغادرة ستودعك شاشة أخرى بها لقطات من فيلم " الحياة المزدوجة لفيرونيكا" ستخرج وتجد البوستر الرسمي للمعرض وعلى يمينه ويساره أعمدة لدورات الجونة الأربع التي سبقت الدورة الخامسة التي يتم فيها تكريم كيشلوفسكي بهذا المعرض وبعرض نسخا مرممة من أعماله قامت بها شركة فرنسية

( إم كا تو) وتعرض في برنامج خاص بالجونة الخامس.

صفاء الليثي

هامش: زرت المعرض عدة مرات وافتقدت وجود كتالوج مطبوع لتوثيق هذا المعرض الهام ، حدثني الفنان أنسي أبو سيف شارحا طريقة العمل ودوره مع الشركة المنفذة للمعرض.


أوجاع البشر وأحلامهم عبر العالم في الجونة الخامس

                 الدورة الأنجح رغم الحرائق والخلافات

ولأن العبرة بالخواتيم جاء حفل افتتاح مهرجان الجونة هادئا وراقيا، وملخلص كامل التوفيق لدورة ناجحة بأفلامها وتنظيمها وفعاليات منصتها، مسح حفل الختام كل ما أثير من مشكلات، والبداية بتحية سميح ساويرس مؤسس مدينة الجونة لعمال أوراسكوم ممن أصلحوا المسرح الذي اندلع بمسرح المارينا قبل الافتتاح بيوم، نالوا تصفيقا فاق الحاصلين على الجوائز على حد قوله، كما قدم نجيب ساويرس مؤسس المهرجان تحية لوالده في أول دوره لا يكون موجودا فيها لرحيله، وباسمه قدم جائزة سينما من أجل الإنسانية للفيلم الوثائقي " أوستروف جزيرة مفقودة" الذي حاز أيضا على نجمة الجونة الفضية في مسابقة الوثائقي. وكان النجاح الثالث لكلمة مدير المهرجان انتشال التميمي الذي قدم فيه التحية لشركائه في العمل باتزان واحترافية كما أعلن عن موعد الدورة القادمة وكانت كلمته تعني الكثير وتقطع كل الشائعات.

تقدم الأفلام بانوراما لأوجاع البشر عبر العالم، وجع الدول الفقيرة والتي تمر بأزمات اقتصادية، ووجع البشر ومشاكلهم في العالم الأول. الحياة ليست وردية  في أي مكان ولا مجال لأفلام التسلية. الهندي " ذات يوم في كلكوتا " فيلم ينتمي لواقعية معاصرة بعيدا عن بوليوود وزيفها، ينطلق من مشكلة تخص سيدة ماتت طفلتها الوحيدة ولا تجد سكنا رغم أن والدها أورث أخاها غير الشقيق منزلا ودار عرض قديمة، هو معاق وستنتهي حياته بمأساة، يعرج الفيلم على شخصيات فاسدة تؤثر على حياة الأفراد وتعكس أزمة الأنظمة الرأسمالية الباحثة عن الربح.  اللبناني" كوستا برافا " معبر عن الحالة اللبنانية الراهنة حيث تزحف النفايات على المنازل الجميلة، قادت المخرجة مونيا عقل أبطالها ببراعة وخاصة الطفلة ومن قامت بدور الجدة، نال الفيلم جائزة نجمة الجونة الخضراء لأفلام تتناول مشاكل البيئة ، كما نال جائزة لجنة الفيبريسي أيضا. 

النرويجي بعنوانه المثير " أسوأ شخص في العالم " تعاني بطلته من أزمة وجود، والبطل الناجح يصاب بالسرطان مرض العصر ويزيده هجر حبيبته له اكتئابا يعجل بموته. قسم المخرج فيلمه إلى فصول عناوينها مشوقة، تمثيل البطلة بارع سبق لها الحصول على جائزة أفضل ممثلة في كان وتوقع متابعو الجونة أن تحصل عليها من لجنة تحكيم الجونة التي انحازت لتمثيل الطفلة مايا فاندربيك بطلة "ملعب" للمخرجة لورا فونديل في عملها الأول ، ركزت المخرجة أحداث فيلمها في ملعب المدرسة من الفسحة، كما ركزت على الطفلة التي تعاني من تنمر زملاء المدرسة ضد أخيها الذي يعاني مشكلة نفسية، كما تعاني من تنمرهم ضدهاومعايرتها بأخيها، المخرجة بدأت بمشهد تبكي فيه الطفلة ولا تريد أن تترك أخاها ونتصور أنها ضعيفة ولكن يتبين أنها تريد حمايته، مشكلتي الوحيدة مع الفيلم عدم منحنا معلومات كافية عن هذه المدرسة التي يصعب تصديق أنها في بلد أوربي مثل بلجيكا، المدرسة أقرب لمدرسة في بلد فقير يعاني من أزمات اقتصادية، والأطفال يحمل بعضهم أسماء عربية أو أوربا شرقية، فهل المدرسة في حي يضم أغلبية من المهاجرين؟، بعيدا عن نقص المعلومات نجحت المخرجة في عرض مشكلة تنمر وانتهت الى فاجعة أن الصبي المضطهد وجد حلا كي لا يتم ضربه بانضمامه الى مجموعة الأشقياء بتنمره على اسماعيل، فتى ضعيف البنية غالبا من أصل عربي. في " ملعب"، يفشل المدرسين وتفشل الإدارة في حماية هؤلاء  الأطفال الذين يتعرضون للتنمر،  وتأتي النهاية فاجعة اذ يتحول الصبي المضطهد إلى عضو في المجموعة التي تتنمرعلى الضعفاء ويجد أن هذا هو الحل الوحيد لكي ينقذ نفسه من الضرب اليومي ومن خوفه الذي يجعله يتبول على نفسه. أداء الطفلة مايا فاندربيك كان بارعا استحقت عنه جائزة أفضل ممثلة متفوقة على البطلات الكبار،نجمة الجونة وشهادة عن دورها في فيلم "ملعب".

وفي فنلندا يتعرض الرجل الذي أصابه العمى كمضاعفات لمرض في عضلاته، يتعرض لتنمر من أشقياء ولكنه يقاوم ببسالة مدفوعا برغبته في لقاء حبيبته التي تعرف عليها عن طريق الانترنت من خلال مكالمات صوتية فقط. المخرج تعامل مع ممثل أصابه مرض شبيه بالبطل وأصابه العمى كما بطل الفيلم ، الكاميرا قريبة جدا من وجه الرجل، هو فقط في البؤرة أما ما حوله في منطقة ضبابية كما يراها الأعمى فاقد البصر ولكنه لم يفقد البصيرة كما يقول في الفيلم للسارق المدمن الذي فشل في سحب أمواله من كارت البنك لتمسك البطل بالدفاع عن حقه. حصد الفيلم جائزة نجمة الجونة الذهبية للفيلم الروائي الطويل (نجمة الجونة وشهادة و50000 دولار أمريكي) ذهبت إلى فيلم "الرجل الأعمى الذي لم يرغب بمشاهدة تيتانيك" للمخرج تيمو نيكي ، التركيز على بطل واحد في لقطة قريبة سبق مشاهدته في فيلم "مذنب" الذي شاهدناه بالجونة أيضا منذ سنتين وحاز اعجابنا والجوائز. أما الفيلم الروسي "هروب الرقيب فولكونوجوف " " فيعود الى الماضى في حقبة صورها النظام في أفلامه الدعائية التي تتغنى ببطولات الجيش الأحمر، ويعرض الفيلم لجرائم تقوم بها الفرق الخاصة في هذا الجيش بتعذيب وإعدام للكثيرين كإجراء وقائي تحسبا لأي خيانة أو ارهاب يقوم به هؤلاء، وأغلبهم مخلصين لعملهم المفيد حقا للبشر وللوطن. حصل الفيلم على نجمة الجونة البرونزية ومشكلتي معه في العرض السادي لممارسات النظام القمعي في روسيا السوفيتيه، وما وجدته تناولا من وجهة نظر تنفي تماما بطولات الجيش الأحمر المعروفة ضد النازي في أسلوب سينمائي يقترب من السينما الأمريكية بمبالغات في رسم الشخصيات والهجوم السافر على الحقبة الشيوعية. حصد الفيلم جائزة نجمة الجونة البرونزية وشهادة و15000 دولار أمريكي) ذهبت إلى للمخرجين ألكسي تشوبوف وناتاشا ميركولوفا،  وأفضل عليه فيلم " أنا عدت يا أمي " الروسي خارج المسابقة  الذي ينتقد روسيا النظام الأوحد وروسيا المعاصرة معا ، يفضح الفيلم حقيقة شركات توظيف عسكرية لشباب كجنود مرتزقة منهم ابن أهم سيدة في البلدة يتوظف ابنها في شركة عسكرية خاصة ويحارب في سوريا ويختفي هناك، يمنحونها مبلغا من المال ونياشين غير رسمية، ترفض الأم التسليم بوفاة ابنها وتبحث عنه فيحضرون لها متطوع آخر يدعي أنه ابنها حتى لا تستمر في البحث الذي يفضح تجاوزات كبيرة، كل هذه الأحداث تتم بينما هناك محاولة لترميم منزل قديم قيل إن ستالين ومن بعده خروشوف وبريجينيف قضوا فيه أجازات وهناك فكرة لجعل البيت من التراث ولكن يتبين أنه غير صالح للترميم، رمزية البيت الذي لا يصلح ترميمه في وقت يتم فيه الكشف عن أوضاع مأساوية تخص بطالة الشباب وتعريضهم للموت في حروب كأجراء ووضع الأم التي فقدت ابنا وفكرت في النهاية في تقبل الابن المزيف كتعويض عن ابنها المفقود. من خلال أداء عظيم للممثلة في دور الأم والابن المزيف قام بالدور الممثل النجم يوري بوريسوف وله فيلمين آخرين بالجونة في مصادفة غير مقصودة، وقد رشحه النقاد لجائزة أفضل تمثيل ولكن بطل "الرجل الأعمى" الممثل بيتري بويكولاينن حازها وأوافق اللجنة على ذلك. إذ حصل على جائزة نجمة الجونة لأفضل ممثل (نجمة الجونة وشهادة) ورغم الجدل الذي انتشر هل الممثل أعمى فعلا أم يمثل دور الأعمى، وسواء كان أعمى فعليا أم لا، فانه قام بدوره ببراعة مؤثرة دعمها المخرج باقترابه من وجهه وإظهار تعبيراته بوضوح بينما كل تفاصيل الصورة حوله مبهمة وخارج البؤرة.  

في كمبوديا يهدمون بناية يعيش فيها فقراء كل في مساحة لا تزيد عن 40 مترا أو نصفها، ويتم منحهم تعويضا ضئيلا لا يعوضهم عن سكنهم المتواضع في "المبنى الأبيض". بطل الفيلم الشاب حاز جائزة التمثيل في فينيسا ولا أجده يستحقها، لاحظت دوما الانحياز الى كمبوديا والتعاطف معها سوا في عرض معاناة شعبها مع الشيوعيين والخمير الحمر، أم الآن في أوضاعهم المعاصرة التي لم يحسنها منح الغرب ولا تعاطفه.

يجد صناع الأفلام من واجبهم أن يعبروا عن الإنسان الذي يعاني سواء بسبب الأنظمة أو بسبب الأمراض التي تتزايد نتيجة تلوث البيئة، أو بسبب الأنظمة الاقتصادية التي لا يهمها سوى تحقيق أعلى ربح على حساب الاستغناء عن موظفيهم  كما في  الفيلم الفرنسي " عالم آخر ". وأهم ما حدث  بالجونة 5 ما يخص فيلمنا المصري "ريش" الذي جاء الهجوم عليه في صالحه وحتى التسريب الذي وسع دائرة من شاهدوه فاشترك عدد كبير من مثقفي مصر ومواطنيها في التعبير عن رأيهم بالفيلم وتحول مهرجان الجونة إلى منصة عامة تدعم فن السينما وتعزز التواصل بين محبيها وتمحو كل الصغائر التي ذهبت أدراج الرياح.

وهكذا يأتي التركيز على معاناة البشر فكرة أساسية في كل الأفلام الفنية التي اختبرت في مهرجانات كبرى مثل برلين وكان وفينيسا، وجلبها فريق الجونة انتشال التميمي وأمير رمسيس ومعهم المبرمجين لعرضها في الدورة الخامسة لمهرجان يبعث الطمأنينة في نفوس المشاركين به لأنهم سيشهدون أهم أفلام العام في عروض منظمة كلها مترجم للعربية.

صفاء الليثي 

نشر بموقع أويما 20 مسئول التحرير مصطفى الكيلاني 


  

 

Sunday 24 October 2021

في " ريش " حيث الرجال نزقون والمرأة عاقلة

تحية للمرأة المصرية المعيلة 

أعادت أزمة فيلم ريش إلى ذهني المثل الأمريكي ( لكل منا مهنتان ، مهنته ومهنة ناقد سينمائي ) فقد قرأت نقدا للفيلم من مثقفين ومشاهدين توقف عند مشاهد هامة وأساسية بالفيلم وحللها بدقة، منها مشهد تحرش ومشهد سرقة ومشهد لقتل رحيم ومشاهد أخرى كانت علامات في فيلم يقدم رؤية أسلوبية لواقعنا المتردي.

بعيدا عن أي قدر من الإسفاف يقدم عمر الزهيري مشهد تحرش دون كلمات هابطة ولا أفعال سوقية ، بظرف شديد فجر ضحكات المشاهدين في مشهد غزل صديق البطل للمرأة التي تحول زوجها الى فرخة. تطوع المتحرش لمساعدتها في البحث عن الساحر الذي حول زوجها الى فرخة وفشل في إعادته، المشهد فائق يمثل مفتاح فهم أسلوب المخرج عمر الزهيري. فيه يوقف الرجل سيارته المتهالكة ويشغل أغنية لفايزة أحمد ويغني للمرأة التي تنظر اليه باندهاش شديد، يخرج من السيارة ثم يعود ويعلن لها عن حبه "أنا بحبك من زمان"، تدفعه بعيدا عنها وتجري ثم تعود لتأخذ التلفزيون، الأم يهمها اسعاد أطفالها فتأخذ التلفزيون وتجري الى بيتها، كان الرجل قد دفع نقودا لفك رهنية التلفزيون، يساعدها ليس بدافع الشهامة بل لأنه يحبها من زمان، لا يدين المخرج أبطاله ولا يحكم عليهم، تتسم تصرفات الرجال منهم بالنزق، الزوج ، الساحر، صديق الأسرة، ومسئول العمل كل الرجال حوارهم عبثي وأفعالهم خائبة. المرأة فقط هي العاقل الوحيد في "ريش". ورغم الحاح الرجل في مطاردة المرأة فإنه لا يحصل على مقابل  نقوده التي دفعها طواعية ولا يحصل على المقابل الذي يريده أن تبادله الحب في غياب زوجها، يزعق عاليا " افتحي الباب " مرددا عاوز فلوسي ، هي داخل البيت تحمل الرضيع ويحتمى ابنها الأوسط بجلبابها، والطفل الأكبر جالس عن بعد ويتواصل الرزع على الباب من المتحرش والمرأة ثابتة لا تفتح. وتنهار حجارة حول الباب ولكنه لا ينخلع.

 ويمضي الفيلم دون أن نعرف اسما لها ، هي زوجة العامل الفشار صاحب التصرفات النزقة، لم أجده متسلطا أو قاهرا لها ، حتى وهو يعطيها مصروف اليوم من خزنته الصدئة ومحددا، النهاردة وبكرة باذنجان. يشرب لبن من كوب كبير ويفشر بمنتهى الجدية، زمان كانوا بيجيبوا لكل واحد جاموسة صغيرة ونشرب لبنها سخن، هي صامتة لا تعارض له رأيا. يقوم بإرضاع الطفل وحوله الطفلين الأكبر وهي ترفع المائدة، رغم الفقر هناك حالة أسرية لا تصل في فقرها لأسرة " آكلي البطاطس" في لوحة فان جوخ.

في أوساط عمالية تدور الأحداث وفي موقع شديد الدلالة لمصنع يطلق نفاياته ونشاهد الدخان يملأ المكان فتغلق الزوجة نافذة صالة بيتها القريب جدا من هذا المصنع لتمنع دخول الدخان. هذا الموقع الداخلي المطل على ما يمكن اعتباره أطلال مصنع لا نعرف شيئا عن نوع العمل به، الزوجة أم لثلاثة أطفال ولدين ورضيع لم يحدد لنا المخرج نوعها، بنت أم ولد . هذه الأم وجدت نفسها مسئولة عن إطعام أطفالها وسداد ديون تورط فيها الزوج فلم يسدد إيجار المنزل وأصبحت مهددة بالطرد، رغم انفاقه النقود على حفل عيد ميلاد ابنه الذي اختفى فيه بفعل الساحر، هذا فيلم لا يرضي الباحثين عن حواديت، أو من ينتظرون حل اللغز، هل تحول الزوج فعلا الى دجاجة أم أن هناك حيلة ما لاختفائه واستغلال زوجته من الصديق الذي أحضر الساحر الذي اختفى ثم ظهر هو كمنقذ للمرأة وفارسا لحل مشاكلها. لا أتصور بديلا عن الممثلين غير المعروفين الذين قاموا بأدوار، الزوج، وصديق الزوج العاشق للمرأة ، والساحر، و موظف المصنع الذي يطبق القانون بصرامة غبية، ، احنا ما بنشغلش ستات لكن ممكن ناخد الولد يشتغل بدل أبوه، أي عمل هذا يستطيعه طفل في الثامنة من عمره!، وما الذي يمنع عمل المرأة!. الرجل يتحدث ناظرا للكاميرا فيما يمكن اعتبارها محل المرأة الحائرة التي تبحث عن حل  لتعويض غياب الزوج وإطعام أطفالها.

توقف معلقون ممن شاهدوا الفيلم بعد تسريبه عند مشهد سرقة المرأة لقطع من الشوكولاته وقطعتين من اللحم، ضبطها كلب الهانم صاحبة المصنع ثم التهم قطع اللحم وعوقبت المرأة الأم بطردها من العمل ، لتبدأ رحلة جديدة في البحث عن عمل آخر في مؤسسة غريبة، واجهة بها فساتين أطفال وفي الداخل أدوات صحية، نوعيات الأعمال التي اختارها المخرج تمثل صورة عبثية عن هذه الكيانات، مصانع  غير معروف نشاطها ، هل هي مؤسسة لجمع الروبابيكيا؟ ، أعمال صغيرة مثل عمل المتحرش الذي تمتلي شنطة سيارته ببضائع غريبة قد تكون من مهربات التصدير، أو ما يطلق عليه مصادرات الجمارك. أتفاعل مع الفيلم وأجده معبرا عن بيئات عمالية في مصر كحلوان أو امبابة، أو ضواحي الجيزة، أماكن حقيقية في مصر وأختلف عن اعتبار الفيلم يجرد الزمن والأماكن . هذه مناطق أعرفها وبناية منزل الأسرة في الفيلم تمثل أحد المساكن الشعبية، بناية لم يصورها المخرج حرفيا كما في الواقع حيث تطفح حولها المجاري ولكنه صور منزل تطل نافذته على دخان المصنع خالقا واقعا فنيا يعبر عن أجواء كارثية يعيشها هؤلاء العمال وأسرهم. في محاولتي للبحث عن منطق لمشاهد لم تفسر، قرأت المشهد الافتتاحي للرجل المحترق أنه للزوج بعدما ألقي به من صندوق الساحر ، سرق أشقياء محفظته وأشعلوا فيه النار . يرفض صانع فيلم مثل " ريش " أي تفسيرات كهذه أو أي تشبيهات أو اسقاطات، ولكني أمارس حريتي في التلقي كما مارس هو حريته في الإبداع، وأتلقى مشهد خنق المرأة لزوجها بعدما استحال شفائه كتحية لفيلم حب 2015 " آمور" صاحب سعفة كان الذهبية الذي خنق فيه المسن المحب حبيبته ليريحها من عذاب المرض، التخلص من الزوج ومن قرينته الدجاجة حلا رحيما لتمضي المرأة في حياتها، تعمل وتقاوم وتمنح أطفالها حلوى الجاتوه يأكلونها وهم يشاهدون مشاهد جميلة ملونة من التلفزيون لأسماك وزهور وأغاني مرحة من عالم آخر يعيشه آخرون، بعضهم لا يطيق التعرف على حياة عمال فيلم "ريش" وبعضهم يعرف أن هناك بشرا يعيشون هكذا، وعلينا أن نعمل على تحسين معيشتهم على الأقل حتى يتم إنقاذ الصغار منهم فلا يعملون في سن صغيرة ، ولا يحرمون من بعض المتع البريئة كمشاهدة التلفزيون أو أكل  بعض القطع من حلوى الأغنياء. أما عن انتقاد البعض لتعدد الأساليب في الفيلم بين المنهج العبثي ومنهج الواقعية فهذا معروف في منهج ما بعد الحداثة الذي يمزج أساليب متعددة في عمل واحد يفتح مساحة أمام كل متلقي للتفاعل مع المشاهد  المختلفة ومع العمل ككل حسب مرجعيته وكل حسب ذوقه الشخصي.  

لمن لم يتابع ما أسميته أزمة الفيلم ، أنه حين عرضه بالجونة عرضا أول في مصر والشرق الأوسط انسحب أثناء العرض عدد من الفنانين، وصرح أحدهم بالتهمة القديمة " فيلم يسي الى سمعة مصر" واشتعلت الأزمة وطلب البعض محاكمة من صنع الفيلم ومن أيد عرضه ومن كتب نقدا أو دفاعا عنه ، ولم تهدأ الأزمة الا بعد نشر بوست من منسق المشروع الرئاسي " حياة كريمة " ينفي أن يؤدي عمل فني إلى الإساءة إلى مصر ، وصمت المزايدون، وحصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم عربي من لجنة التحكيم الدولية بمهرجان الجونة ليضاف إلى جوائز كان بفرنسا، وجيلباو بالصين ، وأتوقع لفيلم "ريش" ومخرجه عمر الزهيري وكاتب السيناريو أحمد عامر والمنتجين شاهيناز العقاد ومحمد حفظي مزيدا من النجاح في أعمالهم القادمة معا أو مع سينمائيين جدد يضيفون لمصر نماذج من السينما العظيمة بتنويعاتها الفنية. 

صفاء الليثي

نشر مباشرة على صفحتي على الفيسبوك وأعيد نشره على مدونتي الخاصة هنا " دنيا الفيلم"