مانفيستو السينما الجديدة
كمثقفة وصانعة أفلام من جيل
الستينيات ، كمخرجة أفلام تخدم المجتمع وتقدم سينما مغايرة للسينما التى سبقتها،
تقدم عطيات الأبنودى فى كتابها السينما الثالثة بحثا فى تاريخ السينما تنعكس فيه مؤثرات هذا الجيل ترصد
وتتابع التيارات الجديدة فى السينما وتتعقب ما آلت إليه. من وجهة نظرها السينما
الأولى سينما هوليود وتعرف بسينما المنتجين ، والسينما الثانية التى بدأت فى أوربا
بعد الحرب العالمية الثانية وهى النوع الذى امتد تأثيره إلى أمريكا نفسها من خلال
مدرسة نيويورك وتعرف أيضا بسينما المؤلف،
ثم السينما الثالثة مع مظاهرات طلبة 1968 وبزوغ سينما أمريكا اللاتينية وصولا إلى
بيان " نحو سينما ثالثة "
وتوثقه عطيات الأبنودى كما توثق بيانات عديدة
مثل بيان أوبرهاوزن الذا أعلن فى ألمانيا عام 1962 ، واستمرارا لولعها بالبيانات
ترصد وتوثق بيان تعاونية مخرجى السينما الجديدة فى نيويورك ، يستوقفنى نهاية
البيان الثورية، " نحن لا نريد أفلاما مزيفة، ملمعة ناعمة، ونحن لا نريد
أفلاما وردية ، بل نريدها بلون الدم" .
ترصد بالطبع التجربة المصرية مع قيام جماعة السينما الجديدة وبيانها الذى
ينتهى بإعلان صريح : " نحن نريد سينما مناضلة، تعمق حركة المجتمع، وتعيد
صياغة فكر ووجدان الإنسان المصرى ،ولأنها تكونت ليس فقط من صناع السينما من مخرجين
وكتاب سيناريو ومصورين ومونتيرين، بل انضم إليها أيضا نقاد فأضافوا فى النهاية، نحن
نهدف إلى توسيع قاعدة الثقافة السينمائية.
الكتاب أشبه ببحث دكتوراه فى السينما وأنواعها تمر فيه بعجالة على السينما
الأولى، وأرى هذا انتقاصا كبيرا من حجم هذه السينما ومدى تأثيرها على صناعة هذا
الفن فى العالم، لتذهب إلى موضوع محبب لها ولجيلها إلى تناول أكثر استفاضة
للواقعية الإيطالية الجديدة، وفرسانها وتدخل فى تفاصيل حول آراء صناعها، فروسلينى
يقول، الواقعية ما هى إلا شكل فنى لتقديم الحقيقة. ثم تمر على الموجة الفرنسية
الجديدة وخاصة جودار الذى تصفه بالمفكر السينمائي الذى أصبح أيقونة السينما
الجديدة فى العالم، ثم تذهب إلى أن أفلام الموجة الجديدة هى السينما الثانية
كمرحلة هامة فى مواجهة السينما الأولى.وتتوقف طويلا عند فيلم ،بونى وكلايد فى إطار
سينما هوليود الجديدة الذى يعبر عن عنزلة الشباب الأمريكى فى الستينيات ، وهو
الفيلم واسع التأقير علينا فى مصر وقد تابعنا بتعاطف تحولات الشاب العاطل إلى لص
صغير وانضمام الفتاة إليه ثم تحولها إلى سرقة بنوك ويزداد التعاطف مع نهايتهما
المأساوية. توثق الأبنودى أن الفيلم أضيف إلى مقتنيات مكتبة الكونجرس باعتباره أحد
أهم الوثائق الفيلمية . تتبع كذلك سياسة التحرر فى السينما الأمريكية مع الاستعانة
بمخرجين من أوريا مثل ميلوش فورمان وفيمه طار فوق عش الوقواق، ورومان بولانسكى
وفيلمه طفل روزمارى.
عطيات الأبنودى تقدم رؤية نقدية لأفلام ومخرجين تختارهم بعناية ، إذ تتوقف
عند المخرج شادى عبد السلام الذى تصفه بأنه خارج سياق السينما المصرية وتنفى أنها
تبالغ إذا قالت أنه خارج السياق العالمى أيضا. وهى فى كل ما ذهبت إليه لم تخرج عن
الآراء التى سادت بين المثقفين – وخاصة الثوريين منهم- حول الأفلام والمخرجين
والاتجاهات السينمائية. بالنسبة لجيل الستينيات – والسبعينيات أيضا- يثير فيهم
الحنين للأفلام التى اختارت التوقف عندها وللحركات الجديدة ، أو التى حاولت أن
تكون جديدة، ولم تنس أيضا أن تحلل سبب عدم استمرار مخرجى جماعة السينما الجديدة فى
مصر نتيجة تغير السياسات العامة فى الدولة فلم يعد مناسبا الحديث عن الصراع العربى
الإسرائيلى وقد اتجه النظام للصلح معها ووجد بعض الكتاب ومروجى السينما القديمة
فرصة ذهبية فكتب على سبيل المثال عن الإنتاج الثانى لجماعة السينما الجديدة "
الظلال فى الجانب الآخر"، الفيلم فشل فشلا ذريعا وجماعة السينما الجديدة تخسر
نقطة ثمينة فى المباراة بين المخرجين القدامى والمخرجين الجدد " وكأن هذه
الأقلام تساند حبس الفيلم فى العلب وتعرضه لما يشبه مؤامرة اغتيال وتواصل أقلام ،
الفيلم يعتبر ‘هدارا للمال العام، حيث كان المال سائبا، وأبواب المجلات مفتوحة
للغاضبين من السينمائيين والنقاد أتباع تشي جيفارا" فى إشارة إلى ما قام به
الناقد رجاء النقاش من إعلان بيان جماعة السينما الجديدة بمجلة الكواكب وأفرد
للجماعة عدة صفحات للتعبير عن أفكارهم وقدم لها بقوله، مجلة الغاضبين يحررها
الشبان السينمائيون الذين يحملون رأيا جديدا فى السينما المصرية، ويتجمعون فى
جماعة السينما الجديدةويمثلون فى نظرتهم الفنية صوتا غاضبا يريد أن يجدد فى
السينما فنا وفكرا وصناعة. بعد ثلاثة أعداد فقط توقفت الكواكب عن نشر أفكار الغاضبين.
كما قال عنها الناقد الكبير كمال
رمزى فى مقدمة الكتاب ، عطيات الأبنودى مخرجة منحازة ومؤلفة منحازة كذلك. فى
كتابها " السينما الثالثة" الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2012 ،
وثقت تاريخا للسينما بانحياز تام للسينما الجديدة التى تهتم بالإنسان وتساند المتعبين
والمهمشين فى نضالهم للعيش بكرامة .
نشر بجريدة البوابة صفحة سينما الأربعاء 27 مايو 2015