عشم ماجى مورجان
ست قصص وثمانية
عشر شخصية، للفيلم الطويل الأول لماجى مورجان، فى ذاكرتى هى منتجة لأفلام وثائقية
لمشروعات تنموية عن المصريين والمصريات من طبقات تعانى الفقر والبحث عن العمل .
ثمانية عشر شخصية أخذوا ترتيبهم فى ذاكرتى كمجموعات، أولا ابتسام ورضا وعشم ،
أبطالى المفضلين كلهم مبتسمون راضون عشمهم فى الدنيا وظيفة جديدة على قد الحال .
ابتسام "منى الشيمى" ورضا " نجلاء يونس، وعشم " شادى حبشى"
. يلتقى عشم مع رضا القادمة من الريف للعمل فى تنظيف حمامات السوق التجارى الكبير،
ويلتقى عشم فى النهاية مع ابتسام على رصيف الشارع وقد تعثرت بما تحمله وساعدها على
النهوض . هما الآن حققا درجة من درجات الصعود الاجتماعى عشم أصبح عامل أسانسير
وابتسام تحمل بطاقة بوظيفة ممرضة. وقبلهما رضا وقد ترقت لتصبح بائعة فى محل ملابس
طورت لهجتها فتقول بلوفر بدلا من شرز وتقف بدون الطرحة تساعد الزبائن فى انتقاء
اللون المناسب. ماجى جعلت الصدفة العادية هى التى تجمع أحيانا شخصيات عملها بقصصهم
المتقاطعة دونما حاجة لجمعهم فى مكان واحد، عمارة سكنية مثلا أو مكان عمل، مدينة
القاهرة هى التى تضمهم والصدف السعيدة هى التى تجمعهم أحيانا.
فى المجموعة الثانية
– أذكر القارئ بأن هذه التقسيمات لى وليست للمخرجة- الأزواج المرتاحين ماديا
ولكنهم لا يخلون من مشاكل، مثل عدم الإنجاب، عدم التوافق، وأوهام المرض. تغلب على
المجموعة الثانية الكآبة وعدم الرضا، بينما تعم الابتسامة والرضا المجموعة الأولى،
هل هذه حقيقة وجودية، ؟ السعادة فى الرضا ولأن عشم وابتسام ورضا أحلامهم بسيطة فهى
ممكنة التحقيق، مقارنة بصعوبة التوافق والاتفاق وتخطى المرض مع داليا وعماد
وفريدة، وأشرف وكريم ونادين، ورمزى ومصطفى وأشرف.
على مستوى الحرفة هذا
فيلم يعتمد كلية على المونتاج، ليس فقط مونتاج الطاولة الذى يجرى فى حجرة التقطيع
بل المونتاج الفكرى الذى يبدأ من الكتابة مع الفكرة وخطوط القصة وينتهى فى
المونتاج. لم تكتب ماجى على التترات " سيناريو " ماجى مورجان بل قصة وإخراج، فكيف تمت كتابة السيناريو؟ هل
كتبت المشاهد لكل قصة على حدة دون تتابع وصيغ التتابع لاحقا؟ مكتوب فى الملف
الصحفى : " الحوار وبعض المشاهد
تم من خلال جلسات ارتجال مع الممثلين.." العمل جماعى ليس فقط للبطولة
الجماعية وعدد الأدوار واحتلالها مساحة قريبة من زمن الفيلم ولكن لتساويها فى
الأهمية فليس هناك أبطال وأدوار ثانوية، بل إن ممثلى الهامش يحتلون فى الوجدان
مكانة تفوق الأبطال التقليديون، وخاصة الممرضة ابتسام فى مقابل الطبيب د.
مجدى" مينا النجار". كل منا له انحيازاته وأنحاز كشخص قبل انحيازى
النقدى لابتسام والممثلة.. التى قامت بدورها صاعدة من هامش تاريخ السينما المصرية –
بدون ميلودراما- لأتخذها بطلتى وتشدنى إليها بابتسامة راضية، ينافسها على عرش
وجدانى عشم بدوره وأدائه وبساطة حكمته التى تنهى فيلما عن مصر، عن القاهرة، عن
المصريين بعد قيام ثورة 25 يناير المستمرة لدى أشخاص من العمل وخلف الكاميرا وبين
المتلقين، الصورة المستمرة لدى قطاع كبير من الشعب، ولتنتهى عند عشم الذى حصل على
وظيفة جديدة.
عندما تسأله المثقفة الثورية فريدة " مروة ثروت" هتنزل
الثورة يقول: ليه ؟ أنا مسكت وظيفة جديدة ". أنحاز لرضا وقصتها مع شاب الأمن،
تسعدنى المخرجة عندما نراهما على الموتوسيكل معا يطيران وقد حققا قدرا من
أحلامهما. هذه سينما أعشقها شكلا وموضوعا، هذه سينما جديدة تخطو خطوات أبعد من
سينما الواقعية المصرية الجديدة بموجتيها مع المجموعة الأولى خان وداوود خيرى
بشارة، والثانية رضوان الكاشف، مجدى أحمد
على، أسامة فوزى، وتجربتى هالة خليل. سينما ترصد مصر المعاصرة وتجرب أساليب سردها
دون أن تكبل نفسها بقاعدة " الجمهور عاوز كده" ساعية لخلق جمهور جديد
يجد نفسه مع هذا الهامش من أبطال منهزمين مرحليا، آملين ومتعشمين على المدى الطويل
فى العيش بسعادة.
التصوير رائع لرؤوف عبد العزيز، ينهى الجدل
حول تفوق شريط السينما 35 مللى، مونتيرالفيلم أحمد عبد الله يقف فى مصاف كبار
المونتيرين عادل منير وأحمد متولى فى براعة الانتقالات وضبط الإيقاع، شريط الصوت
بلا مشاكل اعتدناها. تحية لصناع الفيلم الذين يواصلون الحفاظ على صناعة السينما
المصرية مجددين أدواتهم، ناظرين أمامهم نحو مستقبل يجمع بين لغة فنية جديدة ورؤية
محبة لبلدهم ولناسهم. أما الجمهور– كما يعتقد أغلب المنتجون- الجماهير فعليها أن
تنفتح على دنيا جديدة لسينما تعبر عن طبقات الشعب المصرى بكل تنويعاته دون انحياز
لطبقة دون أخرى. سينما تفتح طاقة أمل وتمنح الفرصة ليس فقط لنجم ونجمة وحيدين
ليواصلا حصاد الأموال، بل لخمسة وعشرين فردا متساويين أمام الكاميرا وخلفها، سينما
ينص دستورها على أن الجميع سواء مهما كان دوره.
شاهدت الفيلم فى عرضه الخاص بالقاهرة، وسط
جمهور خاص يخش البعض أن يكونوا هم كل الجمهور المحتمل للفيلم، ولدى عشم أن يفاجئنا قطاع مجهول لنا من الشعب المصرى فيقبل على العرض
ويتفاعل مع فيلم يشبه حالتنا الآن وكل منا يشعر بأنه متفرد ويستحق العيش والحرية
والعدالة الاجتماعية.
نشر بموقع الجزيرة الوثائقية الثلاثاء 18 يونيو 2013