Friday 25 June 2021

الفرصة الأخيرة أفضل فيلم في مسابقة أفلام الطلبة باسماعيلية 22

أفضل فيلم في مسابقة أفلام الطلبة باسماعيلية 22

الفرصة الأخيرة وكيفية التفاعل معها

اليائس شهاب العشري 

تسيطر أسئلة الوجود والعدم على أذهان الشباب دارسي السينما من طلبه معهد السينما منذ سنوات وحتى الآن ، ففي العام 2001 كان هذا عنوان لمقال شامل قدم له عصام زكريا وكتبته لمجلة الفن السابع ، وهذا العام يقدم عمر صدقي فيلمه الفرصة الأخيرة في نفس أجواء ما قدمه زملاؤه السابقون عليه بعشرين عاما، منهم أمير رمسيس وتامر محسن المبدعين اللذين أثبتا وجودهما في ساحة السينما والدراما التلفزيونية معا.

في أجواء كابوسية يقدم عمر صدقي فيلمه وقد بدأ بمشهد يحبس فيه مجموعة من شباب في حجرة صخرية بلا أبواب فقط هناك نافذة صفيرة ينفذ الضوء من قضبانها . لا يجرد صانع الفيلم فكرته بل يشرح الموقف عبر حوارالشخصيات وتعليق صوتي ، بعد أن نوع في رسم شخصياته فكانت فتاة يحدوها الأمل، وشاب يائس وآخر مذعور . بينما في موقع آخر المسيطر الذي يتلاعب بهم نافيا عن نفسه القسوة ومدعيا أنه منحهم فرصة أخيرة.

الديكور لموقعين، المكتب والزنزانة، ومن يمكن اعتبارهم ممثلي الشعب خمسة أفراد شباب، والحاكم في مكتبه يدير أجهزته ويجبرهم على التوقيع. يتراوح الفيلم بين الإفصاح والغموض، بين الكشف الصريح بالحوار المباشر، وبين التعبير الصامت الذي يترك مساحة للمتلقي ليفهم ما يجري  كل حسب مرجعيته. المسيطر يؤديه المخرج والممثل المسرحي طارق الدويري، أما نماذج فتيات وشباب الشغب فيقوم بأدوارها ممثلون جدد مما يؤكد على فكرة صراع بين جيلين ، جيل أكبر لديه شهوة التحكم، وجيل أصغر بينهم اليائس.  شهاب العشري و المتفائلة الممتلئة بالأمل جميلة يس ، والمذعور عبد الرحمن محمد الذي تملؤه الحيرة.  مشروع الطالب تميز بعناصره الفنية الديكور والتصوير والمونتاج والتمثيل ، تميز الشاب الدارس كل في تخصصه وتمت الاستعانة فقط بفنان أقدم صاحب خبرة مما مكن من اختبار قدرة الطالب في توجيهه كأحد عناصر الحكم غلى مستوى عمله، حيث سيتعامل في سوق العمل مع تخصصات لديها خبرة وعليه أن ينجح في قيادتها رغم فارق الخبرة بينه وبينها. المشروع لكل طلاب المعهد ، مدير التصوير عبد الرحمن مصطفى ومهندس الصوت أحمد خشالة ، ومهندس الديكور رئال أيمن فتحي ، المونتيرة سارة سليمان الوحيدة من خارج الدفعة. كل حسب مسئوليته وينفق ماديا على ما يتطلبه تخصصه،  يقول عمر أن المشرف د. علي شوقي لم يجبره علي أي اختيار ، وملاحظاته كانت لنا كافة الحرية لتنفيذها أو لا . ايهاب العباسي طالب قسم سيناريو وهو ممثل مسرح ساعدني في التمسك بكل طموحي في العمل . البنت شيماء محمد مغنية أول مرة تقف أمام الكاميرا ، عبد الرحمن محمد المذعور ممثل مسرح كان معي منذ البداية، الممثلون تدربوا في ورشة طارق الدويري ومنهم الطفلة تولين غزالي ، وهديرحفناوي طالبة في المعهد أول مرة تدخل موقع تصوير وراهنت عليها. أ. طارق دويري سلم نفسه لي أثناء التصوير، بمجرد دخول الموقع كان منفذا لما أريده ، ويأخذ رأي في كل تفصيلة. باحترافية كاملة. خبرة العمل اكتسبناها من مساعدة زملاء أقدم في سنوات سبقتنا في مشاريعهم ونكتسب خبرة مع الوقت. بالاضافة الى حضور المهرجانات ومشاهدات اون لاين. التجربة اكثر ما نتعلم منه. يوم تحكيم المشاريع تكون فرصة كبيرة للمشاهدة والتعلم. للأسف تم الغاء مشروع الفيلم التسجيلي الذي كان ينفذه طلاب السنة الثالثة ، تحارب د. نجوي محروس لإعادته، ولكنا قدمنا بدلا منه فيديو كليب واعلان، أفتقد بشدة تجربة التسجيلي وحزين انني تخرجت دون عمل فيلم تسجيلي.

المخرج والممثل ومدرب ورشة التمثيل طارق الدويري 

حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم في مسابقة أفلام الطلبة في مهرجان اسماعيلية في دورته الأخيرة 22 والتي امتدت من 16 يونيو وحتى 22 يونيو 2021 . رأس اللجنة المخرج خالد بهجت وضمت في عضويتها كل من المخرجة دينا عبد السلام، والمبرمج اللبناني نجا الأشقر. نافس الفيلم 14 فيلما لأفلام دارسي السينما من مختلف دول العالم.


                                                         مؤلف الفيلم ومخرجه عمر صدقي 

صفاء الليثي

نشر بموقع نون وأعيد نشره على مدونتي الخاصة دنيا الفيلم 

 

 

اسماعيلية 22 في ظل تحولات ما بعد الاحتكار

 محاولة سيطرة التوجه الإعلامي على التوجه الثقافي

كنت من المنزعجين من أخبار تواترت حول تكريم نجوم التمثيل في الدورة 22 من المهرجان المعنون اسماعية للأفلام التسجيلية والقصيرة . وظلت أخبار تكريم نجم التمثيل طاغية حتى أنني تساءلت أين مهرجان الاسماعيلية الجاد الذي عرفناه، صحيح أن الممثلين بدأ الإعلان عن تكريمهم مرتبطا بدورهم في المشاركة في الأفلام القصيرة وعلى رأسهم أحمد كمال وسلوى محمد علي ثم أعلن عن أحمد بدير، أحمد وفيق ، صبري فواز وبسمة وصفية العمري. ازدحم البرنامج ولم نعد نجد وقتا للراحة وخاصة مع انتظام البرنامج بشكل مقنع لي بعرض فيلم قصير شارك فيه المكرم قبل الندوة معه، عرض لبسمة فيلمقصير للمخرج أحمد الباسوسي، ثم جرت ندوتها بإدارة حنان أبو الضياء ، وعرض فيلم حبيب لسيد رجب وسلوى محمد علي ، ثم عرض فيلم ربيع شتوي لأحمد كمال وأدارت ندوته ماجدة موريس . بجهد من عصام زكريا تم دمج البرنامج مع عروض الأفلام التي أعلن عنها في جدول العروض المطبوع، وبقي التساؤل عن سر تأخر العروض لتبدأ في الثانية عشر، ثم تبين أن هناك برنامج لمناقشة المطبوعات من الكتب في الحادية عشر قبل العروض . تعطل قاعة الندوات لعدم تشغيل التكييف وتكديس الفعاليات في القاعة الكبرى المكيفة أحدث قدرا من القلق وتأخرت بعض البرامج. تواترت أنباء أن تجديد قصر الثقافة تكلف 52 مليونا ولم ألحظ تطويرا يساوي هذا المبلغ الضخم، فلم تحل مشكلة دورات المياه التي تعاني من عيب في إنشائها تحت مستوى خزانات الفضلات، فبدا التغيير شكليا دون إصلاح هذا العيب الخطير لطفح المياه، قاعة تسمى كبار الزوار بها كراسي جلدية فخمة ولكن التكييف لا يعمل كما أنها لا تفتح سوى لمن يصنف باعتباره شخصية شديدة الأهمية، VIP ، ساحة القصر التي كانت ممتلئة بلوحات وأفيشلت بما يشبه معرض دائم خالية، ولا يوجد حرارة لتزاحم المشاركين، فإذا كان القصر لا يعمل طوال العام فكيف نتوقع وجود متابعين من أهل البلدة للعروض والندوات؟ فكرة الاحتفاء بالنجوم لجذب جمهور اسماعيلية لم تتحقق بالرغم من امتلاء القاعة نسبيا لأن الفعالية لا تماثل توقعات الجمهور ممن اعتادوا على مشاهدة الدراما التلفزيونية ومتابعة برامج المنوعات وليس أفلاما قصيرة وندوات جادة تناقش أعمال المحتفى به. لا أعتقد أن خلخلة طبيعة مهرجان الاسماعيلية الوحيد في المنطقة العربية المتخصص في أفلام تسجيلية وروائية قصيرة وتحريك لتحويله إلى نموذج من كل الأشكال السائدة في الإعلام المصري قد تحقق . مهرجان اسماعيلية له توجه ثقافي يتجاوز الترفيه المعتاد الى الثقيف ويروج للمعرفة ويحتفي بصناع الأفلام وخاصة المخرجين الذين اختارو السينما التسجيلية، يحتفي بشباب المخرجين وخريجي مدارس السينما ممن يقدمون أفلاما قصيرة تتميز بأفكارها البعيدة عن التبسيط، حتى أن أفلام التحريك تناقش قضايا فلسفية ووجودية ولا ترتبط بالأفكار البسيطة التي توجه للأطفال. اسماعيلة للأفلام التسجيلية والقصيرة منذ دورته الأولى التي نظمها كرم مطاوع وهاشم النحاس وعبر دوراته التالية التي رأسها الناقد الكبير علي أبو شادي مرورا بدورة مجدي أحمد علي وكمال عبد العزيز وأخيرا دورات الناقد عصام زكريا قلمت على أساس راسخ يصعب حللته أو تغيير تميزه.

في الحصيلة النهائية وجدتني راضية تماما على المهرجان فمع اعلان الجوائز وضحت رؤيته التي تضع الفيلم التسجيلي الطويل في وضع الأهمية القصوى اذ عبرت لجنة التحكيم ( عباس فاضل، ديان بيتروفيتش، هالة خليل، نجوم الغانم ، رودريجو بروم ) عن تقديرها لبرمجة الأفلام التسجيلية خاصة الطويلة والتي كان المسئول عنها الناقد محمد سيد عبد الرحيم، وهذا القسم كنت حرصت وزميلات لي على متابعته وجاؤت أفلام عروض الثالثة عصرا كلها متميزة وممتعة، ولكننا شعرنا بالإرهاق وعدم القدرة على متابعة الأفلام التي كانت تبدأ في التاسعة والنصف ليلا وأحيانا لا تبدأ قبل العاشرة، بعضها امتد لساعتين مثل فيلم المخرج هلال بادييف " عندما نما البرسيمون" الذي حصل على جائزة لجنة تحكيم نقاد الفيبريسي المكونة من النقاد مروى أبو عيش من مصر، ولما طيارة من سوريا وماسيموليتشي من إيطاليا، لم أتمكن من اكمال مشاهدته رغم توقفي عند عدد من مشاهده الفائقة ومنها مشهد عبور الثيران وتفاديها الأم وابنها وتحملها مشقة صعود التل وكأنها تمتلك  الوعي الفطري بالبعد عن الإنسان الذي يمثل لها خطرا دائما.

أغلب المشاركين من الصحفيين يتابعون ندوات الاحتفاء بالنجوم وآخرين من النقاد يتابعون ندوات مناقشة الكتب والأفلام، وحظيت ندوة تكريم الناقد الكبير كمال رمزي بحضور الجميع من صحفيين ونقاد ومن كبار المخرجين ومنهم عمر عبد العزيز وهاني لاشين ومجدي أحمد علي. ليس مطلوبا من كل مشارك الانتظام في كل الفعاليات فكل يختار حسب أولوياته ، سجل غياب علي الغزولي وهاشم النحاس، منى الصبان ، ورحمة منتصر،  فريال كامل وماجدة خير الله وسهام عبد السلام فقدا شخصيا لي ، فمعهم كان المهرجان عيدا سنويا فيه نلتقي في عروض الأفلام ونشارك في كل الفعاليات ولم يكن مسئول القصر يغلق حجرة الانتظار في وجوهنا فقد كان المسئولين السابقين يدركون حقا حجم هؤلاء وأنهم بالنسبة لمهرجان الاسماعيلة للأفلام التسجيلية والقصيرة هم الأشخاص المهمون حقا هم VIP  هذا النوع السينمائي الهام.

صفاء الليثي

أنشره مباشرة على مدونتي الخاصة " دنيا الفيلم " الجمعة 25 يونيو 2021



الفيلم القصير" ما لا نعرفه عن مريم"

 الفيلم القصير عندما يتجول حرا حول العالم

ما لا نعرفه عن مريم

منذ اللحظة الأولى يضعنا المخرج في قلب إحساس الشخصيات بالاختناق وسط ظروف اجتماعية ضاغطة بداية من اختياره لإطار الصورة التقليدي 3× 4 الذي ساد أفلام السينما 35 مللي بالأسود والأبيض، الألوان رمادية والمكان واحد لمستشفى عام، والزمن في اليوم الأخير من رمضان شهرالصيام عند المصريين . الحوار القليل يكشف عن الشخصيات، الزوج يحجز كشفا لزوجته ويختار طبيبة امرأة حتى لو انتظر ساعة رغم نزيف زوجته وحالتها بادية الإعياء، ابنتهما صبية بحجاب عطشانة، يطلب منها الأب الصبر، يدور في عقلي أنها في عمرها هذا غير مجبرة لا على الصيام ولا على الحجاب، خالد الزوج كما غالبية شباب المصريين تهمه الأعراف ويقسو على زوجته وابنته، المهم المحافظة على التقاليد، فعندما تخبره الطبيبة عن ضرورة اجراء جراحة عاجلة ؟ يحدث ما يجعله فاقدا لأعصابه ويهجم على زوجته يضربها بدلا من الصبر حتى يفهم، يصاب بجرح والزوجة صابرة، يصل والدها، أتخوف من رد فعل مماثل منه ولكنه يكون حنونا معها عندما تخبره بأن خالد ضريها، يستنكر ذلك، ضربك هنا، انتوا جايين في ايه ولا في ايه!!. ببساطة يلخص الكادر نهاية الموقف، فالزوج وحيدا مستندا على جدار وفي المقابل الأب جالس يقرأ القرآن سبحته في يده  بجواره الحفيدة والابنة تشيح بوجهها ألما وقهرا.

 يقدم المخرج مشهدا صامتا في ممر المستشفى الأب يحادث الزوج لا نسمع الحوار، يعود الأب ويسأل عن ابنته، بنتي فين؟ حوار دقيق وموجز يوضح طبيعة العلاقات عن أب مسئول وحنون ، وزوج مضغوط تنقح عليه ذكورته ويعليها فوق أي اعتبار، وجود الأب سندا للزوجة يقويها فتأخذ قرارها وتستجيب لطلب الطفلة بأن تشرب، تمضيان معا وتشتري لها المياه، على خلفية أذان المغرب موعد التحلل من الصيام تشرب الطفلة وتأكل شيبسي، تجري الأم مكالمة تليفونية. تخرج الطفلة من ممر المستشفى حيث الشارع حائرة وحيدة لا تفهم ماذا جرى. لسنا في عمل تشويقي ينتهي بمعرفتنا لحقيقة ما حدث ، ولكننا في لحظات كشف عن حالة مجتمع يعيش أفراده ضغوطا تخنقهم ، أفراد الأسرة الثلاث الزوج والزوجة والابنة مضغوطين ، كل يعاني مشكلته، فقط الأب هاديء وكأنه امتلك حكمة السنين وصبرها. طبقا للقانون والأعراف تصرفت الطبيبة وانفردت بالزوج تشرح له الحالة وتطلب توقيعه بالموافقة على اجراء جراحة للزوجة، وانفعال الزوج وضربه الزوجه في ذروة الفيلم ، ثم تحدث انفراجة بوصول الأب والكشف الأدق من الطبيب بجهاز طبي حديث وتقريره بأنه لا  حاجة الى جراحة. 

"ما لا تعرفه عن مريم" العمل القصير الثاني للمخرج مراد مصطفى بعد عمله السابق "حنة ورد" خطا فيه خطوة أبعد نحو التكثيف والإيجاز في التعبير. والعملين يرصدان جوانب من الحياة الاجتماعية في مصر المعاصرة، يكشفان عن موهبة في التعبير السينمائي والتزام تجاه ناسه دون خطابة أو مباشرة. الفيلم القصير نجح في أن يكون سفيرنا الى مختلف دول العالم بواقعية فنية كاشفة وأصيلة.  

يقول مراد مصطفى أن الغرض من صنع هذه الحاله طرح الأسئلة التي تتفجر حول الشخصيات،  لصنع حاله من التفكير حول المعنى الأبعد للشخصيات و الإحساس بالضغط الاجتماعي أساسا لما تعانيه الطبقة التي تناولها الفيلم.

كان عرض الفيلم العالمي الأول في مهرجان كليرمون فيران السينمائي الدولي والذي يعد أهم مهرجان متخصص في الافلام القصيرة في العالم ، بعدها شارك في عدة مهرجانات هامة مثل مهرجان بالم سبرنجز في أمريكا، ومهرجان فالنسيا السينمائي الدولي بأسبانيا، ومهرجان شنغهاي الدولي والذي يعد أكبر مهرجانات آسيا، ومهرجان بينوس ايروس الدولي للسينما المستقلة بالارجنتين، ومهرجان براج السينمائي الدولي ، حصد الفيلم الجائزة البرونزية من مهرجان برشلونة السينمائي الدولي وجائزة النقاد من مهرجان ليالي البحر المتوسط بفرنسا. ويواصل جولاته حول العالم قبل عرضه في مهرجاناتنا المحلية.

                                                                                                                صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 15 يونيو 2020 ريس التحرير عماد الغزالي








 

Monday 7 June 2021

للإيجار ومقاومة الحزن بحلة وردية

 

للإيجار ومقاومة الحزن بحلة وردية


بداية أتوجه بالتحية لفريق الإنتاج الذي تحمس لينتج فيلما بطله رجل متقاعد مع تصوير كامل الفيلم بالإسكندرية بعيدا عن الصورة النمطية عن كونها مصيف للعائلات. ودون قصد وثق المخرج للإسكندرية، شوارعها ومقاهيها، وكانت شرفة شقة مختار/ خالد الصاوي  المطلة على البحر دعوة للإستمتاع بالحياة. ومع البداية ووصول نجم كوميدي معروف لنا خالد/ محمد سلام نتوقع أن يمضي الفيلم هزليا مليء باللزمات الضاحكة، ولكن الشجن غلف الفيلم ليس فقط من مشهد زيارة مختار للمدافن ولكن مع المشهد الأصعب ونحن نسمع صوت بكاءه دون أن نشاهده، صادرا من غرفته المغلق بابها عليه. يبدو مختار مهزارا منفتحا على الحياة مع الآخرين ، نشاهده يزيط بانتصاراته على الخصوم في لعبة الطاولة، وسرعان ما نلمس مدى شقاءه حين يكون وحيدا وباب حجرته مغلق عليه. ديكور شقته يبعث على التساؤل عن صاحبة الصورة وبجوارها اسطوانات أسمهان وجرامفون قديم، لا جهاز كاسيت ولا سيديهات، جرامافون قديم يدير أغاني نادرة لأسمهان تشعرنا كم يعيش بالماضي مع ذكريات نربطها بزيارته للمقابر مع الورود وصورة السيدة المجهولة. لا نبقى طوال الفيلم مع مختار وحكاياته، ونتابع ما يحدث مع خالد من كوابيس يظهر له فيها ساكن الحجرة قبله، الشاب الذي أتى خالد بديلا عنه للعمل بالإسكندرية، يبدو متكدرا لذلك، مكتئبا ومنزعجا من غرابة شخصية مختار. كوابيس خالد وحزن زملاء العمل ومشاكل زميله اليومية تبعدني عن مختار وأنتظر كشفا عن أسباب بكائه وحزنه الذي يحاول إخفائه ولا تقدم خطابات كاميليا إجابة شافية بل تبعدنا عن أصل الحزن الذي سينكشف حين تفتح الحجرة المغلقة عن متعلقات الابن المهاجر بالخارج. حكاية مختار الأرمل المتقاعد ووحدته كانت كفيلة لوحدها لتقديم فيلم مشوق  دون كوابيس المستأجر وحكاية الموظف الراحل، سواء مات قضاء أو انتحر، أو شعرت خطيبته بذنب دفعه للانتحار، عالم وافد من الحكايات الفرعية على الحكاية الرئيس التي كانت كافية لتقديم فيلم غني ومؤثر عن هذا المسن الوحيد وشخصيته الغريبة التي يناسبها أداء تمثيلي من النجم خالد الصاوي البارع في تقديم شخصيات مركبة. هل اختار الصاوي لون حلته الوردية أم اختارها له الاستايلست خالد عبد العزيز، بحركة خفيفة يرقص مختار على الكورنيش، وستبقى في ذهن خالد صورة مختار راقصا بالملابس الوردية ، صورة كافية لتبعده عن الكآبة التي سببها فشله في قصة حب. لن نجد بالفيلم مواقف ساخنة ولا جرائم دموية، ولكننا سنخرج بشحنة من التفاؤل مبعثها مختار المقاوم لأحزانه بحلته الوردية. تحاشى الكاتب اللجوء الى الفلاش باك وعوض المخرج بأدوات الصورة من مواقع واكسسورات وديكورات عن العودة للخلف وكانت كافية لتكمل الحكاية ونفهم سبب حزنه ووحدته، وفكرة تأجير غرفة  تناوب عليها أكثر من ساكن، شباب عوضوه عن غياب زوجته وابنه. الفكرة التي انطلق منها السيناريو وحققت تشابك العلاقات.

صورة الفيلم في المشاهد الخارجية تعكس قيمة حب الحياة، ابتعد المخرج عن الأجواء الممطرة والأوقات الرمادية، حافظت إضاءة مدير التصوير رامي سالم على الصورة مبهجة فظهرت من عين مختار المحب للناس والحياة. وفي مشاهد الليل القليلة كانت الإضاءة تظهر وجهي مختار وخالد دون ظلال كثيفة . حافظ مونتير الفيلم حمادة عبد المنعم على تدفق الإيقاع وشكلت أغاني أسمهان المختارة بعناية من المخرج في إحساسنا بالمتعة مع شريط صوت ناعم بعيدا عن التنميط.   

عن العمل مع الممثل خالد الصاوي يقول اسلام بلال، لقد كان يدعمني كثيرًا منذ قراءة السيناريو الأول. إنه شخص محترف للغاية ، على الرغم من أنه أيضًا مخرج، إلا أنه لم يتدخل أبدًا في عملي كمخرج وركز على دوره التمثيلي. قدم لي الكثير من النصائح، وكان داعمًا حتى لحظة عرض الفيلم لأول مرة.

حصل الفيلم على جائزة رضوان الكاشف من لجنة تحكيم مؤسسة شباب الفنانين بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في دورته العاشرة مارس 2021 ، وكان المخرج حصل على دورة تدريبية بدورة سابقة للمهرجان وقدم عددا من الأفلام القصيرة قبل أن يجهز لفيلمه الأول " للإيجار" مواجها تحديات صعوبة الحصول على تمويل الذي وجده مع المنتجين محمد حمادي ومحمد الدياسطي. وعن العقبات يقول المخرج كان الوباء بالطبع عقبة كبيرة. ومع ذلك ، فإن العثور على الشقة المناسبة التي تناسب القصة وعدم اللجوء إلى الاستوديو والتأثيرات المرئية كان عقبة أخرى واجهناها. كنا نتمنى أن يكون لدينا مشهد حقيقي من نوافذ الشقة حيث كان من المفترض أن يطل على البحر في الإسكندرية ، وقد استغرق هذا وقتًا طويلاً للعثور عليه. انتهى بنا المطاف بالعثور على فندق قديم في محطة الرمل وحولناه إلى شقة.

                                                                                        صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 9 يونيو 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي