Saturday 29 May 2021

موسى ملحمة صعيدية ينقصها المراجع العلمية

 موسى وهارون، مريم وشفيقة

تحمست لمتابعة مسلسل النجم المغضوب عليه محمد رمضان مدفوعة بثقتي في أصالة ما يكتبه ناصر عبد الرحمن، وجذبنتني الصورة الرائعة في أماكنها الطبيعة بجنوب مصر حيث الأثار المصرية القديمة والنيل العريض وقرية صعيدية بناسها، موسى الحداد القوي وأسرته الفقيرة، يواجه شيخ البلد المتاجر بالآثار يقتسم ما يتحصل عليه الى ثلاثة أقسام ثلث للإنجليز وثلث له وثلث للعمدة، والفتات لمسعد حفار قبور الأجداد، ولا يوجد أثر لمؤنس شادي عبد السلام الذي هتف مستنكرا، هل هذا عيشنا!، نعرف الإجابة إنها عيش الضباع. اختار الكاتب فترة نهاية الحرب العالمية الثانية، الانجليز يأخذون فقراء مصر سخرة ليكونوا في الصفوف الأولى لمواجهة الألمان بينهم الأخ الأصغر لموسى، ملاك حالم، حلقة أولى تفرش لدراما قوية، محدد بها عناصر الصراع، أغنياء البلدة متحالفين مع الانجليز ناهبي كنوز مصر القديمة، ومزارعي مصر وعمالها في السخرة، موسى يمتلك ملامح البطل التراجيدى، قوي البنية، يقف شجاعا في وجه الكبار، حنون يحب ابنة العمدة فاتنة القرية التي يريد شيخ البلد أن يزوجها لأخيه. وهناك شقيثة أخته زوجها مسعد السكير المسن حفار القبور، والغجري الطامع فيها، شفيقة ؟ لم يتم اختيار الاسم صدفة إذ يحيلنا الى ملحمة تراثية غناها على الربابة الريس حفني، تحكي عن شفيقة التي تركت أباها المسن العاجز بعد أخذ أخيها متولي للجندية، تصبح في المدينة عاهرة لمن يدفع، تصل أخبارها للأخ فيبحث عنها ليقتلها ويسترد شرف العائلة، الشرف الذي لا يمتلك الفقراء غيره، خلافا لتراث الربابة هناك شفيقة ومتولي فيلم علي بدرخان تأليف صلاح جاهين، فيه ترتبط شفيقة بأحد أثرياء مصر المتحالف مع الانجليز، يتخذها البيه محظية ترقص وتغني لضيوفه  وله ، بانوا على أصلكم بانوا، خلفيات من التراث لعب عليها كاتب مسلسل موسى، وأصبحنا نتابع خطين متوازين الأول لرحلة شفيقة الى الاسكندرية المدينة الكوزموبوليتانية حيث الأرمن وشهاب باشا، الذي أحبها وتزوجها، رسم الكاتب صورة لشهاب باشا يصنع العطور من الزهور الطبيعية يعطف على طليان هربوا من بطش الأنجليز يساعدهم في التواصل مع ذويهم، والخط الثاني لموسى الذي يصل الى الجيزة بعد فيضان كالطوفان حيث تطالعنا الأهرامات في خلفية الصورة، يركن مع والدته ويعمل بسواعده القوية وتظهر مهاراته في ركوب الخيل، مهارة زرعها الكاتب في قدرته على ترويض فرس غريمه الأخ الأصغر لشيخ البلد سارق الآثار. يتنافسان على جميلة القرية ابنة العمدة التي فضلت موسى عليه، وسنشهد رحلة لصعود موسى من عامل بسوق باب اللوق، إلى المندوب الحصري لراديو ماركوني بعد أن أحبته معلمة ثرية رغما عن أخيها البلطجي الذي يبتزها بحكايات قديمة، تنمو تجارة موسى وتلد له حلاوتهم أربع توائم مرة واحدة، أسماهم هارون ويحي وعيسى، ومريم، تعيدني الأسماء المختارة واسمه نفسه إلى الارتياب ما الذي يقصده محمد رمضان ومن يصنعون مسلسله من هذه الأسماء المحملة بالقصص الديني ، لا أستطيع أن أبعد عن ذهني قصة اتهم بسببها بالتطبيع مع العدو الاسرائيلي ، قصة زيارته إلى دولة عربية والتقائه بمسئول اسرائيلي.

يعيدنى السرد إلى شفيقة التي يبحث عنها ليقتلها وهي تنتظره لتتطهر من ذنب لم ترتكبه، يتيقين موسى من طهارة أخته وخاصة أن الباشا شهاب تزوجهاعلى سنة الله ورسوله، يعود موسى إلى بلدته منتصرا بسيارته الخاصة، وهناك ينتظره عدوه الذي يريد أخذ ثأره لمقتل أخيه، لا يمكن الفكاك من فكرة الثأر فيما يخص عمل يتناول الصعيد، وان أمكن التخلص من فكرة قتل الأخت لتسترد العائلة شرفها. تحوير ميمون لم يمض الى نهايته مع مسلسل به مجهود كبير في الصورة والتمثيل وأماكن التصوير، وفي عنصر الكتابة رغم بعض الهنات التي كان يمكن الاستعناء عنها، حين دعم شخصية الباشا شهاب بقصة جانبية عن تحنيطه لأمه وحبس جثتها في حجرة بقصره ، على غرار ما فعله بطل سيكو لهتشكوك، كما جعله يخرج روائح من جثتها ومن شفيقة استعارة من رواية العطر للكاتب الألماني زوسكيند. لم يتصور الكاتب أن مشاهدي الدراما الرمضانية سينتبهون إلى هذه المصادر، ولم يكن الكاتب في احتياج الى هذه الاقتباسات التي سودت ثوب العمل الناصع الأصيل، وكفاه تاريخنا الغني وما مرت به مصر نتيجة موقعها الفريد ، كفاه المومياء وحكمته، وشفيقة ومتولي ودلالته الاجتماعية، والفتوة والسوق السوداء، كمصادر لا يمكن إغفالها، جهد كبير احتاج مراجع علمية توثق ما عرضه على أهميته، أما الاعتماد على الذاكرة والقصص المتواترة فقد قلل من عمق العمل وأوقعه في السخرية من الفنان المحبوب اسماعيل يس اعتمادا كما ذكر في وسائل إعلامية على حدث حقيقي حكاه له والده التاجر بالسوق. موسى عمل كبير عرفنا على محمد سلامة المخرج الموهوب، وعلى مدير تصوير فنان محمد مختار عبد الجواد ، أجاد فيه ممثلين أدوارهم بروح عالية، هبة مجدي في دور شفيقة، صبري فواز في دور شهاب باشا، تارا عماد الحبيبة ، سيد رجب في دور فتوة السوق، مفيد عاشور في دور العمدة، رياض الخولي في دور شيخ البلد، عارفة عبد الرسول في دور أم موسى. أما النجمة سمية الخشاب فجانبها التوفيق في محاولة تشبهها بالعظيمة تحية كاريوكا، وبقي النجم محمد رمضان مناسبا لدوره تماما أتقبله رغما عني وأرجو أن يعتذر عن موقفه من التطبيع الذي أتصور أنه خسر بسببه أن يتابع عمله كثير من النابهين فتجاهلوه في تقييمهم لأهم مسلسلات رمضان، وشاهده البعض الآخر خلسة خوفا من تهمة يزداد قبحها مع ممارسات العدو ومحاولاته تنقية القدس من الفلسطينيين بينما تعرض الحلقات الأخيرة من موسى الذي لا يمكن تجاهل مستواه الفني ولا يمكن انكار مجهور صناعه في مختلف تخصصاتهم الفنية.

 

صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 18 مايو 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي