Thursday 1 September 2011

صورة السينما فى مسلسلات رمضان

فتيات وشباب يضيئون الشاشة الصغيرة
يأتى رمضان هذا العام بعد ثورة 5 يناير وفى شهر أغسطس الأطول نهارا على مدى العام والأشد حرارة، فلا بأس من أجازة للصيف وللصيام معا. سمعت كثيرين يرددون أن رمضان ليس له نفس البهجة السابقة فى زينة الشوارع وفى الفوانيس المعلقة فى الحارات، بنايتى التى أقطن بها وتعود لصندوق تأمين ضباط الشرطة لم تضع الفانوس الضخم مصرى الطراز كما الأعوام السابقة، عبثا حاولت عائلتلى أن تسأل عن السبب، والذى نخمن أنه بسبب حزن ضباط الشرطة على كسر شوكتهم بعد ثورة 25 يناير. أتابع التلفزيون بكثافة وأعتبرها فترة أجازة إجبارية من أفلام السينما ومن القراءة، ولكن السينما لم تعطنى أجازة فقد لاحقتنى صورتها من خلال مسلسل " المواطن إكس" بحركة كاميرا مهتزة عمدا فى شكل جمالى مقصود وبإضاءة درامية جعلت الصورة يغلب عليها درجات من الرماديات والبنيات. للمسلسل مخرجين واثنين من ألمع مديرى التصوير السينمائى من الشباب المصرى صلاح يعقوب وأحمد جابر، تفاصيل الصورة من الاكسسوار والديكور معتنى بها بشكل فائق، حاولت أن أعرف لمن هذه الصورة هل هى للمخرج عثمان أبولبن أم للمخرج محمد بكير، هل هذا المشهد مسئولية يعقوب أم جابر؟. المؤكد أن دورا كبيرا تم فى المونتاج وضبط الإضاءة ليخرج المسلسل فى أسلوب متسق وجديد تماما على الشاشة الصغيرة. 
الموضوع الذى ألفه محمد ناير يحيلنا لقضية خالد سعيد، هو فى المسلسل أحمد قاسم، البطولة جماعية لشباب يصعب أن نفاضل بينهم فكل فى دوره مناسب تماما فتيات وشباب، الكبار يؤدون بشكل مختلف تماما يجعلنا ننسى ما قدموه من أدوار قد تتشابه فى مسلسلات سابقة. يكاد يكون " المواطن إكس" هو الأقرب لفن ما بعد الثورة شكلا وموضوعا لا ينافسه فى هذا سوى "دوران شبرا" حسب قدرتى على المتابعة. وهو الإسهام الأول لجابى خورى فى عالم الدراما التلفزيونية، التأليف ممتاز حيث يتجسد عالم شبرا بمواطنيه من مسلمين ومسيحيين، مشاكلهم واحدة وعلاقتهم صادقة، عفاف شعيب ودلال عبد العزيز جارتين تجمعهما بناية فى شبرا تمثل كل الطبقات وتعكس كثيرا من المشاكل المصرية، ومشاكل أبناء المغتربين أيضا والاختلافات الثقافية. لأول مرة يلفت انتباه الجمهور والنقاد هذا التوفيق الشديد فى اختيار الممثلين، كل يناسب دوره وكأنه خُلق له. المخرج خالد الحجر يتمتع بصفة التواضع يبرر نجاحه فى اختيار طاقم عمله بأنه عمل فى "كاستنج-اختيار الممثلين- مع يوسف شاهين"، ولكنه تجاوز أستاذه ولم يصبغهم بطريقة أداء واحدة، بل كان الاجتهاد واضح للجميع، الامتياز فى اختيار أدوار لوجوه تعبر عن المراهقين فتيانا وفتيات، نموذج الفتاة التى تعمل فى مقهى الانترنت من لحم ودم، كما لم تقدم سابقا، ناصر –هيثم أحمد زكى- بشخصية مركبة عائد من السجن، مراقب من البوليس، مجبر على العمل كمرشد، تتملكه روح الانتقام، حورية التى انتظرته عشر سنين ولكنها مستمرة فى خدمة البيوت لتربى أخيها يوسف الذكى، اختار المخرج شابا يملأ وجهه حب الشباب بشعر أسود مجعد، مصرى ككل من تصادفهم فى شوارع المحروسة. هذا المسلسل يمتاز ببراعة رسم شخصياته بكل أبعادها الإنسانية بعيدا عن التنميط المعتاد فى الدراما التقليدية والذى نجده فى مسلسلات أخرى تحظى بمشاهدات أكبر من جمهور اعتاد على متابعة أعمال يجدها سوقية ومبالغة ولكنها تحقق له تسلية، البعض يبرر متابعته لها بأنها كوميدية وأنه لا يأخذها على محمل الجد. ولكن أعدادا متزايدة من الجمهور يمكن تربيتها الآن على فن بديل للدراما التلفزيونية ظهرت بوادره منذ العام الماضى مع أهل كايرو ويتأكد هذا العام مع " دوران شبرا" " و"المواطن إكس. أمكن الاستمتاع بفن السينما واضحيا جليا فى أعمال بالتفزيون. ليس فى الدراما وحدها بل ظهرت أيضا مع " الست كوم" الكوميدى الباب فى الباب لمخرجه أسامة العبد الذى ساعد داوود فى عمله الأخير "رسائل بحر" وعرفناه مخرجا لأفلام قصيرة متميزة، العبد مع المشرف على الكتابة الصحفى وائل حمدى يقدمان كوميديا بالغة الرقى برع فيها كل الأبطال" شريف سلامة، كارولين خليل، ليلى طاهر،أحمد خليل وهشام إسماعيل" ورغم أن هذا الشكل الفنى مأخوذ عن أعمال أجنبية إلا أن التأليف الذى صيغ بطريقة ورشة الكتابة نجح فى تقديم مواقف مصرية، برع من كُتاب العمل محمد رجاء الذى عرفناه ناقدا له أسلوبه الخاص وله كتاب عن المخرج داوود عبد السيد أصدره المهرجان القومى للسينما المصرية بمناسبة تكريمه. رمضان بالمصرى –كما يقول الإعلان- مختلف بعد الثورة وستتضح أشكال الاختلاف فى الأعوام القادمة مع اقتحام للمتخصصين فى الصورة السينمائية كتابا ومصورين ومخرجين ومونتيرين وواضعى موسيقى تصويرية للشاشة الصغيرة، ومع دخول منتجى السينما المجال برغبتهم فى تقديم أعمال تناسب تاريخهم مع فن الصورة، الذى يتحول ويتغير مع تقدم تقنيات الصورة الرقمية والتطور المتسارع فى أدواتها فى التصوير والمونتاج. تقف هذه الأعمال بصورتها الخاصة مع أعمال أخرى تتسم بالتقليدية ولكنها لا تخلو من متعة كمسلسل شارع عبد العزيز والريان.
أما المسلسلات التى تروج لتعدد الزوجات وتحفل بمشاهد من الردح فللأسف مازالت تحظى بمشاهدة عالية وهى تدس السم فى العسل وتصور تجار البودرة والمخدرات فى رفاهية وتركز على بعض الصفات الإيجابية فى شخصياتهم، فتكون المحصلة النهائية أمام المشاهد السلبى احتفاء بالذكورة والقدرة على الكسب من أى مجال. والأفضل الانتظار فى الحكم عليها حتى ينتهى عرضها ونعرف الرسالة الأخيرة التى تطرحها.