Wednesday, 22 April 2020

الشعور بالكمال Perfect Sense وفقدان الحواس

الشعور بالكمال وفقدان الحواس
علينا أن نسعد بالحياة ونستعد لما هو أسوأ 
في ساعة ونصف قدم المخرج الانجليزي ديفيد ماكنزي دراما رومانسية ممتزجة بخيال عملي عن ظهور وباء يسرق حواسهم تدريجيا، بداية من فقدان حاسة الشم ومن ثم التذوق، ثم حاسة السمع، ثم حاسة الكلام.
مايكل رئيس طهاة شاب وعالمة أوبئة معا في علاقة معقدة بين الحب والكره أحيانا، بين القبول والرفض وسط بدايات ظهور الوباء وتأثيره على الناس في كل الكرة الأرضية، يروى المخرج فيلمه بالتركيز على الحبيبين، في سيناريو بني بشكل متواز كتبه كيم فوبز أكيسون من الدنمرك.
 إيوان ماكجريجور في دور مايكل وهو من اسكتلندا كما المخرج، إيفا جرين فرنسية من أصل جزائري ، هكذا السينما وطنا مشتركا للمبدعين تجمع فريقا متجانسا لعمل واحد مهما كان وطن مولده. .
طبيب مستشفى البلدة تأتيه نوبة تشبه الصرع، يشتم ويردد كلمات الكره ، ايفا تنتابها حالة فزع ومايكل أيضا، شعور بالوحدة ونهم شديد لالتهام أي شيء، هلع ثم جوع حتى أنها تلتهم الورد ، وفي مشهد متتابع نشاهد حالة جماعية من الفجعة تنتاب الجميع، مشهد مخيف، جنون البقاء حتى التهام طعام نيء ، نوبة ثم يفيقون ، وينتبهون إلى فظاعة ما فعلوا، ويأتينا تعليق من خارج المشاهد كما الأفلام الوثائقية، وهكذا اختفت حاسة الشم من عالمنا، ولم يكن لديهم الوقت لإعطاء المرض اسمه. وباء منتشر غير معدي، متلازمة فقدان حاسة الشم القوية، ومع عجز البحوث الطبية والتحاليل تظهر متلازمة أخرى فقدان حالة السمع الشديدة ، تبدأ من تايلاند واستغاثة عالم من بانكوك لزملائه في أوربا أغيثونا، وصوت التعليق يخبرنا عن انتشار المرض في الهند والصين وروسيا. يزداد جنون الرعب من المرض هذه المرة، عنف وشجار وحرائق ، كراهية، وفقدان حاسة ثالثة، وغير المصابين ينتظرون دورهم. الفيلم أنتج عام 2011 قبل جائحة وباء كورونا، ليس غريبا أن تقدم السينما رؤية للمستقبل اعتمادا على معلومات علمية غير مؤكده وسنجد قدرا من الاختلاف وكثير من المشابهات مع الوباء الواقعي الحادث في عامنا 2020 ، في "الشعور بالكمال"  ورغم ذكر أن المرض غير معدي إلا أنه واسع الانتشار لأسباب غير مفهومة .الغالبية يوقنون بأنها نهاية العالم ولكن ( المزارعون يحلبون أبقارهم، والجنود يقومون بواجبهم) يخبرنا التعليق بينما نتابع حالات بطلينا من الغضب العارم إلى التماسك فتصفهم المعلقة بأنهم من يعتقدون بأن الحياة ستستمر. مظاهر مفزعة نشعر بأنها في طريق ما يحدث الآن عام 2020 من فقدان الوظائف، وإغلاق المطاعم، ونقص المؤن... ولكن صناع الفيلم اختاروا الحل السعيد ويظهرون في مشاهد متلاحقة عودة فعلية لكل شيء. وتدريجيا تستمر الحياة. ونكون قد وصلنا الى خمسين دقيقة من الفيلم، يعود فيها مايكل وايفا إلى تبادل الذكريات، يعترف كل منهما ويصف أحاسيس الحب والكراهية ورعب فقدان الحواس. ولكنهم يعودون لممارسة مهامهم وكأنهم لا يعرفون شيئا آخر يفعلونه ، وتأتي وحدة مشهدية مريحة عن عودة الحياة في مطعم مايكل، وموائد الزبائن وهم يتبادلون الحديث بلغة الإشارة التي تعلموها، الناس تستعد للأسوأ ولكنهم يتقبلون بعضهم بعضا  وهكذا تستمر الحياة.
مزج الرومانسية مع الخيال العلمي كسر نمط أفلام الكوارث الذي يسبب إزعاجا للمتلقي ويزيد خوفه من المستقبل المجهول، ولكن فيلم " الشعور بالكمال " يمنح أملا بضرورة المقاومة وعدم الاستسلام لما نفقده بل يمكننا أن نعوض ما ينقصنا ونسعد بالحياة ونكون مستعدين لما هو أسوأ.  
التصوير وكل العناصر الفنية جيدة في فيلم لا أتصور أنه عالي التكاليف، فلا مشاهد بالجرافيك ولا زحام في خطوط السرد، غالبا المشاهد تصور في مطعم مايكل وبيته، بيت إيفا ومعملها، وبعض الشوارع الهادئة في بلدة  لم يحدد المخرج موقعها وكأنه يقصد أن الأمر يمكن أن يحدث في أي مكان.
تحقق نوعية أفلام الكوارث دورا للفن يعرف بالتطهر حيث يضعنا أمام شرور أنفسنا ويظهر ما يمكن أن نبدو عليه عند شعورنا بالخطر أو عندما نفقد مزايا نمتلكها ولا نشعر عادة بقيمتها.
ملحوظة: Perfect Sense”"  فيلم من أفلام الخيال العلمي الممتزج بالرومانسية أنتج عام 2011
صفاء الليثي في العزل المنزلي احتراما لقوانين البلد ومساهمة في التقليل من مخاطر انتشار الوباء.
صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 21 ابريل 2020 رئيس التحرير عماد الغزالي






No comments:

Post a Comment