Saturday 29 September 2012

مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوربية 17-22 سبتمبر 2012



الأقصر عاصمة العالم وفخرا للمهرجانات المصرية

نجاح ينقصه 

حضور ضعيف لأهالى الأقصر

حين دخل الفاتحون على أحصنتهم قاطعين بحورا وصحارى ووديان فاجأتهم أعمدة المعابد الضخمة  وباحاتها المتسعة، صاحوا بدهشة " الأقصر" معبرين عن دهشتهم لرؤية هذه القصور الشامخة ، تركوها على حالها، احترموا ثباتها ولم يغضبوا لرؤية تماثيلها الضخمة وعلى الأرجح غير معتبرينها أوثانا تُعبد فلا هى من عجوة تؤكل ولا يسهل كسرها بمعدات زمانهم،  بل مضوا فى فتوحاتهم حتى وصلوا من طيبة القديمة التى سموها الأقصر إلى منف التى أصبحت القاهرة التى تقهر أعداءها وتحتويهم فلا يعودوا هادفين لمحوها أو تغيير ثوابتها. وبقيت الأقصر مدينة الآثار والحضارة المصرية القديمة يحافظ عليها أهلها مسلمون ومسيحيون، كل يدين بدينه يجمعهم الإيمان بالله الواحد الذى عرفه أجدادهم . يعيشون على تراث الأجداد متفاخرين به، شارحينه على طريقتهم – حتى ولو بإسقاط حاضرهم عليه- فخورين بمدينتهم الصغيرة ببريها الغربى والشرقى.
 امتدت يد المدنية الحديثة لتكمل جمالها بفنادق فخمة وبمركز للمؤتمرات رفيع الذوق والامكانات، حيث كانت تعرض أفلام المسابقة الرسمية الطويلة وعدد من أفلام القسم الخاص. اكتمل بناء قصرجديد للثقافة حيث كانت تعرض أفلام المسابقة القصيرة، كما كانت الندوات تقام فى قصر بهاء طاهر الذى لم يفتتح رسميا بعد وأقيم قريبا من مسقط رأسه على بعد نصف الساعة من وسط مدينة الأقصر. أزاح مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوربية الغبار عن القاعات وبث فيها الحياة عبر السينما أحدث الفنون، وبأنفاس المصريين القادمين من العاصمة غالبا، مع عدد من أهالى مدينة  الأقصر التى غطت بجمالها على كل ما عداها من مدن شهدت بها مهرجانات للسينما. لمست هذا الجمال فى عروض الهواء الطلق بنادى التجديف حيث أقبل أهالى الأقصر لحضور العروض الخمس لأفلام صورت بالأقصر ولعدد من الأفلام المصاحبة للتكريمات. تشعر وكأنك على سطح مركب ضخم مطل على نيل الصعيد العريض والخلفية من الجبال الصخرية وشريط زراعى بمزروعات خضراء ونخيل قصير القامة. حضرت عرض فيلم " 3 على الطريق " للمخرج محمد كامل القليوبى رئيس مجلسإدارة مؤسسة نون التى تقيم المهرجان وقد سمعت تعليقات الحضور من أهالى الأقصر متسائلين عن مشاكل الطائفية بين المسلمين والمسيخحيين التى عرض الفيلم لبدايتها فى الثمانينيات مندهشين من وجودها منذ 20 عاما. لم يكن الإقبال الجماهيرى بنفس الدرجة على عروض الصباح وخاصة فى الأفلام القصيرة وحتى فى الأفلام الطويلة رغم وجود الترجمة العربية على الأفلام، وهو ما دعا رئيس لجنة تحكيم الأفلام القصيرة إلى أن  يعبر عن تمنيه أن يحضر الأهالى العروض فى الدورات القادمة، وقد أدلى بهذا التصريح فى ندوة عقدها يوسف شريف رزق الله مع الحاضرين  من مخرجى الأفلام سواء القصيرة أو الطويلة ومع أعضاء لجنتى التحكيم طالبا منهم التعليق وإبداء الرأى على الدورة الأولى، وكالعادة كثرت كلمات الإشادة وندر النقد البناء الذى تركز على مراجعة البرنامج حتى لا تتعارض عروض المسابقة القصيرة مع الطويلة، وإضافة عدد من أجهزة  فيديو لمشاهدة الأفلام التى يتعذر لسبب ما مشاهدتها، ودراسة كيفية حضور طلاب المدارس والجامعات والأهالى العروض بشكل منظم. أغلب الاقتراحات أبداها الضيوف الأجانب حيث  يتمتع الأجانب بشكل خاص بقيمة المصارحة بدلا من النميمة والأحاديث الجانبية كما اعتدنا نحن. عبقت الأقصر بأنفاس الأوربيين الذين جاءوا بفنونهم راغبين فى التواصل والوقوف على حال البلد الذى تصلهم أنباء عن عدم الأمان به، تردد فى كلماتهم سواء فى الندوات أو الأحاديث الجانبية أن البلد أمان وأنهم سيعودون ليصححوا الصورة التى تصل مواطنيهم عنا. ولو لم يفعل المهرجان سوى هذا يكون قد أدى دورا كبيرا فى دعم السياحة التى يعتمد عليها أهل الأقصر كمصدر أساس ووحيد للعيش. لم تكن السياحة صفرا كما توقعنا، بل كانت هناك وفود رغم حرارة الجو ولكنها طبقا للمعدلات التى أخبرنا بها الأقصريون قليلة جدا ولا تتناسب مع المتوقع. لم تكن الزيارة الأولى للأقصر ولكنى لمست حجم التحديث الذى عمل عليه محافظ الأقصر السابق اللواء سميرفرج الذى يشيد به الأقصريون، كما لمسنا من المحافظ  الحالى السفير عزت سعد حماسا مماثلا فى دعم الأنشطة الثقافية، وكان حفل الختام الذى أقامه جامعا للحضارة القديمة ممثلة فى عرض الصوت والضوء لمعبد الكرنك، ومختتما بعروض فرقة الأقصر للفنون الشعبية حيث أدت الفتيات بجانب الفتيان عروضا غنائية راقصة ترتبط بالفن المميز لجنوب مصر والمحبب إلى قلوبنا، أبدعت الفرقة التى تميزت والفرحة والبسمة مرتسمة على وجوهها وكأنهم فى سعادة أن تتاح لهم فرصة التعبير أمام هذا الحشد من ضيوف مهرجان الأقصر الأول للسينما المصرية والأوربية.
الأفلام القصيرة
أربعون فيلما قصيرا عرضت بالمهرجان، كلها بالمسابقة وهو رقم كبير كان من الأفضل الإبقاء فقط على الأفضل منها، لا يذكر الكتالوج لجنة للاختيار وعلى الأرجح أنه مجهود لمنسقة المسابقة القصيرة ميريت ميخائيل، وهى أفلام شديدة التنوع تختلف فى مستواها الفنى وكانت المشاركة المصرية ضعيفة العدد والمستوى ولا تعبر عما حققه فنانى الأفلام القصيرة وخاصة من المستقلين فى مجالهم. ولا أفهم سببا للاكتفاء بمنح جائزتين فقط الذهبية والفضية وعدم وجود جائزة ثالثة برونزية كما فى المسابقة الطويلة، رغم أن صناع الفيلم القصير هم الأولى بالتشجيع. أتفق – جزئيا– مع لجنة التحكيم مع ما ذهبت إليه من جوائز فقد كان فيلم "هناك رجل اعتاد ضربى على الرأس بالمظلة " من مقدونيا أفضل فيلم اهتم به الحضور القليل ولم يجدوا مخرجه ليسألوه عن الفكرة وليعبروا عن اهتمامهم بها. وكان كلوك من أيرلندا معبرا عن سينما خاصة جدا مستمدة من تراث الحكايات الشعبية عن الطفل الذى يحسب نفسه دجاجة ، وقد عبر المخرج من خلالها عن مشكلة أطفال الملاجئ وانتقد قسوة القائمين على إعالتهم. انحازت اللجنة للأفلام التى شطح فيها المخرجون بخيالهم، وخرجت من الجوائز أفلام مميزة كفيلم فى الصندوق من أستونيا والقلب الكبير من بولندا، وأستغرب وجود عدد من أفلام التحريك فى تسابق واحد مع الروائى الحى إذ تتطلب تحكيما منفصلا ويتم تذوقها بشكل مختلف وكانت كلها مميزة وتستحق جوائز خاصة اكتفت اللجنة بمنح الرجل ذو القلب المسروق شهادة تقدير.  أحيانا كنت المتابعة الوحيدة للأفلام القصيرة ومعى مخرجيها ، ولجنة التحكيم التى كانت تشاهد مع الحمهور و، لم أجد حولى أحدا من شباب الصحفيين ليسأل سؤاله الخالد " الفيلم ده عاجبك؟" وكأنهم بالرفض يضعون أنفسهم فى مكانة كبار النقاد والعالمين بالفن الرفيع. أحسب أنهم فضلوا متابعة الأقلام الطويلة، ولكننى أيضا لم ألمح الكثيرين منهم عندما انتهت أفلام المسابقة القصيرة وركزت على متابعة الأفلام الطويلة، جائز حضروهم الذى لم ألحظه، هم نادرا ما يكملون فيلما أو يبقون للمناقشة. أحسد الشباب على ثقتهم  وترفعهم. وأحى زملاء صحفيين ونقاد وأخص منهم ماجدة موريس ومجدى الطيب وطارق الشناوى وأمل الجمل، الذين حرصوا على المتابعة بتركيز وكانوا أكثر تواضعا ولم يسمحوا لأنفسهم بالحكم على أفلام لم يشاهدونها.
الأفلام الطويلة :
 أحد الأفلام الهامة بالمهرجان فيلم " البرتقال والشمس الذهبية " لم يتابعه حتى النهاية سوى المخرج الكبيرداوود عبد السيد والسيناريست هانى فوزى وماجدة موريس والسيناريست فايز غالى وكاتبة هذه السطور وجرت فيما بيننا مناقشة ونحن ننتظر وسيلة الانتقال لمكان الإقامة استمعت فيها بآراء داوود عبد السيد حول الفيلم وبعلمه الغزير. يناقش الفيلم قضية هامة تورطت فيها السلطات الإنجليزية والكنيسة بتهجير أطفال الملاجء دون مراجعة ذويهم للعمل فى السخرة فى استراليا وخاصة فى بناء كاتدرائية. يدين الفيلم بشدة رجال الدين الذين تورطوا فى هذا الأمر والحكومات المتعاقبة. عبر بناء هوليودى لا يخلو من الميلودراما تتبع المتخصصة فى الشئون الاجتماعية خيطا يبدأ بتتبع جذور فتاة لا تعرف أما لها وتصل بجهودها للم شمل هؤلاء الضحايا مع ذويهم وتتكشف الجريمة الرسمية. المخرج جيك لوتشهم ابن المخرج الكبير كين لوتش  صاحب الأفلام التى تتناول قضايا سيسية من وجهة نظر اشتراكية، وهى نفس وجهة نظر المخرج الفرنسى فى فيلمه الهام"جليدكليمنجاروا" الذى توقعنا له جائزة ويناقش قضية الفصل الجماعى للعمال وتصفية الشركات فى النظام العالمى الجديد بأسلوب ينتمى إلى المدرسة الواقعية الاشتراكية التى تتناول بشكل رومانسى قضايا الصراع الطبقى وتنتصر للنضال ضد الرأسمالية حتى لو تم بشكل فردى. حرج الفيلم من سباق الجوائز رغم تمتعه بإعجاب الحاضرين على اختلافهم من مخرجين ونقاد وصحفيين جذبهم الفيلم وقهر تعاليهم. وهو نفس ما حدث مع فيلم باربرا الذى سبقته سمعته بحصوله على الدب الفضى من مهرجان برلين الأخير وأحسبه يستحق الجائزة الذهبية من المهرجان. والفيلم يناقش قضية هامة تتعلق بالقمع فى ألمانيا الشرقية من خلال شخصية الطبيبة باربرا التى تعاقب على طلب خروجها من البلد بنفيها فى إحدى قرى ألمانيا الشرقية. تتغيرحياتها بتعرفها على الطبيب الذى يقبل البقاء فى الشرق رغم كل الظروف لمساعدة المرضى الذين يحتاجونه ومنهم ستيللا الشابة  التى تنجح فى الهرب من معسكر الاعتقال وتمنحها باربرا فرصة السفر للخارج بدلا منها بينما تبقى هى للقيام بدورها الإنسانى مع الطبيب الآخر. الفيلم يتميز بمزجه بين العام والخاص ويالانتصار للدور الإنسانى للطبيب وتحمل المسئولية.
بهذه الأفلام الثلاث بالإضافة لفيلم رحلة إلى البرتغال وفيلم الصندوق من صربيا الحاصلين على شهادتى تقدير بالإضافة للأفلام أخرى شهد الزملاء بتميزها كفيلم الدب وفيلم الابن البار الذى حاز ذهبية المهرجان ومنعنى التركيز فى عروض الأفلام القصيرة من مشاهدتها. ومع فيلم ابنة حارس القبور الذى حاز فضية لجنة التحكيم نكون أمام مجموعة جيدة جدا من الأفلام التى تستحق المشاهدة والنقاش مع صانعيها الذين كان وجودهم بيننا دعما لعلاقات جميلة بين البشر فى عالم يبذل فيه الفنانون جهدا للتغلب على خطايا السياسيين ومشعلى الحروب. وضحت خبرة ماجدة واصف رئيس المهرجان فى جذبها لأسماء هامة من سينمائى أوربا شاركوا سواء فى التحكيم أو فى الندوات وبأفلامهم .
مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوربية الدورة الأولى 17-22 سبتمبر هو ثالث مهرجان يعقد بعد ثورة 25 يناير سبقه مهرجان السينما الإفريقية بالأقصر أيضا فى فبراير وبعده مهرجان الإسماعيلية فى يونيو تشهد بأن السينما نجحت فى التواجد رغم تغير السياسات بل يمكننا القول أن الإحساس بأهميتها قد دعا وزارات الثقافة والسياحة والمالية بالإضافة للمحافظات لدعمها بكل الوسائل الممكنة لتؤدى دورها الثقافى والسياحى والإنسانى فى دعم السلام بين الشعوب.