Friday 25 June 2021

الفيلم القصير" ما لا نعرفه عن مريم"

 الفيلم القصير عندما يتجول حرا حول العالم

ما لا نعرفه عن مريم

منذ اللحظة الأولى يضعنا المخرج في قلب إحساس الشخصيات بالاختناق وسط ظروف اجتماعية ضاغطة بداية من اختياره لإطار الصورة التقليدي 3× 4 الذي ساد أفلام السينما 35 مللي بالأسود والأبيض، الألوان رمادية والمكان واحد لمستشفى عام، والزمن في اليوم الأخير من رمضان شهرالصيام عند المصريين . الحوار القليل يكشف عن الشخصيات، الزوج يحجز كشفا لزوجته ويختار طبيبة امرأة حتى لو انتظر ساعة رغم نزيف زوجته وحالتها بادية الإعياء، ابنتهما صبية بحجاب عطشانة، يطلب منها الأب الصبر، يدور في عقلي أنها في عمرها هذا غير مجبرة لا على الصيام ولا على الحجاب، خالد الزوج كما غالبية شباب المصريين تهمه الأعراف ويقسو على زوجته وابنته، المهم المحافظة على التقاليد، فعندما تخبره الطبيبة عن ضرورة اجراء جراحة عاجلة ؟ يحدث ما يجعله فاقدا لأعصابه ويهجم على زوجته يضربها بدلا من الصبر حتى يفهم، يصاب بجرح والزوجة صابرة، يصل والدها، أتخوف من رد فعل مماثل منه ولكنه يكون حنونا معها عندما تخبره بأن خالد ضريها، يستنكر ذلك، ضربك هنا، انتوا جايين في ايه ولا في ايه!!. ببساطة يلخص الكادر نهاية الموقف، فالزوج وحيدا مستندا على جدار وفي المقابل الأب جالس يقرأ القرآن سبحته في يده  بجواره الحفيدة والابنة تشيح بوجهها ألما وقهرا.

 يقدم المخرج مشهدا صامتا في ممر المستشفى الأب يحادث الزوج لا نسمع الحوار، يعود الأب ويسأل عن ابنته، بنتي فين؟ حوار دقيق وموجز يوضح طبيعة العلاقات عن أب مسئول وحنون ، وزوج مضغوط تنقح عليه ذكورته ويعليها فوق أي اعتبار، وجود الأب سندا للزوجة يقويها فتأخذ قرارها وتستجيب لطلب الطفلة بأن تشرب، تمضيان معا وتشتري لها المياه، على خلفية أذان المغرب موعد التحلل من الصيام تشرب الطفلة وتأكل شيبسي، تجري الأم مكالمة تليفونية. تخرج الطفلة من ممر المستشفى حيث الشارع حائرة وحيدة لا تفهم ماذا جرى. لسنا في عمل تشويقي ينتهي بمعرفتنا لحقيقة ما حدث ، ولكننا في لحظات كشف عن حالة مجتمع يعيش أفراده ضغوطا تخنقهم ، أفراد الأسرة الثلاث الزوج والزوجة والابنة مضغوطين ، كل يعاني مشكلته، فقط الأب هاديء وكأنه امتلك حكمة السنين وصبرها. طبقا للقانون والأعراف تصرفت الطبيبة وانفردت بالزوج تشرح له الحالة وتطلب توقيعه بالموافقة على اجراء جراحة للزوجة، وانفعال الزوج وضربه الزوجه في ذروة الفيلم ، ثم تحدث انفراجة بوصول الأب والكشف الأدق من الطبيب بجهاز طبي حديث وتقريره بأنه لا  حاجة الى جراحة. 

"ما لا تعرفه عن مريم" العمل القصير الثاني للمخرج مراد مصطفى بعد عمله السابق "حنة ورد" خطا فيه خطوة أبعد نحو التكثيف والإيجاز في التعبير. والعملين يرصدان جوانب من الحياة الاجتماعية في مصر المعاصرة، يكشفان عن موهبة في التعبير السينمائي والتزام تجاه ناسه دون خطابة أو مباشرة. الفيلم القصير نجح في أن يكون سفيرنا الى مختلف دول العالم بواقعية فنية كاشفة وأصيلة.  

يقول مراد مصطفى أن الغرض من صنع هذه الحاله طرح الأسئلة التي تتفجر حول الشخصيات،  لصنع حاله من التفكير حول المعنى الأبعد للشخصيات و الإحساس بالضغط الاجتماعي أساسا لما تعانيه الطبقة التي تناولها الفيلم.

كان عرض الفيلم العالمي الأول في مهرجان كليرمون فيران السينمائي الدولي والذي يعد أهم مهرجان متخصص في الافلام القصيرة في العالم ، بعدها شارك في عدة مهرجانات هامة مثل مهرجان بالم سبرنجز في أمريكا، ومهرجان فالنسيا السينمائي الدولي بأسبانيا، ومهرجان شنغهاي الدولي والذي يعد أكبر مهرجانات آسيا، ومهرجان بينوس ايروس الدولي للسينما المستقلة بالارجنتين، ومهرجان براج السينمائي الدولي ، حصد الفيلم الجائزة البرونزية من مهرجان برشلونة السينمائي الدولي وجائزة النقاد من مهرجان ليالي البحر المتوسط بفرنسا. ويواصل جولاته حول العالم قبل عرضه في مهرجاناتنا المحلية.

                                                                                                                صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 15 يونيو 2020 ريس التحرير عماد الغزالي








 

No comments:

Post a Comment