المتعة عالمية والبؤس عربى
عنوان لمقال كتبته قديما يقارن بين الفيلم الإيطالي البديع مالينا وفيلم
سورى كان عنوانه الطحين الأسود"، العنوان اختاره محرر أخبار الأدب من متن
المقال واحترمت اختياره. يلح على العنوان حاليا وأنا أتابع برامج الطبخ على قناة
فتافيت، حسب معلوماتى أن الفكرة لخريج مصرى من معهد السينما وأن القناة لدولة
الإمارات. فتافيت هى ملاذى حاليا للهروب من برامج التوك شو وغيرها من سخافات
التلفزيون المصرى والعربى. فى برامج الطبخ
يمكنك الاستمتاع بكريس الطاهى شديد الوسامة وهو يختار سيدة من السوبر ماركت ويعرض
عليها أن تصحبه إلى منزلها ليطبخ لها ولزوجها عشاء من صنع يديه، أبقى وفمى مفتوح
من الدهشة أى زوج هذا سيحضر إلى منزله ويجد زوجته مع رجل غريب وسيم يطبخ لها فى
البيت. يتقن معدوا البرنامج عملهم ونعتقد بأن الزوجة تفاجأت فعلا وبأن الزوج مندهش
حقا وهم يصيحون على الطريقة الأمريكية " سيربرايز" . كريس ليس وسيما فقط
بل هو طاه بارع ومتحدث لديه حضور، والأهم أنه مهذب ويقاوم بلباقة بعض من تحاولن التحرش
به، يعمل وفى صحبته فريق التصوير من 15 فرد ليمتعوننا بهذا العرض لإعداد طبق أول ،
ثم الطبق الرئيسي ثم التحلية، يدور حوار يعكس أن فريق الإعداد قد قام بعمله جيدا،
هناك ظُرف بدون استخفاف، وبساطة بدون ارتجال. متعة مشاهدة كريس ،طباخ فى بيتى
وتعلم أصناف رائعة فى وقت قياسي متعة عالمية يتشارك فيها الرجال أيضا وكل الأعمار،
ولكن جرب أن تحول الرموت وتصادف أحد الطباخين
المصريين، ستشعر بالغثيان اذ لايكف عن استخدام أصبعه ولحس الطعام ثم الاعتذار، ولن
تنقطع اتصالات المشاهدات دون أن تخرج بأى جملة مفيدة ...... وستمضى الوقت دون أن
ينجز الطعام شديد التواضع الذى يقدمه الشيف معجب بنفسه .
هل ستجد شيئا من هذا مع كريس أو مع جيمى الذى يصحبك فى رحلاته ويتعرف للمرة
الأولى على مكونات يبتكر منها طعاما ينهيه بسرعة أحسده عليها، أو مع الإيطالية التى تعد المعجنات ويساعدها
حفيداها. هل شاهدت السيدة مارتا ستيورات أو حتى سيدتنا المصرية نيرمين فى برنامجها
ولا بالأحلام وهى تنحت القطع الفنية التى يمكن اعتبارها كيكات وتورتات تجاوزا. برنامج
آخر للطبخ من أستراليا ، هذه المرة هم متدربون يتبارون ويخضعون للجنة تحكيم من
كبار الطهاة على قناة فوكس – هل أسمع أحدا يقول إنها قناة معادية للعرب- بالمناسبة هناك أمينة طاهية من المغرب بالحجاب، وهناك
من فيتنام ومن الهند وكوريا، فى رؤوسنا البائسة فقط هذا التعصب والعنصرية . أنتظر
تحكيم الفرنسى ميني عاشق الصلصات وطريقته المحببة فى الحديث بالإنجليزية مع لكنة
فرنسية، أندمج وأنحاز للصديقين الإيطاليين وهما يبدعان صنفا من أصناف الحلو، تحفة
فنية فى طبق يستحقان عنه عشرة على عشرة.
لا يوجد فى الغرب تعبير " كلية من كليات القمة" ولا " مهنة
رفيعة " التى ما زالت تكتب فى جريدة رسمية كبرى عبر رسائل القراء.
لا توجد
مهنة عظيمة وأخرى وضيعة، كل المهن محترمة، وكلها تقدم بإجادة تامة وإبداع، بريفكشن
آند كريتيفيتى.
تصالحنى هذه البرامج على المطبخ وأنبذ أفكارا نسوية كانت تجعلنى أدخل
المطبخ وإحساس الدونية يتملكنى، الآن يمكننى التعامل مع إعداد الطعام لأسرتى،
وللأصدقاء بنفس المحبة التى أقوم فيها بعمل مونتاج لفيلم، أو لكتابة مقال . متعة
الطبخ واحترام مهنة الطهاة متعة عالمية لدى طليان وإنجليز، وشعوب أمريكا وأستراليا
، لدى اللبنانيين طهاة مبدعين ، وبالطبع بعض المصريين يبدعون فى هذا المجال وتظهر
ابداعاتهم بعد اغترابهم واكتسابهم لخبرات سواء من إيطاليا أو فرنسا. أشاهد كيف
ينجح فريق برنامج تلفزيونى كوزموبوليتانى من عرب وأوربيين فى إظهار الجمال فى
عملهم. وتصبح المقارنة صعبة مع برامج محلية فى مصرنا –التى كانت أم الدنيا- مع
مقدم ليس له لزوم فى المشهد وزوايا تصوير لا تظهر ما يفعله الطاهى، وإيقاع مميت
يجعلنى أقلب القناة على الفور باحثة عن جمال وإتقان يصعب منافستها ، والحجة
المرفوعة ضعف الإمكانيات. وللأسف هناك قدر
من الصحة فى ضعف الإنتاج على البرامج لكى يتم توفير أموال توزع كمكافآت على كبار
مسئولين قابعين فى المكاتب، يحصلون على
أعلى مكافآة عن كل برنامج ينتج فى القناة، تصل مكافآت كهذه أحيانا إلى ربع مليون
جنيه كان ربعها فقط كفيلا بتحسين الإمكانيات لكى تظهر جماليات ما يقدم. إنه البؤس
المصرى ومصدره الفساد الإدارى الذى يبدو أنه كالقدر يصعب علينا الفكاك منه.
فى أوقات بعيدة كانت برامجى المفضلة عالم الحيوان وعالم البحار وحين انتشرت
الفضائيات فى مصر عرفنا معنى برامج وأفلام عن الطبيعة والحيونات دون التعليق
الرتيب لمحمود سلطان . عوالم أجنبية تجيد كل ما تفعله سواء كان برنامجا علمياـ أو برنامج للطهى أو فى مباريات الرقص والغناء.
حاول أن تشاهد برنامجا منحوتا بالكامل من برنامج أجنبى وستجد الفارق كبيرا . حين
كنت أعمل بغزارة فى صناعة الأفلام فى مطبخ المونتاج كنت أرد على من يسألنى عن سبب
الفارق بين أفلامنا والأفلام الأجنبية بسؤال، وهل الحذاء المصرى فى جودة الحذاء
الانجليزى؟ وأتذكر كيف كان محمد بيومى يصنع حذاءه بنفسه، وهو الرائد الحقيقي
للسينما المصرية بعد اكتشاف د. محمد كامل القليوبى لأفلامه، ليتأكد أن الإبداع كل
لا يتجزأ فمن يبدع فى إخراج فيلم قادر أيضا على صنع حذاء جميل. أعود فأتساءل عن سبب تواضع مستوانا فى التصميم والتنفيذ والاعداد والتقديم، فى كل شيء بداية من
برامج التحليل السياسي مرورا ببرامج اجتماعية وترفيهية انتهاء ببرنامج عن اكتشاف
المواهب الجديدة، أين ابداعاتنا ، أين الأراجوز وشكوكو وأبوزيد الهلالى ..ماذا حدث
للمصريين ؟ وحتى متى يبقى بؤسنا العربي غير قادر على الوصول إلى أعتاب المتعة
العالمية.
نشر بموقع +18 وانت حر تحرير دعاء سلطان الثلاثاء 13 مايو 2015
No comments:
Post a Comment