Tuesday 25 January 2011

صلاح مرعى ... سحر الواقع والخيال


صلاح مرعى كبير جيل التحدى
" أحمد الله أن يكون حظى فى كتابى هذا مع شخص لا يتفاخر بعظمة الإبداع، ولا يتوارى ادعاء بفضيلة التواضع، بل يوصف عمله بنفس سمات البساطة الإنسانية التى ارتضاها منهجا لتصميم وتنفيذ أعماله" . هكذا كتب السينمائى مجدى عبد الرحمن الذى أخلص للبحث وتوثيق إبداعات زملائه وخاصة من تجمعهم مدرسة شادى عبد السلام صاحب المومياء. كتاب مجدى عبد الرحمن وعنوانه سحر الواقع والخيال صدر عن صندوق التنمية الثقافية بمناسبة تكريم صلاح مرعى فى المهرجان القومى السابع للسينما المصرية عام 2001. 
أهدى الباحث كتابه إلى كل العاملين فى حقل الديكور السينمائى، ولم يكتف بذلك بل خصص الجزء الأول منه إلى رحلة الديكور السينمائى فى مسيرة السينما المصرية متتبعا تاريخ فن الديكور ومراحله منذ السينما المصرية الصامتة مرورا بمرحلة ستديو مصر وما أسماه بالتاريخ العظيم محللا نماذج من هذه الأعمال حتى يصل إلى جيل معهد السينما .. جيل التحدى، وكبيرهم صلاح مرعى خريج الدفعة الأولى عام 1963. أذكر أن مجدى عبد الرحمن فى ندوة عرض الكتاب بالمجلس الأعلى للثقافة بدأ حديثه بذكر كلمة Devotion  للتعبير عن صلاح مرعى ومن قبله أستاذه شادى عبد السلام. كانت الدموع تكاد تفطر من عينيه محاولا البحث عن كلمات تعنى هذا الديفوشن. غير مكتف بالترجمة العربية والتى تعنى الإخلاص. وهى صفة تجمعه مع صلاح مرعى وجيله من خريجى الستينيات التى كانت تموج بالتغيير الثورى الحقيقى خاصة فى مجالات الثقافة والفن. وعند الحديث عن ديكورات فيلم المومياء يتوقف الكاتب عند الإتقان فى تنفيذها من خلال الملمس والتفاصيل. يمضى بإخلاص مماثل محللا تفاصيل الخامات التى يختارها صلاح مرعى والخبرة المستفادة من ملاحظة الطبيعة ومدى تأثيرها على المظهر النهائى للخام بعد سقوط الضوء عليه. وهى تفاصيل تتكامل مع إضاءة العظيم عبد العزيز فهمى ويدعمها بساطة التكوين عند شادى عبد السلام. 
ويتوهج إبداع صلاح مرعى مع فيلم الجوع لعلى بدرخان الذى بنى فيه السيناريو على أكثرمن قصة من قصص الحرافيش لنجيب محفوظ ،يذكر مؤلف الكتاب كيف طلب صلاح تحديد الفترة التاريخية للقصة لتكون 1882حيث لم تتغير القاهرة الفاطمية كثيرا من وقتها وحتى الآن، وكيف اعتمد على مراجع من الأدبيات المستشرق ادوارد وليم لين، وخطط على مبارك ومقدمة ابن خلدون، وكيف بناها فى اتجاه شمال جنوب وليس شرق غرب لتجنب وقوع الشمس على جدار الحارة طوال ساعات النهار، وكيف اهتم بالوصول إلى روح الفترة واصلا لأعلى مستوى ممكن بالتفاهم مع مدير التصوير للاتفاق حول خطة الألوان، وأماكن تحرك وحدات الإضاءة خلافا لحركة الشمس على الحوائط.يكتسب فيلم الجوع أهمية خاصة فى مسيرة عمل صلاح مرعى حيث قام بتصميمات الملابس إضافة لتصميمات المناظر. مركزا على الحالة الاجتماعية للشخصية ،ولأول مرة يتم تصميم الملبس القاهرى بطريقة صحيحة تماما ، وخاصة لفة العمة التى جاءت مطابقة تماما للعصر بعد أن جمع رسوماتها من المراجع التى استعان بها. ولأن الحارة بنيت بخامات طبيعية خفيفة ظلت تستخدم مع تعديلات طفيفة فى أعمال أخرى محتفظة باسمها حارة الجوع وشاهدة على الإبداع  الفريد لصلاح مرعى.
يبقى كتاب مجدى عبد الرحمن مرجعا هاما لكل من يريد دراسة فن الديكور فى السينما المصرية . يذكر محمد كامل القليوبى فى شهادته داخل الكتاب كيف اندهش عندما علق صلاح مرعى على تكريمه بقوله" ماذا فعلت لكى يتم تكريمى؟" بل يرى أن صلاح مرعى يستحق جائزة الدولة التقديرية منذ عدة سنوات مستهجنا ضرورة أن يكون من يحصل عليها طاعنا فى السن. مرت عشر سنوات على هذا الحديث أضاف فيها صلاح مرعى إلى مسيرته الإبداعية أفلاما متنوعة حصل بعضها على جائزة أفضل ديكور، ومازال إبداعه مستمرا منذ المتمردون  لتوفيق صالح عام 1968 مرورا بالمومياء ، وراء الشمس  لمحمد راضى ، والجوع  لعلى بدرخان، وانتهاء بفيلم زهايمر لعمرو عرفة والذى قدمه  صلاح مرعى رغم مرضه الأخير بأسلوبه الساحر البسيط .  
يرقد صلاح مرعى بالمستشفى ترافقه زوجته ورفيقة الدرب المونتير رحمة منتصر، لا يفارقه صديقه أنسى أبو سيف توأمه فى الموهبة والإخلاص للمهنة ولصناعها. يتحدى صلاح مرعى مرضه بنفس الروح التى تحدى بها جيل الكبار ونجح فى تحقيق الاستمرار فى مسيرة السينما المصرية بأعمال متجددة يمثل فيها الديكور حائطا أساسيا فى تركيبة الإبداع. بالإضافة لدوره مع طلابه بمعهد السينما، ودوره فى مهرجان الإسماعيلية الذى اكتسب شكلا حميميا من روح صلاح مرعى ابن الريف المصرى بملامحه الصعيدية، يتحرك بجلبابه راقصا رقصة الحياة مقدما صورة عن الفنان الذى يتنفس السينما سواء مشاركا بعمله الفنى كمهندس للديكور أو مصمما للملابس، أو منظما لمهرجان متخصص فى السينما القصيرة والتسجيلية، و مصمما لميدليات الجوائز التى يقدمها بكل الحب والإخلاص لفن السينما ولصناعه من مختلف الأجيال. 


Sunday 16 January 2011

الشوق: دراما إغريقية معاصرة فى عمل فنى كبير


الفقر والعوز وضعف الرجال
صوت راوى يحكى على لقطات فى مدينة الإسكندرية، والعناوين تتخلل المشاهد ثم حارة تحيل للحارة المصرية فى أفلام الأسود والأبيض، فصلتنى عن المقدمة فسألت جارى هوه احنا فين فقال الإسكندرية، هل نسيت المقدمة دى كلها، آه نعم، لن نعود إلى الشاطىء بل سنبقى فى الحارة وكأنها خشبة مسرح لا نخرج منها إلا نادرا وعندما نخرج يكون الأشخاص عاديون شاهدنا مثلهم فى أفلام أخرى، فقط الحارة وسيد رجب، سوسن بدر وبناتها، هل هذه معالجة أخرى لبيت من لحم؟، عفوا للقصة الأطول فى احكى يا شهرزاد، آه ها هو محمد رمضان الذكر المخادع المقتول فى شهرزاد، لا ولكن هذا أمر آخر، صورة مختلفة، وشخوص طالعة من الحواديت، لا ليس من الحواديت بل من الدراما الإغريقية. قارئة الفنجان وكأنها إحدى الساحرات، هل هذا نوع من الصرع، مرض نفسى، يتداعى لى فيلم سيكو لهيتشكوك وصوت الأم يخرج من الشاب بعد القبض عليه مهددا الذبابة. نوبة تحدث لسوسن بدر تتقمصها ويخرج صوت رجل من داخلها، وسط الفوضى تأتى سلوى محمد على الجارة تضع مخدة صغيرة تحمى الرأس من الانفجار. سيزرع هذا المشهد مرات ومرات وعندما ينفضح أمرها وتفقد سحر غموضها ويتيقن الجميع من مصدر دخلها الذى يجلب العار، يتركونها بلا إنقاذ لتصاب فى مقتل وهم يتفرجون، مشهد النهاية كدراما مسرحية تراجيدية الجميع فيها حاضرون يراقبون تاركين الشخصية لمصيرها القدرى. 

هل يتحدث الفيلم عن الفقر فى مصر؟، عن الكبت الجنسى ؟ أم عن عجز الرجال ؟ من قال إن هناك خللا فى السيناريو؟ هل لأننا نعرف سيد رجب ممثلا مغمورا فنجده لحما طريا لنقدنا للفيلم. يأخذنى الشوق بعيدا عن آراء سمعتها تسخر من منحه جائزة مهرجان القاهرة، وتسرعت كعادتى وتصورت أن هذا اتجاه يتماشى مع اختيار الاحتفاء بمصريين أبدعوا فى الخارج، أو مصر فى عيونهم، فاتتنى مشاهدة الفيلم أثناء المهرجان، وهأنذا فى العرض الأول منتشية من الجمال الفنى للفيلم، أيوه كده يا خالد الحجر، مثلك قادر على هذا، عند توفر التمويل والنص، وهؤلاء المبدعين من الممثلين، سيد رجب سوسن بدر روبى وميريهان. صورة الفيلم بديعة، بعض اللقطات تظهر فيها الخلفيات وكأنها بالكاميرا الرقمية، هل صور الفيلم بالكاميرا الديجتال "رد" ثم نقل إلى شريط السينما 35 مللى، إذا كان هذا ماحدث فالديجيتال هو المستقبل كما قال محمد خان منذ فترة. 

مرت الحارة المصرية فى السينما بمراحل عدة منذ حارة العزيمة ، والحارة المفتوحة فى سارق الفرح، حارة ليه يا بنفسج ،والحارة الرأسية فى يا دنيا يا غرامى، وهنا الحارة السد، مغلقة تمنع رؤية البحر بمشروع الرجل الذى أصيب فى ضهره. الضهر شعبيا يحمل دلالات ومعانى عدة، نقول راجل من ضهر راجل، وتغنى الأم عندما ترزق بصبى، لما قالولى ده ولد اتشد ضهرى واتسند، الولد الضهر، وضل راجل. هنا فى الشوق ضهره انكسر. والنساء من كل الأعمار منتظرات بلا جدوى. بعض الخلل فى مشاهد خرجت عن أسلوبية الفيلم وجاءت ضعيفة جدا، أغلب مشاهد أحمد عزمى فى تركيبة نمطية للشاب الذى يعمل بدخل بسيط، يزوجه الأهل لأنهم سيساعدونه فى تكلفة الزواج فيفرضون شروطهم، ومشهد الفتيات وحواره المعاد "اتأخرتى يا أمه، احنا بعنا شرفنا يا أمه"، رغم أننا شاهدنا الفتيات تتجاوبن برغبة حقيقة ولم يظهر أنهن يبعن شرفهن. كالعادة يأتى المال بعد ضياع أشياء أخرى أهم، الكرامة والعزوة وشرف البنات. تتركن الحارة السجن وتذهبن للقاهرة حيث الزحام الذى يصعب معه أن تنكشف الحقيقة.  ابتعدت عن سرد قصة الفيلم، لأنها ليست الغاية ولأن تلخيصها قد يعطى صورة باهتة جدا ومجتزأة عن فيلم سينمائى خاص جدا، يحمل أسلوبا خاصا يندر أن يتكرر، لا يمكن تصنيفه كفيلم واقعى، بل يتجاوز الواقع إلى ما وراءه كاشفا عن شخصيات تعيش مأساتها، يقترب من الفلسفة الوجودية التى تقول بأن الجحيم هم الآخرون. دون أن تفقد قدرا من الانتماء لأسرة ما ، لحلم ما ، لرغبة ما يصعب أن يتركك الآخرون قادرا على تحقيقه.  لا يخرج الفيلم عن كثير من الأفلام المصرية المعاصرة التى تتعاطف مع البنات، البائسات غير المحققات لأحلامهن، تدين عجز الرجال المادى والجسدى والمعنوى، تدين الفقر الذى يقتل الكرامة ويضيع معه الشرف. ولكنه يختلف عنها بالبعد عن تنميط الشخصيات وبالطبع بالبعد عن الشعارات والكلمات الرنانة ، لا خطابة فى الفيلم ولا زعيق. عناصر الفيلم من صورة ومونتاج وموسيقى وشريط صوت كلها مميزة ولها أسلوب متسق على مدى الفيلم كله. يمكننا القول أن الشوق فيلم للمخرج خالد الحجر. يستحق الفيلم جائزة الهرم الذهبى لمهرجان القاهرة السينمائى وتستحق سوسن بدر جائزة التمثيل ، كما تستحقه ميريهان وروبى –بهذا الترتيب- ويستحق سيد رجب جائزة التمثيل عن أداء نادر للانسان المقهور فقرا وعجزا. فيلم الشوق سترتفع مكانته مع الزمن لأنه ليس فيلما عن ظاهرة وقتية يتم عرضها والسلام- بسطحية- بل فيلما فلسفيا يحتاج منا أن نتأمله لندرك عمق معانيه التى قد تصيبنا بالحزن الممزوج بفرحة الاستمتاع بعمل فنى كبير.   
 

Sunday 9 January 2011

مهرجان وهران الدولى للفيلم العربى 2

رؤية مكثفة للواقع العربى الأليم
وكشف عن سينما سعودية واعدة

قبل الحديث عن الأفلام دعونى أحدثكم عن النظافة والخضرة، نظافة مدينة وهران أمر لافت يفوق عواصم وبلدان أوربية، الخضرة والشجر فى كل مكان وكثرة عدد المنازل القديمة بطابقين أو أكثر، بدأ فى التزاحم معها أبنية حديثة مرتفعة بنوافذ زجاجية، مبانى العولمة التى تمسح الطابع الشخصى وتهدد بزواله. كرم الضيافة والهدوء فى التعامل مخالف للصورة التى تصلنا من الإعلام وحتى عبر الأفلام الجزائرية نفسها. العنف فى الشارع ، والعنف فى المنزل تجاه المرأة والأطفال آفة المجتمعات العربية مطروح فى أكثر من عمل مشارك بمسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان وهران للفيلم العربى.

كارانتينا 
عدى رشيد
المخرج العراقى عدى رشيد يطرح برؤية تأملية هذا الواقع متوغلا فى الشخصية العربية لرجلين أحدهما رب أسرة عراقية فقيرة فى الواقع الراهن، يكاد يكون عالة على الزوجة التى تعمل وتعول أسرتها فى وجوده، يساعدها الصبى الصامت الذى ينهض باكرا دون تريج – دون تناول إفطاره- حاملا صندوق مسح الأحذية بينما الأب جالس يأكل بشهية وراغبا فى زوجة ترفضه لأنها بالطبع متعبة. الرجل الثانى قاتل محترف يسكن أعلى منزل الأسرة السابقة، يبدو مظهره قويا ولكن عدى رشيد سيكشف لنا عن مدى هشاشته وعقدته التى تعذب وجوده. حتى أنه يحرق كتاب الحساب الخاص بالصبى الذى يذاكر بنفسه جنب ممارسة عمله. تقترب كاميرا المخرج من الوجوه بإضاءة طبيعية معتمدا فقط على ضوء الشمس يقول عن ذلك أن ظروف انقطاع الكهرباء هو الذى فرض هذا الاختيار. وأن مصوره هو أخاه الأصغر صاحب التجربة المحدودة. النتيجة جاءت مبهرة ودعمت التناول العميق للشخصيات والأماكن ، تخلف الأب الذكر ، تسلطه على العائلة بديلا عن عجزه تجاه المجتمع الذى يقهره، المراهقة المعذبة والمعتدى عليها، الصبى المقهور طفلا يعمل بديلا عن اللعب والتعلم. العنف ضد المرأة، عمالة الأطفال عصابات القتل وزنا المحارم موضوعات طرحت كثيرا ولكنها فى فيلم "كرنتينا" بأسلوب المخرج غير مباشر والبعيد عن الصراخ تكتسب بعدا فنيا وتحدث تأثيرا لدى المشاهد حتى من يجد فيهم قدرا من المبالغات كاعتداء الأب على ابنته ثم إحضار مشعوذة لإخراج الجن من جسدها، أو اختيار التصفية الجسدية واحدا من الحلول لا يجد له القاتل المحترف بديلا وقد أصبح يمارسه ببساطة حتى مع أم صديقه ليتمكن الصديق من تنفيذ حلمه بالهجرة. رسم شخصية القاتل يحيلنا لشخصية "ليون " فى الفيلم الفرنسى والتى أداها الممثل جاك رينو حيث شخصية غير نمطية للقاتل المحترف، لا ينفى عدى تأثره بليون ويضيف عليه أعمال مخرجين فى السينما الفرنسية، والفيلم بالفعل أقرب للمدرسة الفرنسية التى تركز على ردود الأفعال وتحذف من سردها المشاهد العنيفة فنحن لا نشاهد الاغتصاب أو القتل ولكن ما نجم عنهما. 

ينهى عدى رشيد فيلمه بالأم تصر على الرحيل مع ابنتها بعد تلقيها علقة ساخنة من الأب، تمضيان فى اتجاه عمق الصورة ويلحقهما الطفل الصبى ويثبت الكادر والطفل ناظرا خلفه فى غضب. الفيلم لا يدين الأمريكان ولا صدام بل يدين الشخصية العربية الذكر العاجز عن الفعل. عمق الفيلم ظهر أيضا فى عمق ردود المخرج العراقى على الأسئلة التى وجهت إليه من الصحافة الجزائرية بوهران ومنها شرحه عن اسم الفيلم كارنتيا الذى يعنى "الحجر للمجانين" فى رؤية تبدو قاتمة للواقع الراهن بالعراق، يمحيه بالطبع المشهد الأخير وقد ترك الصبى والأم والفتاة المكان متطلعين لحياة مختلفة. عدى رشيد له فيلم طويل سابق بعنوان غير صالح استخدم فيه خاما سينمائيا فقد لونه ليرسم لوحة لعراق ما بعد الأزمة. حاز الفيلم عدة جوائز وسبقه بكتابة وإخراج عدد من الأفلام القصيرة والتجريبية . منحته الخبرة فى صياغة عمل فنى رفيع ظهرت فى فيلم كارانتينا الذى أثار ردود فعل إيجابية لدى عرضه باليوم الثانى من عروض المهرجان وتدفقت الحيوية بين النقاد والمخرجين المشاركين بالمهرجان مجمعين على أن مشاهدة فيلم جيد أمر يثير الحماسة ويوقظ مشاعر إيجابية. وتوقع كثير من النقاد حصول الفيلم على جائزة، واتفقت لجنة التحكيم برئاسة الأديب الجزائرى الكبير رشيد بوجدرة على استحقاقه جائزتها التى تعد الثانية بعد الجائزة الكبرى التى ذهبت لعمل جزائرى تونسى مشترك. شهدت المسابقة الطويلة حضورا جيدا للعراق بعملين هما ابن بابل وكارانتينا، ولبنان بفيلم شتى يادنيا وكل من قطر والإمارات بفيلم واحد وسوريا بعملين وتونس بعملين والجزائر بثلاثة أعمال.
الإسكافى وعايش : سينما سعودية واعدة
فى القسم القصير كان مفاجأة المشاركة السعودية بعمل قصير عنوانه الإسكافى لمخرجته عهد كامل حصل على تنويه خاص وعمل آخر حاز الإعجاب عنوانه عايش لمخرجه عبد الله العياف الذى تناول شخصية عايش الذى يعمل حارسا لمشرحة ثم يحتاجونه لحراسة دار توليد فيشعر بالخوف وتتغير حياته ،
اعتمد المخرج تفاصيل جيدة ترسم صورة عن الشخصية بداية من صحيانه فى الصباح وبجواره مصغر لدراجة بخارية، توقفه لملاحظة دراجة حقيقية بينما ينتظر حافلة عامة تقله لعمله،خشيته من التقاليد وانتقاد حيازته لدراجة نارية للشباب فقط لا تناسبه، حياة جديدة ينفتح عليها حين يخوض تجربة ملاحظة المواليد المبتسرون وينجح فى إنقاذ أحدهم من عطل بجهاز التنفس، الممثل الذى قام بادور عايش يحيلك لسينما الحقيقة فلا تتصور أنه يقوم بدور تمثيلى، حصل العياف على جائزة أفضل فيلم قصير بمهرجان الخليج عن عمله هذا، كما حصل على عدة جوائز أخرى فى موطنه بالسعودية ومن الإمارات، كشف مهرجان وهران للفيلم العربى عن موهبته وجمعه مع مبدعين أشقاء من مختلف الدول العربية، يزداد إعجابنا بالعياف وفيلمه كونه يبدأ من الصفر بمفرده تماما صاقلا موهبته بمتابعة جيدة للأفلام من كل أنحاء العالم . ليبيا كانت لها مشاركة بفيلم بعنوان المشاركة يحكى ببساطة قصة إنسانية عن أخ فقير وأخته يتقاسمان حذاء واحدا ، كل يرتدى فردة فى القدم الباقية من أثر حرب ما، اختار قويدر التجريد فى فيلمه مركزا على لمسة تعاطف مع فقراء ما فى حرب بأى مكان. لم يكن التنافس على الجوائز هدفا للمخرج بل التواصل والاحتكاك مع زملائه من السينمائيين العرب. كان للجزائر فيلمين مختلفين فى الأسلوب أولها العابر الأخير حاز جائزة أفضل فيلم قصير بمهرجان أبوظبى وفيه يتناول المخرج مؤنس خمار شخصية شاب محبط يتملكه اليأس من عدم تحقيقه لذاته فى عمله كممثل، وعندما ينتحر يكون هذا عبورا أخيرا نحو تحقيقه لأحلامه، أسلوب السرد والتداخل بين الواقع وما بعده هو ما يميز هذا الفيلم الذى يشي بموهبة لمخرجه فى استخدام جيد للغة الصورة وللتكوين وقدرته الممتازة على قيادة ممثله، تحكمه بإيقاع فيلمه وشريط الصوت الذى يحقق تناغما مع الصورة. لم يحصل العابر الأخير على جائزة من وهران بل ذهبت لمواطنه عبد النور زحزاح عن فيلمه قراقوز وهو فيلم بسيط يوجه مشكلة المتطرفين المسيطرة على الواقع العربى الآن واقتسم معه الجائزة المخرج التونسى مليك عمارة بفيلمه الكوميدى الأسود عن الزوج المضطهد، حملات الدفاع عن المرأة ورفضه لتزايد الأعمال الفنية التى تنحاز للنساء وتظهر مشاكل التمييز ضدهم دفعته لتقديم نموذج مضاد لاضهاد رجل على يد امرأة. لاقى فيلمه استحسان الجمهور وتجاوبهم، كون الكوميديا الى اتبعها أثارت موجة من التعاطف مع قضية الرجل المضطهد. ومن الأفلام التى انتبه إليها الجمهور المتواجد وأغلبه من الصحفيين والنقاد كان الفيلم المصرى الوحيد المشارك فى المسابقة القصيرة أحمر باهت لمحمد حماد وتركزت التعليقات حول نجاحه فى التعبير عن قهر الفتاة فى ظل أسرة ضعفت لغياب الأب بسبب السفر لتحسين الدخل وبقاء الفتاة فى رعاية الجدة التى ترى المحافظة عليها فى قتل الحياة ممثلة فى ملابس داخلية حمراء أجبرتها على إزالة لونها ليتحول إلى أحمر باهت فاقدا عنفوانه وشبابه الطبيعى. إحدى المشاهدات وصلتها رسالة معكوسة وشكرت المخرج على استجابة الفتاة لنصيحة الجدة واتباعها التقاليد رغم أن الرسالة الناعمة للفيلم تنعى قتل الحياة. أحمر باهت حاصل على أفضل فيلم قصير بمسابقة الديجيتال بمهرجان الإسكندرية، ومسابقة مهرجان تارتان، وجائزة منظمة المرأة العربية بقرطاج الأخير. أحمر باهت يصب فى نقد المجتمعات العربية مثل كارانتيا العراقى الذى ينتقد كونها تحولت فلى رأيه أشبه بمعتقل كبير للمجانين، ويتماس مع عايش فى نقده للقيم المحافظة التى تقف دون أن يعيش الفرد بحرية ممارسا رغبات بسيطة كركوب موتوسيكل أو اقتناء لعبة كطفل صغير.
تميزت الأفلام القصيرة التى تعكس حضور موهبة السينمائيين الشبان من مختلف الدول العربية اختارتها بعناية ياسمين شويخ المخرجة والممثلة والتى حصل فيلمها الباب على جائزة من مهرجان الإسماعيلية منذ عدة أعوام ، وكانت أيضا ملازمة للوفود حيث صحبتهم من وهران للجزائر تساعد فى حل مشاكل حجز الطيران الذى تأثر بسبب عوامل الجو. كان نبيل حاجى مسئول الاتصال قد فرغ من عمله بوهران ولحقنا بالجزائر ومعه نبيلة رزايق حتى اللحظات الأخيرة بالمطار. دفء الأشقاء من الجزائر ومنهم المصور الصحفى حمزة ، والصحفيى رياض وطار وصحفى جريدة الوطن فيصل مطعونى، وهيبة مسئول الندوات، ومهدى فى التنظيم، وكثير من الصحفيات الشابات، جمعتنا بهم لقاءات مودة ومع كل الضيوف من مختلف الأقطار العربية يجعل وهران جامعة فنية لكل الدول العربية .

Sunday 2 January 2011

الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربى بوهران


جامعة فنية وروح محبة رغم الإعلام غير المسئول 

حالت الظروف الجوية دون عودة المشاركين من مختلف الأقطار العربية إلى بلادهم فى الموعد المقرر، وبدلا من العودة مباشرة من وهران حيث تقام الدورة الرابعة للمهرجان الدولى للفيلم العربى، بقينا فى الجزائر العاصمة كل الوفود ليوم وليلة وبقينا نحن العائدين إلى القاهرة يومين وليليتين، فى اليوم الثانى وبعد انصراف المسئول الرسمى للمهرجان الذى تبادلنا معه العناوين وتصرف بلطف، بقى معنا المخرج الجزائرى الشاب مؤنس خمار، وجاء لتحيتنا الجزائرية  نادية شرابى المخرجة والمنتجة والسيد د. جمال عبيدى المدير العام لشركة الإنتاج بروكوم انترناشيونال التى أنتجت فيلم " النخل الجريح" الذى حاز الجائزة الكبرى الأهقار الذهبى. 

كان الصحفيون قد اندفعوا تجاهى بعد إعلان الجوائز سائلين عن رأى فى الجوائز ووقعت بالفخ وقلت أنها جوائز مسيسة لترسيخ التعاون العربى العربى طبقا لما أعلنته وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومى. لم أكن أعرف أن ما قلته سيتصدر أخبار المهرجان فقد حملت جريدة الشروق عنوانا رئيسا " تتويج النخل الجريح التونسى .... يثير غضب المصريين". كان د. جمال لبيدى يشرح لى أن هناك اتجاهين بالجزائر، توجه عربى وآخر فرانكفونى، حين اصطحبانى لتناول الشاى فى فندق قديم بناه المصريون فى نهاية الستينيات، وجدنا جرائد الصباح موضوعة قسمين أشار على الصحف العربية والفرنسية مؤكدا كما ترين جزائر عربية وأخرى فرانكفونية. اشترى الجرائد لى ولزوجته، أخذت الشروق وما إن فتحتها حتى وجدت العنوان، أية مفارقة أصحاب النخيل الجريج فى دعوة محبة على شاى والجريدة تجرى تحقيقا وتعمم ما قلته على كل المصريين. تتذكرون دور هذه الجريدة فى إشعال الفتنة أثناء أحداث الكرة. كان خالد أبو النجا أكثر ذكاء منى فعندما توجهوا إليه قائلين مواطنتك الناقدة المصرية تقول إن الجوائز مسيسة قال هى تستطيع أن تقول ذلك ولكنى لا يمكننى أن أعلق على قرارات لجنة تحكيم على أعمال أشارك بها. ثم هنأ الفائزين . لحظة إعلان الجوائز كان أبو النجا يقدم العرض الثانى لميكرفون بدار السعادة القريبة من سينما المغرب حيث يجرى الافتتاح. فى الحفل الأول لعرض الفيلم انفجرت بالبكاء وأنا أشهد تزاحم الجمهور الجزائرى لمشاهدة الفيلم المصرى. فى تكرار لما شاهدته بقرطاج فى تونس. 

شهدت ندوة الفيلم أيضا تزاحما على خالد أبو النجا الذى أدار بنفسه مؤتمره الصحفى ونجح فى كل ردوده على الأسئلة، كان صادقا وذكيا فى ردوده مؤكدا أنه يمثل نفسه فقط كفنان مصرى يرى ضرورة التواجد مع فيلمه فى كل مكان يعرض به. اخالد أبو النجا  كان قد لحق طائرة إلى باريس ولم يصادف البقاء الاضطرارى الذى صادفه كل من محمد حماد المشارك بفيلمه القصير المستقل أحمر باهت، ولا الصحفى  بالجمهورية مصطفى الكيلانى ، ولا التونسية سناء يوسف المقيمة بمصر، ولا كاتبة هذه السطور المشاركة بندوة النقد العربى الذى نظمها الناقد الجزائرى نبيل حاجى. لحقنا بالفندق القديم مؤنس خمار وسناء يوسف (اسمها قبل الشهرة سناء كاسوس) وجرى بيننا حوار عام حول السينما والعلاقات المصرية الجزائرية . كانت آلام الغضروف قد فاجأت مصطفى الكيلانى وبقى معه محمد حماد وذهب معه للمستشفى للعلاج وكانت تجربة هامة لمخرج يلتقط تفاصيل الحياة اليومية قال لى إنه شعر بكثير من المشابهات مع القاهرة وناسها المهمومين بأمور حياتهم. لم يغضب محمد حماد لعدم حصوله على جائزة، فى قرطاج حصد جائزة منظمة المرأة العربية، كما حصد ميكرفون التانيت الذهبى، لم يغضب خالد أبو النجا ممثل ومنتج ميكرفون، ولم يتوقف الكيلانى عن عدم حصول مصر على الجوائز. وتعليقى على الجوائز قلت مثيلا له فى القاهرة حين حصلت الأفلام المصرية على كل الجوائز الرئيسية فى دورة مهرجان القاهرة الأخير، الناقد يقوم بعمله بصرف النظر عن قوميته، السينمائى دائما ما يرفع شعار السينما هى الوطن، ولكن حين يزداد الهجوم مع نقص المعلومات وتحريفها يعود الواحد منا لوطنه الأول. 

وهذا ما حدث فى ندوة النقد العربى حين ذكر الناقد المغربى الزميل خليل الدمون أمرا عن السينما المصرية السائدة ووجدتنى أشرح بحماس كيف أن بمصر سينما موازية وبديلة مثل عين شمس وميكرفون، ومخرجين كبار نجحوا فى الجمع بين النجاح الجماهيرى والتقدير النقدى داوود عبد السيد فى رسائل بحر وقبله أرض الخوف والكت كات، أسامة فوزى بحب السيما ويسرى نصر الله وخاصة مع عمليه باب الشمس واحكى يا شهرزاد. وأمن على قولى عدد من الصحفيين الجزائريين والعرب المتواجدين بوهران.  
أداء الصحافة والصحفيين كان محل انتقاد من وزيرة الثقافة حيث هاجمتهم بشدة فى مؤتمر صحفى عقدته بعد الختام، كانت فى خطابها قالت ليس لدينا جين –عنصر وراثى بالدم- يسمى تنظيم المهرجانات ولكننا نتعلم ونكتسب خبرة بالاستمرار فى عقد التظاهرات الثقافية. وجدتها مناسبة للإعلان عن تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية وعن الخطوات التى تعد لهذا الحدث الكبير. عموما كان خطابها الذى أعقب إعلان الجوائز بمثابة مذكرة دفاع أمام هجوم الصحافة على شخصها وعلى المهرجان. أعجبت بحماسها ونسيت برودة استقبالها لى فى حفل شاى باليوم الذى سبق الختام، بينما كانت تشد على يد الليبيات المشاركات بالمهرجان السيدة خدوجة وهى ممثلة ومدير فنى لشركة إنتاج ليبية، وتشد على يد زهرة منتجة الفيلم الليبى القصير المشارك بالمهرجان لمخرجة صلاح قويدر، لاحظت كيف تبادلت كلمات لطيفة مع المشاركين من البحرين والإمارات، وحوارها المطول مع المخرج السورى سمير ذكرى. كان المخرج مجدى أحمد على حملنى رسالة لها يطالب بمستحقات جائزته فى الدورة الثالثة لم تصله حتى الآن. أعطيت الرسالة للسيد محافظ المهرجان مصطفى عريف عن طريق الناقد نبيل حاجى، كما وصلت نسخة أخرى من الرسالة مع خالد أبو النجا، هل ستحل مشكلة تجميد قيمة الجوائز لكل من مجدى أحمد على عن فيلمه خلطة فوزية، والناقد أمير العمرى عن أفضل مقال فى السينما؟ صحيفة الوصل كانت نشرت مقالا مطولا عما أعلنته عن الموضوع، ومقالا آخر به حوار معى معنون بكلمات قلتها أن القطيعة لا تكون إلا مع إسرائيل. نعم فالصحف أيضا متنوعة، والوصل صحيفة مستقلة جاءت تغطيتها للمهرجان من زوايا متعددة دون الرأى المسبق الذى ساقته جريدة الشروق. أما جريدة الخبر فتبدو جريدة متوازنة تعرض الأمور بلا إثارة فى شكل أقرب للتحقيق الموضوعى، وقد نشرت حوارا أجراه جعفر بن صالح مع خالد أبو النجا وكانت العناوين تصب فى خانة التصالح: ألغيت كل مواعيدى فى أوربا من أجل الجزائر، وما حدث بيننا فتنة مدبرة وأصوات متوترة يجب تجاوزها. بالفعل مكنت الدورة الرابعة للمهرجان الدولى للفيلم العربى بوهران من تجاوز كثير من التوترات وأكدت للجميع أن التناول الإعلامى كان ومازال مع الأسف هو الذى يشعل الفتيل كتعويض عن فراغ ثقافى يجب القضاء عليه نهائيا.  تحية إلى دفء الاستقبال من صحفييى الجزائر وفنانيها ومسئوليها ومنظمى المهرجان ومنهم السيد مهدى الذى حضر ليتأكد من راحتنا فى الجزائر انتظارا لطائرة العودة إلى القاهرة. تحية للمجهود الكبير الذى بذلته سارة مسئولة الحجز وهى فتاة فى العشرين تدرس الاقتصاد حرصت رغم مشاغلها على حضور عرض ميكرفون الفيلم المصرى الوحيد المشارك بالمهرجان وأعجبها جزئيا، تحية إلى التواصل المستمر بيننا عبر الشبكة الاجتماعية ، ودور كبير يلعبه الصحفى الشاب مصطفى الكيلانى الذى كسب أصدقاء من شباب الجزائر حملنا الكثير منهم التحية والسلامات لمصريين كثيرين حضروا دورات وهران السابقة وتركوا جزءا من روحهم المحبة فى وهران والجزائر. 
فى مقال لاحق سأتناول الأفلام وخاصة ما كشف عنه المهرجان من سينما سعودية واعدة.