Saturday, 14 July 2012

هاشم النحاس : رؤية خاصة لإبداع فنان

ن
 

إشكالية تناول الفن التشكيلى فى فن السينما
يداعب الذاكرة لقطة لعدد من كراسى المقاهى على شاطيء بحر تداعبها الأمواج ، الكراسى لا يجلس عليها أحد وكأن جالسيها قد رحلوا عنها وتركوها وحيدة فى الغروب. هذه الصورة من فيلم " ألوان " التسجيلى لهاشم النحاس عن عدد من لوحات الفنان فاروق حسنى، الذى شغل منصب وزير الثقافة لما يزيد عن 22 عاما، يشهد حتى أعتى معارضيه أنه فنان تميز بلوحاته التجريدية ، وعلى الأرجح فإن هاشم النحاس الفنان الملتزم المنتمى لمجموعة مثقفى الستينيات ممن يميلون إلى اليسار يرى إبداع فاروق حسنى ويقدم رؤيته عن ذلك فى عمله القصير12ق.
نسمع أصوات موج البحر مع عناوين البداية ، يأخذنا إلى لوحة تجريدية للبحر ومنها إلى لوحات أخرى، ثم لقطة حية لأمواج البحر ونسمع معها أصوات طيور النورس ثم عودة إلى اللوحات، اللون الأحمر فى اللوحات تعبير فنى عن حيوية الموج ودفئه. ويستمر التوازى بين الأمواج التى تضرب الصخور وبين اللوحات، نقرأ تاريخ 1994 على أكثر من لوحة، ولقطة النهاية مع كراسى المقهى دون بشر ساعة الغروب . عناوين النهاية مكتوب بها رؤية هاشم النحاس، أسأله لماذا لم يكتب سيناريو وإخراج مثل غيرها من الأفلام يقول: " لا أتحدث عن الفنان ولكن عن رؤيتى عنه، وكيف أراه، مع الأفلام عن الفن التشكيلى والفنانين التشكيلين ليس هناك سيناريو معد قبل التصوير، ولا تهمنى كثيرا المعلومات عن الفنان، أقدم رؤية للفنان ولبعض أعمله وليس رؤية كليه شاملة عنه، وخاصة فى زمن الفيلم الذى يقل عن ربع الساعة. لا أستطيع خلالها تقديم فيلم عن فلان لضيق الوقت ولاحتياجه لوسائل تعبير وشرح ، ولكنى أفضل اختيار زاوية ما للفنان من وجهة نظرى كمخرج وهذه الرؤية تتفق مع فيلم يخلو من التعليق أو من صوت للفنان أو لناقد يشرح أعماله، فكلها وسائل تحدد المعنى ولكنى قصدت أن أقدم معانى مفتوحة ورسالة مفتوحة للتذوق الفنى ، من أجمل الآراء التى سمعتها من مشاهد لفيلم " ألوان: ما ذكره المشاهد أنه لم يفهم لوحات فاروق حسنى إلا بعد مشاهدته للفيلم. وهذا الرأى أسعدنى جدا، حيث أضع مكانى أقرب للمتذوق السينمائى منه إلى الناقد السينمائى، المتذوق يوصل رؤية إلى المتلقين ، أنا أيضا أعتبر نفسى متذوق سينمائى ولست ناقدا سينمائيا حيث لا أكتب إلا عن الأعمال التى تعجبنى، الأفلام التى أريد أن يشاركنى القارىء إعجابى بها
عمل آخر عن الفنانة أزميرالدا حداد باسم عروس البحر حيث حركة الكاميرا مسيطرة منذ اللحظة الأولى واختيار للوحة تشبه الفنانة ترسخ حقيقة أن الفنان لا يرسم سوى نفسه أو انعكاس الأشياء على وجدانه، أثناء المشاهدة أجد نفسى أدير تعليقا فى رأسى وكأننى أكمل نقص التعليق المعتاد مع الأفلام الوثائقية والذى ينبذه المخرج هاشم النحاس ولسان حاله يقول سأتركك أيها المشاهد دون أن أفرض عليك شرحا ، ها هى الصورة أمامك فاستمتع وأبدع قراءتك. نشاهد الفنانة تعمل على لوحة تركيب باستخدام بعض المواد ، قطع من شبك صيد، نماذج صغيرة لأعلام دول، نماذج مجسمة لأشكال مختلفة من الأسماك، المزج فى اللون بين التصوير والنحت على سطح اللوحة،تحرك مصفاة تنثر بودرة اللون على اللوحة ، ثم تنفخها كمن ينفخ فيها من روحه. ثم استعراض للبيت الذى يشكل لوحة كبيرة الفنانة بشخصها جزء منها. ثم منضدة الرسم تعمل عليها الفنانة بتركيز شديد دون أن يبدو أن الكاميرا تشوش عليها ،  أسأل المخرج هاشم النحاس كيف يعمل التشكيلى بكل هذا التركيز وحوله محمود عبد السميع بكاميرته ومعدات الإضاءة ، كيف تندمج فى لوحتها وحولها فريق عمل الفيلم، يقول النحاس : " هنا يأتى دور المونتاج الذى يوهم بالتلقائية ، أستبعد غالبا بدايات اللقطات  ونأخذ اللقطة من لحظة اندماج الفنان عندما ينسى الكاميرا ويركز كلية فى لوحته، أحيانا عندما تكون هناك نظرة أو ابتسامة للكاميرا أستخدمها وأجدها مناسبة ومفيدة للفيلم." ونعود لفيلم " عروس البحر " حيث لا يتركنا المخرج تماما بدون معلومات، إذ ينتهى بلوحة مكتوبة عن الفنانة أزميرالدا حداد متى تخرجت والمعارض التى شاركت بها والمقتنيات. يأخذ المخرج اسم الفيلم من أحد عناوين لوحة للفنانة وجده موحيا وينصرف إلى أكثر من معنى، ويشبه أغلب أعمالها ويتشكل منه عالمها الفنى متنوع الأساليب. سيمضى الفنان على طريقه محققا لنافس جهة الإنتاج بالتلفزيون المصرى عملا عن النحات أحمد شيحا يبدأه بنحت على حجر يحيلنا إلى الفن الفرعونى. أسأل المخرج عن كيف يتعامل مع إطار اللوحة التى ينقلها داخل إطار الصورة يقول بحماس : " أقوم بإلغاء الإطار، وأعمل إطارى الخاص، أتعامل مع اللوحة وكأنى أصور واقعا يحدث أمامى، إطار السينما مختلف عن إطار لوحة الفنان، أنقل ما أشعر به تجاه اللوحة، وأؤسس للوحتى أنا ، وهو نفس المنهج الذى أتبعه مع الأشخاص والأماكن الحية، أختار من اللوحة الأجزاء التى أشعر بها فقط من لوحة الفنان ، ولهذا أحرص على نقل إحساسى وليس إخبار المشاهد بمعلومات، قد تأتى مؤخرا أو فى وسط الفيلم، أو لا تأتى المهم كيف أرى اللوحة وأتذوقها وأنقل رؤيتى للمشاهد. المونتاج له دور كبير بدون لمسات المونتير كمال أبو العلا لم يكن فيلم " ألوان" ليخرج هكذا، اللوحة ساكنة وأنا أحرك الكاميرا على أجزاء بعينها داخل الإطار، متى يتم القطع على اللوحة ومنه إلى لوحة أخرى، فى كادر معين جزء من الثانية يحدده بإبداع المونتير الخلاق الذى هو صانع إيقاع الفيلم ،إيقاع يتحقق بدون موسيقى تصويرة التى استعضت عنها بالمؤثؤات الحية التى خلقت شريط صوت الفيلم من صوت البحر والرياح وهى التى ضبطت إيقاع الفيلم وشكلت إحساسى باللوحات حاولت إيصاله للمشاهد. فى أعماله عن فنانين تشكيليين وأعمالهم قدم المخرج هاشم النحاس رؤية خاصة تحيى إبداع الفنان وتسهم فى تذوق إبداعاته.
اتبعت نفس منهج المخرج والمفكر السينمائى هاشم النحاس فى كتابة هذه الزاوية عن جانب من أعماله المتعددة التى تحتفى بالإنسان البسيط كما فى النيل أرزاق أو تسلط الضوء عل عملاق الأدب العربى نجيب محفوظ فى " نجيب محفوظ ضمير عصره" أو على مجموعة من رموز الفن التشكيلى المعاصر المهدد الآن من طيور الظلام الساعين إلى السلطة الآن فى مصر. 



   

1 comment:

  1. نشر المقال بجريدة القاهرة فى 29 مايو 2012

    ReplyDelete