صلاح مرعى كبير جيل التحدى
" أحمد الله أن يكون حظى فى كتابى هذا مع شخص لا يتفاخر بعظمة الإبداع، ولا يتوارى ادعاء بفضيلة التواضع، بل يوصف عمله بنفس سمات البساطة الإنسانية التى ارتضاها منهجا لتصميم وتنفيذ أعماله" . هكذا كتب السينمائى مجدى عبد الرحمن الذى أخلص للبحث وتوثيق إبداعات زملائه وخاصة من تجمعهم مدرسة شادى عبد السلام صاحب المومياء. كتاب مجدى عبد الرحمن وعنوانه سحر الواقع والخيال صدر عن صندوق التنمية الثقافية بمناسبة تكريم صلاح مرعى فى المهرجان القومى السابع للسينما المصرية عام 2001.
أهدى الباحث كتابه إلى كل العاملين فى حقل الديكور السينمائى، ولم يكتف بذلك بل خصص الجزء الأول منه إلى رحلة الديكور السينمائى فى مسيرة السينما المصرية متتبعا تاريخ فن الديكور ومراحله منذ السينما المصرية الصامتة مرورا بمرحلة ستديو مصر وما أسماه بالتاريخ العظيم محللا نماذج من هذه الأعمال حتى يصل إلى جيل معهد السينما .. جيل التحدى، وكبيرهم صلاح مرعى خريج الدفعة الأولى عام 1963. أذكر أن مجدى عبد الرحمن فى ندوة عرض الكتاب بالمجلس الأعلى للثقافة بدأ حديثه بذكر كلمة Devotion للتعبير عن صلاح مرعى ومن قبله أستاذه شادى عبد السلام. كانت الدموع تكاد تفطر من عينيه محاولا البحث عن كلمات تعنى هذا الديفوشن. غير مكتف بالترجمة العربية والتى تعنى الإخلاص. وهى صفة تجمعه مع صلاح مرعى وجيله من خريجى الستينيات التى كانت تموج بالتغيير الثورى الحقيقى خاصة فى مجالات الثقافة والفن. وعند الحديث عن ديكورات فيلم المومياء يتوقف الكاتب عند الإتقان فى تنفيذها من خلال الملمس والتفاصيل. يمضى بإخلاص مماثل محللا تفاصيل الخامات التى يختارها صلاح مرعى والخبرة المستفادة من ملاحظة الطبيعة ومدى تأثيرها على المظهر النهائى للخام بعد سقوط الضوء عليه. وهى تفاصيل تتكامل مع إضاءة العظيم عبد العزيز فهمى ويدعمها بساطة التكوين عند شادى عبد السلام.
ويتوهج إبداع صلاح مرعى مع فيلم الجوع لعلى بدرخان الذى بنى فيه السيناريو على أكثرمن قصة من قصص الحرافيش لنجيب محفوظ ،يذكر مؤلف الكتاب كيف طلب صلاح تحديد الفترة التاريخية للقصة لتكون 1882حيث لم تتغير القاهرة الفاطمية كثيرا من وقتها وحتى الآن، وكيف اعتمد على مراجع من الأدبيات المستشرق ادوارد وليم لين، وخطط على مبارك ومقدمة ابن خلدون، وكيف بناها فى اتجاه شمال جنوب وليس شرق غرب لتجنب وقوع الشمس على جدار الحارة طوال ساعات النهار، وكيف اهتم بالوصول إلى روح الفترة واصلا لأعلى مستوى ممكن بالتفاهم مع مدير التصوير للاتفاق حول خطة الألوان، وأماكن تحرك وحدات الإضاءة خلافا لحركة الشمس على الحوائط.يكتسب فيلم الجوع أهمية خاصة فى مسيرة عمل صلاح مرعى حيث قام بتصميمات الملابس إضافة لتصميمات المناظر. مركزا على الحالة الاجتماعية للشخصية ،ولأول مرة يتم تصميم الملبس القاهرى بطريقة صحيحة تماما ، وخاصة لفة العمة التى جاءت مطابقة تماما للعصر بعد أن جمع رسوماتها من المراجع التى استعان بها. ولأن الحارة بنيت بخامات طبيعية خفيفة ظلت تستخدم مع تعديلات طفيفة فى أعمال أخرى محتفظة باسمها حارة الجوع وشاهدة على الإبداع الفريد لصلاح مرعى.
يبقى كتاب مجدى عبد الرحمن مرجعا هاما لكل من يريد دراسة فن الديكور فى السينما المصرية . يذكر محمد كامل القليوبى فى شهادته داخل الكتاب كيف اندهش عندما علق صلاح مرعى على تكريمه بقوله" ماذا فعلت لكى يتم تكريمى؟" بل يرى أن صلاح مرعى يستحق جائزة الدولة التقديرية منذ عدة سنوات مستهجنا ضرورة أن يكون من يحصل عليها طاعنا فى السن. مرت عشر سنوات على هذا الحديث أضاف فيها صلاح مرعى إلى مسيرته الإبداعية أفلاما متنوعة حصل بعضها على جائزة أفضل ديكور، ومازال إبداعه مستمرا منذ المتمردون لتوفيق صالح عام 1968 مرورا بالمومياء ، وراء الشمس لمحمد راضى ، والجوع لعلى بدرخان، وانتهاء بفيلم زهايمر لعمرو عرفة والذى قدمه صلاح مرعى رغم مرضه الأخير بأسلوبه الساحر البسيط .
يرقد صلاح مرعى بالمستشفى ترافقه زوجته ورفيقة الدرب المونتير رحمة منتصر، لا يفارقه صديقه أنسى أبو سيف توأمه فى الموهبة والإخلاص للمهنة ولصناعها. يتحدى صلاح مرعى مرضه بنفس الروح التى تحدى بها جيل الكبار ونجح فى تحقيق الاستمرار فى مسيرة السينما المصرية بأعمال متجددة يمثل فيها الديكور حائطا أساسيا فى تركيبة الإبداع. بالإضافة لدوره مع طلابه بمعهد السينما، ودوره فى مهرجان الإسماعيلية الذى اكتسب شكلا حميميا من روح صلاح مرعى ابن الريف المصرى بملامحه الصعيدية، يتحرك بجلبابه راقصا رقصة الحياة مقدما صورة عن الفنان الذى يتنفس السينما سواء مشاركا بعمله الفنى كمهندس للديكور أو مصمما للملابس، أو منظما لمهرجان متخصص فى السينما القصيرة والتسجيلية، و مصمما لميدليات الجوائز التى يقدمها بكل الحب والإخلاص لفن السينما ولصناعه من مختلف الأجيال.