شيطنة النساء وتفوق الرجال
مضت الخمسينيات والستينيات بأفلامها التي تعكس قيما تعبر عن مصر في
المرحلة الأولى من نظام يوليو بطموحاته وطرحه لقيم اجتماعية متغيرة، كان العالم
كله شهد ثورة الشباب في الستينيات وقامت في أوربا حركة 68 وانتقلت الى مصر ظواهر
من هذه الثورة فارتدت الفتيات الملابس القصيرة، وارتدن الملاهي الليلية، وعكست
أفلامنا نماذج من شابات وشباب يتحركن ويتحركون بحرية وأسرف المخرجون في عرض هذه
المظاهر دون التخلي بالطبع عن ترديد الحكم والمواعظ على لسان الأمهات والآباء، بل
على ألسنة الرجال الذين ينطلقون مع الفتيات ثم يتبرأون من مسئوليتهم ويلبسون ثياب
الحكمة ولا يخلو فيلم من صفعات على وجوه النساء الضالات ، وحملت عناوين الأفلام
إهانات للمرأة، فهي "المرأة التي غلبت الشيطان" ، و"الشيطان
امرأة" ، و"فتاة تبحث عن الحب" و"العذاب امرأة " 1977
الذي سأتوقف عنده وقد بقي في ذاكرتي كفيلم جيد الصنع قامت فيه نيللي بأداء تمثيلي
كبير، وسبقها في العناوين محمود يس وقبله نجم مصر الأول. كما كتب في العناوين أيضا
أن الفيلم مأخوذ عن مسرحية الأب تأليف سترندبرج . وجدت نصها في كتاب مصور. ترجمها
وديع فلسطين الى العربية في مايو 1945،
كاتبها مولود 1849 وتوفي عام 1912، في مقدمة ترجمته يقول عنه ( يميل سترندبرج إلى
التعرض للحزازات الجنسية، والنزاع بين آدم
وحواء) ويبدو أن القضية التي شغلت أوربا
أواخر القرن التاسع عشر شغلتنا في النصف الثاني من القرن العشرين ، قضية
"الأب" وهل يمكن التأكد من نسب الطفل لأبيه ؟ أجرى السيناريست على
الزرقاني تعديلات على الشخصيات ووظائفها، ونقل حرفيا جملا حوارية قيلت في الأب
وكان التحوير الأكبر عن الدافع لتصرفات الزوجة، في فيلمنا "العذاب
امرأة" كان سببها الغيرة من نجاح الزوج وغيرتها عليه من زمالته لطبيبة بينما
في الأصل المسرحي كان الدافع رغبتها في الوصاية التعليمية على ابنتها، ولا يوجد خط
الغيرة من امرأة أخرى وان بقيت الغيرة من تفوقه العلمي وانفاقه النقود على كتبه
وأبحاثه، في الفيلم المصري تحول الضابط كمهنة رفيعة في أوربا القديمة الى طبيب
نساء وتوليد ناجح في فيلمنا المصري. أسهمت السينما المصرية في ترسيخ الفكرة
السائدة عن المهن الرفيعة وعلى رأسها يأتي الطبيب. محمود يس بشعره المفرود خلافا
لعماد حمدي بطل الخمسينيات والستينيات بشعره المفروق الخشن كرجل مصري أفريقي وان
جمعهما الظهور بملابس رسمية ومهنة الطبيب. الزوجة لا تفعل شيئا سوى توبيخ الزوج
والتدلل عليه في الفراش، سمة أخرى موجودة في أفلامنا فكل الزوجات تتمنعن عندما
يريد الزوج أن يمارس معها الحب، فيتركها غاضبا وينام على كنبة في مكتبه. أفلام
أخرى تصور الزوجة شبقة تسعى للجماع بينما الزوج متعب أو مشغول ذهنيا، الحاصل أن
العلاقة الجنسية محل خلاف ولا يوجد توافق إلا بين امرأة ورجل لا يجمعهما رباط
الزواج، وحتى هذه العلاقة تتسم بخداع طرف للطرف الآخر، المرأة لتحصل على مكاسب،
والرجل ليستغلها ويتمتع دون روابط زوجية أو أعباء. هذا التوتر في العلاقات هو ما
يدعم الدراما في أغلب الأفلام وبدونها يتم اللجوء لضغوط أخرى اجتماعية كعدم
المقدرة الاقتصادية على الزواج وتكوين بيت والإنفاق عليه، أو تدخلات العائلات وفرض
شروط على راغبي الزواج . في فيلم "العذاب امرأة" مرور عابر على الرفض
الأولى من والد الزوجة للزواج من الطبيب للفروق الاجتماعية بين أسرة الزوجة الثرية
وبين أسرة الزوج التي مازالت تسكن في المنيرة، مرور عابر ليتم تناول المرأة مسيطرة
وتغار من الرجل وترفض تفوقه رغم أنه سبب حياتها الرغدة الفارغة التي نشاهدها في
الفيلم، الزوج يعمل بجد في مهنته المرموقة كطبيب وهي لم تعد تعزف على البيانو ولا
تكسب بطولات في السباحة وتفرغت لبيتها ولابنها، رغم أن عاملة منزل هي التي تقوم
بأعبائه ولم نشهد سوى خروج الزوجة من الحمام ببشرة وردية تضع الكريمات وتتدلل على
الزوج ، تتمنع عليه وهو يطلب منها التفرغ ليقضوا ليلة كزوج وزوجة، لن تتحقق لإصرار
الزوجة على فرض رأيها بدفعه لقبول عرض للسفر الى الخارج مع رفضه لأنه يرى أنه ناجح
بالفعل. وحتى لا يبدو صانعا الفيلم كارهين للنساء فهناك مساعدة الطبيب امرأة محبة
تحترم رئيسها وتنشغل به، دون رغبة في الزواج منه أو تحقيق مكاسب من ورائه. تبقى
الزوجة الجبارة المتسلطة كما يصفها والدها اذن هو طبع لا يتوافق مع النساء الأخريات
في الفيلم، الطبيبة المساعدة وأم الزوج، وامرأة خائنة حملت من غير الزوج وتريد أن
تجهض لأن ضميرها يأبى أن تخدع زوجها، ونصل إلى عقدة الفيلم، (هوه مش هيعرف ولكن
ضميري يعذبني)، وبعد رفض الطبيب القيام بعملية الاجهاض يوحي لنا الفيلم أن المرأة
وضعت طفلها وهاهي وزوجها يتنزهان والزوج يحمل من يعتقد أنه طفله وفرح به. مشهد من
خيالات د. جلال يأتي على لسان بطل مسرحية الأب . (ليس للرجل أطفال .. الأبوة لا يمكن اثباتها .. أولاد زوجتي.. الخيانة
الغريزية، سرد في المسرحية يثبت أن النساء كلهن واحد وأنهن خائنات.. الأم الصديقة
والزوجة العدوة . والحب بين الجنسين صراع.) جمل تلخص رأي سترندبرج يتبناها صانعا
الفيلم المخرج أحمد يحي وكاتب السيناريو علي الزرقاني .
حل العلم الحديث مشكلة اثبات النسب عن طريق
بصمة الحمض النووي التي تثبت نسب الابن
لأبيه أو تنفيه بدرجة تقترب من الكمال، كثير من أفلامنا أصبحت عقدتها بلا معنى
الآن بعد الكشف العلمي الذي حسم الأمر دون تكهنات وقطع الشك باليقين وبقيت أمور
أخرى معلقة منها الولاية التعليمية حديث العصر بعد تزايد حالات الطلاق والخلاف حول
من يقرر طريقة تعليم الطفل والمدرسة التي يلتحق بها .
صفاء الليثي
نأتي إلى سرد للفيلم "العذاب امرأة
" 1977
مشهد ما قبل العناوين، صفية العمري في مطعم
ويظهر الجرسون، تندهش تسأل عنه تعرف أنه صادق تتصل بعمر الحريري لقيت د. جلال ،
متأكده هوه هو ثم لافتة د. جلال متولي أ. د. نساء وتوليد وتنزل العناوين نجم مصر
الأول محمود يس، وتحته نيللي في لوحة واحدة. ولوحة اسم الفيلم وتحتها الفكرة
مستوحاة من مسرحية الأب لسترندبرج. المخرج أحمد يحي. الطبيب يصل لبيته يستقبله
ابنه ، يشغل له اسطوانة بأغنية أطفال اضحك، منزل أسرة متوسطة عليا يسأل الشغالة
على الست، في الحمام، يلاعب ابنه منحني على الأرض فجأة تظهر أقدام السيدة وسيجاره
في يدها وتلت اب عليها بروب حمام وفوطة توبخه . تقديم موفق لكلا من الأب والأم
واختلاف العلاقة مع الطفل. كادر يعبر عن سيطرة ايناس نيللي . ثم هو راغب فيها
(هنشرب نبيت) وهي تتمنع يقاطعهما الطفل الكفتة هتبرد. في السرير تعطيه خطاب يطلبه
للعمل في لندن هي تريده ان يسافر وهو يرفض(ناجح في شغلي هنا أسافر ليه) تأتيه
مكالمة تليفونية ويقوم بتوليد سيدة لخمس توائم ويصبح حديث الصحف، (وراء كل رجل
عظيم امرأة) يقول المذيع في اللقاء الإذاعي تتحدث عن تفوقها السابق وتعطل كل شيء
بسبب زواجها، غيرتها من عمله واضحة وهو يحاول احتواءها. متضايقة علشان أنا بأكبر؟
أنا لسه ابن الحاج متولي وأمي ساكنة في المنيرة. الحوار منطقي من ناحيته وهي تأكلها غيرة كمن يشعر بالنقص. المشاهد تتلاحق
لتكمل رسم الشخصية، هي تعزف على البيانو في منزل والدها أشبه بقصر، أنيقة جدا وشعرها
مرفوع كملكة بعقد من اللؤلؤ المستعار، يصل من عمله ويحكي عن السيدة التي حملت من
غير زوجها وتشعر بالذنب، ويصبح الأمر حديث المجتمعين وهي تسرح كمن واتتها فكرة.
يسقط الفيلم في خطأ كبير حيث يبوح الطبيب
بأسرار مرضاه وتصبح محلا للتفكه من الحاضرين حفل عيد ميلاد الأب الثري، وجدها
المؤلف حلا سهلا لطرح الفكرة الرئيس للفيلم ، نسب الأطفال لآبائهم والخيانة
الزوجية التي ستدعيها الزوجة المتسلطة لتنتقم من الرجل عدوها في هذا الرباط
الزوجي. الذي عبر عنه الكاتب المسرحي السويدي أوجست سترندبرج وذكره بحوار صريح
ينقله نصا علي الزرقاني دون مراعاة اختلاف الزمن أو طبيعة عمل الزوج الذي تتغذي
شكوكه من اعترافات مريضاته. والأب في فرحة عيد ميلاده يداعب ابنته (الله يكون في
عون اللي يعاشرك، ويدافع الزوج (بالعكس ايناس لطيفة جدا). بينما هو شارد في خيانة
امرأة العيادة واعترافها له بحملها من غير زوجها. مجموعة المشاهد التالية يمنح
فيها الزرقاني سببا لاشتعال غيرة الزوجة فتبدأ في إثارة جنونه وتشككه في أبوته
لطفلها. وتماما كما يحدث في مصر يترك الرجل البيت ويذهب الى سليم وهو قريب له
يتعاطى مخدر الحشيش ونعرف أنه طلق زوجته التي نادت عليه باسم حسن بعد أن أعد لها
(قعدة مزاج) أداء كوميدي من الممثل نبيل بدر وصفعات على وجه الزوجه وكأن المخرج
يؤكد على استحقاق كل امرأة للضرب لسبب أو آخر. القطع على الزوجة تدخن في السرير
وقد حملت ابنها لينام بجوارها، جريمة أخرى مرفوضة من الرجل ومن الأم بالذات أن
تلوث الهواء حول الطفل، امعانا في رسم شخصيتها غير المسئولة، السهرة انتقلت الى
عوامة ومغنية تغني، كل الحاضرين رجال في دورالأعمى سلطان يقوم بدوره الممثل علي
الشريف ببراعة، التحابيش المصرية والتوابل التي تميز السينما المصرية، وموقف
كوميدي حين يطلب منهم الأعمى معرفة عددهم كل واحد يقول اسمه، فيكون بينم شخص اسمه
حسن فينهال سليم عليه ضربا. ونصل إلى المشهد الأعنف بحوار مأخوذ تقريبا من مسرحية
الأب وايناس بقوة تقول أنها ستعلن اسم الأب الحقيقي. أندهش من هشاشة الأب واهتزاز
يقينه بنسب ابنه إليه، يأخذ الطفل ويجري له تحليل دم، رغم أنه ذكر أن التحليل ليس
كافيا لاثبات النسب.ولأننا نعرض فيلما مصريا فلا يكفي عرض فكرة واحدة وتحليلها من
كافة جوانبها بل ندخل في أمر آخر يتعلق بفقدان الذاكرة بديلا عن اتهام بطل مسرحية
الأب بالجنون، تناولت أفلام مصرية كثيرة فكرة فقدان الذاكرة لصياغة دراما مشوقة. وبالبحث
عن مدى علمية المرض وجدت تعريف يمكن أن يكون متوافقا مع الفيلم اذ أن فقدان
الذاكرة المؤقت يحدث بسبب القلق والاكتئاب والتوتر ويحدث بسبب تعاطي المخدرات. في
الفيلم وفي جلسة الحشيش الثانية سيسقط مغشيا عليه، سيتصورون أنه مات تقوم رفيقة
الأعمى بإفاقته وحين يجري ينسى من هو ويصبح الجرسون صادق ونعود من الفلاش باك
الطويل جدا. ولا ينتهي الفيلم نهاية تضايق الجمهور وتنجح جهود الطبيبة المساعدة
وحماه وأمه والطفل في تنشيط ذاكرته، ويستعيدها تماما حين تعيد عليه الزوجة الذكية
الموقف الذي سبب انهياره ويصفعها عدة مرات ويجري على ابنه الذي أصابته حمى نتيجة
الضغط النفسي. أرضى أحمد يحي غرور رجال مصر بانتصار الزوج والد الطفل بعد أن تثبت
من نسبه إليه، ليس عن طريق التحليل ولكن بهذا الإحساس الخفي الذي تؤكد عليه
أفلامنا منذ القدم، حاسة سادسة تربط الابن بأبيه، أو أمه فيصرخان، ابني حبيبي
ويحتضنه بقوة. أما السويدي أوجست سترندبرج فقد أنهى مسرحيته بإلباس الزوج رداء
المجانين وفازت الزوجة بالوصاية على ابنتها ووضعت يدها على ثروة الزوج رغم تأكدنا
من أنه والد طفلته ومن أنها هي التي دفعته إلى الشك والجنون.
زواج صوري بالوكالة
ارتبطت نجلاء فتحي في ذاكرتي بفيلم "
دمي ودموعي وابتساماتي " 1973 كان احسان عبد القدوس قد بدأها كرواية ونشرت
سلسلة في أخبار اليوم ثم توقف لنشر مقالات سياسية وعندما عاد إليها كتبها في
صيغة" أدب سينمائي" وفي ذهنه أن تعد للسينما مباشرة. تبدأ بوصفه لأسرة
أب وأم ولدين اختصر الفيلم الى ولد واحد وناهد في الثانوي أزاحها الفيلم الى
الجامعة. بينها وبين عصام حب جاد نظيف، حوار الفيلم منقول بالنص من الكاتب، فقط جرت
تعديلات على أماكن الحدث، الكويت انتقلت الى سوريا وبقيت المغرب. يبدأ الفيلم
بلوحة شكر لسوريا ولبنان والمغرب والعناوين تكتب على مشهد لرفع الأثاث من فيلا
بينما نجلاء تراقب حزينة وسنعرف من الحوار أن تنقلهم المعيشي يحدث كثيرا نتيجة
طبيعة عمل الأب في الاستثمار. نجلاء بميني جيب في شقتهم الجديدة والكتب والأشياء
في الكراتين، تخرج مسرعة لتلحق الجامعة وتقابل عصام الذي اقتحم التاكسي الذي تركبه
ليشتري لأمه الدواء. تقديم مكثف لشخصيات العمل نجح فيه كاتبا السيناريو محمد مصطفى
سامي وكوثر هيكل. تنتظره بعد عودتها من الجامعة ويتعارفان، هي كلية آداب وهو سياسة
واقتصاد، تتطور العلاقة سريعا ونراهما يتنزهان في حديقة وقبة الجامعة تظهر في
الصورة، صباح تالي تخرج (هأذاكر عند صاحبتي) أكاذيب الطبقة الوسطى المصرية، هي مع
نور الشريف يعطيها هدية عيد ميلادها، صورتهما منعكسة على الماء مهتزة تعطي دلالة
على مشكلة قادمة بينهما، الوحدة المشهدية التالية ليلة عيد ميلاد ناهد وحضور سليم
صديق الأب الممثل صلاح نظمي من عمر أبيها، مع هدايا قيمة وعرض سريع للزواج من سعيد
ابن أخيه، يظهر لها صورة لا نراها. تلبس هديته فستان أحمر يبدو لي كقميص للنوم ، يطفئون الشمع
يقبلها الجميع وأونكل سليم أيضا. عقدة الفيلم واضحة فتاة صغيرة تحب شابا يناسبها،
ومصلحة الأسرة في تزويجها من عريس أونكل سليم، وسيتضح أنه زواج صوري بالوكالة،
وسيتهجم عليها سليم في فندق ببيروت، وينهرها حين تتمنع ( انت لسه ما فهمتيش ولا
ايه، أنا أبوك قدام الناس، وجوزك بيني وبينك) حين يحضر العريس يوبخها ده عقد بيني
وبين عمي زي عقود الشغل. زواج الوكالة انتشر في مصر مع الانهيار الاقتصادي حيث
تشحن العروس وغالبا تكون فتاة صغيرة الى زوج لم تقابله، ناهد يودعها أهلها في
المطار بفستان الفرح إلى مجهول ستقاومه حتى تظهر عائلة سورية وصديقهم ممدوح
ينقذونها ويتم الطلاق وترد لأونكل سليم هداياه التي اشتراها لها بما فيها (الفستان
اللي عليك شاريه بفلوسي). رغم قسوة الحدث فلا تناول ميلودرامي من المخرج وفريق
الفيلم بل عرض صادق لواقع مرير عن كيف تضحى أسرة بابنتهم الجميلة ليتم إنقاذ الأب
من الإفلاس ويكمل الأخ تعليمه ويتوظف. إيقاع الفيلم مشدود فرغم مرور 50 ق انكشفت
فيها الخطوط ما زال لدينا مفاجآت إذ أن ممدوح الذي أنقذها من الزواج الصوري سيتقدم
لها ثم تدريجيا سيتركها للكبار ممن يرغبونها ليحقق مكاسب في عمله، ومع ظهور كمال
الشناوي الثعلب العجوز تنهار مقاومة ناهد وتستسلم لعباس بيه، قدم الشناوي شخصية
شريرة باسم عباس في المرأة المجهولة، واختيار الاسم يؤكد للمشاهدين الصورة لهذا
الذئب الكبير، ممدوح في حيرة وناهد تعلمت الدرس، تلعب لحسابها وتتحول تدريجيا إلى
مومس برعاية زوجها ، حسين فهمي يمثل انقلابا دراميا لنا فبعد أن بدا أنه أنقذها من
عذابها وملأ حياتها ابتسامات، ستعود للتفكير في عصام الذي تحبه بالدم، يظهر في
نهاية الفيلم بعد أن حقق أحلامه تخرج بامتياز وسيذهب في بعثة الى فرنسا التي ستذهب
هي اليها مع زوج ديوث عشيقة لرئيسه ومحظية لكل من تربطها به مصلحة ليحقق الزوج
صعوده الطبقي وتغرق هداياها أسرتها ويتوظف أخيها. هذه الأجواء في تحولات الحالة
الاقتصادية بمصر لا تناقش بالشعارات ولكن من خلال انعكاسها على مصير فتاة شابة
لأسرة متوسطة تتعثر بسبب تعثر تجارة الأب. ونشهد بالفيلم كيف تسير الأعمال، يجعل
زوجته تصعد الى حجرة رئيسه الذي يرغبها بينما هو ينتظر ويشرب. صورة شديدة القسوة
نجح في عرضها فريق الفيلم وقامت نجلاء فتحي بدورها وعيناها تعبر عن دهشتها وعجزها
واستسلامها لمصير المرأة التي يتم التضحية بها ليصعد الجميع.
صفاء الليثي
قصص حب بعيدة عن العذرية
قبل " دمي ودوعي وابتساماتي " بعام
واحد أخرج حسين كمال " أنف وثلاث عيون " 1972 من إنتاج ماجدة، وقامت
نجلاء فتحي بدور شبيه لدور ناهد، نجوى العين الثانية وعمو عبد الفتاح بيه زوجها
بورقة عرفية، صلاح نظمي أيضا برعاية ماما عزيزة خالتها التي تبنتها وسوقتها للرجل
الثري. استغلال الفتيات حكاية من حكايات العمل الأدبي " أنف وثلاث عيون"
ومعه حكايتين حكاية أولى وثالثة فرعية يربطها رجل واحد يمثله نجم الفترة محمود يس.
كيف "أنف وثلاث عيون" يعني، أشارت صديقتي
السورية ، زميلة الدراسة بمعهد السينما بيدها ضاحكة ، وانتبهت عن العيون الثلاث
والأنف بما يحمله من إيحاءات جنسية، وبعد إعادتي مشاهدة الفيلم تأكد معنى الرمز عن
الطبيب الناجح وزير النساء، الأنف للبطل
الذكر الوحيد، وستكون العيون الثلاث هن على التوالي كما ظهرن بالفيلم ،ماجدة،
ونجلاء فتحي، ومرفت أمين.
ماجدة تتصدر العناوين ثم احسان عبد القدوس
نجلاء فتحي محمود يس مرفت أمين، ماجدة كنجمة مع شلة النادي (أنا اتجوزت وانتوا لأ،
هوه راجل طيب وبيفسحني ومش مخليني عاوزة حاجة . ما قلتيش انك بتحبيه، بكره أحبه )
ثم السهرة في ملهى ليلي مع الزوج ثم يظهر الأنف د. هاشم عبد اللطيف ، تروج أفلامنا
لما يسمى بالمهن الرفيعة، زوجها يعرفها به (دكتور شاطر قوي)، السرد يسير بين
حياتها مع زوج المستقبل والعائلة وشلة النادي بينهن ماجدة التي يصعب علي تقبلها
كفتاة صغيرة، هي وقت تصوير الفيلم تخطت الأربعين والدور مكتوب لفتاة في السابعة
عشر، ولم ينجح الفيلم في تعويض ماكتبه عبد القدوس عن اعجابها بجسدها واعتقادها
بأنها تستحق رجلا أفضل من عبد.السلام، تستحق الأنف ، تبادر بالاتصال به، (ممكن
تقولي هتسهر فين علشان ما أرحش الحتة اللي هتروح فيها ، طيب ما تروحيش يا باردة)
يعرض عليها الزوج السهر في البيت ولكنها وكأنها تتوعد من يلاحقها بإغوائه تقرر
السهر بشبرد حيث د.هاشم ، يقدم حسين كمال هاشم بلقطات مقربة تظهر أنفه شامخا
إمعانا في تمجيد الذكورة. وسامة رجل شرقي بشعر أسود وأنف عريض كبير. وستمضي
المطاردة فتذهب العيادة كمريضة، تصر الممرضة على أن تخلع ملابسها للكشف، هي خجلة
ومشهد بالغ المخرج في زواياه ليعبر عما كتبه احسان،(ذهبت اليه كامرأة الى رجل وليس
كمريضة لطبيبها). تكون قد خلعت دبلة الزواج وتقدم نفسها كآنسة، سنسمع بالطبع جملة
انت ما فكيش حاجة أبدا ، يعطيها دواء أعصاب ورقمه الخاص وتبدأ العلاقة، يحدد موعدا
في بيت له مع قهوة يعدها على مهل، ماجدة راغبة ولكن لاعتبارات رقابية أو للتوزيع
لا يوضح الفيلم حقيقة العلاقة التي صورها الكاتب علاقة حسية مع تركها بكرا للزوج،
الفهم متروك للجمهور، يعتمد صناع الأفلام المصرية على ذكاء الجمهور والحدق يفهم.
ماجدة هي المنتجة وأجدها " ميسكاست" لا تناسب الدور الذي يشغل ثلثي
الفيلم التزاما بطول القصة الأدبية. تريد الطلاق ( مش قادرة أستلطفه، طيب اتجوزتيه
ليه ، كنت فاكرة اني ممكن أحبه) ومنطق الأم ( مين اللي قال ان الحب ضروري علشان الواحدة تتجوز) ستتزوج ناهد بعبد السلام، تتحجج بحماتها
وتعود لبيت أسرتها والدها يشجعها على الطلاق ( في حد يستحمل جواز من غير حب، اسأليني أنا الجواز نظام بايخ ، وإذا
ما كانش فيه حب وفرفشة ما حدش يستحمله) تعود وتقابل هاشم العشيق وتتعامل معه كزوج تعد له
العشاء وتوقد له الشموع،هي تريد البقاء معه ((بيت أحبه، ماليان حب وحنان، مش ورقة ومأذون ويس ) تتغير شعاراته (مفيش بنت محترمة تقعد مع واحد كده مهما كانت صلتها بيه ) يصدها وينصحها بالعودة الى أبيها بينما يكون
قد تعرف على العين الثانية نجوى، نجلاء فتحي التي تصاب بنوبات مرضية، وسنعرف أنها
محظية رجل كبير تسميه عمو، ينفق عليها ويشتري لها سيارة تقودها وتنتظر هاشم تحت
بيته ولا تصعد، يرتبط بها بشكل رومانسي وحين يفكر في التقدم للزواج بها تخبره عن
وضعها (أنا بتاعت عبد الفتاح، أنا مش بتاعة جواز يا هاشم) وكأنها صفعة
على وجهه تردد الجملة التي رددها لأخريات، ينهار ويلتقي بالعين الثالثة مرفت أمين نموذج
سبعيناتي متحرر، ترقص وحذاءها في يدها تلقى به على مائدة هاشم ونجوى في لقائهما
الأخير، وتبدأ في مطاردته ولأمر لم أفهمه تنوي الانتقام منه والسخرية منه حين
يأخذها في مكان هادئ لشرب القهوة، ايه ده أهل الكهف، المتحف المصري، هي وكأنها
ترتدي جاكيت بدون بنطلون، في نفس شقته والقهوة، يفتح فمه لها في قبلة شبقة، وكأنه
وجد ضالته أخيرا بلا لف ولا دوران أو أوهام غير واقعية، مرفت أمين في دور رحاب
تظهر في كل مشهد بباروكة مختلفة، تصحبه لمكان كله شباب يسخرون منه، كوباية مايه
ياعمو. بعدها ينفعل عليها، (مين عصام ده، رجلين في وقت واحد، هوه احنا في
باريس!!.)، انفعال هاشم يعبر عن الرجل المصري الذي يسمح لنفسه بممارسة علاقات
مفتوحة دون أي ضوابط، ثم يستنكر ( أنا راجل وانت ست، فترد رحاب وكأنها صوت صانع
الفيلم ( الكلام ده كان زمان، الدنيا اتغيرت، الناس طلعت القمر، ما بقوش بيشربوا
قهوة بيشربوا سجاير وفيها حاجات كمان). هو وحيدا في بار وفجأة يشاهد ماجدة وقد
تحولت الى فتاحة في الملاهي الليلية. وجه هاشم مندهش، تتر النهاية على وجه ماجدة
والكأس في يدها يدها، الرجل غير المسئول والمجتمع الذي يدفع المرأة الى الانحراف. في خضم الأحداث
فاتني ما حدث مع أمينة بعد طلاقها وتهرب هاشم منها تتعرف على حسن/ جلال عيسى وتكون
سمعتها مشجعة له على إغوائها وإقامة علاقة معها دون زواج ( ما احنا
متحوزين ناقصنا ايه) تمضي ستة أشهر ثم يترك مفتاح بيته لصديقه الذي يهجم
عليها.
هل يرفض الفيلم فكرة أن الحب يأتي بعد
الزواج، هل يرصد أن كل إنسان مسئول عن تصرفاته ولا يوجد ضحية وسط كل هذه العلاقات
المتشابكة، هل نجوى ضحية خالتها وعمو العجوز؟ هل أمينة ضحية انفصال والدتها عن
أبيها وعيشها مع زوج أم فأرادت أن تتزوج ليكون لها بيت كما قالت في الفيلم؟ من
المؤكد أن رحاب ليست ضحية لأحد وأن ما تفعله اختيار خاص بها وتمرد على مجتمع تصفه
بأهل الكهف، هي الوحيدة المتصالحة مع نفسها ولا تلقي باللوم على أحد غيرها.
في فقرة دعائية عن الرواية تتحدث عن أسلوب الكاتب (
يسحبك إليه بخفة تعيش فيه تتفاعل معه... ترفض حيناً وترضى أحياناً، لما يجول في
عقليات شخصياته من أفكار وبما يحملنه أو يتجاهلهن من قيم اجتماعية وخلقية... ولكنك
وبكل الأحوال تمضي إلى نهاية المطاف مع ذاك الأنف وتلك العيون الثلاثة.)
تحايل صناع الفيلم على البعد الجنسي للموضوع لكن ما يبدو واضحا أنهم يتناولون قصص حب بعيدة
عن العذرية، رغم شموع أمينة، ونزهات نجوى البريئة مع هاشم واعترافها (أنا بتاعت
عبد الفتاح) فقط مع رحاب صورها وقد اعتلته في السرير، راكبة فوقه بباروكتها
الحمراء، لا خجل ولا تمنع بل ندية علاقة بعيدة عن العذرية. يمكن اعتبار الفيلم إدانة للكبار أمهات وآباء فهم سبب ضياع بناتهن وسبب
تأخر زواج الطبيب الناجح الذي يتعرض للغواية وتطارده الجميلات طمعا في زوج ثري
وسيم لسه ما اتجوزش.
هامش: المقال استكمال لسلسلة مقالات عن أفلام
الخمسينيات والستينيات صدرت في كتاب " القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا
" والأفلام المختارة عينة عشوائية لاكتشاف الكامن من القيم في ثنايا هذه
الأفلام ، ليست أفضل الأفلام ولا أهمها ولكنها تمثل علامات على طريق مشوار السينما
المصرية عبر تاريخها الطويل.
صفاء الليثي
نشرت الدراسة في مجلة إبداع العدد 26
أكتوبر 2021 رئيس التحرير الشاعر ابراهيم داوود