Wednesday 27 May 2015

كتاب عطيات الأبنودى عن السينما الثالثة


مانفيستو السينما الجديدة
كمثقفة وصانعة أفلام  من جيل الستينيات ، كمخرجة أفلام تخدم المجتمع وتقدم سينما مغايرة للسينما التى سبقتها، تقدم عطيات الأبنودى فى كتابها السينما الثالثة بحثا فى  تاريخ السينما تنعكس فيه مؤثرات هذا الجيل ترصد وتتابع التيارات الجديدة فى السينما وتتعقب ما آلت إليه. من وجهة نظرها السينما الأولى سينما هوليود وتعرف بسينما المنتجين ، والسينما الثانية التى بدأت فى أوربا بعد الحرب العالمية الثانية وهى النوع الذى امتد تأثيره إلى أمريكا نفسها من خلال مدرسة نيويورك  وتعرف أيضا بسينما المؤلف، ثم السينما الثالثة مع مظاهرات طلبة 1968 وبزوغ سينما أمريكا اللاتينية وصولا إلى بيان " نحو سينما ثالثة "

وتوثقه عطيات الأبنودى كما توثق بيانات عديدة مثل بيان أوبرهاوزن الذا أعلن فى ألمانيا عام 1962 ، واستمرارا لولعها بالبيانات ترصد وتوثق بيان تعاونية مخرجى السينما الجديدة فى نيويورك ، يستوقفنى نهاية البيان الثورية، " نحن لا نريد أفلاما مزيفة، ملمعة ناعمة، ونحن لا نريد أفلاما وردية ، بل نريدها بلون الدم" .  ترصد بالطبع التجربة المصرية مع قيام جماعة السينما الجديدة وبيانها الذى ينتهى بإعلان صريح : " نحن نريد سينما مناضلة، تعمق حركة المجتمع، وتعيد صياغة فكر ووجدان الإنسان المصرى ،ولأنها تكونت ليس فقط من صناع السينما من مخرجين وكتاب سيناريو ومصورين ومونتيرين، بل انضم إليها أيضا نقاد فأضافوا فى النهاية، نحن نهدف إلى توسيع قاعدة الثقافة السينمائية.  
الكتاب أشبه ببحث دكتوراه فى السينما وأنواعها تمر فيه بعجالة على السينما الأولى، وأرى هذا انتقاصا كبيرا من حجم هذه السينما ومدى تأثيرها على صناعة هذا الفن فى العالم، لتذهب إلى موضوع محبب لها ولجيلها إلى تناول أكثر استفاضة للواقعية الإيطالية الجديدة، وفرسانها وتدخل فى تفاصيل حول آراء صناعها، فروسلينى يقول، الواقعية ما هى إلا شكل فنى لتقديم الحقيقة. ثم تمر على الموجة الفرنسية الجديدة وخاصة جودار الذى تصفه بالمفكر السينمائي الذى أصبح أيقونة السينما الجديدة فى العالم، ثم تذهب إلى أن أفلام الموجة الجديدة هى السينما الثانية كمرحلة هامة فى مواجهة السينما الأولى.وتتوقف طويلا عند فيلم ،بونى وكلايد فى إطار سينما هوليود الجديدة الذى يعبر عن عنزلة الشباب الأمريكى فى الستينيات ، وهو الفيلم واسع التأقير علينا فى مصر وقد تابعنا بتعاطف تحولات الشاب العاطل إلى لص صغير وانضمام الفتاة إليه ثم تحولها إلى سرقة بنوك ويزداد التعاطف مع نهايتهما المأساوية. توثق الأبنودى أن الفيلم أضيف إلى مقتنيات مكتبة الكونجرس باعتباره أحد أهم الوثائق الفيلمية . تتبع كذلك سياسة التحرر فى السينما الأمريكية مع الاستعانة بمخرجين من أوريا مثل ميلوش فورمان وفيمه طار فوق عش الوقواق، ورومان بولانسكى وفيلمه طفل روزمارى.
عطيات الأبنودى تقدم رؤية نقدية لأفلام ومخرجين تختارهم بعناية ، إذ تتوقف عند المخرج شادى عبد السلام الذى تصفه بأنه خارج سياق السينما المصرية وتنفى أنها تبالغ إذا قالت أنه خارج السياق العالمى أيضا. وهى فى كل ما ذهبت إليه لم تخرج عن الآراء التى سادت بين المثقفين – وخاصة الثوريين منهم- حول الأفلام والمخرجين والاتجاهات السينمائية. بالنسبة لجيل الستينيات – والسبعينيات أيضا- يثير فيهم الحنين للأفلام التى اختارت التوقف عندها وللحركات الجديدة ، أو التى حاولت أن تكون جديدة، ولم تنس أيضا أن تحلل سبب عدم استمرار مخرجى جماعة السينما الجديدة فى مصر نتيجة تغير السياسات العامة فى الدولة فلم يعد مناسبا الحديث عن الصراع العربى الإسرائيلى وقد اتجه النظام للصلح معها ووجد بعض الكتاب ومروجى السينما القديمة فرصة ذهبية فكتب على سبيل المثال عن الإنتاج الثانى لجماعة السينما الجديدة " الظلال فى الجانب الآخر"، الفيلم فشل فشلا ذريعا وجماعة السينما الجديدة تخسر نقطة ثمينة فى المباراة بين المخرجين القدامى والمخرجين الجدد " وكأن هذه الأقلام تساند حبس الفيلم فى العلب وتعرضه لما يشبه مؤامرة اغتيال وتواصل أقلام ، الفيلم يعتبر ‘هدارا للمال العام، حيث كان المال سائبا، وأبواب المجلات مفتوحة للغاضبين من السينمائيين والنقاد أتباع تشي جيفارا" فى إشارة إلى ما قام به الناقد رجاء النقاش من إعلان بيان جماعة السينما الجديدة بمجلة الكواكب وأفرد للجماعة عدة صفحات للتعبير عن أفكارهم وقدم لها بقوله، مجلة الغاضبين يحررها الشبان السينمائيون الذين يحملون رأيا جديدا فى السينما المصرية، ويتجمعون فى جماعة السينما الجديدةويمثلون فى نظرتهم الفنية صوتا غاضبا يريد أن يجدد فى السينما فنا وفكرا وصناعة. بعد ثلاثة أعداد فقط توقفت الكواكب عن نشر أفكار الغاضبين.

كما قال عنها  الناقد الكبير كمال رمزى فى مقدمة الكتاب ، عطيات الأبنودى مخرجة منحازة ومؤلفة منحازة كذلك. فى كتابها " السينما الثالثة" الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2012 ، وثقت تاريخا للسينما بانحياز تام للسينما الجديدة التى تهتم بالإنسان وتساند المتعبين والمهمشين فى نضالهم للعيش بكرامة .


    نشر بجريدة البوابة صفحة سينما الأربعاء 27 مايو 2015

عن كتاب مترجم " كتابة سيناريو الأفلام القصيرة "

رواية القصص بالصور
لقطة من فيلم كلب أندلسي
" كتابة سيناريوهات الأفلام القصيرة " من الكتب المترجمة الهامة التى يحتاجها صناع الفيلم القصير، ترجمه الناقد أحمد يوسف صاحب الدراسات والمقالات المؤلفة الهامة. 
يبدأ الكتاب بمقدمة المترجم التى تحدد أن السيناريو هو العمود الفقرى لأى عمل سينمائي ، والكتاب رغم أنه يحمل عنوان كتابة سيناريو الأفلام القصيرة إلا أنه يبدأ بالخطوط العريضة التى تشترك فيها كل الأفلام. ومن هذه الزاوية أرى أهمية الكتاب لكل مهتم بفن السينما سواء كان سيتخصص فى كتابة السيناريو أو سيخرج أفلاما قصيرة أو طويلة، وأجده مهما للناقد أيضا لكى يتمكن من فهم عملية بناء الفيلم قبل تحليله وتفكيكه. أما مقدمة المؤلفان فتبدأ بذكر أن الكتاب موجه أساسا إلى طلبة السينما والفيديو ، أو صناع الأفلام المستقلين بالسينما والفيديو. ومن هنا أرى أهميته الكبرى فى ظل تزايد عدد الراغبين من الشباب المصرى والعربى فى طرح أنفسهم كصناع سينما مستقلة ، مع ملاحظة أن مشاكل السيناريو تبرز كأهم مشكلة واضحة فيما ينتج من أفلام سواء كانت مشروعات للطلبة أم أفلاما مستقلة يهدف صانعها إلى طرح نفسه كصانع أفلام قادر على تقديم أفكاره عبر الصورة السينمائية.
كتاب شامل يصعب تلخيصه فكل فقرة فيه على درجة من الأهمية مع البدء بعرض تاريخى عن تطور الفيلم القصير وكيف أن السينما كفن بدأت بأفلام قصيرة قدر استيعاب خزانة الكاميرا وفى عصر السينما الصامتة. وبالطبع هناك عنوان هام عن علاقة الفيلم الطويل بالقصير ويطرح سؤال هل الفيلم القصير تنويعات على سمات الفيلم الطويل؟ لينتهى إلى استنتاج عام بأن الفيلم القصير أكثر بساطة وحرية. وبشكل عام ينجح سيناريو الفيلم القصير مثله مثل القصة القصيرة عندما تكون الحبكة غير معقدة ، ومعتمدا على الصورة بشكل رئيس. فسيناريو الفيلم القصير هو رواية القصص بالصور. إن كتابة السيناريو تعنى الكتابة لوسيط يستخدم الصور المتحركة لكى يوحى بالمعنى، وهذه الصور والطريقة التى تجتمع بها معا ، هى لغة السينما ".
يحفل الكتاب بتدريبات على الكتابة كما يقدم نماذج لسيناريوهات لعدد من الأفلام القصيرة الناجحة ومنها ما عرفناه فى بداية السينما " كلب أندلسي" ذلك الفيلم الذى اشترك فيه لوى بانويل وسفادور دالى وهو الفيلم الذى يدرسه الطلاب لأهميته التاريخية حيث ينجح فى إحداث صدمة للمشاهد . وكيف أن" كلب أندلسي" يبقى بسبب تحطيمه للتقاليد الروائية المرتبطة عادة بالسينما، تجربة فى الشكل أكثر من كونه دراسة حالة لكتابة سيناريو ناجح لفيلم قصير. وكيف أنه خلق علاقة متماسكة بين السينما والفنون البصرية والاهتمام المتزايد بالعلاج النفسي فيها ، وكيف أصبح مصدرا مستمرا للأفلام القصيرة. 
طوال قراءتى للكتاب كان خطا موازيا للمعلومات الواردة فيه رجوعا لتاريخ كبار مخرجينا الذين بدأوا بأفلام قصيرة قبل إخراج أعمالهم الطويلة وخاصة أجيال خريجى معهد السينما الأوائل مثل أشرف فهمى وحتى المخرجين الجدد وآخرهم على الساحة هالة لطفى . وكيف أننى أهتم بهذا النوع الفيلمى وأنوى التفرغ لكتاب خاص به مرتبطا بتاريخ السينما فى مصر.
الكتاب مفيد فى إعادة تعريف المصطلحات السائدة مع فن السينما وأتوقف لأعرض شرحا لمصطلح الميلودراما  والمعنون بفقرة " أناس واقعيون فى مواقف واقعية" وينتهى إلى أنها أشكال مضخمة للواقع وهى فى جوهرها مرتبطة تماما بمفهوم القابلية للوجود والقابلية للتصديق ، أكاد أسمع جمهورنا وهو يردد " كل ده فعلا بيحصل كده وأكثرمن كده كمان ". فى الميلودرامت الشخصيات مرسومة جيدا وانسانية تماما ويكم جوهر اندماجنا معها كمتفرجين إلى معرفتنا بهؤلاء الناس، إنهم أنت وأنا . أتذكر الآن مثالا تحليليا لوليد الخشاب فى مديح الميلودراما التى ينظر إليها بعض السينمائيين باحتقار باعتبارها سائدة فى الأفلام الشعبية التى تنجح مع الناس ، ويخلو منها أفلام أخرى نسميها أفلام المهرجانات. كتاب " سيناريو الفيلم القصير" يصالحك على الميلودراما المرتبطة بصفة الواقعية وأفلام عن وقائع حدثت بالفعل.
وتحت عنوان تعريفات أساسية هناك شرح لبعض المصطلحات المهمة والتى ستستخدم فى الكتاب مثل البطل " بروتاجونيست" والبطل الضد " انتاجونيست" والذى يدور بينهما الصراع، وأيضا مصطلح المشهد والحدث الدرامى والذروة ويعرج إلى أنه ومنذ بداية صناعة السينما فالرواية والمسرحية مصدرا مشروعا وناجحا للقصة السينمائبة. ويلجأ المؤلفات إلى اقتباس جمل من مشاهير تؤسس لأفكار الكتاب وتنجح فى إقناع القاريء بمحتوياته. إذ يبدآن كل فصل بكلمة كحكمة  أورسون ويلز " أنت تحكم على الأفلام فى المقام الأول من خلال تأثيرها البصري وليس من خلال البحث عن المضمون " .

فى نهاية الكتاب قائمة بالمصطلحات السينمائية الأساسية أردف المترجم لمزيد من الدراسة والمترجم هو الناقد أحمد يوسف الحاصل على دبلوم الدراسات العليا من المعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون بالقاهرة عام 1975 وله العديد من الدراسات النقدية والمقالات فى السينما ومن ترجماته " تاريخ للسينما الروائية" عام 1999 ، وعدد كبير من الترجمات عن المركز القومى للترجمة بعضها نشر" فكرة الإخراج السينمائي" وبعضها قيد الترجمة. وله مؤلفات عن مخرجين مصريين عطيات الأبنودى وتوفيق صالح ومحمد خان. 

كتب مترجمة
كتابة سيناريوهات الأفلام القصيرة
تأليف بات كوبر وكين دانسايجر ، ترجمة أحمد يوسف

الهيئة المصرية العامة للكتاب  2011 . 
نشر المقال بجريدة القاهرة الثلاثاء 26 مايو 2015

Thursday 14 May 2015

Pitch Perfect 2 عن فيلم من أفلام المراهقين

حلم الشباب للوصول إلى
درجة الكمال
 
هى الفكرة التى تدور حولها أفلام المراهقين فى غالبيتها سواء كان التنافس فى المجال الرياضى أم الفنى، وغالبا تجرى هذه النوعية من الأفلام فى الشريحة العليا للطفولة قبل الجامعة أو عند التخرج منها فى قالب واحد ثابت، فهناك فريق لامع يواجه تحديا سواء لاستعادة موقعه الذى خسره أو للصعود والمنافسة على الموقع الأول، دائما هناك تنوع فى رسم شخصيات الفريق بحيث يحقق السيناريو تكاملا بين أعضائه  حيث يكونون معا فريقا متجانسا يقوى على المنافسة، قالب أمريكى مائة بالمائة حيث محاولة الإجادة وتمجيد ما كان قديما فرديا ليصبح جماعيا وخاصة فى أفلام شباب العشرين التى تنافس فيها مجموعة ما ضد أخرى. الحوار فى فيلم " درجة الكمال " حافل بكلمات فظة تذكرنا بنكات المضحكين الجدد فى مصر ، والسخرية من السمنة ومن إطلاق الريح والصوت من المؤخرة، أمر يتناقض مع الإمكانات الملحوظة التى تتاح لهؤلاء الشباب لكى يتنافسون للحصول على الأفضل.
يحُمل الفيلم بالسياسة حيث يظهر تصالح عابر مع الروس وتنافس وعداء مع الألمان، الفريق الألمانى هو الأفضل طوال الوقت، وينجح المؤلف والمخرجة فى تنفيرنا منهم وحفزنا على التعاطف مع فريق الفتيات وتمنى فوزهن. أمريكا ستفوز حتما على الماكينات الألمانية العملاقة.
فى الأربعينيات سادت أفلام موسيقية راقصة أثرت على كل سينمات العالم وخاصة البوليودية والمصرية ، كانت أفلاما تروى دراما قوية وتشغل الأغانى فيها جانبا من حوار الشخصيات . مع التطور التقنى تراجع الإبداع القصصى ليفسح المجال للإبهار التقنى للظهور، وأصبحت مراحل ما بعد التصوير أهم من مرحلة التصوير نفسه، وفى فيلم " درجة الكمال 2" تذكر المخرجة أن كل الأغانى والموسيقى أعدت قبل التصوير وتم تدريب الممثلين ليتقنوا أداء التزامن مع الأغانى المسجلة، حققوا درجة من الإتقان لا يمكن الوصول إليها بدون تدريبات طويلة واتقان من جانب كل مهنى يساهم فى الفيلم. يعيب الفيلم الضجيج المتواصل والذى لم يسمح للأذن بالراحة مما ساعد على الإحساس بالضجر فى بعض المناطق وخاصة مع عدم وجود مفاجآت إذ يمضى الفيلم فى الباترون- القالب- المعد مسبقا والذى تم تجريبه على مئات من الأفلام المشابهة.
فى مصر يقول المنتجون أن جمهور الأفلام غالبا من الذكور لذا أصبحت الموضوعات تخاطب الشباب، ولكن هذه النوعية تصادف هوى لدى الفتيات وأتصور أنها تنجح أكثر عند عرضها بالتلفزيون ويزداد حينها عدد المتابعين لها، وهذا ما يرهن عليه صناعه ويتفاخرون به.

 إن روح التنافس التى تتسم بها هذه النوعية من الأفلام والرغبة فى الوصول إلى الكمال يمكن أن تكون قيمة أخلاقية مفيدة للمشاهدين وخاصة إذا نجح صناع الفيلم فى تصوير مشاهد الاستعدادات والبروفات قبل الحدث الكبير، وهنا كان المشهد الذى يركز على استعادة الفريق لتجانسه فى الرحلة والمبيت معا فى المخيم والألعاب الشاقة للحصول على اللياقة هى المشهد الأهم وأكثرها حميمية على مدار الفيلم . لا بأس من المتعة فى الاستماع إلى مباريات التنافس بين فرق متنوعة فى مشاهد تتبع فيها الصور الموسيقى وتحاول الحفاظ على ايقاعه المرح ودرجة اكتماله.  ويزيد الستمتاع مع الأداء الحركى الراقص للغناء مقارنة بالوقوف فى وضع ثابت قديما وهو ما أشار إليه مقدما الحفلات اللذان يقومان بما يشبه مذيع الربط بين الفقرات.
الفيلم فى حوالى الساعتين تكلف 29 مليون دولار أمريكى، أخرجته اليزابيث بانكس بعد نجاح الجزء الأول ويشاهده جمهور القاهرة فى توقيت مناسب بعد انتهاء الامتحانات وبدأ الأجازة الصيفية بما يناسب التعارف عليه من الأفلام التى تنجح فى عطلة الصيف.

نشر بجريدة البوابة الأربعاء 13/5/2015صفحة حفلة 9 تحرير عصام زكريا 


عن فتافيت وجمال البرامج الأجنبية

المتعة عالمية والبؤس عربى

عنوان لمقال كتبته قديما يقارن بين الفيلم الإيطالي البديع مالينا وفيلم سورى كان عنوانه الطحين الأسود"، العنوان اختاره محرر أخبار الأدب من متن المقال واحترمت اختياره. يلح على العنوان حاليا وأنا أتابع برامج الطبخ على قناة فتافيت، حسب معلوماتى أن الفكرة لخريج مصرى من معهد السينما وأن القناة لدولة الإمارات. فتافيت هى ملاذى حاليا للهروب من برامج التوك شو وغيرها من سخافات التلفزيون  المصرى والعربى. فى برامج الطبخ يمكنك الاستمتاع بكريس الطاهى شديد الوسامة وهو يختار سيدة من السوبر ماركت ويعرض عليها أن تصحبه إلى منزلها ليطبخ لها ولزوجها عشاء من صنع يديه، أبقى وفمى مفتوح من الدهشة أى زوج هذا سيحضر إلى منزله ويجد زوجته مع رجل غريب وسيم يطبخ لها فى البيت. يتقن معدوا البرنامج عملهم ونعتقد بأن الزوجة تفاجأت فعلا وبأن الزوج مندهش حقا وهم يصيحون على الطريقة الأمريكية " سيربرايز" . كريس ليس وسيما فقط بل هو طاه بارع ومتحدث لديه حضور، والأهم  أنه مهذب ويقاوم بلباقة بعض من تحاولن التحرش به، يعمل وفى صحبته فريق التصوير من 15 فرد ليمتعوننا بهذا العرض لإعداد طبق أول ، ثم الطبق الرئيسي ثم التحلية، يدور حوار يعكس أن فريق الإعداد قد قام بعمله جيدا، هناك ظُرف بدون استخفاف، وبساطة بدون ارتجال. متعة مشاهدة كريس ،طباخ فى بيتى وتعلم أصناف رائعة فى وقت قياسي متعة عالمية يتشارك فيها الرجال أيضا وكل الأعمار،  ولكن جرب أن تحول الرموت وتصادف أحد الطباخين المصريين، ستشعر بالغثيان اذ لايكف عن استخدام أصبعه ولحس الطعام ثم الاعتذار، ولن تنقطع اتصالات المشاهدات دون أن تخرج بأى جملة مفيدة ...... وستمضى الوقت دون أن ينجز الطعام شديد التواضع الذى يقدمه الشيف معجب بنفسه .

هل ستجد شيئا من هذا مع كريس أو مع جيمى الذى يصحبك فى رحلاته ويتعرف للمرة الأولى على مكونات يبتكر منها طعاما ينهيه بسرعة أحسده عليها،  أو مع الإيطالية التى تعد المعجنات ويساعدها حفيداها. هل شاهدت السيدة مارتا ستيورات أو حتى سيدتنا المصرية نيرمين فى برنامجها ولا بالأحلام وهى تنحت القطع الفنية التى يمكن اعتبارها كيكات وتورتات تجاوزا. برنامج آخر للطبخ من أستراليا ، هذه المرة هم متدربون يتبارون ويخضعون للجنة تحكيم من كبار الطهاة على قناة فوكس – هل أسمع أحدا يقول إنها قناة معادية للعرب-  بالمناسبة هناك أمينة طاهية من المغرب بالحجاب، وهناك من فيتنام ومن الهند وكوريا، فى رؤوسنا البائسة فقط هذا التعصب والعنصرية . أنتظر تحكيم الفرنسى ميني عاشق الصلصات وطريقته المحببة فى الحديث بالإنجليزية مع لكنة فرنسية، أندمج وأنحاز للصديقين الإيطاليين وهما يبدعان صنفا من أصناف الحلو، تحفة فنية فى طبق يستحقان عنه عشرة على عشرة.
لا يوجد فى الغرب تعبير " كلية من كليات القمة" ولا " مهنة رفيعة " التى ما زالت تكتب فى جريدة رسمية كبرى عبر رسائل القراء.
لا توجد مهنة عظيمة وأخرى وضيعة، كل المهن محترمة، وكلها تقدم بإجادة تامة وإبداع، بريفكشن آند كريتيفيتى.
تصالحنى هذه البرامج على المطبخ وأنبذ أفكارا نسوية كانت تجعلنى أدخل المطبخ وإحساس الدونية يتملكنى، الآن يمكننى التعامل مع إعداد الطعام لأسرتى، وللأصدقاء بنفس المحبة التى أقوم فيها بعمل مونتاج لفيلم، أو لكتابة مقال . متعة الطبخ واحترام مهنة الطهاة متعة عالمية لدى طليان وإنجليز، وشعوب أمريكا وأستراليا ، لدى اللبنانيين طهاة مبدعين ، وبالطبع بعض المصريين يبدعون فى هذا المجال وتظهر ابداعاتهم بعد اغترابهم واكتسابهم لخبرات سواء من إيطاليا أو فرنسا. أشاهد كيف ينجح فريق برنامج تلفزيونى كوزموبوليتانى من عرب وأوربيين فى إظهار الجمال فى عملهم. وتصبح المقارنة صعبة مع برامج محلية فى مصرنا –التى كانت أم الدنيا- مع مقدم ليس له لزوم فى المشهد وزوايا تصوير لا تظهر ما يفعله الطاهى، وإيقاع مميت يجعلنى أقلب القناة على الفور باحثة عن جمال وإتقان يصعب منافستها ، والحجة المرفوعة ضعف الإمكانيات.  وللأسف هناك قدر من الصحة فى ضعف الإنتاج على البرامج لكى يتم توفير أموال توزع كمكافآت على كبار مسئولين قابعين فى المكاتب،  يحصلون على أعلى مكافآة عن كل برنامج ينتج فى القناة، تصل مكافآت كهذه أحيانا إلى ربع مليون جنيه كان ربعها فقط كفيلا بتحسين الإمكانيات لكى تظهر جماليات ما يقدم. إنه البؤس المصرى ومصدره الفساد الإدارى الذى يبدو أنه كالقدر يصعب علينا الفكاك منه.

فى أوقات بعيدة كانت برامجى المفضلة عالم الحيوان وعالم البحار وحين انتشرت الفضائيات فى مصر عرفنا معنى برامج وأفلام عن الطبيعة والحيونات دون التعليق الرتيب لمحمود سلطان . عوالم أجنبية تجيد كل ما تفعله سواء كان برنامجا علمياـ  أو برنامج للطهى أو فى مباريات الرقص والغناء. حاول أن تشاهد برنامجا منحوتا بالكامل من برنامج أجنبى وستجد الفارق كبيرا . حين كنت أعمل بغزارة فى صناعة الأفلام فى مطبخ المونتاج كنت أرد على من يسألنى عن سبب الفارق بين أفلامنا والأفلام الأجنبية بسؤال، وهل الحذاء المصرى فى جودة الحذاء الانجليزى؟ وأتذكر كيف كان محمد بيومى يصنع حذاءه بنفسه، وهو الرائد الحقيقي للسينما المصرية بعد اكتشاف د. محمد كامل القليوبى لأفلامه، ليتأكد أن الإبداع كل لا يتجزأ فمن يبدع فى إخراج فيلم قادر أيضا على صنع حذاء جميل.  أعود فأتساءل عن سبب تواضع مستوانا فى التصميم  والتنفيذ والاعداد والتقديم، فى كل شيء بداية من برامج التحليل السياسي مرورا ببرامج اجتماعية وترفيهية انتهاء ببرنامج عن اكتشاف المواهب الجديدة، أين ابداعاتنا ، أين الأراجوز وشكوكو وأبوزيد الهلالى ..ماذا حدث للمصريين ؟ وحتى متى يبقى بؤسنا العربي غير قادر على الوصول إلى أعتاب المتعة العالمية. 

نشر بموقع +18 وانت حر تحرير دعاء سلطان الثلاثاء 13 مايو 2015