أبو صدام ونادين
خان على الطريق
كنت انتظرت فيلم نادين خان الثاني بكثير من الترقب بعد إعجابي الشديد بفيلمها الأول " هرج ومرج " الذي أدرجته كفيلم لما بعد الواقعية ، وما بعد الحداثة، الصورة فيه كأنها متربة خماسينية تضعنا منذ اللحظة الأولى فى جو عام وأسلوب مميز يسيطر على المشاهد والشخصيات، نحن الآن لسنا فقط فى حى عشوائى ولكنه حى مجرد تماما بلا ملامح واضحة، إنه عالم افتراضى تماما وتقدم المشاهد مفصولة بتاريخ اليوم ، البداية مع فجر الاثنين، غالبا نحن فيما بعد انهيار الدولة، إذاعة داخلية وفتوات يفرضون سيطرتهم وسطوتهم. الخصمين الشابين زكى ومنير، محمد فراج ومنير لينير، والكبير صبرى عبد المنعم وبنت الحتة (أيتن عامر) كل شئ مختلف شكلا ولكن يظل الصراع الأبدى على السلطة، على الثروة وعلى استحواذ الأنثى. كما بدأ الخليقة ذكور فى صراع وتنافس على قلب الأنثى الخائنة التى تميل إلى الأقوى. التجريد فى المكان والديكورات ناجح فى رسم عالم افنتراضى متصور، عالم مستقبلى يذكرنى برواية يوتوبيا مع اختلاف التفاصيل. نادين خان ليست بعيدة تماما عن عالم سينما محمد خان وإن تجاوزته فى الشكل. هناك تماس مع " الحريف" وتقديم للواقع بشكل خلاق، الواقع ليس كما سمى نقديا بالواقعية الجديدة بل يتجاوزها إلى ما يشبه المذهب الطبيعى فى الفن. واقع مستقبلى بدأت ملامحه ونتوقع وصوله إلى شكل قريب مما عرضته المخرجة. تبقى العلاقات الإنسانية كما هى منذ الأزل، رجال عاجزون ونساء فائرات أو مضحيات تخشين فقط رأى الآخرين. هناك خط درامى قوى وتشويق وبناء دائرى يبدأ من مشهد تقليب القمامة والمعلم زكى يحفز العمال على سرعة العمل، ثم كرسى للمنتصر منير بعد انتصاره فى الماتش ونجاحه فى ابتزاز كبير المنطقة. لم يكن محمد فراج قد حقق نجومية بعد عند انتاج " هرج ومرج" ولكن نادين خان تقود محمد ممدوح بعد أن حقق نجومية وخاصة في المسلسلات التلفزيونية، ومعه أحمد داش نجما صاعدا محبوبا من الجماهير، وبأسلوب التزمت فيه بالواقعية التي تفضلها الجماهير المصرية وتتجاوب معها. أبو صدام يقود سيارة نقل ضخمة، يختلف عن نمط سائقي النقل شديدي الفحولة كنمط شائع ومتوقع لمن يمارسون هذه المهنة الشاقة، السائق الذي يحمل رخصة قيادة درجة أولى، ولكن أبو صدام وعلى عكس ما يوحيه اسمه ومظهره، رجل مهزوم في بيته مع زوجته، وأخيها، ومعلمه وحتى من المغنية الشعبية التي كان مشهدها أحد مشاهد الفيلم الفائقة بل المشهد الفائق الأهم الذي طرح رؤيته بقوة على لسان المرأة التي لم نتأكد من كونها عاهرة بمقابل مادي، أم أنها فقط تتعامل بحرية (جيت معاك بمزاجي) وهي تلقنه درسا، تبعثر كرامته، وتسخر من اعتقاده القوي بفحولته ( ما تعرفوش تعملوا حاجة وانتم ساكتين، لازم هيصة) الحوار الذي سبق هذه اللحظة لا يكتبه إلا رجل، الحديث عن الليونة والحديد الصلب، كلمات موحية تصدم بعض المشاهدين وتشعرهم بالنفور من صاحبها ومن الموقف ككل. بينما يتوحد معها متفرج السينما المصرية التقليدية التي تعتمد على اللزمات والأيفيهات. أدت دور الراقصة الشعبية الفنانة زينب منصور التي أدت دور أم عبير في مسلسل هذا المساء لتامر محسن، امرأة شعبية ملامحها مختلفة عن ملامح دورها في أبو صدام، أجدها ممثلة بارعة تؤكد ما نعرفه عن تميز ممثلين وممثلات في أداء الأدوار المساعدة بطريقة خاصة لا يمكن نسيانها. هناك بالفيلم فكرة استفزاز الرجال من امرأة تقود سيارة وتتفوق عليه في الطريق كتفكير شائع في كل الطبقات، يكتسب في فيلم نادين بعدا طبقيا عن المرأة المسافرة بشورت في سيارة فاخرة. تقوم بدورها هيا حسن خريجة رسوم متحركة من المعهد العالي للسينما واتجهت للتمثيل ، هنا دور يلاؤمها تماما يمثل ظهورها هزيمة للرجل تضاف لهزائم أبو صدام مع زوجته التي تستجير بأخيها فينصفها على زوجها، وتضاف إلى هزيمته من المعلم الذي يطلب منه الاعتذار وهو حرنان، يتعرق من الضغط على أعصابه ورفضه التسليم بضعف موقفه، أبو صدام ، كنيته هذه تجعلنا نتساءل هل هناك قصدية عن ذكر دكتاتور العراق الذي أصبح مثلا على التعرض للإهانة القصوى ؟ أبو صدام رجل غير قادر على الكسب ويبيع مصاغ زوجته، وتأتي المرأة وتجهز عليه قبل أن يتسلمه ضابط المرور الذي يحجزه فقط لأن مزاجه كده. كم منا يمر في حياته بمواقف ضاغطة كالتي يمر بها أبو صدام مع اختلاف التفاصيل؟ كم منا يتظاهر بالقوة وفي داخله إحساس كبير بالمهانة وأنه ( رجل مش قادر يحكم بيته ) قد يكون أبو صدام شخصية واضحة الملامح للتعبير عن هذا التناقض ولكن مثله كثيرون على الطريق. أدار تصوير الفيلم عبد السلام موسى خريج المعهد العالي للسينما دفعة 2004 قسم تصوير، شارك مصورا في فيلم (مصور قتيل) الذي نال عنه جائزة أفضل تصوير سينمائي من مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية في دورته الـ 39، وكذلك جائزة أفضل تصوير من مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما، سبق تعاونه مع نادين خان في فيلم (هرج ومرج) بصورة مغايرة تماما عن صورة فيلم " أبو صدام " مما يؤكد تفهمه لوظيفة الصورة في خدمة الدراما التي تختلف من فيلم إلى آخر. ناين خان مخرجة قوية تمتلك مرونة التعامل مع سوق صناعة السينما وأتوقع لها الاستمرار سريعا في أعمال أخرى لاحقة دون انتظار لتسع سنوات أخرى كما حث بين فيلمها الأول والثاني. هي مخرجة على الطريق الصحيح بأعمال لا تخاصم السينما التي يرضى عنها الجمهور ويجد فيها النقاد والباحثين عن مرادهم من فن راقي يعبر عن واقعهم. أجد أن فيلمها يحقق المعادلة بين فيلم مهرجانات وفيلم للجمهور. وأتوقع لها الاستمرار كعنصر فعال في صناعة السينما المصرية.
صفاء الليثي
نشر المقال بنشرة مهرجان جمعية الفيلم عام 2022 رئيس الجمعية محمود عبد
السميع
حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم برئاسة بشير الديك