Wednesday 18 July 2012

الطريق إلى الآخر فى مهرجان الإسماعيلية السينمائى الدولى 15


الشعب باق .. والقيادات تتغير
كنا فى حالة من النشوة فرحين بالتفاعل مع فيلم سحرنا بنسيجه الفنى وبنائه المبتكر، وروح محبة تشع من شخصيات الفيلم من القاهرة حتى الصعيد، لاحظت ضيفة أجنبية تبتسم لى يبدو عليها التساؤل عما يجرى، كان النقاش يديره زميلنا فوزى سليمان محتفيا بإحدى شخصيات العمل - وهى  والدة المخرج- غير منتبه للترجمة إلى الإنجليزية للأجانب الحاضرين، ناسيا وجود المخرج، حتى نبهناه نحن شعب المهرجان من النقاد والسينمائيين، واستمر الجزء الأول من الندوة نقاشا مع السيدة سهام ويقوم ابنها نمير عبد المسيح بدور المترجم، ثم بالطبع عاد الأمر إلى صوابه بتوجيه الأسئلة للمخرج الذى كان يجيب بالعربية ثم يترجم بنفسه ما يدور. اقتربت من الضيفة وتعارفنا سريعا، إيرينا من كرواتيا، وأشارت لى فى البرنامج عن فيلمها،أشرت لها عن فيلم أشارك فى مونتاجه أخذت أترجم لها ملخصا لما يجرى، كريستوف زميلها بجوارها شارك فى التعارف والتآلف، بعد العشاء أخبرتنى عن نشوتها البالغة للفيلم وللندوة التى جرت، نعم كما عبر مخرجه نمير عبد المسيح فى حفل الختام فى رسالة المهرجان " جرت ندوة حلوة جدا بعد عرض الفيلم" كانت الندوة هى الجائزة الأولى المدهشة التى تلقاها المخرج وخصوصا بعد تخوفه من رد فعل الجمهور المصرى وتوقعه أن يحدث الفيلم مشاكل عند عرضه. ندوة حلوة مماثلة جرت بعد عرض فيلم إيرينا وتسابقنا" حلاوة الروح The Ornament Of The Soul " للتعبير عن إعجابنا بفيلمها كل يستعرض قراءة خاصة به يتسع لها العمل الراقى بسمو روح شخصيته الكرتونية التى تشبه روح مبدعته إيرينا برانييك جيكيش.
توقعنا له جائزة ولكنها ذهبت إلى فيلم آخر بديع أيضا وأعقد حرفية، يعتمد على شخصية حقيقية لمخترع السينما الأول فنان التحريك الذى صمم جهازا للعرض يشبه ما نعرفه بالكينتسكوب، ورسم حركات متتابعة لشخص يلقى نفسه فى مياه البحر، وفى النهاية وبنفس الكيفية ينتحر فنان التحريك بعدما نسب اختراع السينما للأخوين لوميير. بوجدان فنان شامل من رومانيا التى عاشت استبدادا يشبه نظام مبارك، وثورة خُطفت وعاد النظام السابق، لم تكن ظروف بوجدان المشابهة لظروفنا عائقا أمام إبداعه لفيلم هام فى موضوعه، مبتكر فى استخدام أساليب فنية متعددة لفنون التحريك،  فيلم انبهر به شعب المهرجان ولجنة تحكيمه فمنحته جائزة أفضل فيلم تحريك فى المهرجان.
استحق الفيلم التسجيلى الطويل " العذراء والأقباط وأنا " 82 ق ثلاثة جوائز كبرى أفضل فيلم تسجيلى طويل من لجنة التحكيم الدولية، وأفضل فيلم فى المهرجان من جمعية نقاد السينما المصريين وجائزة صلاح التهامى لأفضل فيلم تسجيلى طويل. وبلغ الإعجاب به مداه مع تشوق النقاد لمشاهدته فى عرض ثان له فى إطار نشاط النقاد يوم الأحد الذى تلى انتهاء المهرجان وشهدت حضورا مكثفا لعشاق السينما التسجيلية من نقاد ومبدعين ، وجرت ندوة ثانية بحضور المخرج " نمير عبد المسيح " ووالده هذه المرة الذى كان يسارع بالإجابة عن الأسئلة بدلا من ابنه. وتغيبت الأم التى كانت نجمة الندوة الأولى التى جرت بقاعة سينما رينساس بالإسماعيلية بعد عرضه فى ختام الفترة الصباحية من صباح الأحد 24 يونيو وهو اليوم الأول للعروض فكانت بداية قوية جعلت الجميع يحرصون على ألا يفوتهم فيلم وخاصة فى القسم التسجيلى الطويل الذى تميزت أفلامه الثمانية على اختلاف موضوعاتها. المخرج نمير عبد المسيح المولود بفرنسا عام  1975 لأبوين مصريين من مسيحى مصر. كان عمله الأول تسجيلى عن والده يبدأ بسؤال الابن له عن ماضيه السياسى فى مرحلة سبقت ولادة نمير، وهى فترة لم يكن الأب يحب الحديث عنها، كان العمل تجربة قصيرة ذاتية طرق بها أبواب الفيلم التسجيلى وبعد عرضه عام 2006 وجد نفسه مشغولا بفيلمه الثانى وظل يكتب له السيناريو ويعد له حتى انتهى منه فقط عام 2012 خلالها تطور الفيلم من عمل موضوعى يناقش حدث ظهور العذراء فى عدة أماكن بمصر ليصبح عملا ذاتيا يخص علاقته بوالدته وأسرتها الصعيدية المسيحية . نشب بينه وبين أمه خلاف حول ظهور السيدة العذراء جعلها نقطة انطلاق لعمل الفيلم. يبدأ الفيلم بتعليق المخرج على صور يذكر فيه أنه مسيحى مصرى ممن لم يتحولوا إلى الإسلام عندما دخل مصر، ويذكر كيف كانت أمه تتفاخر دائما بأنهم ينحدرون إلى الفراعنة من قدماء المصريين. بهذا التعليق يتضح أن نمير يخاطب بفيلمه الغرب الذى يعيش فيه حاليا. أثناء رحلة بحثه كمخرج عن الإجابة نعرف عن طبيعة المصريين – الأقباط_ وكيف يرتبطون بالأم العذراء مريم التى يشبهها سائق تاكسى بأنها مثل الوطن مصر، أم حانية تضم بحنانها كل المصريين. الفيلم قراءة اجتماعية للشخصية المصرية يتجاوز مناقشة حقيقة ظهور العذراء ليكشف عن طبيعة البرجوازية المصرية وعلاقتها بجذورها الريفية. أهم ما فى الفيلم أننا نلمس الحالة الإبداعية من بحث وقلق لنمير كونها جزءا ظاهرا فى العمل وأحد مكوناته الرئيسية. فيلم وثائقى ببناء روائى يصاغ له سيناريو يتغير مع كل مرحلة من الفيلم.
  يستحق الناقد عدنان حسين العراقى المقيم بلندن جائزة أفضل متابع إذ لم يتغيب عن فعالية واحدة ولم يفته فيلم واحد بالمهرجان. وكذا المصرية مريم الخولى المنتشية بجمال الأفلام وكانت فى ندوة الفيلم الكورى " كوكب القواقع" قدرت أن يحصل الفيلم على الجائزة الكبرى بالمهرجان، أيدها عدد كبير من النقاد رغم إحساس البعض ببطء إيقاعه ورؤية البعض الآخر لهذا البطء كتأمل مرتبط بإيقاع شخصياته. 
كوكب القواقع يتناول قصة متحدى إعاقة أعمى وأطرش مع زوجته القزمة الحدباء التى تتفاهم معه بلغة خاصة بالنقر بأصابعها على يديه، يبنى المخرج فيلمه بوحدات مشهدية مشبعة كل منها يوضح جانبا من حياة الزوجين مشهد كيف يغير لمبة النيون بإرشاداتها، ومشهد كيف يستقبلون أصدقاءهم من متحدى الإعاقة على عشاء بالمنزل، ومشهد للتنزه حيث يحتضن شجرة ويواعدها وهى تشجعه، مشهد تعرفه على قطرات المطر وتوجه أصابعه ليشعر بها، مشهد لبروفة على مسرحية قام بتأليفها، ومشهد يمارسان رياضة التزحلق على الجليد، لانملك إلا أن نشعر نحن الأصحاء بالعجز أمام قدرتهما على ممارسة الحياة بكل نواحيها من عمل وترفيه، نسيج الفيلم أقرب إلى الشعر الذى نسمع مقاطع له يُجمله فى مشهد النهاية وهو يغطس فى قاع البحر" أغمض عينى حتى أرى، وأغلق أذنى حتى أسمع " الحوار فى الفيلم مقاطع أدبية عرفنا من المخرج فى ندوة تلت عرض الفيلم أنها من تأليف شخصية العمل وهو فى الحقيقة معلم هذه اللغة الخاصة للتواصل بين العمى والصم. لا يمكن تناول موضوع المعوقين بكل هذه الرقة والجمال إلا من فنان تربى فى بيئة تساعد على تفجير الإبداع وإطلاق طاقاته الخلاقة، واستحق جائزة لجنة التحكيم فى قسم التسجيلى الطويل.
الحضور العربى كان طاغيا بحضور النقاد عدنان مدنات ومصطفى المسناوى وفجر يعقوب وناجح حسن ورمضان سليم، والمشاركين بالندوات  قيس الزبيدى وبشار ابرهيم والناقدة اللبنانية هدى ابراهيم التى تحركت نشطة بكاميرا الفتوغرافيا تسجل كل ما يدور بهمة وعشق للسينما ومبدعيها، المراسلة الإذاعية مها برنس غطت المهرجان برسائل يومية، وتميز حضورعدد من أصحاب الأفلام، المخرجة نغم عبود تألقت مع عملها الأول " خلف النافذة" بفيلمها وتفاعلها مع الجميع. والأردنى سعيد نجمى بفيلمه الحساس " وجوه" وهو لوحة فنية عن بدو صحراء البتراء الأردنية ، واللبنانى رامى نيحاوى الذى وصل المهرجان متأخرا بفيلمه الهام " يامو" وهو فيلم مركب عنه وعن أمه اللبنانية ووالده السورى، بعمق يصل لقلب إشكالية العلاقة بين اللبنانيين وسوريا . لاحظنا عبر المهرجان كيف تخلصت السينما اللبنانية من الموضوع الواحد الذى يركز على الحرب اللبنانية، وانفتحت على آفاق أرحب تنفتح للحياة وتحقق أساليبها الخاصة المستفيدة من تراث السينما العالمية مع بعد خاص يشبه صناعه فىإقبالهم على الحياة وقدرتهم على تحقيق رغباتهم وأحلامهم بحرية.
 مسئولية الإشراف على الندوات أسندت للناقد الشاب رامى عبد الرازق، وأدى مسئوليته باقتدار وبرز فيها الناقد الشاب أحمد شوقى متحمسا لمتابعة مركزة لتفاصيل كل فيلم، ومترجما بدقة ما يدور فى ندوتين أدارهما. سعدت بهما شابين متحمسين ومعهما مجموعة من الشباب إياد ابراهيم ومحسن حسنى وآخرين يضيفون برؤاهم الجديدة زخما لفنون التلقى والتفاعل الخلاق.  كنا نستكمل النقاش فى أوقات الراحة القليلة، وبلغة أجنبية وسيطة لا نجيدها بشكل كامل لا نحن ولا الضيوف وغالبيتهم من دول أوربا الشرقية، حيث لم يحضر أغلب المدعوين من دول أوربا الغربية استجابة لتحذيرات حكوماتهم بأن مصر ليست آمنة الآن ، شعوب دول يوغوسلافيا الصديقة من ماسادونيا وكرواتيا، ومن الصرب وكوبا ومن تركيا أيضا حضروا وشهدوا أن مصر أكثر أمانا من دول كثيرة سافروا إليها. روح الصداقة بين المشاركين فى المهرجان من المصريين ومن الدول الصديقة عربية وأجنبية أضفت روحا خاصا على المهرجان تتعزز بعد مشاهدة أفلام فنية رائعة، وعبر جو نقاش حر يعتمد على الرغبة فى التواصل محققين شعار المهرجان الذى اختاره مديره الفنى الناقد أمير العمرى" الطريق إلى الآخر" . وأتصور أنه بدون تفاعل الحضور مع الأفلام وتشاركهم فى النقاشات لكانت جهود القائمين على المهرجان تضيع سدى، لم تتغير أسماء أغلب الحضور فى دورة المهرجان 15 عن أسماء الحضور فى الدورات السابقة، بداية من الناقد الكبير أحمد الحضرى حتى رامى عبد الرازق، الضيوف العرب كما هم مع تباديل وتوافيق قليلة، بقينا نحن شعب المهرجان والمتحمسين لإقامته، والفرحين بنجاحه مهما تبدلت علينا القيادات أو الإدارات، نظل نحن المتلقين المتابعين بإخلاص عروضا متواصلة وندوات مانحين للمهرجان شرعيته والقدرة على استمراره مهما تبدلت الظروف. فى السطور السابقة حاولت أن أنقل الحالة العامة لدورة مهرجان الإسماعيلية وهى صورة مكثفة لفعاليات مهرجان ازدحم بالعروض والبرامج ، المحصلة النهائية إيجابية جدا، أما السلبيات فأثق فى قدرة القائمين على المهرجان فى تلافيها فى الدورات القادمة.
نشر بجريدة القاهرة 17 يوليو 2012

Saturday 14 July 2012

هاشم النحاس : رؤية خاصة لإبداع فنان

ن
 

إشكالية تناول الفن التشكيلى فى فن السينما
يداعب الذاكرة لقطة لعدد من كراسى المقاهى على شاطيء بحر تداعبها الأمواج ، الكراسى لا يجلس عليها أحد وكأن جالسيها قد رحلوا عنها وتركوها وحيدة فى الغروب. هذه الصورة من فيلم " ألوان " التسجيلى لهاشم النحاس عن عدد من لوحات الفنان فاروق حسنى، الذى شغل منصب وزير الثقافة لما يزيد عن 22 عاما، يشهد حتى أعتى معارضيه أنه فنان تميز بلوحاته التجريدية ، وعلى الأرجح فإن هاشم النحاس الفنان الملتزم المنتمى لمجموعة مثقفى الستينيات ممن يميلون إلى اليسار يرى إبداع فاروق حسنى ويقدم رؤيته عن ذلك فى عمله القصير12ق.
نسمع أصوات موج البحر مع عناوين البداية ، يأخذنا إلى لوحة تجريدية للبحر ومنها إلى لوحات أخرى، ثم لقطة حية لأمواج البحر ونسمع معها أصوات طيور النورس ثم عودة إلى اللوحات، اللون الأحمر فى اللوحات تعبير فنى عن حيوية الموج ودفئه. ويستمر التوازى بين الأمواج التى تضرب الصخور وبين اللوحات، نقرأ تاريخ 1994 على أكثر من لوحة، ولقطة النهاية مع كراسى المقهى دون بشر ساعة الغروب . عناوين النهاية مكتوب بها رؤية هاشم النحاس، أسأله لماذا لم يكتب سيناريو وإخراج مثل غيرها من الأفلام يقول: " لا أتحدث عن الفنان ولكن عن رؤيتى عنه، وكيف أراه، مع الأفلام عن الفن التشكيلى والفنانين التشكيلين ليس هناك سيناريو معد قبل التصوير، ولا تهمنى كثيرا المعلومات عن الفنان، أقدم رؤية للفنان ولبعض أعمله وليس رؤية كليه شاملة عنه، وخاصة فى زمن الفيلم الذى يقل عن ربع الساعة. لا أستطيع خلالها تقديم فيلم عن فلان لضيق الوقت ولاحتياجه لوسائل تعبير وشرح ، ولكنى أفضل اختيار زاوية ما للفنان من وجهة نظرى كمخرج وهذه الرؤية تتفق مع فيلم يخلو من التعليق أو من صوت للفنان أو لناقد يشرح أعماله، فكلها وسائل تحدد المعنى ولكنى قصدت أن أقدم معانى مفتوحة ورسالة مفتوحة للتذوق الفنى ، من أجمل الآراء التى سمعتها من مشاهد لفيلم " ألوان: ما ذكره المشاهد أنه لم يفهم لوحات فاروق حسنى إلا بعد مشاهدته للفيلم. وهذا الرأى أسعدنى جدا، حيث أضع مكانى أقرب للمتذوق السينمائى منه إلى الناقد السينمائى، المتذوق يوصل رؤية إلى المتلقين ، أنا أيضا أعتبر نفسى متذوق سينمائى ولست ناقدا سينمائيا حيث لا أكتب إلا عن الأعمال التى تعجبنى، الأفلام التى أريد أن يشاركنى القارىء إعجابى بها
عمل آخر عن الفنانة أزميرالدا حداد باسم عروس البحر حيث حركة الكاميرا مسيطرة منذ اللحظة الأولى واختيار للوحة تشبه الفنانة ترسخ حقيقة أن الفنان لا يرسم سوى نفسه أو انعكاس الأشياء على وجدانه، أثناء المشاهدة أجد نفسى أدير تعليقا فى رأسى وكأننى أكمل نقص التعليق المعتاد مع الأفلام الوثائقية والذى ينبذه المخرج هاشم النحاس ولسان حاله يقول سأتركك أيها المشاهد دون أن أفرض عليك شرحا ، ها هى الصورة أمامك فاستمتع وأبدع قراءتك. نشاهد الفنانة تعمل على لوحة تركيب باستخدام بعض المواد ، قطع من شبك صيد، نماذج صغيرة لأعلام دول، نماذج مجسمة لأشكال مختلفة من الأسماك، المزج فى اللون بين التصوير والنحت على سطح اللوحة،تحرك مصفاة تنثر بودرة اللون على اللوحة ، ثم تنفخها كمن ينفخ فيها من روحه. ثم استعراض للبيت الذى يشكل لوحة كبيرة الفنانة بشخصها جزء منها. ثم منضدة الرسم تعمل عليها الفنانة بتركيز شديد دون أن يبدو أن الكاميرا تشوش عليها ،  أسأل المخرج هاشم النحاس كيف يعمل التشكيلى بكل هذا التركيز وحوله محمود عبد السميع بكاميرته ومعدات الإضاءة ، كيف تندمج فى لوحتها وحولها فريق عمل الفيلم، يقول النحاس : " هنا يأتى دور المونتاج الذى يوهم بالتلقائية ، أستبعد غالبا بدايات اللقطات  ونأخذ اللقطة من لحظة اندماج الفنان عندما ينسى الكاميرا ويركز كلية فى لوحته، أحيانا عندما تكون هناك نظرة أو ابتسامة للكاميرا أستخدمها وأجدها مناسبة ومفيدة للفيلم." ونعود لفيلم " عروس البحر " حيث لا يتركنا المخرج تماما بدون معلومات، إذ ينتهى بلوحة مكتوبة عن الفنانة أزميرالدا حداد متى تخرجت والمعارض التى شاركت بها والمقتنيات. يأخذ المخرج اسم الفيلم من أحد عناوين لوحة للفنانة وجده موحيا وينصرف إلى أكثر من معنى، ويشبه أغلب أعمالها ويتشكل منه عالمها الفنى متنوع الأساليب. سيمضى الفنان على طريقه محققا لنافس جهة الإنتاج بالتلفزيون المصرى عملا عن النحات أحمد شيحا يبدأه بنحت على حجر يحيلنا إلى الفن الفرعونى. أسأل المخرج عن كيف يتعامل مع إطار اللوحة التى ينقلها داخل إطار الصورة يقول بحماس : " أقوم بإلغاء الإطار، وأعمل إطارى الخاص، أتعامل مع اللوحة وكأنى أصور واقعا يحدث أمامى، إطار السينما مختلف عن إطار لوحة الفنان، أنقل ما أشعر به تجاه اللوحة، وأؤسس للوحتى أنا ، وهو نفس المنهج الذى أتبعه مع الأشخاص والأماكن الحية، أختار من اللوحة الأجزاء التى أشعر بها فقط من لوحة الفنان ، ولهذا أحرص على نقل إحساسى وليس إخبار المشاهد بمعلومات، قد تأتى مؤخرا أو فى وسط الفيلم، أو لا تأتى المهم كيف أرى اللوحة وأتذوقها وأنقل رؤيتى للمشاهد. المونتاج له دور كبير بدون لمسات المونتير كمال أبو العلا لم يكن فيلم " ألوان" ليخرج هكذا، اللوحة ساكنة وأنا أحرك الكاميرا على أجزاء بعينها داخل الإطار، متى يتم القطع على اللوحة ومنه إلى لوحة أخرى، فى كادر معين جزء من الثانية يحدده بإبداع المونتير الخلاق الذى هو صانع إيقاع الفيلم ،إيقاع يتحقق بدون موسيقى تصويرة التى استعضت عنها بالمؤثؤات الحية التى خلقت شريط صوت الفيلم من صوت البحر والرياح وهى التى ضبطت إيقاع الفيلم وشكلت إحساسى باللوحات حاولت إيصاله للمشاهد. فى أعماله عن فنانين تشكيليين وأعمالهم قدم المخرج هاشم النحاس رؤية خاصة تحيى إبداع الفنان وتسهم فى تذوق إبداعاته.
اتبعت نفس منهج المخرج والمفكر السينمائى هاشم النحاس فى كتابة هذه الزاوية عن جانب من أعماله المتعددة التى تحتفى بالإنسان البسيط كما فى النيل أرزاق أو تسلط الضوء عل عملاق الأدب العربى نجيب محفوظ فى " نجيب محفوظ ضمير عصره" أو على مجموعة من رموز الفن التشكيلى المعاصر المهدد الآن من طيور الظلام الساعين إلى السلطة الآن فى مصر.