مصر والسودان في
فيلم قصير
حنة ورد ومزج التسجيلي بالروائي
المشهد الأول يظهر
سيدة سمراء وابنتها الطفلة في ميكروباس يصل حيث ميدان وتظهر أهرامات مصر ومنه إلى
منطقة نزلة السمان في لقطة تظهر جصان والهرم والسيدة تبحث عن منزل ما. نحن إذن في
مصر ومع أهم معالمها وسنعرف أن السيدة السمراء حليمة فنانة رسم نقش الحنة لديها
مهمة لحنة عروس. الحنة هي ليلة تسبق الدخلة، زفاف العروس على عريسها . وفي إيقاع
يقترب من الزمن الفعلي يندر وجوده في فيلم قصير تدق جرس البيت ونسمع صوت طبل وغناء
ويفتح الباب على بنات ترقصن وزغاريد ، أم العروس تقدم السيدة ست حليمة، الست بتاعت
الحنة. بكاميرا حرة متحركة ينقل المخرج إيقاع اليوم من استعداد العروس للزفاف
متحركا في شقة وسط عشوائية مكان لم يتم تجهيزه كسكن لعروس. يستخدم مرآة في الحجرة
وينوع لقطاته ويترك حرية الحديث ليبدو الحوار تلقائيا غير مكتوب بشكل مسبق في
احترام لواقعية تقدم الشخصيات ببراعة كبراعة استهلال الفيلم . كل شخصيات الفيلم من
النساء ، الكبيرات في المطبخ، الشابات ترقصن وطفلة وحيدة هي ورد ابنه حليمة .
العروس تسألها كيف تعرفت عليها أمها فتجيب في فرح فلانة، يتأكد احتراف ست حليمة
واندماجها في المجتمع المصري وتقبله بل إعجابه بفنها في نقش الحنة. الذكر الوحيد
في الفيلم حسن، يقدمه المخرج كشاب شعبي يتصرف بإحساس تفوق ذكوري ويجاهر بجهله، ايه
الست الإفريقية دي جاية تعمل سر!، توبخه العروس، اسكت دي سودانية وبتفهم عربي ثم
تعتذر لست حليمة.
لازدحام التفاصيل الواقعية يحق للمشاهد غير المتخصص أن يصف فيلما
كهذا بالتسجيلي ، وستتضح الدراما المؤلفة في النصف الثاني من الفيلم، مع عشبة
تتلهف عليها العروس أحضرتها ست حليمة، تستحم بها لتسحر عريسها وتفتنه فلا يشتهي
الأجنبيات اللاتي يعمل معهن في السياحة.. يتوازى معه مشهد لأمها في جدال مع حسن الذي
يريد أن يأخذ نصف النقطة، هذه التفاصيل تستوقف المشاهد وخاصة من الأجانب فهي عادات
مختصة بالشعب المصري، النقطة، هدية مالية يقدمها الضيوف وترد بشكل طوعي عندما تحل
مناسبة لدى مقدم الهدية. النقطة والجمعية واستعدادات العروس بإزالة الشعر وما زاد
عليه بعد وصول كثير من أهل السودان والنوبة إلى القاهرة وضواحيها من تقليد نقش
الحنة برسومات في كتيب مطبوع. تفاصيل واقعية كثفها المخرج في فيلم زمن عرضه 23 ق
تدور أغلب مشاهده في مكان واحد مع زحام شخصيات أغلبها لم يسبق لها التمثيل
باستثناء الشاب حسن الذي قام بدوره عماد غنيم ، أما حليمة فهي حنانة سودانية تعمل فعليا
بهذه الحرفة والطفلة ورد هي ابنتها، اهتم المخرج بإضفاء ملامح للتعاطف معها فهي
تعالج بالكيماوي من ورم خبيث . وهي من دافعت
عن أمها حين عنفها حسن واتهمها بأذية العروس.
يرصد الفيلم
التعايش بين المصريين وسودانيين من خلال دراما تسجيلية تظهر حقيقة القبول للوافد من غالبية شخصيات
الفيلم والرفض من خلال شخصية وحيدة أظهرها المخرج كشخص جاهل ومستغل.
شيء إيجابي أن يجد
مخرج شاب من يتحمس مشاركته إنتاج فيلمه الذي يتطرق إلى موضوع معاصر وحساس في
علاقتنا مع الوافدين بحثا عن رزق وأمان، فيشاركه الإنتاج صفي الدين محمود و شريف
فتحي و معتز عبد الوهاب . شارك " حنة ورد" في " المسابقة الرسمية
" لمهرجان كليرمون فيران الدولى ومهرجان اكبنك بتركيا وحصل على تنويه خاص
من لجنة التحكيم ، كما
شارك في " المسابقة الدولية " لمهرجان
الفيلم الافريقيى بتكساس فى أمريكا.
مراد مصطفى مخرج
مصري ، ولد عام 1988 في القاهرة، درس الإخراج السينمائي في "قصر السينما"
عام 2008 وفي ورش عمل أخرى مستقلة في صناعة الأفلام. يعمل في صناعة السينما منذ عشر
سنوات كمساعد مخرج مع هالة خليل" في "نوارة" و شريف البنداري في
"علي معزة وإبراهيم" وآخرين. وفي عام 2019 كتب وأخرج أول فيلم قصير له
" حنة ورد " والذى مثل مصر بالمسابقة الرسمية بمهرجان كليرمون فيران الدولى
للافلام القصيرة.
صفاء الليثي
نشر المقال بجريدة
القاهرة الثلاثاء 28 أبريل 2020 رئيس التحرير عماد الغزالي