Monday 19 December 2022

19 ب" للمخرج أحمد عبد الله السيد

 غروب واختفاء الطبقة الوسطى

لا أتصور أن مخرج فيلم " 19 ب" بدأ تفكيره بالفيلم من رمز ما أراد أن يعبر عنه، فبحث عن مكان يتناسب مع صورة الرمز أو المجاز. بل أتخيله في حلم يقظة يراوده هذا المنزل القديم الباقي وسط منازل حديثة لا يحب أن يراها ولا يلحظها عن قرب. منزل قديم يعيش فيه رجل مسن مع حيواناته الأليفة وأغاني محمد عبد المطلب وكأنه حلم له شخصيا ، نائيا عن الجميع وقد ظهر له فجأة عدو عائد من السجن ،  شخص مجرم يهدده أكثر مما تشعره سلطة الحي وموظفيها بالتهديد. عناصر الواقع المعيش الذي نعرفه، أغلبنا يعرفه أو مر على مشابهات له في أحياء القاهرة الطبقة الوسطى، بقايا فيلات توشك على الانهيار وحولها عمارات حديثة كعلب شاهقة بلا تمييز. أمر عليها في حي الزمالك، أو جاردن سيتي، أو منيل الروضة. صورة انطلق منها المخرج المؤلف، لا توجد قصة قوية، بل قصة عادية لحارس بيت قديم، يتلقى أجره شهريا ويعيش وحيدا رافضا ترك المكان بحجج عدم التوافق مع زوج ابنته، ولكنه "مندوه" لهذا البيت ومكلف بحراسته، كنداهة ارتبط مصيره بهاـ   يتلاعب بنا السرد قليلا، أين أصحاب البيت وأين المحامي عادل بيه؟ لمن يبحث منا عن التشويق سيفكر أن المحامي  قد يكون رحل عن الدنيا فلم يعد لمن كلفه وجود. سيظهر المحامي عادل وينهي هذه الصفحة ويبقى لغز أصحاب البيت، منى وسارة ورثة المالك، اختفوا، هنا ألتقط مجازا واضحا لي عن اختفاء الطبقة الوسطى، لم يعد لها وجود، وبقي فقط حارس البيت الأمين والشقي المجرم. تحاول ابنة الحارس/ ناهد السباعي طلب النجدة فيقول لها الشقي لن يستجيب أحد، ماحدش هيسمع صوتك.

الوضع الآن والحادث أن البيت القديم أصبح مغنما للضباع، ليأكلوا عيش، المحامي نفسه نصح الحارس، كل عيش. وحارسنا الأمين مربوط بسلسلة غير مرئية، الحيوانات الأليفة ليست هي الموضوع، فقط عناصر من الواقع تكمل رسم شخصية الحارس العطوف على المساكين، والسواد غير طاغ على الصورة فهناك الدكتورة تعطف على الحيوانات وتساعده في رعايتها، أمها تظهر في مشهد وحيد/ منحة البطراوي، صامتة، يغلق زجاج نافذة السيارة فتبدو خلفه خيالا يتلاشى تشير بوهن بيدها للحارس، بينهما حوار صامت وبقايا ذاكرة. ستغيب الدكتورة في أجازة الصيف، يستجمع الحارس شجاعته ويقاوم الصعلوك/ أحمد خالد صالح، الذي تسقط عليه دعامة البيت الذي وضعته سلطة الحي، يعود المجاز ليبرز على سطح الحكاية، اختفى التهديد مؤقتا والحارس مع بواب العمارة الجار يشربان الشاي. وما زالت منى وسارة والدكتورة / فدوى عابد غائبات، اختفاء دائم وآخر مؤقت لنساء الطبقة الوسطى حارسات القيم، ربما. البيت القديم قائم والقطط تتكاثر . ويبقى المجاز الأوضح تلك الصخرة التي يحركها بصعوبة ويضعها أمام باب البيت حتى لا يركن السايس سيارة في المكان، يفاجأ بها داخل بيته، انت مش قدنا، يستجمع كل قواه ويحركها صخرة سيزيف عصرية، هذه المرة ينجح في زحزحتها، أفكر في الممثل سيد رجب والكاميرا في مواجهته ولا وجود لدوبلير، أزاحها فعليا وفريق الفيلم يراقب، لم يصفق أحد في صالة العرض ولكننا تنفسنا الصعداء. مازالت هناك فرصة. والمباراة لم تنتهي بعد.

في أسلوب يحاكي قواعد سينما "الدوجما"، إضاءة الفيلم لها مصدر واضح، الشمس ولمبات الكهرباء. صورة أجاد إضاءتها مدير التصوير الشاب مصطفى الكاشف، لا موسيقى إلا من مصدر نراه في الصورة، راديو كاسيت متهالك يتم ضبط صوته بعد وشيش لضبط الموجة. بقايا زمن يتعلق به الفنان صاحب الفيلم المتوحد مع بطله والمشفق عليه أيضا، أتجاوب كمشاهدة مع حلم يقظة أحمد عبد الله السيد وأفسره على طريقتي، أتجاوب معه، أعيش معه حلم يقظته باستمرار الحياة في 19 ب رغم المخاطر وفي غياب السلطات.  

المخرج أحمد عبد الله السيد من جيل السينما المستقلة المصرية، في بدايته عمل كمونتير لمخرجي جيله في أفلام ابراهيم البطوط وتامر السعيد وماجي مورجان. تنوعت أفلامه في أساليبها الفنية بداية من "ميكرفون"، و"ديكور"، و"فرش وغطا"، و"ليل خارجي".. وأخيرا" 19 ب"، ورغم التنوع مازال في حضن الواقعية وتجلياتها، مازجا عناصرها الأساسية برؤيته التي تنتقد الواقع دون أن تهيل التراب عليه.

فيلم بطولة الممثل القدير سيد رجب، ولكنه ليس من نجوم الشباك، لا يراهن المنتج محمد حفظي على إيراد شباك التذاكر، والمستقبل معه، فهناك المنصات التي فتحت نوافذ للتوزيع تتوجه إلى جمهور لا يبحث عن المتعة السريعة ولا ينجذب فقط إلى نجوم الشباك. منصات ستلغي الفوارق بين ما يسمى فيلم مهرجانات وفيلم شباك. جمهورها ينتظر ويتجاوب مع أعمال يجد فيها متعة عقلية ومعرفية.

صفاء الليثي

نشر بجريدة الصباح العراقية 12 ديسمبر 2022

مشرف صفحة السينما الناقد السينمائي علي حمود الحسن

جريدة الصباح العراقية 12-12-2022.pdf



 

 

  

عن فيلم تسجيلي " نور على نور"

البحث عن معنى النور في فيلم طريق  

منذ عدة سنوات صور مخرج وفنان موسيقي سويسري اسمه جاك سيرون فيلما في مدينة الأقصر راصدا صوتيات المكان بداية من آذان الفجر وبعض أصوات الطبيعة وصورىة المكان بآثاره المصرية القديمة ومساجده ، نجح سيرون في نقل حالة صوفية لمدينة بها حالة عامة لا تخص دينا بعينه، كان تركيزه على الصورة وأصوات المكان. فيلم نور على نور ركز على مفهوم الناس عن فكره النور الإلهي ونور النبي محمد، التقط المخرج الدنمركي كريستيان سور هذه الروح الصوفية لدى الناس في مصر وخاصة من النساء، السيدة ماجدة والسيدة أم أميرة وسيدات أخريات شرحت كل واحدة منهن مفهوم النور للمتصوف القادم من الغرب وكانت هذه المشاهد الأجمل على مدى الفيلم الذي يبدأ بحوار الأجنبي على مقهى بوسط البلد حيث قلب القاهرة وينتهي بعرض فكرته التي وصل إليها عن النور الواحد في كل الأديان، نور الله الواحد الأحد بتجلياته التي تتبدى لكل متصوف، لم يخرج العمل عن الفكرة التي تؤكد أن الحقيقة واحدة ولكن كل مجموعة تمنحها اسما. في تقديم الفيلم بعرضه الأول بمهرجان القاهرة تحدث المخرج بالعربية ثم أكمل بانجليزية وشرح بداية التفكير في العمل منذ 15 عاما حتى التقى بالمنتجة هالة لطفي وقررا العمل معا على الفيلم، كريستيان سور بدى مهموما في الفيلم بالتقاط معنى النور من المصريين الذين وجد لديهم فكرة الإيمان بمحبة وبساطة وعمق، تناوشه الفتاة الشقية من الإسكندرية أميرة وهي تسحب دخان الشيشة، تتفلسف، نحن في مصر إما أن نتجه إلى الجنون أو إلى التصوف وهي تحكي عن أمها التي تنفق كل دخلها على الموالد ترتحل معها في كل البلاد المصرية، إلى القاهرة وطنطا ودسوق، من بعد يصور حلقات الذكر ولكن اقترابه يكون حميما من السيدات الشارحات لعظمة نور النبي. لشخص مثلي بعيد عن أجواء الصوفية وحلقات الذكر أراقب أداء طبقة اجتماعية ومثقفات في حالات من الاندماج مع الإنشاد دون التزام بغطاء رأس أو ملابس شديدة الاحتشام، أجواء يتوحد فيها الجميع دون تقيد بأشكال محددة من الملابس . أتوقف عند احتضان الفتيات لبعضهن وقد توحدن في شعور ينتهي ببكاء وحضن، السيدة ماجدة تشرح للمخرج والسيدة بعد افطار موائد الرحمن برمضان تشرح يعد تلعثم إنه نور من نور في نور وبنور الأنوار محمد؟ تبتسم بعدما تمكنت من قولها بفصاحة عالم دين يفهم ويشعر معنى نور الله الذي وضعه في قلب صفيه النبي محمد.  

افتقدت في الفيلم ذكر آية النور، الله نور السموات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري ... نور على نور" والتي لا يمكن تجاهلها في فيلم عنوانه " نور على نور" ولكن المخرج اقتدى بمن قابلهم وتعرف من خلالهم على مفهوم النور الأقرب إلى النبي شفيعهم في الدنيا والآخرة. يقول المخرج لقد درست لعدة سنوات العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في أوروبا. أجريت بحثًا عن التطرف، ومشكلات الاندماج، وحيازة الجن، والذهان، وفي مرحلة معينة أصبت بالإرهاق. حتى أعطاني صديق في القاهرة نصيحة بسيطة: توقف عن التركيز على الظلام في هذا العالم، انظر إلى النور. أخذت النصيحة وبدأت مع المخرج المصري محمد مصطفى والمصورة أميرة مرتضى في مشروع بحثي وفيلم حول التجارب الدينية للضوء. يمكن وصف النتيجة بأنها فيلم طريق يوثق حركة الأشخاص الذين يصرون على الاحتفاظ بمساحة للضوء والحب في حياتهم على الرغم من الظروف السياسية الصعبة. وكما تقول أميرة، في مصر بعد الثورة إما أن تصاب بالجنون وإما أن تكون متصوفًا.

المخرج كريستيان سوهر مخرج أفلام وأستاذ في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة آرهوس في الدنمارك. بدأ تعاونه مع مجموعة أفلام "حصالة" التي تتخذ من القاهرة مقراً لها في عام 2014 ، ويعد فيلم "نور على نور" أول فيلم لهما في ثلاثية مخطط لها. يتضمن العمل السابق لكريستيان سور الفيلم الحائز على جائزة وكتاب "النزول مع الملائكة" عن الطب النفسي الإسلامي وطرد الأرواح الشريرة في الدنمارك. وهو حاليًا الباحث الرئيسي في مشروع فيلم وبحث حول تجربة وزراعة الحب في الدنمارك ومصر ونيبال وتنزانيا وبابوا غينيا الجديدة. منتجة الفيلم هالة لطفي مخرجة أفلام أسست حصالة كجهة إنتاج خاص وأنتجت فيلمها الطويل الأول " الخروج للنهار" الذي يعرض في متاحف السينما، كما أنتجت فيلم " ليل خارجي" للمخرج أحمد عبد الله السيد، وفيلمها "نور على نور" بداية لسلسلة إنتاج مشترك مع الدنمرك.

وراء إنتاج الفيلم وإنجازه هدف نبيل اجتمع عليه مخرجه مع المنتجة ووجدا مجموعة عمل تقدم صورة مختلفة عن الإسلام بعيدة عن صورة الإرهاب أو الدجل تحت مسمى الطب الإسلامي، في المشهد الأخير يلخص كريستيان سور ومحمد مصطفى في حوارهما نتيجة رحلتهما ويخلصان أن النور الإلهي فكرة واحدة وملموسة في كل الديانات وغيرها من الأفكار الروحانية مهما اختلفت معتقدات البشر.

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 6 ديسمبر 2022 


خالد عزت بداية واعدة وطريق شائك

مبدعون حائرون بين إنجاز الأفلام وبين التنظير للسينما

خالد عزت بداية واعدة وطريق شائك

لفت الأنظار بمشروع تخرجه " أبيقور الجسد والروح" 1993 وتوقع النقاد له أن يسلك طريق الحق كمتصوف في السينما، اكتفى بعمله وبكتابات على نفس الدرجة من الإبداع يحلل فيها بعمق أعمال غيره منهم تاركوفسكي الذي شبه نفسه به في مقال لافت لحجم الموهبة ولثقته في نفسه، لم أشاهد له عملا آخر حتى قابلته صدفة وعرفت عن عمله التسجيلي " راحة الغرباء" عن الضمة وفنانيها الذين يشبهونه، يغنون في ضمتهم للمتعة وليس للاسترزاق، أنتج الفيلم عام 2010 ودفن مع غيره من إنتاجات تعرض بالكاد في مناسبة أو مناسبتين ثم ينسى ويوضع على الرفوف، ولأن صاحبه غير منسجم مع أجواء صناعة السينما فانسحب إلى دراساته النقدية التي تنشر في مطبوعات غير منتشرة فلا تقع في يد من كانوا ينتظرون أعماله التي تعبر عن موهبة تبدت في مشروع تخرجه وفي الضمة الأقرب ليوميات مخرج يرصد كواليس تحضيره لفيلمه التسجيلي. كنت قابلته صدفة في نقابة المهن السينمائية كلانا ينتظر طبيب النقابة ليؤشر على الدواء ويسمح بصرفه لنا.

كتب عنه الفنان التشكيلي والسينمائي فخري حجاج في مجلة الفن السابع العدد التاسع والعشرون ابريل 2000 تحت عنوان " أبيقوري الجسد والروح " كتب فيه : اختار خالد عزت أن يقتحم آفاقا تمثل بالنسبة لنا – نحن الشعوب الناطقة بالعربية- مغاليق لا يمكن فتحها أو ارتيادها، ويصبح ابحارنا مع المخرج في عبابها أشبه بمحاولة اقتحام قدامى البحارة بمراكبهم القديمة لبحر الظلمات. اختار المخرج لعمله منحى صعبا من إبداع خارق في الشكل غلى إبداع لا يبارى في الموسيقى إلى كلمات تحمل معاني مركبة وجرنا خلفه إلى الكثير. فاز الفيلم بجائزة سعد نديم للعمل الأول 1995 بالمهرجان القومي للسينما المصرية. بعد خمس سنوات سيظهر عمله الثاني كمخرج" أصوات ضائعة" يستعرض فيه نافورات في مدينة روما، وجاء العمل كالتوأم للفيلم السابق يدور فيه بالكاميرا على أشكال نحتية بالغة الروعة مع صوت نسائي أوبرالي وموسيقى باخ. كل شيء يدل على أن العملين لمخرج متقوقع على أفكار وثقافات جمالية وتساؤلات فلسفية، فهل يحطم صدفته ويخرج إلى الناس ويقدم عملا مثيرا بجدل عضوي وليس عملا ذهنيا يمس المشاهدين. أطالب المخرج الموهوب بالنزول إلى الأرض، وأن يكف عن التحليق في الضوء الساطع ويجوس خلال الأزقة والحارات، وليتلفح بحرارة أنفاس البسطاء، فمنهم تخرج الأعمال النابضة بالحياة والمرح، المبهجة والمؤلمة.

ويبدو أن ما طلبه الناقد لعملي خالد عزت الأوليين قد حققه في عمله التسجيلي "راحة الغرباء الضمة " في بناء دائري منذ تليفون  يدعوه إلى حضور حفل للضمة في ليلة شم النسيم ثم لقائه مع شهود عاصروا الضمة وهم صغار وانتهاء بحفل للضمة في 19 ابريل 2009 ليلة شم النسيم بشارع دمنهور بحي العرب في بورسعيد. يختم المخرج خالد عزت فيلمه بتعليق صوتي: كان عندي شك إن الفقراء لسه قادرين ينتجوا الفرح ذاته، مع كل التحولات التي حصلت في المدينة وحولت كل شيء إلى سلعة معروضة للبيع. بداية من الملابس حتى الغنا والموسيقى، في هذه اللحظة قررت أن أصنع فيلما عما تبقى من الفرح جوه الناس، نكون عند وحدة مشهدية لنهاية الفيلم مع اناس مختلفين متجمعين أمام الكاميرا، وتدور بينهم حوارات مختلطة، كانت أيام... الكراسي لن تكفي حضور حفل الليلة، ونسمع نغمات سمسية على لقطات لبيوت حي العرب المميزة بشرفاتها الخشبية، ويحكي الوطني كيف أن بورسعيد كانت تحتفل بزفة اللمبي، وناس ترقص بريش كأنهم هنود حمر، أولاد الحارة يحرقون تمثال رمز اللورد اللمبي حاكم المنطقة بداية من انتهاء العدوان الثلاثي. وبعد الحريق يستحموا ويحتفلون بشم النسيم. تصفيق وعزف ورقص من رجال وسيدة واحدة، رجال كبار وناس مرصوصين على الكراسي، فرقة بطبلة ورق وسمسية، ورقص الرجال بعيد عن اهتزازات الرجال كهز البطن الذي يمارس خطأ في بعض الأماكن. رقص الصحبجية بالعصا رقص ايقاعي يعكس بهجة مجانية وينزل تتر ( راحة الغرباء ، ليلة الضمة ) سيناريو وإخراج خالد عزت، أسأل صانع الفيلم لماذا الاسم، ومن هم الغرباء، أجابني الاسم مستوحى من بول شرايدر صاحب كتاب راحة الغرباء وكاتب سيناريو سائق التاكسي، وكل الأفلام المهمة في السبعينيات، لمارتن اسكورسيزي، وحرب فيتنام، لأني وجدت أن الشيء الوحيد لهؤلاء الغرباء هو المزيكة التي تسبب لهم الراحة. هم غرباء عن بورسعيد وأتوا من دمياط أو كان جدودهم نازحين للعمل في حفر قناة السويس. وهكذا لا يتخلى خالد عزت عن ثقافته التي تظهر في كل أعماله ويحب أن يبرزها احتراما لصناعها.  

الضمة راحة الغرباء

بدعم مباشر من وزارة الثقافة المصرية لأفلام الديجيتال يصدر خالد عزت فيلمه بمقولة الصوفي جلال الدين الرومي " عدة طرق تؤدي إلى الله وقد اخترت طريق الرقص والموسيقى" يقدم ما أسماها مسودات فيلمية بعنوان "راحة الغرباء الجزء الأول الضمة"، تتقاطع العناوين مع لقطات الاستعداد لحفل غنائي ونسمع صوت عبر المحمول للمخرج يدعوه إلى حفلة بدمنهور، ياريت تيجي، أنا جاي كل سنة وانت طيب. العناوين تتخللها التترات ويدخل صوت سمسية وينزل عنوان المسودة الأولى نداء الضمة، ونسمع صوت يقول أن الضمة كانت بالنسبة لي الماية اللي بنشربها، صعب أوصفها، بتشوف فيها صاحبك اللي من بعيد نشاهد الآن المتكلم يوجه حديثه للمخرج خارج الكادر ويواصل، أول مرة حضرت فيها الضمة كانت سنة 57 في فرح بعزبة فاروق المنطقة حاليا اسمها أرض العزب، تسللت بينهم وسمعت، كل واحد بيعرف غنوة يقولها، يتدخل المخرج صييته؟ نعم، محمود الشهاوي وأحمد محمد ثلاث أخوات يتزعموا الضمة، يعدد أسماء منها عوض ربيع، أبو عزيزة وعم راشد، تعود الصورة إلى الشوارع في الخارج حيث مظاهر لحفل ما وغناء بالسمسية وناس تتابع ( مركب حبيبي يا جدع من الغرب جاية) المشهد مكون من لقطات للناس في أنشطة متنوعة والغناء فقط في الخلفية. ونسمع محمد الشناوي الذي يشرح كشاهد عاصر الضمة منذ كان طفلا، زمان الضمة كانت أيام أبويا الله يرحمه وعم عوض ربيع والريس كوثر من الصييته وكان الناس تحب سماعهم. في الضمة كانوا يجتمعون في شبه دائرة يجلسون على كراسي خشب، كرسي مطبخ، ويغنون الأدوار القديمة زي نوح الحمام ، يكمل الأول، يجلس الصحبجية ومعهم اربع طبل  يدقون دقة بايقاع معين يسمى، لم التايه، لجذب السميعة برق صغير ومثلث قبل وجود السمسية، الصورة تعود بنا لمشهد غناء ونشاهد لقطة سريعة لسمسية المكان حارات تباع فيها الملابس المعروفة في بورسعيد، لقطات هادئة للمكان وصوت المخرج معلقا، بعد مضي أول أسبوع لحضور الضمة رحت أدور على عزبة فاروق التي حكى لي عنها الصحبجي محمد الشناوي كات في البداية مرتع الصحبجية ولكني لم أجد شيئا باقيا على حاله، تتبع الكاميرا شيخ بمظهر سلفي في عدة لقطات يقودنا إلى مقهى ويجري حوارا مع ملتحي آخر. تحولات الناس سنلمسه قبل أن نسمع السلفي الذي كان أحد الصحبجية ويعرف عنها الكثير في مشهد لاحق سيحاول منظم حفل أن يقنعه بالمشاركة ولكنه يتحدث عن تغير الأجواء التي وصلت لمهزلة على حد قوله، وينجح الرجل في جذبه لينشد أدوارا تسجلها الكاميرا دون أن يبدو أنه شاعر بالكاميرا. العفوية التي تبدو عليها أغلب المشاهد تصل لذروتها مع مشهد نشاهد فيه رجل تائه ويندهش من عدم تذكره لبيته الذي كان في طريقه مع المخرج ليشهده عليه، يتعرف عليه شاب ويحييه شاعرنا الفنان، حارمنا من أنسك ليه ياريس، يندهش الشاعر كمال عيد، انت واعي على الحي، فيرد سمعتك وسمعت أغاني السميسة بتاعتك، أيوة ما حدش عاوز يسجلها لنا الناس انشغلت بالأفراح، انما حد يقول نلحق نسجل هذه الأغنيات الوطنية التي أرخت للبلد، ما حدش عاوز!!، الشاب يكمل حضرتها بعد عودتنا من الهجرة في السبعينيات، وحضرت مسرحية عرضتها في دار الثقافة، كان فيها حكاية التهجير والعودة، تأليفي وتلحيني يقول الشاعر، غنيتها مع حمام ، والناس الحلوة دي، يتدخل مسن ثالث ويستعيدون معلومات عن الضمة فيكمل حديث الشاعر، معاك الموظة والأمريكاني وسعد أبو شحات وأحمد كفته، الصحبة بتاعت زمان دي، هديه ظهرت عفويا للمخرج والكاميرا دائرة توثق هذه الذكريات الحية دون ترتيب مسبق منه. ويعاد وصف جلسة الصحبجية بشكل بيضاوي على كراسي الحمام، صورة باقية في ذاكرة الجميع. مشهد آخر استوقفني مشهد لرجال على مقهي يلعبون الكوتشينة والكاسيت به شريط لأغنية سمسية شهيرة يلعبون ثم يندمجون في الغناء بسلطنة مبهجة.

يتراوح الفيلم بين هذه الهدايا التي تظهر أثناء التصوير وبين تعليقات المخرج، كقوله، تساءلت عن المكان الذي كان يلتقي فيه الناس على نشوة الروح في الغُنا، ونشوة الجسد في المجون، ويربط الفيلم  اللقاء مع الشناوي الذي يمتلك ذاكرة خصبة عن الضمة، وتمثل حوارات كوثر هذه الحقيقة المرعبة عن تحولات بورسعيد منذ الخمسينيات وحتى العام 2009 وقت تصوير العمل. وينضم الفيلم إلى عمليه الروائيين القصيرين عاكسا ثقافته التي تتأثر بجمال فنون راقية عالمية وفنون شعبية مصرية بنفس القدر من النشوى.

وكما كان فيلميه الأول والثاني يعكسان رؤية وفهما للفن التشكيلي وروعة التعبير عنه بلغة السينما، فإن كتاباته النقدية تميزت بالغوص في العمل وكشف ملامح الجمال خلف السرد والحكاية كتبها عام 2000 بالفن السابع، في قراءته لجنة الشياطين، كتب عزت، لكل فيلم سره الذي لابد من الحفاظ عليه، كما يحتفظ الميت بأسرار موته في رحلته البرزخية، فلا أحد منا يعرف ما الذي يمكن أن يدور في خلد رجل ميت حين توافيه المنية. وأي صور تتخايل له وهو مفتوح/مغمض العينين يحدق أمامه في اللا شيء أو كل شيء.. من الممكن وأنا بصدد الكتابة عن فيلم أسامة فوزي " جنة الشياطين" أن أستعير مفتتحا لنص الكاتب الأرجنتيني خورخي بورخيس ( لا تدوم حياة كائن إلا ما تدومه فكرة)، ويمكن أن أتلاعب قليلا بنصه ليصبح، لاتدوم فكرة إلا بموت الكائن، فبموت الكائن طبل/منير أمكن أن يمنح في التو حياة لفكرة ما. يمضي في تحليله للفيلم مستعينا بعناصر من ثقافته الواسعة ويصل إلى شاطيء الواقع فيكتب بعض المعلومات ليسهل تتبعه في دراسته االمركبة المعنونة، ما لم يقله طبل عن مولانا جلال الدين الرومي، وقوله " عدة طرق تقود إلى الله..وقد اخترت طريق الرقص والموسيقى" عبارة تسكنه يعود إليها دوما وسيضعها مفتتحا لفيلمه عن الضمة والصحبجية الذي سينجزه لاحقا 2010. سنعود إلى دراسته عن فيلم أسامة فوزي وننقل عنه، يأتي "جنة الشياطين" بعد فيلم واحد ووحيد مشترك بين نفس الكاتب ونفس المخرج تحت عنوان "عفاريت الأسفلت" العنوان يشير إلى طائفة سائقي الميكروباس، وينتمي الفيلم إلى ما يطلق عليه دراما الأحياء التي بلغت ذروتها التعبيرية بفيلم داود عبد السيد " الكيت كات" التي تدور أحداثها داخل حي أو ضاحية ما، حيث تنعقد بين الشخصيات صلات قربى وجوار، تتشابك فيها ذكريات المنشأ والأحلام وأيضا الظرف الاجتماعي المعاش. ....في "عفاريت الأسفلت" يستخدم ذكري عنصري الخفة والرسوخ اللتين سيعيد التلاعب بهما لاحقا وبمقدرة عالية في " جنة الشياطين" وهو يجيد تطويع التقنية داخل نسيج المشهد الواحد من أجل استبيان ردود الأفعال المضحكة والهزلية والمشحونة بأقصى درجة من التوتر والتهديد المروع. وهي تقنية شائعة سنجدها في كل أعمال الكاتب ادجار آلان بو وكل الأفلام البوليسية ذات الصبغة الكوميدية. ..أذكر أنني عقب مشاهدتي للفيلم وبعد مناقشات سوفسطائية الطابع لا تنتهي أبدا بيني وبين مصطفى ذكري دونت بعض الأفكار على هامش مشاهدتي  للعمل، كان يجب على النص أن يفرد مساحة أكبر لذاكرة الحواس في لعبة الخيانة التي بني عليها  فيلم "عفاريت الأسفلت". وقد وقع على ما كتبه بتوقيع مخرج سينمائي فهو ليس الناقد الذي يقدم مراجعة عن عمل مبدع بل صانع أفلام يشتبك مع صناع الفيلم الذي يكتب عنه ويطلب أن يتحقق قدر أكبر مما يسميه التوتر الجمالي الذي سيتحقق بلا ريب في" جنة الشيطين" كتابة في أساسها استيعاب لأسلوب المخرج وشريكه الكاتب في الإبداع الفيلمي.

وتحت عنوان القليوبي وألعابه السحرية يكتب عن الفيلم الطويل الأول له " ثلاثة على الطريق" والثاني  "البحر بضحك ليه"  بدأ بتلمس مواضع الدهشة والحيرة الإنسانية لدى شخصيات أفلامه التي يختارها بعناية بالغة والتي تستند إلى تراث مجيد من النفي والتهميش البازغين، إن شخصياته الأثيرة عبر فيلميه الأولين، لا تخرج عن صورة الهامشيين والشطار وأهل الدعارة والنهب والعيارين من باعة الأسواق الفقراء وأرباب الملاعيب والأوباش والعياق، وأيضا جماعة الخيالين من مبتدعي الملاهي الشعبية المرتجلة التي تحتل مكانة متميزة في مشهديته السينمائية. والتي تبرز عشقه وهوسه الشخصي بفنون الفرجة والأداء. من الممكن أن نقف قليلا  لتأمل تلك الاستعارة المدهشة والماكرة أيضا التي أوجدها القليوبي كتيمة رئيسية وعمود فقري ينظم عليه جسد الفيلم وهي تيمة الرحلة / الطريق، الحياة/ الوطن، مشيدا فيلمه مثل لوحة الموزاييك تتطاول مناحي متعددة من العرض الإنساني وتتضافر فيها كل الخيوط من الحكي إلى السرد إلى التضمين، مشاهد السيرك، خيال الظل، مقاطع تسجيلية ونشرات أخبار والموزعة بدقة مونتاجية عبر زمن الفيلم. .. وعبر الفيلم تظهر تأثير بابات المسرح الشعبي المعروف بخيال الظل، ويجري عليها القليوبي نصه المعاصر مضمنا إياها مقاطع من تعليقات الواقع اليومي في تسعينيات هذا القرن. ... الوجود الإنساني عند القليوبي وعبر فيلميه هو سيرك وساحة يتعارك فيها البشر بكرامة وتتصارع فيها الأفكار والحواس.

لبعض الوقت توقفت كتابات خالد عزت كما توقفت المطبوعة المتخصصة " الفن السابع " في مناخ لا تستمر فيه أي جهود تتسم بالأصالة والعمق، تمضي السنوات ويعود لنشاطه ولم يكن بعيدا عنه انجذابه لسينما ناصر خمير الذي قدم عنه دراسة شديدة العمق يستحقها فن هذا المخرج وأعماله الصوفية في دراسة نشرت في مجلة نزوى . تباعدت كتاباته كما تباعدت أعماله للسينما ويشغلني السؤال عن دور الأنظمة والوزارات المتعاقبة في طرد المبدعين الحقيقيين من السوق وفرض من يقدمون أعمالا لإرضاء الجماهير قليلة التعليم وغير المستعدة لقدح الذهن لتلقي عمل يحتاج قليلا من المشاركة الفكرية، وما مسئولية الشخص عن عدم تكيفه مع السائد مثلما يفعل غيره تكيفوا ونسوا ما يرغبون في تقديمه وبتوازن قدموا ما يمكن لجموع المشاهدين تقبله. سمعت من كاتبة واعدة أن مخرجا عملت معه قال لها انسي الإلياذة والأوديسا الآن واكتبي عما يفكر فيه الناس ويتجاوبون معه. لم ينسى خالد عزت أبيقوره ولا أفكاره الصوفية واختار أن يكتب عنها بدلا من تجريب الكتابة للناس، الناس العادية. لا يمتلك الكل هذه الملكة، ملكة مخاطبة الناس بما يحبونه ويمكنهم فهمه. وإن أدرك أنه تعلم الدرس فركز في كتابة أفلام تتناول واقعا لم يتغير كثيرا عن أفلام من سبقوه. وأتمنى أن تجد طريقها للإنتاج وتضاف لمنجز السينما المصرية المتنوع والمستمر عبر السنين.

صفاء الليثي

 نشر بمجلة إبداع نوفمبر 2022 رئيس التحرير ابراهيم داوود نائب رئيس التحرير هشام أصلان  

سينما مجدي أحمد علي في محبة الصداقة ومباهج الحياة

في محبة الصداقة ومباهج الحياة

كنت في طابور طويل للراغبين في الإدلاء برأيهم في فيلم " يا دنيا يا غرامي" همس المخرج مجدي أحمد علي للناقد السوري قصي صالح الدرويش الذي كان يدير الندوةـ صفاء صفاء، وتحدثت معجبة عن الفيلم بسذاجة بداياتي مع النقد السينما أن الفيلم مناصر للمرأة منتجه رجل وكاتبه رجل ومخرجه رجلـ ويقدم بحب عملا عن صداقة ثلاث فتيات برومانسية محملة ببهجة رغم صعوبة ظروفهن. وبعد كل هذه السنوات ما زلت ألمس جمال البهجة في تناول قصصهن وان انتبهت إلى الميلودراما التي تغلف تفاصيل قصصهن حتى تذكرت عنوانا لمقال للناقد وليد الخشاب" في مديح الميلودراما " المحببة التي تضع فواصل واضحة بين الخير والشر وتعتمد على الصدفة في أحداثها، ينطبق هذا التناول على العمل الأول للمخرج المعروف بالتزامه بقضايا وطنه، واحد من جيل السبعينيات الذي انطلق بعد تجارب في العمل كمساعد إخراج ليخرج أعماله ويكتب أيضا أعماله وللغير. 

يحب مجدي أحمد أن يناقش قضية في كل عمل من أعماله، ناقش العذرية في " يا دنيا يا غرامي" والحمل دون زواج في "أسرار البنات"، وناقش حلم التحرر الوطني والطموح الطبقي في "البطل"، الهوس الديني في "مولانا". والتقط من رواية " عصافير النيل " العلاقة بين المدينة والنازحين من الريف بروح من واقعية سحرية تخص تفاصيل مصرية خالصة، وجد في " خلطة فوزية " خلطة سحرية أخرى لمبدعة لها كتابات أدبية ساحرة وهي صديقة له أيضا قريبة من شلة المنيل التي كان المخرج أحد أعضاءها.

يا دنيا ياغرامي

منذ عمله الأول يصنف كمخرج تقدمي فهو الذي يبدع في تصوير النساء وينحاز إلى إظهار جمال الروح فيهن، حكاية صداقة ثلاث فتيات على أعتاب الثلاثين يجمعهن سكنى البناية الكبيرة البديل عن الحارة التقليدية في أفلامنا المصرية، في إبداع لفنان الديكور صلاح مرعي وهذه البناية التي تمثل حارة رأسية يسكن فيها الفقراء في البناية أشيه ببناية المدارس، كل أسرة تسكن في حجرة واحدة وتتواصل الحجرات عبر ممر طويل، حارة رأسية تخالف نمط الحارات المصرية منذ فيلم العزيمة وبداية الواقعية المصرية. واقغية المخرج أضفى عليها مسحة رومانسية وسمة الواقعية الاشتراكية في فيلمه. تناول قضية العذرية دون بكائية على شرف البنت ( اللي زي عود الكبريت) وأظهر إصرار الفتاة على عدم إجراء عملية ترقيع لغشاء البكارة كما تفعل غيرها لخداع الزوج القادم، تختار أن تصارحه بما جرى فبدا موقف المخرج والكاتب واضحا في هذه القضية الاجتماعية بتناول يمثل التسعينيات في مصر يعكس تغير نمط الفتيات المنسحقات الباكيات وان ظل الذكور على أفكارهم ( عاوز أتجوز واحدة ما حدش لمسها قبل كده) ولكنه لم يفلت من التنميط الذي يخصه بجعله الفتى الذي أفقدها عذريتها شخص متأسلم انضم إلى جماعة إرهابية تمارس بلطجتها المتلبسة بلباس ديني على الحي سكانه وخاصة النساء. لا يتخلى مجدي أحمد علي عن توجهه هذا في أعماله التالية، وسنجد تكرارا لتنميط شخصية الشرير في العمل ليكون المتأسلم هو الشرير ليس المتعاطي أو السرسجي بل المتأسلم المنافق الذي يقول ما لا يفعل ، يتخطى حدود الحقارة حين يتهجم على زفاف الفتاة وتصيب طعنته أخته ، ليدخل العمل في درجة من الميلودراما لا يستمر فيها إذ تكون طعنة خائبة لا تسبب إلا جرحا طفيفا، لا يغيب عن بالي رقص الفتيات وهن في دائرة وكأنهن تحتفلن بنصرهن الصغير على الذكور وقيمهم الرجعية، الثلاث فتيات أقرب إلى السمنة في مقاييس شائعة للبنت المصرية دون زيف السينما، ولا واحدة منهن تشبه فتيات الإعلانات.

أسرار البنات

الأكثر تماسكا من ناحية السرد وبعيد عن المبالغات دون أن يسلم من شيطنة الطبيب المتأسلم الذي يجري عملية ختان أثناء توليد الفتاة. وجعله يرتكب خطأ مهني نتيجة ضيق أفقه وتصوره عن صحة أفكاره ، وباستثناء هذا الحدث فالفيلم أرق أفلام المخرج وخاصة اختياره للفتاة مايا شيحة التي ظهرت في قمة البراءة المقنع بأن الحدث تم بجهلها بما تفعله وكذا شريكها الغر الذي أحب بنت الجيران ورغب في التعبير عن حبه دون قصدية الإيذاء. الخالة في الفيلم / سوسن بدر وكأنها صوت الكاتبة والمخرج تتحدث بوعي اجتماعي وعقلانية فتدين الطبيب بشجاعة، والنموذج الثاني للأم التي تمثل النساء الأخريات التي تنزعج وتتشكك في صحة تربيتها لابنتها دلال عبد العزيز في أداء الأم الحنون والتي تحسب حساب المجتمع. قدمت الكاتبة قصة تحدث في المجتمع وناقشتها على طريقة ماذا يحدث لو حدث حمل بالخطأ نتيجة عدم وعي مراهقين بحقيقة الجنس والحمل، هل نذبح الفتاة أو نقتل الفتى أم نصبر عليهما ونفكر في ربطهما بالزواج، كما أن وفاة الوليدة سهل مهمة إخفاء ما حدث مجتمعيا فتأجل الزواج حتى يصبح ممكنا بعد إنهاء الدراسة.

ضحك ولعب وجد وحب

تنتاب مصوروا الأفلام الرغبة في الإخراج ليكون صاحب العمل وليس المنفذ لأفكار غيره، وهكذا فكر مدير التصوير البارع طارق التلمساني في فيلم عن جانب من سيرته يوثق لحي مصر الجديدة الذي عاش به شبابه واتفق أن يكتب له السيناريو صديقه مجدي أحمد علي وقد نمت الصداقة بينهما أثناء العمل معا ، طارق كمصور ومجدي أحمد علي مخرجا منفذا، فهل ظهر حي مصر الجديدة الذي كان في مخيلة طارق التلمساني ؟، الواضح أن جملا حوارية جاءت على لسان البطل عمرو دياب عن شعوره تجاه الحي وبخلاف ذلك لم نشعر بالحي وان ظهرت أجواء صحبة مشاهدة الأفلام وعرض فيلم انفجار وصداقة الطلبة الأشقياء مع المتمرد على أبيه الذي لم يكمل تعليمه ودخل في صراع مع الأب الذي طلق أمه التي كانت راقصة، وتعلق بإحدى بنات الهوى التي أحبته كأم ووجد فيها بديلا عن الأم التي فقدها. يحاول فنانو السينما دائما إظهار شخصية هذه المومس الفاضلة بانحياز إنساني لها وإظهار كراهيتهم لتسلط الأب الذي قام بدوره عمر الشريف في أداء متخشب يعبر عن شخص مكتئب غير راض عما حققه رغم ثرائه الفاحش. نفي الشر عن المومس التي بدت فاضلة جدا كما تحب الفنون إظهرها، فهي تحب الشاب فعلا ولا تستغله كما تصور الأب، اختيار يسرا في بداياتها وهي شديدة النحافة لا تؤدي بالطريقة السوقية التي اعتدنا على مشاهدتها في أفلامنا، يسقط عليها الشاب حبه لأمه الراقصة التي ظلمها الأب. بأجواء الفيلم استعارة من بعض أجواء فيلم كابوريا الذي أصبح باترونا ونموذجا لعدد من الأفلام التي تكرر فيها فكرة صداقة صعاليك مترفعين عن القيم البرجوازية التي يتم السخرية منها.

مع فيلم "البطل"

لابد من التوقف عند رغبة أحمد زكي في تناول حياة ملاكم ورحلة صعوده نجو البطولة وكأنها المعادل له شخصيا في رحلة صعوده من ممثل يجيد تقليد أداء نجوم سبقوه إلى نجم محبوب غير صورة النجم الوسيم وتفوق عليها. قدم زكي شخصية الملاكم في ثلاثة أفلام كل منها بأسلوب فني مختلف، أجد فيلم البطل ليس فيلما لمجدي أحمد علي بل أقرب أن يكون فيلما للنجم الذي لم تشبعه تجربتي كابوريا ولا النمر الأسود وبقي مفتقدا لبطل يجده معبرا عنه لا عن رؤية مخرجه. رغم وجود الخط السياسي في الخلفية عن ثوار ثورة 1919 والأعمال الفدائية في غياب سعد زغلول البطل المنفي خارج البلاد، وخطابات بطلنا الحالم بصداقة مع بطله السياسي الذي لم يحقق للأمة استقلالها. فكرة طموح أضاعتها البطولة الثلاثية لهنيدي الكوميديان ومصطفى قمر المطرب والممثل الحالم أحمد زكي، الصداقة التي ينحاز إلى تقديمها المخرج مجدي أحمد علي معبرة عن شخصيته الحقيقية فنادرا ما تجده دون لمة الأصدقاء يتحرك معهم وبينهم بداية من شلة المنيل وليس انتهاء بشلة أخرى من أصدقاء يضعهم في اعتباره حين يقدم على إنجاز فيلم جديد، أتصور أنه يضعهم في حساباته وهو في مراحل تحضير لعمله حريصا على أن يرضيهم ويعبر عنه وعنهم في عمله.   

"خلطة فوزية " 

وصف أطلقته على خلطة المحشي الشهي الذي تطبخة فوزية/الهام شاهين بمحبة، جمعت في عزومة أزواجها السابقين في لمة يصعب تصورها واقعيا فكانت خلطة الكاتبة المعبرة عن محبة لكل الرجال الذي تزوجت منهم تباعا وانفصلت عنهم لأسباب حياتية بعيدا عن الحب، هناك قصص في الواقع عن سيدة تزوجت خمسة رجال دون علم الواحد منهم، حوادث تثار في الصحف وتهتم بها كأحد نوادر الحياة الاجتماعية، ولكن الكاتبة افترضت أن فوزية لم تجمع بينهم إلا كأصدقاء بعدما انتهت علاقة الزواج وبقي الزوج الأخير الذي رفض خلطتها في البداية ثم تجاوب معها واستمر الفيلم مدعوما بحكاية فرعية عن الشبقة ، غادة عبد الرازق التي تطارد الرجال وتبحث عن زوج، وهو نموذج طريف آخر اختارته المؤلفة بخيالها الأدبي من البيئة العشوائية التي تعيش بها فوزية وأزواجها. المخرج وجد في العمل فرصة لعرض توجهه المعارض لسلسات الجكومة وإهمالها لمن يعيشون في العشوائيات، هذه المرة بعيدا عن المباشرة ولكن كخلفية لحكاية فوزية الظريفة وأزواجها وأولادها. حكاية تغري بالمزج بين أساليب متعددة في الفيلم الواحد، فالبداية ساخرة وملخصة لتاريخ الزيجات ثم طرح الحكايات واستعراض الشخصيات بحكاية كل منهم بأسلوب واقعي، وكأن فوزية هي أم المصريين على الطريقة الشعبية. يرتبط المخرج مع ممثلين يعيد تقديمهم في أعماله عبر أداء شخصيات مختلفة، عزت أبو عوف الأب الحائر بين رغبته في تربية ابنته على الحرية وبين قيم المجتمع التي تخنقه في " أسرار البنات" ، والمهني البارع الذي تزوجه فوزية بنفسها لصديقتها الشبقة فتأتيه رصاصة الاحتفال العشوائي بالزواج فترديه قتيلا، وجوده في البيئة العشوائية يبدو غريبا علي ولكنه في إطار كل اللا معقول بالفيلم يصبح مقبولا، فتحي عبد الوهاب وقد تعلق بفوزية كأنثى، ينخرط تدريجيا في خلطتها ويتواءم معها، وسيكون البطل المعبر عن العمل الكبير "عصافير النيل" بسذاجة الريفي وكبريائه وفحولته وانسياقه إلى نداهة المدينة ونساءها، الحبيبة/ عبير صبري بطلة مفضلة للمخرج مجدي أحمد علي،  والأرملة التي ينقصها الجنس ثم الزوجة التي أرادها له الأهل والظروف. عالم ابراهيم أصلان  في سينما مجدي أحمد علي مع ممثلين وجد لهم أداورا تظهر فيه قدرتهم على التقمص  وأهمهم فتحي عبد الوهاب وقبله مجدي فكري الذي قدمه المخرج في "يا دنيا يا غرامي" المثقف المفلس في دور كبير يناسب حقبة التسعينيات.   

مولانا بين الفيلم والرواية  

وجد السينمائي المهتم بقضايا يموج بها مجتمعه في رواية الكاتب الصحفي ابراهيم عيسى، " مولانا " حيث الكتابة الصحفية المعتمدة على معلومات بعضها متداول والبعض الآخر يبدو مسربا من ملفات المخابرات لنشر أفكار معينة في صيغة مشوقة تتجاوز نشرات الأخبار. وجد الفكر المعادي للمتأسلمين ومعهم السلطة السياسية التي ثار عليها الشعب، تحالف سلطة الدين والسياسى معا في عمل مباشر، ومع تمسكه بالحوار الأسهل توصيلا للعامة يصبح عملا مناسبا لصنع فيلم يصيغ له السيناريو ويعيد بناء السرد ليناسب ضرورات التشويق ويطوع الكتابة للغة السينما مع الاحتفاظ بحوار الكاتب، الكلمنجي الذي يعبر عن أفكاره بحوار قوي وبه نكهة سخرية مستمدة من كلام الناس العاديين وهم يعبرون عن سخطهم عما يجري بمواربة مازحة. في تناوله للرواية وقبلها رواية" عصافير النيل" لم يقم بخيانة الرواية كما يشاع عن الأفضل في الاقتباس عن الروايات بل غير فقط ما يلزم لتحويل الأدب إلى مشاهد فيلمية مع الاحتفاظ بالحوار الأدبي.

أجد مجدي أحمد علي مخرجا كبيرا في مولانا تتحرك كاميراه وتستعرض تفاصيل غنية في مشهد زواج قريب له بمسيحية أسلمت على يديه ، بنت بدبلوم تقرى ابن تيمية، هكذا يسخر مولانا من فكرة إسلام الفتاة اقتناعا ويفضح استخدام أمن الدولة لهذا الأمر للإلهاء وتأجيج الفتنة، ويتهكم، نصرة على مين على أبوها السكير ولا على البنت المسكينة، وفي نقاشه مع حسن أحد أفراد العائلة الحاكمة الذي تنصر يناديه حسن ولا بطرس؟ ربنا يشمل رحمته كل الناس، حجة عيسى التي يرددها في برامجه وضعها على لسان الشيخ حاتم كما أن وضع حكاية ابنه المريض حجة لكي يتواءم مع البرامج الدينية ليتمكن من علاج أغلى من لديه، ابنه الوحيد المصاب بمرض نادر.  

فيلم "مولانا" هو الأقوى إيقاعا من بين كل أفلام مجدي والأقرب لكل ما يعتقده المخرج ومؤلف العمل، الانحياز إلى الصوفية وبيان محاربتها من شيوخ السلطان، اختيار رمزي العدل لدور الشيخ مختار الصوفي الذي يؤمن تلميذه حاتم أمانة، جلال بدلا من جمال مبارك مع تفاصيل يعرفها الجميع عن مباريات كرة القدم لابن الرئيس الساعي إلى السلطة، وتحريك سلطة أمن الدولة للسائلة نشوى لإغواء الشيخ والاستيلاء على أمانة مختار، يتقمص عمرو سعد شخصية مولانا وينجح في حوارات التهكم من رجال أمن الدولة، بيومي فؤاد في أداء تمثيلي كبير مقدم برامج ساخنة بالجدل المصنوع ونقاش حول الشيعة التي اتهم بها مختار ظلما. مشاهد تبعدنا عن فن السينما وتحوله إبرامج وعظية تأتي على لسان مولانا " الإسلام ما فيهوش سنة وشيعة" . لا ننسى أن الفيلم كتب ونقذ بعد ثورة 25 يناير 2011، فيبدو جانب منه فضح ممارسات جمال مبارك الذي كان يسعى لوراثة الحكم وإزاحة الجيش بعد ثورة 25 يناير 2011، وأرى أن الشعب بثورته استخدم لمساندة الجيش في إزاحة المدني عن الحكم، لا يتطرق الفيلم إلى نقاش كهذا بل يفضح تورط مبلرك من خلال عائلته في إشعال الصراع الطائفي لصالح جهات معادية حين يتضح أن حسن ليس بطرس ولكنه تظاهر بهذا ليتمكن من تنفيذ عمليته الإرهابية الكبرى، لا أعرف مدى صحة هذا الأمر الذي يلصق بجمال/ جلال التروط في هذا الأمر، وإمعانا في الهجوم عليه يتم الحديث عن مرضه النفسي وكشف زيف تنصر حسن عميل الجهات المعادية لمصر. لا أنكر أنني انجذبت إلى التناول المشوق للقضية وكان أحمد مجدي ملائما لدور حسن ابن الأثرياء ونسيب الحاكم المنتصر. هذا الخط الذي أبعد الفيلم عن الخط الأساسي به ، خط فضح الرياء والنفاق من قبل رجال الدين خدم السلطان في كل زمان ومكان. الذي بدأ الفيلم به، ولأن السينما فن التكثيف فيها نجح المخرج في التخلص من كثير من الحكايات الفرعية وركز على الأكثر جدلا ( زينب بنت جحش والتبني في الإسلام). في رواية عيسى كثير من المناقشات لا تجرؤ السينما على طرحها فرقابة المصنفات الفنية على السينما أقسى من رقابة الكتاب المطبوع الذي لن يقرأه سوى آلاف في مقابل الملايين التي تشاهد  الفيلم وتتأثر به مباشرة. بمشاهدة صور العرض الخاص للفيلم أتصور أنه كان حدثا كبيرا تجمع فيه أهل الفن وعلى رأسهم النجم الطبير عادل إمام، ونجوم السياسة وربعض رجال الأعمال، أعتقد بنجاح الفيلم تجاريا ومع ذلك كان آخر انتاجات محمد العدل على الأقل حتى الآن ونحن نقترب من نهاية 2022 بعد مرور سبع سنوات قدم فيها النجم عمرو سعد عددا من مسلسلات الدراما التلفزيونية الناجحة وتوقف انتاج العدل سينمائيا ، وظهر بصعوبة عمل المخرج  الأخير " 2 طلعت حرب".

سينما مجدي أحمد علي تشبه صاحبها الفنان الملتزم بقضايا وطنه، صاحب صاحبه الذي يعلي الصداقة على أي خلافات أو فروق ، يحب ويحترم النساء ويفضل تقديمهن بحلوهن ومرهن دون الحكم عليهن، فلن تجد الخاطية التي دفعها المجتمع للخطيئة، تستحق عنده للعقاب، بل انسانة طبيعية تحب وتعشق وتحلم ولا تخدع الرجال الأقوى والأكثر قدرة على التعايش مهما بلغت خطاياهم. سينما تخلط السياسة بقضايا مجنمعية في خلطة تجمع بين الواقعية والرومانسية. سينما واضحة عالية الصوت، رقيقة غالبا مع من يحبهم، وقاسية على من يرفضهم ويختلف معهم.  

نشر بالعدد 11 من مجلة نقد 21                                                                        صفاء الليثي 

رئيس التحرير محمود الغيطاني

مدير التحرير والمخرج الفني ياسر عبد القوي . 

Wednesday 24 August 2022

كابوريا والبقاء على شاطيء الواقعية

 

كابوريا والبقاء على شاطيء الواقعية

عن تجربتي مع الفيلم

كنت أعمل على الموفيولا، أركب شرائط المؤثرات الصوتية، وقتها كانت هذه المهمة مسئولية فريق المونتاج لكل فيلم، أتبع مدرسة المونتير الكبير أحمد متولي في تغذية شريط الصوت المساعد بتنويعات غنية من المؤثرات الصوتية، المونتير الأول يقوم بمونتاج الفيلم صورة وحوار ثم يقيس الموسيقى على مشاهد الفيلم ويركبها وعندها تنتهي مهمته، ويكمل المونتير المساعد المهمة بتجهيز باندات المؤثرات، كنت محظوظة بما أمده خيري بشارة من تسجيلات صوتية غنية جدا ومختلفة عن تلك الأصوات المعتادة من مكتبة المؤثرات، لكمات لعبة البوكس سجلها بشارة وقمت بتركيبها، قد تكون المرة الأولى حسب علمي ألا نسمع في المعارك هذه الأصوات المزيفة التي تقترب من صوت القنابل وتسبب الضحك لدى المشاهدين في مواقف يجب أن يشعروا بجديتها وبتعبيرها المتقن عن فن المعارك، لكمات حقيقية تشعر فيها بملامسة اليد على اللحم وليس بصوت نحاسي أو بدقات على طبل أجوف. صوت يسجله بشارة وينقل على شريط الماجنتيك 35 مللي ويركب على الصورة، ليست اللكمات فقط بل عديد من أغنيات أجنبية، ومؤثرات حية أخرى أعدها خيري وتم تركيبها على مشاهد الفيلم.  

وعلى خلاف العمل في العديد من الأفلام كان بشارة يفضل أن يقدم للمونتير النسخة التي يعمل عليها مونتاجه ليس فقط بالصورة والحوار بل بشريط ثالث مساعد ليحصل على الإيقاع الذي يريده، الموفيولا تكون عادة بها ثلاث تارات واحدة للصورة واثنتين للصوت، كنا في مجمع المونتاج بمدينة السينما نعمل على موفيولا بها أربع تارات بحيث يمكن أن نعرض الصورة ومعها ثلاث أنواع من الأصوات. ذات مرة وكنت مندمجة في تجهيز شرائط المؤثرات لأحد الفصول، مندمجة فلم أشعر بوجود خيري بشارة جنبي صامتا يراقب عملي، وحين أوقفت الموفيولا وأنرت الأباجورة وجدته يبتسم ويقول، اللي بتعمل الشغل ده ازاي فصل كذا أصواته ملخبطة ومزعجة، كانوا يقومون بعمل المكساج هو والمونتير أحمد متولي ومهندس الصوت جميل عزيز في استديو نحاس، ذهبت معه لأعرف سبب اللخبطة التي وجدها بالفصل، وكانت المشكلة سببها المكساج الأولي ( بري مكساج) الذي مزجه عزيز بالشرائط التي أعددتها ومعها ما نسميه باند أنفني من الزغاريد وآخر للصيحات، أراد عزيز أن يخفف عبء التحكم في شرائط صوت لا تقل عن ستة شرائط بإجراء المكساج الأولي، فتم عجنه- حرفيا- وأصبح الضجيج مزعجا دون وسيلة للتحكم فيه. سألوني رأي فقلت البري لازم يتعاد وقد كان.

العمل في فيلم كابوريا كان يدور في أجواء سينمائية لو تم تصويرها لكانت عملا لا يقل درامية عن الفيلم نفسه، وقتها كان مبنى المجمع يتم طلاؤه فكان حجرتي الموفيولا والتقطيع تشبه بيتا في حالة تنظيف، وكان خيري يعجب بهذه الأجواء ويشعر بحميميتها حين يحضر باكرا ليركب معي الفصول ويراجعها قبل أن يتولى المونتير أحمد متولي عملية المونتاج الفنية. بشارة كان يذكر أنه اختار متولي ليعمل معه مونتاج هذا الفيلم تحديدا لفتونته، ولهما معا صورة يتصارعان أمام صف العلب في محبة وندية، عملا معا في الفيلمين التسجيليين "صائد الدبابات" و"طبيب في الأرياف"، وعاد للعمل مع متولي في كابوريا بعد عمله مع عادل منير ورحمة منتصر، يختار خيري فريق عمله طبقا لمن يراه مناسبا لنوعية الفيلم الذي يعمل عليه، وبالطبع تتحكم بعض ظروف الإنتاج في تكوين فريق الفيلم. قبل أن أتجه إلى النقد كنت أحببت فيلم "كابوريا" كثيرا وما زلت أجده تجديدا شجاعا أقدم عليه خيري دون أن يهتز بحملة الهجوم عليه من نقاد لا يحترمون إلا أفلام الواقعية قديمها وحديثها، ويعلون هذا النوع الفيلم على ما عداه، خيري بشارة كان مجددا في التعاون مع حسين الإمام فحين يطرح عليه فكرة أغنية ما يقوم الإمام بتركيب كلماتها وتلحينهاوقد فهم ما يريده تماما، يجمعهما حب الطعام كرمز من رموز الإقبال على الحياة، فيطلب منه أن تكون أغنية عن حب المأكولات مثلا فتكون ( بيكاتا بالشامبيون ..طعمية .. شكشوكة.) كان مجددا في اكتشافه لمحمد لطفي الملاكم الشعبي وتقديمه بعبله، على الفطرة، يخايلني تعبير( بطينه ولا غسيل البرك) هذه الحكمة الشعبية كانت أسلوبا لخيري في قيادته لممثليه يصف لهم الشخصية ويطلب من الممثل أن يؤديها بإحساسه هو، لا يمثل الشخصية ويطلب من نجمه أن يفعلها مثله، أجد خيري بشارة مجددا حقا في الأغنية الفيلمية التي تدخل في نسيج العمل، مطورها من أفلامنا القديمة ومكسبها روحا عصرية بكلمات ولحن غير تقليديين. أثناء العمل كان خيري يسمي الفصول بأسماء المشاهد، مشهد السبق، مشهد الحجز في القسم، مشهد الحظيرة، وأحدد أنا رقمها ونبدأ العمل، لا أعتقد أن أحدا كسر نمطية مشهد الحجز في أقسام البوليس مثلما فعل خيري، هذا الحجز وبه الخواجة الذي يعزف الهارمونيكا، ومشهد الغزل بين حسن هدهد/ أحمد زكي والثرية/ رغدة في حظيرة الاسطبل. قصة شعر كابوريا انتشرت بين الشباب بعد الفيلم مثلما انتشرت قصة شادية بين فتيات مصر بعد "روعة الحب". أغنية أحمد زكي وطريقة أدائه، زكاوة كما كان يلقبه خيري بشارة. يأتي أحمد زكي مع مدير الإنتاج فتحي يسري، يدعوا منتج الفيلم والمخرج والمونتير على أكلة سمك في خريستو، يهمس لي: تيجي معانا ناكل سمك، أجيبه أنا سأبقى هنا مع المساعدين، كنت زوجة المعلم، الأسطى الكبير ولكني لا أترك فريق مساعدي المونتاج المكون من إكرام يونس ومحمد الأسمر، أحمد زكي يحضر تتملكه الرغبة في التلصص على الفيلم عله يشاهد مشهدا فيستريح قلقه، ليس واردا عند خيري بشارة أن يحضر نجمه المونتاج ولن يسمح له بالمشاهدة إلا في عرض نسخة العمل مع الجميع. اكتفى أحمد زكي  بحضوره وبكرمه الزائد كان يدعو الفريق على تناول الطعام، مختلفا عن نجوم آخرين كانوا يوقفون التصوير إذا لم تلبى طلباتهم من أصناف طعام مخصصة له منفردا ولا يكترث بأن ترهق ميزانية الإنتاج.

كتبت كثيرا عن خيري بشارة وأفلامه، أشعر تجاهه بشعور المعجبين (الفانز) على الطريقة المعاصرة، أعجب بأفلامه ويزداد إعجابي مع أفلام حضرت مونتاجها وأجدها بعد مشاهدات تالية ممتعة ، والمؤكد أنني لم أجد خيري قد غادر شاطيء الواقعية الآمن على مستوى المضمون، فقط ابتكر شكلا جديدا للتعامل مع هذا الواقع، متسلحا بتراث السينما المصرية الغنائية عاملا على دمج الأغنيات في نسيج العمل فتكون بديلا عن الحوار وتؤكد على روح بطله ومجموعته من ملاكمي اللعبة الشعبية في مقابل غناء يعبر عن شراهة طبقة برجوازية عليا لا تخسر أبدا مهما أنفقت. في النصف ساعة الأولى من الفيلم يعرض لنا صناعه خيري بشارة ومؤلف الفيلم عصام الشماع ومنتجه حسين الإمام ، يحكون عن الأثرياء وهم يلهون على طريقتهم، وفقراء في فلوكة على النيل، وفي لقائهما الأول تحدث معركة وحجز في القسم ، بعده مشهد ملاكمة في المنطقة الشعبية لبطولة محلية نتيجتها خسارة لبطلنا في اللعبة ورفض والد حبيبته تزويجها له. فيفكر مع صديقيه في فاتنات مركب الأثرياء ورائحتهم الجميلة. 17 ق من زمن الفيلم مضت وقد تحددت أطراف الحكاية وتكتمل حتى تلاحمها في قصر الأغنياء حيث مزرعة الخيل وجناحين منفصلين للبيه سليمان/ حسين الإمام، والهانم روحية/ رغدة، واستغلالهما للآخرين للتسلية والرهانات. يتم الانتقال بين المواقع المختلفة يقودنا فيها صوت هارمونيكا يعزفه خواجه هيبي في الحجز، أو عازف أكورديون في الحارة التي تستعد لعرس ما، استخدام الموسيقى أقرب إلى مدرسة الدوجما لا نسمع موسيقى في الفراغ بل آتية من مصدر واضح نشاهده في الصورة. باستثناء مشاهد الليل في منطقة حسن هدهد الإضاءة أيضا طبيعية ومصدرها واضح. حميمية تفاصيل بشارة، مع غسيل في الشرفة التي تتجمع فيها نساء تراقب خناقة شلة حسن هدهد مع مالك الشقة، وملابس داخلية منشورة على منشر بشباك مدربه في مشهد قرب النهاية يعري فيه البطل أهل منطقته دفاعا عن اتهامهم له (لا تعايرني ولا أعايرك الهم طايلني وطايلك) لا شيء مجاني في مكونات الصورة المحملة بدلالات تصل إلى المشاهد ويفك شفرتها دون الحاجة إلى زرع صديق للبطلة لنعرف ما تشعر به. التعبير عن صداقة الذكور في الطبقة الشعبية، هو بينهم قدوة يتبعونه، ولكنهم معا بندية وحب حقيقي. حسن هدهد ومصطفى ومحمود زملاء اللعبة الشعبية وينضم إليهم عنتر، يتحركون معا كأطفال ضخام الحجم، والآيس كريم، يلحسونه في مشهدهم الأول وقد ذهبوا لطلب يد قمر من أبيها، يلعقونه بالشارع بعد أن قاموا بتسلية الأثرياء وكسبوا بعض النقود. المرة الأولى آيس كريم في القرطاس هدية على قد الحال للفتاة قمر، والمرة الثانية من أكواب يأكلونه في شوارع القاهرة بعدما تغيرت أحوالهم واشتروا ثيابا جديدة. في النصف ساعة الأولى يتحرك حسن هدهد بجاكيت من قماش خشن، أنيق وبسيط يضمه إلى جسده وكأنه يتسلح بثوبه، ونعرف الاختلاف حين يعيش حرفيا في ثوب غير ثوبه، مسليا للأثرياء، مضحك الملك. في العناوين سنقرأ ديكور القصر لنهاد بهجت، ونستنتج أن بقية الأماكن من اختيار خيري بشارة من خبرته مع الفيلم التسجيلي، منطقة أقام بها ساحة ملاكمة، وفرن بدائي يصنع فيه والد حسن الزجاج المنفوخ يدويا، حارة خلفيتها جامع قديم، مصر الحقيقية بمعمارها ونوافذ منازلها الخشبية العالية. سنسمع أغاني الفترة من الأصدقاء الأربعة ( لولاكي لولا لولا ) وهم يمرحون كصبية مترابطين. وتتوالى أغنيات الفيلم مزروعة مع المشاهد، ارهاصة كابوريا في مشهد فلوكة النيل في البداية، أغنية (الهجر لا لا ..)، في فرح الحارة وحركات جسد يتقنها زكي، في اهتزازات الملاكم الذي لا تستقر قدميه على الأرض، تعود على هز كتفيه لكي يتفادي الضربات ويحجل. (يالي وسطك وسط كمانجه، والمانجا ..) التلاعب بالكلمات على الطريقة الشعبية، أغنية مهرجانات مبكرة لخيري بشارة وحسين الإمام وزكاوة بظرف شديد وبلا ابتذال. أغنية كلماتها تشرح ما جرى بواقعية موجهة للأب الرافض الارتباط ( حبيناهم، ومشينا معاهم، ورحنا السيما ..) في القصر يتركون صراع الديكة مؤقتا وتجري مباراة الملاكمة الأولى، يكسبها الفقير وهو مازال في الحلبة بثوبه الخشن، بعدها تراوده روحية الهانم زوجة الرأسمالي عن نفسه وتغازله كما لو كان حيوانا ترغب في اقتنائه ( انت جميل ، حصان جميل ، ملاكم تجنن) ولكنه يتقرب من نور/سحر رامي وصيفتها التي سيتبين أنها من الجمالية وترسم معه خطة ليكسبا بعض النقود ويغادران.  

نصف ساعة تجمعت فيها خيوط الحكاية ثم ندخل في الصراع الحقيقي بين الطبقتين، ومن الذي افترض أن خيري بشارة قد غادر شاطيء الواقعية، قد يكون فعلها شكلا ولكن المضمون باق، بل أقوى من كل أعماله السابقة. سينما خيري بشارة ليست منقطعة تماما عن السينما المصرية التقليدية، اعتماده على أدوار السنيدة الذي تكتمل بهم الصورة لرسم شخصيات الطبقة الشعبية، وأنزعج لو طال الابتعاد عنهم، أستريح حين يعود ظهورهم، في مشهد ملاكمة مع عنتر لكسب المراهنات، ونسمع حوار مباشر من سليمان( فينيتوا اشتراكية، جورباتشوف عمل بيروسترويكا، وسور برلين بقى بيتباع تذكار) تسبق اندماج هدهد في اللعبة، ويقدم تحويرا لأغنية الفلوكة ، أغنية الفيلم ( أنا في اللابوريا.. ) وتشتعل حلبة الرقص في القصر، يتعرض لتحرش من صديقة الهانم التي تطردها، هدهد بتاعي أنا، مشهد شاهدنا مثيله في أفلام قديمة لنا تنتقد الطبقة الثرية وتظهر عهرها، ولن يكتفي بشارة بل سيعري طبقة هدهد ويفضحها في مشهد فائق آخر قرب النهاية. هناك مجموعة مشاهد عن مغازلة حورية لهدهد تتراوح بين الهزل كما في مشهد إلقائها للشعر الركيك الذي تؤلفه ( تعال أغني وأطلق جنوني..) وبين الجد في مشهد آخر تشكو له من خيانة زوجها لها ورغبتها هي فيه. قدم بشارة للفنانة رغدة دور عمرها تظهر فيه جميلة وقادرة على التعبير عن مشاعر متباينة، هي وزكي سيعيدان التعاون في فيلم لا يمكن مقارنته بفيلم "كابوريا " في عمق تناوله لموضوعه وفي الشكل الفني الذي طوره خيري بشارة من أفلام مصر الغنائية في عصرها الذهبي. يقدم بشارة كمخرج محترف لكل بطل مشهدا أو عدة مشاهد يطلق فيها إمكانياته، فقدم إلى حسن الإمام مشهدا في المطعم الصيني يشرح فيه فلسفة رأس المال وكيف أن أي نقود ينفقها تعود إليه خلافا للفقير الذي يكسب نقودا وتضيع منه. وفي حركة شعبية ترضي جمهور المشاهدين يلقي حسن هدهد بنقود جائزة مباراته الأخيرة بعد أن ألقى خطبة عصماء (أنا محتاج الفلوس دي لكن دلوقت ما تلزمنيش)، أتصور أن جمهور الترسو صفق بعد هذا المشهد عند عرض الفيلم وتحرك المراهقون في كراسيهم شاعرين بانتهاء الفيلم قبل أن يختمه بشارة بمشهد يحمل فيه أصدقاء البطل ليصل إلى شرفة الحبيبة قمر ويعرض عليها مهره، دراعه وعمله. ماكياج محمد عشوب متقنا على وجه البطل الذي خاض حربا كسبها بهزيمة الملاكم المحترف وعودته إلى منطقته وإلى حبيبته ليبدأ من جديد.

" كابوريا " تنويعة على فكرة إغواء الطبقات المستغلة بكسر اللام للمستغلة بفتحها، كما في "الأسطى حسن " تنتصر لصمود الطبقة الفقيرة وتحتفي بذكورها، بفحولتهم وجدعنتهم.

رغم أن خيري استعان بمؤلف كتب سيناريو الفيلم، إلا أنه " كابوريا" يصنف كفيلم من أفلام سينما المؤلف الذي يحمل توقيع مخرجه على رؤيته، وسرده، ورسم شخصياته وكل تفاصيل العمل الذي استعان فيه بنجوم المهنة، محسن أحمد في التصوير وأحمد متولي في المونتاج. فيلم لخيري بشارة القادر على تقديم رؤيته الخاصة عن قضايا كبرى كصراع الطبقات وأحلام الصعود، عن الأصالة وحكمة التمسك بتراث الآباء بلا خطابة وبقدر كبير من المتعة الفنية. 

صفاء الليثي

نشر بمجلة نقد 21 العدد التاسع أغسطس 2022 رئيس التحرير محمود الغيطاني ، مدير التحرير والمخرج الفني ياسر عبد القوي, نسخة pdf

https://drive.google.com/file/d/1n_rTVgrw1uf8YdoRlUb9uKTBAgKZPdjc/view?fbclid=IwAR1_ESv6eCwG7NoEPFhGoa7HzuSWXrJ5ZFufmCcCG6tvsgjtb-VASAbPntE

Saturday 2 July 2022

يسري نصر الله من الهم الذاتي إلى التعبير عن الآخر

جسارة وقدرة على التكيف مع تحولات فن السينما

رصد فيلمه الأول "سرقات صيفية" العلاقة المتوترة بين ياسر/ يسري ابن ملاك الأراضي في ريف مصر وبين ليل ابن الفلاحين، بين منى خالته الإقطاعية وبين شوقي من رجال ثورة 23 يوليو، عمله الأول من سيرته الذاتية ناقش فيه إمكانية التعايش إذا حدث التعارف، حكايات من طفولة يسري الواقعية ضمنها في الفيلم مثل فكرة سرقة الأغنياء التي فكر فيها ياسر -روبن هود- وورط فيها ليل الذي سجن بمفرده. انتقد يسري طبقته صغارا وكبارا، ولم يهادن الطبقات الأخرى وكان فيلمه شهادة على مرحلة التأميم ثم استرداد الأرض. يشرح يسري أن أحد المصاعب التي واجهته مشهد وصول الأب، المشهد مكتوب في السيناريو في سطلر واحد، كيف سأصوره؟ أين أضع الكاميرا؟ ممكن أن توضع بشكل محيد، لقطة عامة يصل فيها الأب ومن معه ينزلون من السيارة، بالنسبة لي ليس هذا هو الإخراج. ففكرت أن يسبق ظهوره رجل المنحل الذي يشبه رجل الفضاء، ويثير الغبار مما يسبب غيمة في المشهد، من الذي يشاهد الطفل ياسر، مالذي أحكيه من وجهة نظر ياسر؟ الإحساس الذي ركزت عليه كيف تاه الولد و"انفعص" مع القادمين بغبارهم. هنا أستطيع أن أقول أنني خلقت مشهدا، أثناء الكتابة أكتب دراما، لكن هذه التفاصيل لا يمكن التفكير فيها إلا عند التنفيذ. رائحة التراب، وزاوية الكاميرا، وحركة الأجساد، بهذه العناصر يتم إخراج المشهد. 

سرقات صيفية

التترات على موسيقى بيانو من تأليف عمر خيرت، مونتاج صوت أحمد داوود، مونتاج رحمة منتصر تأليف وإخراج يسري نصر الله، وتاريخ مكتوب على الشاشة يوليو 1966، ومشهد البداية لغريق في الترعة ، الموسيقى طبول موزعة جنائزيا، أطفال يلعبون وحديث عن الجنية التي تصطاد الشباب تتجوزهم وتاخدهم على البحر الأزرق، ياسر مع الشغالات في المطبخ، عبلة كامل تطارد فرخة محاولة الإمساك بها، تبعد الطفل، تيتا تيجي تعمل لنا مشكلة. ومشهد تستخدم فيه المرآة بشكل فني، سيدة بقناع تجميل على وجهها والثانية تقرأ عليها خطاب طلاق، منحة بطراوي بالقناع ومنى زكريا تقرأ الخطاب ولعب بالمرآة يخلق كادر مركب للمشهد دون الحاجة إلى القطع بين المرأتين. ونسمع بيان التأميم، سيارة الأثرياء تتعطل وهي تكاد تصدم حمارا، نسمع موسيقى راقصة ترقص عليها المرأتين، الصبي يبدو كمعلق على الأحداث. وفي الغيط لطع دودة القطن، ونداء على ست ريم/ منى زكريا، وطريقة أداء للكلام به خطف غريب لمن لا يتحدثون العربية كعامة الشعب. والأجواء كلها غير معتادة في فيلم مصري، يؤكده الممثلتين اللتين لم يسبق لهما الظهور في فيلم سينمائي، ومشهد فلاش باك يحكي عن الجد الذي ( ضربة الفاس بتاعته بتطلع دهب) الطفل يقاطع، لقوا كنوز الفراعنة؟. ويظهر صديق الأسرة الذي أصبح مع الحكومة، شوقي شامخ. الأداء الحركي في الكادر يتبع مدرسة يوسف شاهين، ومعلومة، ريم هتتطلق، وحوار كأنه مبارزة، في ميزانسين متصل، وتمهل على وجه ياسر الطفل يسمع الحكاية. وعودة لمشهد فلاش لفحت الأرض بحثا عن الكنز، ومركب عليه موسيقى بيانو كالتي تصاحب الأفلام الصامتة. منى وريم تتحاوران، تقول عن (شوقي زي حكومته عروسة وغولة). عزف منفرد على البيانو لأم ريم والطفل يراقب هو وأخته، في مشهد بميزانسين رائع الأم تعزف البيانو والطفلين على الباب يراقبان يقتربان منها تحتضنهما وتتوقف عن العزف تتحرك بهما والكاميرا تصبحها حتى صالة البيت . الثلاثة ضائعون في فراغ البيت أم وطفليها في غياب الأب. نشاهد في البيت نساء بلا رجال حتى الخدم نساء فقط، الرجال فقط هم ممثلي الحكومة وعامل زراعي- محمد هنيدي في بداياته الأولى-. مشهد لحمام جماعي للأطفال الخادمة عبلة كامل تحممهم وتضع بودرة ثلج على طابور الأطفال. يحفر الأطفال يلعبون بالطين، ليل يعيد تشكيل تماثيل الطين ويظهر عضو ذكورة ليفرقه عن الإناث، تثور الأم وتوبخه، فلاح قليل الأدب. وتمنع ابنها من اللعب مع ليل، انت ابن ناس لكن أمه مش راضية تسيب أرضنا، ويأتي مشهد هام لعيد ميلاد يسري مع خلفية خطاب عبد الناصر( الريس بتاعهم بيوزع كلام) وتظهر ابنة منى الكبيرة تقول (عقبال دايما) مشهد مكثف فيه شخصيات العمل في ايقاع متواصل دون إحساس بالقطع، ويحكي ياسر عن فكرة روبن هود ( ياخدوا من الأغنياء ويوا الفقراء) الى ليل. نهار وليلة واحدة متصلين، عاوزة أبني مجتمع جديد معاكم، الى سعيد/شوقي شامخ من رجال الحكم الجديد. وتتم عملية إخلاء الأرض بدون مشاكل، منى زعلانة على انتزاع الأرض منهم لصالح الفلاحين، وريما تتطلق، وسعيد يساعد الأسرة. هل قصد يسري نصر الله أن تفسخ الأسر الثرية جاء نتيجة الإجراءات الاشتراكية،  الحوار لا يتوقف بالفيلم، يسري نفسه شخصة متكلمة، ويبدو لي أنه يتحدث على لسان الجميع. 

يشرح يسري مشهده الذي يبدأ بعائلة مجتمعة على أكلهة ملوخية وفراخ، كطعام حميم ومصري، وتنقلب الجلسة إلى خناقات، يتحدث فيها الجميع في وقت واحد، وبكلمات مبتورة، كيف أحكي بصريا دوافع الشخصيات؟ هذا يوجه حديثه إلى شخص بينما يقصد شخص آخر، ما الذي يحدث فعليا خلافا للطعام والشراب؟ علاقات تتفسخ وأخرى تتكون، أفكر في التكنيك ، التكوينات وتعبيرها عن المشاعر، أين سأجري القطع؟ أكتب في السيناريو بشكل مقتضب حتى لا أفقد الحماس .. أؤجل التفاصيل وحركة الكاميرا إلى وجودي في الموقع. هذا هو الإخراج.

ليل يعوم في الترعة ويكاد يغرق وياسر ينقذه، وهنيدي – مقاول أنفار الدودة وما يستجد- يجمع الفلاحين للهتاف لعبد الناصر بربع جنيه. ياسر مريض وهناك شك في إصابته بالبلهارسيا ويتبن أنها تيفويد من الرمرمة. صوت عبد الناصر يعلن تأميم الشركات، وتختفي الراديوهات وتتهم زكية الطباخة النوبية بسرقتها. تغضب بشدة وتعتصم في حجرتها صامتة ، قضية فيلم رد قلبي بأسلوب سينمائي مختلف داليا ابنة ريما تحب عبد الله ابن الفلاحين الذي تطوع بالجيش. ويأتي عيد ميلاد ياسر وخلفية خطاب عبد الناصر، الفلاحين يحتفلون بالأمر( البنات عاوزة تتجوز والولاد نفسها مسدودة ) وأغنية ناصر كلنا بنحبك والخطاب، 400 مؤسسة داخل القطاع العام، تحويل الرأسمالية المستغلة إلى ملكية عامة للشعب، ماستر سين الفيلم مبني على صوت خطاب عبد الناصر يعلن قرارات التأميم، عبد الله/ مجدي كامل يرتدي جلابية وداليا تعاكسه ، مين القمر ده، ثم خلاف عائلي للعائلة مجتمعة والميزانسين يتم بحركة داخل الكادر لمشهد واحد متصل دون اللجوء إلى القطع. مدير التصوير الفيلم القدير رمسيس مرزوق، وكاميرا مان سمير بهزان ينفذان الميزانسين الطموح للمخرج في عمله الأول، هل رسم يسري الكادرات كأستاذه شادي عبد السلام، أم حفظها في رأسه كأستاذه يوسف شاهين، يسري نصر الله له طريقته الخاصة حتى أنه لا يكتب السينارية مفصلا حركة الكاميرا وميزانسين اللقطات، أعرف هذا الأسلوب لدى صلاح أبو سيف الذي كان يضع الديكوباج في جيبه الخاص ولا يخرجه إلا في الموقع، وخيري بشارة يستلهم في الموقع ويقرر كيف سقوم بتصوير مشهده، سيشرح يسري شيئا قريبا من هذا بعيد عن أسلوب شادي عبد السلام المرسوم بدقة. وبالنسبة لدلالت الراديو والتلفزيون يقول يسري الراديو في الفيلم ليس رمزا للنظام، بل هو واقع ملموس، التلفزيون من ضهره، موقفي واضح منه (مش عاوز أشوفه) عبد الناصر صوت، رد قلبي صوت، وآراء الخالة صوت، في كل مرة مع الأيدلوجيات نسمع فقط الصوت ولا نشاهد الصورة.     

ونتابع الفيلم الطفل ياسر يسأل أمه هنروح لبابا امتى، ثم لقطة مكبرة له باكيا في العلية.- مكان معروف في بيوت أجنبية وغير شائع في عمارة المنازل المصرية- الطفلين عاوزين ماما، استعراض الجدة لصور عائلية على أغنية لعبد الوهاب. يستخدم فيه المرآة بشكل خلاق، يشرح يسري، استخدمت المرآة في مشهد الجدة وهي تتفرج على الصور القديمة لعائلتها، وصورها وهي شابة، كنت أحتاج إلى لون الدم، فكرت مع أنسي أبو سيف في اللوحة الحمراء المنعكسة في المرلآة وتملأها، فظهر تأثير غريب جدا ، خلفية حمراء وراءها وهي في وضع جانبي دون أن نشعر باصطناع التكوين ودون أن يخرج المشاهد عن التواصل مع المشهد . ( صورة مشهد تقليب الصور والجدة في المرآة) .  


ويبدأ مشهد مصالحة الجدة لزكية الطباخة التي أهينت باتهامها بالسرقة، أغنية عبد الوهاب خايف أقول اللي في قلبي بهمهات يدخل ياسر مع الجدة حجرة زكية الجالسة على سريرها خزينة، ياسر على حجر جدته لقطة مقربة للجدة ومنها إلى ياسر. مشهد ناعم خالي من أي حوار حقق التصوير رؤية المخرج وأظهر التعاطف بين الجدة وزكية والطفل. ومنه إلى داليا ابنة الذوات وابنة الفلاحين معا كصديقتين، ثم منى وسعيد ولإضاءة ليلية ناعمة، وحدة مشهدية توضح علاقات الحب بين أطراف الفيلم كلها على لحن معزوف بالفم لأغنية خايف أقول اللي في قلبي الذي يختفي مع نهاية المشهد ويسود صرصار ليل. ثم بان على نهار والفلاحين حزاني ، عيوشة/ عبلة كامل حزينة ، الجدة تموت ولا يدوم الحزن، ليل بمساعدة ياسر يسرقان شمعدانات فضة كما جان فالجان، ويتم القبض على ليل دون معاقبة ياسر. على الشاشة نقلة زمنية سبتمبر 1982،ياسر شاب/  وحرب 1967 وعبد الله يموت فيها ، ريما ترفض اجراء عملية إزالة الثدي، وليل كشباب الفلاحين مسافر بكرة على العراق. وعيوشة كما هي لا يظهر عليها مرور الزمن ، تفكر منى في بيع الأرض ( ما عدش في فلاحين بيزرعوا، صور حرب من وكالات الأنباء، تلفزيون صغير يعرض جزء من فيلم رد قلبي ( انت من الأحرار يا علي) مشهد سيلويت ليل ومعه ياسر يودعه قبل سفره، يطلب منه ياسر المن والسلوى، ليل يسأل يعني ايه، هناك هتعرف. الموسيقى شرقية لعمر خيرت وعزف بيانو لياسر مختار وينتهي الفيلم. الأرض التي أممت عادت لملاكها والفلاحين يهاجرون للعمل في العراق والملاك استردوا أرضهم وإن لم يستردوا حياتهم . يبقى| سرقات صيفية " فيلمي المفضل من بين أفلام يسري نصر الله، موضوعه المؤثر الخاص المنطلق إلى العام، ميزانسين المشاهد، وعفوية الأداء التمثيلي، شريط الصوت الغني وموسيقى الفيلم الموظفة مع المشاهد أو البيانو الذي تعزفه الأم الشخصية الحزينة كما يراها الصبي الذي نشاهد صور الفيلم منه معبرا عن المخرج في صباه بينما التفسير والشرح يأتي منه في شبابه. 

الجزء الثاني من السيرة الذاتية به عنف المراهقة وعنفوانها، علاقة الأخ غير الشقيق المشرد مع الصعاليك باختياره، وكان يعد لفيلمه التسجيلي الهام " صبيان وبنات" والإنتاج للسينما الروائية لا يرحب بأفكاره وإن كانوا معجبين بتكنيكه كمخرج. عرض عليه فيلم بطولة أحمد زكي وكان عليه أن يعده في 15 يوم، لم يقبل وصور فيلمه صبيان وبنات واقترب من عالم باسم سمرة واستمد منه قصة " المدينة" وفيه شجاعة قراره بالتصوير بالديجيتال وكان أول من استجاب للثورة الرقمية من المخرجين المصريين، قلقه من التعامل مع الديجيتال جعله مع مدير تصويره اللامع سمير بهزان يفكران في اللون، باليتة الألوان في خام السينما وكيف ستختلف عند التصوير بالديجيتال، فبالغا في سخونة اللون الذي ناسب بطله الكائن في حي روض الفرج تلك المنطقة الشعبية بألوان جدرانها وديكوراتها الفاقعة. حوار فيلمه مما يسمعه من الناس ويستهويه ويجيد استخدامه، باسم سمرة ينفعل على والده الحشاش خفيف الظل / أحمد فؤاد سلسم ويصرخ عليه، انت مين أساسا، أسمعها فأنهار من الضحك وأكررها في المونتاج، يسمع حوار من ياسر عبد الرحمن السيناريست، ومن باسم سمرة الممثل ومن سيد حجاب الشاعر، هم يوجهونني ، يا ابني دي ما تتقالش كده، انت خواجة!!، يصححون لي فأعدل الجمل الحوارية ويبهجني سماعها. وكذا فعلت في "باب الشمس" هيام عباس راقبت اللهجة وكان الحوار مسئولية إلياس خوري ومحمد سويد. المرأة الفلسطينية التي ظلت تحبل من زوجها الهارب مما أذهل جنود الاحتلال فمن أين تحبل المرأة ومتى يظهر زوجها ليعاشرها، في باب الشمس هذا المزيج الساحر من الواقع والخيال، مغارة باب الشمس وما أبعد الفكرة عن فيلم أميرة الذي يعارض حقيقة تهريب نطف رجال المقاومة المحبوسين بذكر استبدالها بنطفة حارس اسرائيلي ، شتان الفارق بين خيال يعكس روح المقاومة ويحتفي بها وبين نفي وتسخيف فكرة المقاومة عن طريق إنجاب أطفال فلسطينيين.

وعن الفيلم كتب الناقد إيه. أو سكوت مقالا يذهب في نهايته إلى أن تعقيدات الفيلم ذاته تسفر عن نفسها وتشي على نحو متشابك بشعور من عدم الاستقرار والانقسام على النفس، بينما يصور ذلك الصراع المؤلم بين التاريخ والحكاية الخيالية. ( نص المقال مترجما في ملف عن يسري نصر الله بالعدد الثاني من مجلة جمعية نقاد السينما المصريين الفصلية، العدد الثاني صيف 2006 ). 

" داخلي خارجي " مساهمة يسري نصر الله كأحد أجزاء العمل المكون من أفلام قصيرة لعدد من المخرجين يجمعها حادث ثورة 25 يتاير وال18 يوم في 2011  ما يمكن اعتباره جزءا ثالثا من أفلام السيرة الذاتية، أشعر بأن يسري يتحدث عن نفسه وعن أخته ناهد رغم تتر تأليف تامر حبيب على الفيلم القصيرتمثيل آسر يس وبطولة مني ذكي، تدور الحكاية حول رغبة منى في رؤية مظاهرات التحرير والمشاركة فيها، في حين يرفض زوجها ذلك، وتنتهى تلك الحكاية بعد يومين حينما تذهب منى إلى التحرير فيتبعها آسر ويسيران سويا وسط هتافات إسقاط النظام. يحدث التغير بزيارة من يسرا التي تحكي لهمنى وآسر بعض مشاهد الثورة ملوحة بعلم صغير لمصر، الزوجان في شقة لأسرة برجوازية عليا يظهر في عدد من التفاصيل منها حضور عامل كواء ليكوي لهما الملابس في البيت، ووجود الكلب وحرصهما على إغلاق الباب جيدا في ظل ظروف الأحداث.  تظهر بالفيلم النجمة يسرا وكأنها ضيفة شرف وهي من تقنع منى بالنزول والمشاركة في أحداث الثورة، منى زكي تبدو لي بطلة مفضلة لدى يسري عملت معه فيلمه "احكي يا شهرزاد" 2009 وفيلم منصة شاهد " ما تقولش لحد " 2021 .   

الهم الذاتي والخلفية السياسية الاجتماعية يعكسها الفيلم الأول للمخرج يسري نصر الله، وبشكل مختلف في " مرسيدس " بينما يأتي فيلمه الأخير من إنتاجات منصة شاهد العربية يحكي حكاية عابرة ليس لها أي علاقة معه ولا تعكس سوى مظاهر من تحولات الطبقة البرجوازية المصرية، الفتاة تعمل طبيبة في الجونة، وجارها حب الطفولة مهندس في الجونة وغيرها متزوج وله طفلين، مصادفة لقائهما في الطريق بعد نفاذ البنزين من سيارتها الفاخرة التي تليق بملكة، واضطرار لقضاء الأمسية والليلة على الطريق وسط حظر تجول بسبب الكورونا، خلفية سياحية لإنشاد صوفي مع رقص من احتجزوا بسبب الحظر. مشهد ممتع فنيا يذكرني بشريط الصوت الغني لفيلمه الأول، هذا المزيج من غناء مصري خفيف " ما تقولش لحد المسموعة من رادية سيارة شهد/ منى زكي، والغناء الصوفي وأدعية فجر شهر الصيام في موقع احتجازهم على الطريق، وتحدث مواجهة  بين حسن وشهد لنعرف حكايتهما التي لا تهمني شخصيا وإن كانت تهم قطاع ممن يشتركون في المنصات ويقبلون على مشاهدة من يشبهونهم، عمل تنساه بعد مشاهدته ولا تحن إلى إعادة مشاهدته، مثل الطعام السريع، أون ذا رن، تبلعه ولا يبقى طعمه في فمك. 

يسري الجسور الذي بدأ بداية قوية وقدم عملين كبيرين من سيرته الذاتية، ثم فيلما تسجيليا اقترب فيه من طبقة مختلفة عن منشأه وتعلم منه كيف يحكي قصة أحدهم في فيلمه " المدينة" بجسارة التعامل مع الديجيتال كأول فيلم مصري يصور بهذا الخام، مما شجع خان لينتج لنفسه " كليفتي " وخيري " ليلة في القمر " لكسر حصار المنتجين واستجابة للثورة الرقمية. رحل خان قبل أن يشارك بعمل في المنصات وتمكن يسري نصر الله من مشاركة أجيال لاحقة له في تقدين عمل ينتج مباشرة للمنصات، وكذا فعل خيري بشارة، وهما يسري وخيري امتلكا رغبة في الاستجابة للتعيير وفي السباحة مع التيار دون التخلي تماما عن أفكار تعج في رؤوسهم عن حرية الاختيار وعن استمرار الحياة برغم كل المتغيرات.   

يسري نصر الله بثقافته الفرنسية يقول في حوار أجري معه عام 2006 بمجلة النقاد " عالم السينما " أن مخرجه المفضل الفرنسي بريسون تعجبه حسية المشاهد لديه وكيف يوصل للمشاهد نشوة بطله " النشال" يجده يسري بسيط وحسي عكس ما يشاع عنه أنه ذهني وصعب. وفي عمله "محكوم عليه بالإعدام يهرب " يوصل معنى كبير بأبسط الأشياء الممكنة، كيف يحفر بملعقة صغيرة وكيف يصنع الحبال ، ومشهد السجين وهو يحاول الصعود للنظر من النافذة الضيقة للسجن. روسيليني" شقلب كيانه" في فيلمه رحلة إلى إيطاليا،  فيلليني أيضا يشقلب كياني، ولكن بريسون وروسوليني وفاسبندر، اشتغلوا على الروح وأعتبرهم الأساتذة.

عمل يسري نصر الله مراسلا حربيا في بيروت، مارس الصحافة ليكتسب خبرة عملية وخبر القضية الفلسطينية عن قرب معبرا عنها في " باب الشمس "، وقبله ومن عمله التسجيلي " صبيان وبنات" تعرف على طبقة شعبية عبر عنها في " المدينة" وانطلق في أفلامه " احكي يا شهرزاد " و" جنينة الأسماك " وتجاسر وتعامل مع السبكي في فيلمه " الماء والخضرة والوجه الحسن" مفضلا الانخراط في مجال صناعة السينما على البقاء في برجه العاجي بعد تغيرات ظروف الإنتاج. ولم يكن غريبا أن يشارك أيضا في عمل من إنتاج المنصات فيلما من نوعية سلاسل الأجزاء  تلاه بمسلسل بعيد تماما عن عالمه. تعجبني جسارته رغم تفضيلي لأعماله الأولى التي تشبهه والتي حصل عنها على الجوائز وحفرت له اسما كمخرج مصري لم يصنف مع مخرجي الواقعية الجديدة ولا مع من تلاهم، وبقي عصيا على المنع وعلى التصنيف. 

يسرى نصرالله بيوفيلموجرافيا

مخرج سينما مصري متميز اتولد فى القاهرة سنة 1952 لعائلة قبطية. درس الاقتصاد في جامعة القاهرة، ثم التحق بالمعهد العالي للسينما في القاهرة سنة 1971 ولم يكمل دراسته . عمل كناقد سينمائي فى صحيفة السفيـر اللبنانية، كمان عمل مساعد مخرج في بيروت، وأيضاً مساعد مخرج مع يوسف شاهين في فيلمي "وداعا يا بونابرت" و"حدوتة مصرية" 1981، ومع فولكر شلوندرف في فيلم "المزيف"، ومع السوري عمر أميرالاي في الفيلم التسجيلي "مصائب قوم". وشارك أيضاً يوسف شاهين في كتابة سيناريو "إسكندرية كمان وكمان" 1990 ثم خاض التجربة الإخراجية في نفس العام حيث أخرج فيلمه الروائي الطويل الأول "سرقات صيفية" والتانى "مرسيدس" سنة 1993، وبعدها "صبيان و بنات" 1995، "المدينــة" 1999 ثم فيلم "باب الشمس" 2004  و"جنينة الأسماك"  2008. احكي يا شهرزاد 2009، ثم " الماء والخضرة والوجه الحسن " 2016 . وحلقة من مسلسل فيلمي لمنصة شاهد "نمرة اثنين / ما تقولش لحد " 2021 . أقرب إلى الدراما التلفزيونية. 

صفاء الليثي

نشر بمجلة نقد 21 العدد السابع ( مجلة الكترونية خاصة بنقد الفنون والآداب)

رئيس التحرير محمود الغيطاني مدير التحرير والمخرج الفني ياسر عبد القوي