رحمة منتصر ساحرة النهايات وليلى السايس فنانة العفاريت
في البدء كان التصوير
الفوتوغرافي ، كاميرا ولوحة تظهر عليها
الصور، كان اسمها الشعبي عفريته، وهو النجاتيف ثم تطبع منه الصورة التي تسجل الشيء
المصور، ثم تطورت صناعة الكاميرات ومعها أيضا فيلم نيجاتيف، شريط مثقوب يدور على
تروس الكاميرا، لقطة لقطة، يحمض ويطبع منه صورا موجبة ، فن الفوتوغرافيا كان نواة
فن السينما الذي بدأ مع معلومة علمية أن العين تحتفظ بما تراه لوهلة قبل أن تظهر صورة
أخرى فمع تتابع لقطات ثابتة يحركها زمبرك يشاهد الناس الصورة وكأنها تتحرك، سميت
الخيالة، فهي خيالات على لوح يتراءى للناظر أنها تتحرك. تطورت الصور المتحركة
وصارت أفلاما وظهر مع التطور مهنيين يقومون بأعمال تتعلق بهذه العملية الفنية
الساحرة، شريط من الفيلم الخام يصور ويصبح سالبا، نيجاتيف تتلقاه بعناية فائقة يد
خبيرة تراجعه على منضدة التقطيع ، تلصق الأجزاء المصورة معا لتكون لفات تعود الى
المعمل ليطبع منه نسخة موجبة، بوزيتيف، تعرض على جهاز المونتاج ، الموفيولا وتبدأ
عملية فنية أخرى بوضع علامات على الشريط لبداية لقطة ونهايتها، يقوم مونتير البوزيتيف
مع المخرج باختيار الأجزاء المطلوبة، تنفذ العلامات على الحصان هورس وريويندر،
معدات اخترعت نتيجة الحاجة في بلاد لديها نهضة صناعية وانتشرت في مصر والعالم بعد
بدايتها في فرنسا بعام واحد.
مونتير البوزيتيف القديرة
وأستاذة المونتاج رحمة منتصر التي نحتفي بها ولدت في حي شبرا ونشأت فيه ودرست
بمدرسة شبرا الثانوية ، كانت ترقص باليه وتمارس أنشطة متعددة، كانت بين خمسة كونوا
فريقا للباليه بالمدرسة كما مارست ألعاب الجمباز والقوى وعزف الموسيقى، في مرحلة
الثانوي أيضا بدأت القراءة بنهم وخاصة الروايات العالمية، صلاح أبو سيف ابن خالة
والدتها ، خالو كما كانت تناديه نصحها بالتقدم إلى معهد السينما بعدما أخفقت في
الحصول على مجموع يؤهلها للالتحاق بكلية الهندسة التي كانت تريدها. أعطاها كتابا
عن تاريخ السينما لجورج سادول، انجذبت إلى حدوتة السينما وأجادت التعبير عن فيلم "
نهر الحب" في اختبار القبول الذي اجتازته مع القريبة والصديقة منى الصبان،
بدأت الدراسة بالمعهد كثالث دفعة عام 1961
وتخرجت عام 1965 ، تتلمذت على يد حلمي حليم ويوسف شاهين وصلاح أبو سيف ،
حلمي حليم كان يطلب منهم قراءة كتب كان والدها يحضرها لها فأحس بجدية الدراسة وتغير
اقتناعه بعد أن كان غير متحمس لدراستها للسينما. درست المونتاج على يد سعيد الشيخ
، والمونتير ولاء صلاح الدين كان مدرس ممتاز كما تتذكر . أيضا درس لهم توفيق صالح،
ود . مجدي وهبة مادة انجليزي، عبد القادر القط مادة الأدب ، وعواطف عبد الكريم
الموسيقى. كانت وحدها في الأسرة التي اتجهت للفن بين أخ كبير ياوران برئاسة
الجمهورية، وأخت طبيبة أسنان، وأخ خبير رياضي . الوالد كان موظفا بالبريد والأم
متعلمة ولكنها لا تعمل. تقول رحمة : "كنا نذهب كأسرة لمشاهدة الأفلام بسينما
الأمير في خلوصي بشبرا، ثلاثة أفلام ، يرغب أبي في المغادرة بعد فيلمين وأمي تفضل
مشاهدة الفيلم الثالث فنبقى . حين كبرنا أصبحنا نتردد على سينمات وسط البلد ونشاهد
الأفلام المعروضة بها. عينت بعد عام من التخرج معيدة في قسم المونتاج وكنت درست لغة
فرنسية فتمكنت من الترجمة الى الخبير بوهريه الذي قدم كمحاضر في فن المونتاج وكنت
معيدة معه." تعرفت رحمة منتصر على
صلاح مرعي بمعهد السينما عند تخرجها عام 1965، كان يسبقها بدفعتين فهو خريج الدفعة
الأولى قسم ديكور، تمت الخطبة عام 1967 ، سافرت للدراسة العليا في لندن فيلم سكول
، تزوجا بعد عودتها عام 1972 ، لديهما الابن أحمد ومريم وهما مهندسان معماريان،
مريم لديها ابنة عشر سنوات وأحمد لديه ابن عدة شهور.
أما مونتيرة النيجاتيف
والرائدة ليلى السايس . فقد نشأت وولدت في مدينة بورسعيد، كانت أحد
أبناء التاجر وصاحب محلات حسن السايس وهي من حي الإفرنج الذي يقع ناحية الميناء .
وقد درست في مدرسة بورسعيد الثانوية بنات وجاءت مع أخيها إلي القاهرة حيث دخلت
كلية تجارة وأثناء دراستها رأت إعلان ستديو مصر عن طلبهم لشغل وظائف في الأستديو
ولحبها وشغفها للفن تقدمت للتوظف، ولكن الوظائف المطلوبة كانت لقسم الصوت بقياده
المهندس نصري عبد النور في ذلك الوقت حيث رفض عمل البنات لأنه كان يريد مسجلي صوت
رجال وهي مهنة شاقة وتحتاج ساعات عمل طويلة، ولكنها نجحت في الإمتحان فأخذها مدير
المعمل في ذلك الوقت الأستاذ رضوان ودربها علي مهنة النيجايف هي وأخريات ولكنها
الوحيدة التي استمرت وتميزت وعملت في استديو مصر في مونتاج نيجاتيف للعديد من
إعلانات وأفلام تسجيلية إلى الأفلام الروائية الطويلة . وبعدما تخرجت من كلية
تجارة التحقت بالمركز القومي للسينما التابع لوزارة الثقافة واستمرت في عملها
بالوظيفة وخارجها كمونتير نيجاتيف. طورت عملها وتوافقت مع الطرق الجديدة في
التعامل مع مونتاج البوزيتيف على الكومبيوتر ولم ترفض التحديث كما فعل البعض.
ليلي السايس هي أرملة مدير التصوير
والمخرج السينمائي كمال عيد وأم الفنانة ميرال والإعلامية مهتاب عيد وأخت
المونتيرة عنايات السايس.
وقد جاء أوان تكريمهما رحمة
منتصر وليلى السايس في مهرجان أسوان لأفلام المرأة في دورته الرابعة. تكريما
للنساء ولمهنة السينما وصناعتها التي تغيرت عن البدايات ولم تعد الأفلام تصور على
شرائط سيليولويد 35 مللي ولا 16 مللي، واخترعت تقنيات رقمية اندثرت معها مهنة
مونتاج النيجاتيف وبقيت مهنة المونتاج الذي يتعامل مع نسخة رقمية من المادة
المصورة ويقوم بعمله على جهاز كومبيوتر بدلا من جهاز الموفيولا بتروسه وطاراته
وبكراته التي يلتف حولها شريط الفيلم.
لفترة كان التصوير كالسابق على خام سينما ثم ينقل للمونتاج على هارد ديسك فكانت
مهنة النيجاتيف مستمرة رغم أن المونتاج لم يعد يجري على شريط بوزيتيف على جهاز
الموفيولا. ثم انتهى تماما - في مصر على الأقل- التصوير السينمائي فتوقفت مهنة مونتاج
النيجاتيف ، اللهم إلا عند الحاجة إلى مراجعة نسخ قديمة من الأفلام. لم يعد
المتعاملين مع العفاريت مطلوبين وبقي فقط ساحرات الفيلم السينمائي بأصابعهن
الذهبية يمنحون الفيلم إيقاعه وزمنه النهائي في مرحلة تقفيل الصناعة مع النهايات.
رحمة منتصر فنانة المونتاج الباحثة
والأستاذة، تعلمت وساعدت مونتيرين كبار ممن مارسوا المهنة دون دراسة أكاديمية مثل
سعيد الشيخوكمال أبو العلا، ثم تخرجت وعينت معيدة وعلمت أجيالا تالية حرفة
المونتاج وفنه، كتبت الأبحاث عن زملاء بحب يكسر قاعدة " ولاد الكار " عن
عادل منير وأحمد متولي وآخرين كتبت وحللت أعمالهم، ووجهت طلبتها ليكتبوا عنهم
ويحللوا أعمالهم، تثق في ضرورة تواصل الأجيال وفي أهمية حفظ الخبرات وتوثيقها جيلا
بعد جيل. لم أسعد بالتعلم المباشر من رحمة منتصر فقد درست المونتاج مع سعيد الشيخ
وكانت المعيدة المشرفة على مشروعات تخرجي المونتيرة عزة حليم، وكانت رحمة تتابع
الخريجين وتعرفهم، تطلب مني التقدم للدراسات العليا" أنت خامة طيبة"
أبتسم لها، فرحة بثقتها غير قادرة لظروف عائلية على العودة لاستكمال دراسة
استكملتها هي فكان الماجستير والدكتوراه ولم تنقطع عن كتابة الأبحاث حتى بعد أن
أصبحت د. رحمة. رحمة منتصر النموذج المثالي لما يجب أن يكون عليه المونتير، مستمع
جيد، هاديء ، دارس للدراما، حس عال بالإيقاع. الإيقاع بمعناه الفني الذي يناسب
وظيفة اللقطة والمشهد وليس بمعناه الدارج من سرعة القطع واللعب بالحيل المونتاجية.
إذا كان وودي آلان قد قال إنه لايحرك الكاميرا بلا داع ليقال عنه أنه " موفي
بيكتشرز ديركتور" فكذا المونتير الواعي لا يقطع إلا عند الضرورة ولا ينتقل
للقطة تالية - عمال على بطال- ليقال عنه أنه مونتير شاطر. التقطيع السريع والتابع
لإيقاع جملة موسيقية يحسبه البعض قمة البراعة المونتاجية، والعكس صحيح تماما،
فالمونتير الخلاق هم من يمنح اللقطة زمنها المحسوب فيتمهل عندما يكون التمهل
مطلوبا، ويقطع فجأة أو بحدة حين يتطلب المعنى الدرامي ذلك.
كتبت رحمة عن المونتير عادل منير وفيلمه العوامة 70 ضمن
حلقة بحثية نسقتها كاتبة هذه السطور مع المجلس الأعلى للثقافة بعنوان " فيلم
ومونتير" الفكرة عن عمل أول لمخرج يقوم على مونتاجه مونتير صاحب خبرة، بدأت
منتصر بحثها بمقدمة عامة عن المونتاج ذكرت فيها أن المونتاج يتم على ثلاثة مراحل
في السيناريو والأخراج ثم المونتاج، وعليه و لا نستطيع أن نقول إن مونتاج الفيلم
جيد بل نقول الفيلم جيد فيكون مونتاجه أيضا جيدا لأن المونتير استطاع أن يصل
بالفيلم مع باقي العاملين به إلى المستوى الفني والتقني الجيد . هذا المنهج المتفق
مع ما كتبته يوما عن المونتاج الذي يبدأ من السيناريو، الدارسين لفنون السينما
يدركون العملية المركبة للمونتاج ولا يعتبرونها تتم فقط على طاولة المونتاج ورحمة
كأستاذة تدرك هذا جيدا. تقوم رحمة في بحثها بتعريفنا بالمونتير عادل منير وعن
صعوبة العمل في تلك الفترة إذ كان من الصعب على خريجي المعهد أن يشقوا طريقهم وسط
المونتيرين الموجودين ولم يستطع العمل بالمونتاج السينمائي إلا من أثبتوا جدارتهم
من أمثال عادل منير وأحمد متولي . وقد قام عاد منير بتكوين نفسه كمونتير من حيث
القراءات والمشاهدات السينمائية والتدريب العملي بجدية شديدة حتى استطاع أن يتحمل
مسئولية القيام بمونتاج الفيلم السينمائي وأن يشق طريقه بين الجيل الأول من
المونتيرين السينمائيين. ثم قدمت تعريف بالفيلم محل الدراسة " ونلاحظ أن
الفيلم لا يعتمد على التكنيك وتقطيع المشاهد إلى لقطات وتجميعها في المونتاج حيث
لا يوجد احتياج لذلك . اعتمد الفيلم على الحوار الذي يوصل رسالة الفيلم ، وعلى
اللقطات الطويلة التي تتيح لنا المتابعة . والمونتاج في الفيلم يعتمد على تكوين
المشاهد من التفاصيل وهو الأسلوب الذي يعتمد عليه خيري بشارة في الإخراج. وفي
الندوة وبعد عرض الفيلم أوضحت توضيح أسلوب المونتاج تفصيليا ، مع أخذ أمثلة من
مشاهد محددة وإظهار دور الفنان عادل منير في تجسيد دراما الفيلم . وخلصنا أنه أيا
كان المستوى العام للفيلم، فمونتاج " عادل منير " يخرج من التقييم العام
ليتميز وحده وعندما يتوافق عمله مع المخرج نجد أمامنا مونتاجا بديعا مجسدا للفيلم
كوحدة فنية يضع المونتاج اللمسة الأخيرة في تكوينها . هكذا الفنانة رحمة منتصر في احترامها
لمهنة المونتاج ولزملاء المهنة جميعهم.
وفي المجلد الضخم الصادر عن مهرجان القاهرة السينمائي
الدولي في دورته العشرين برئاسة سعد الدين وهبة المجلد خاص باستفتاء جرى بمناسبة
مائة سنة سينما وفيه خلاف لقائمة أفضل مائة فيلم مصري دراسات ومقالات منها "
أحاديث حول المونتاج" لرحمة منتصر أجرت فيه حوارات مع رشيدة عبد السلام وسعيد
الشيخ ونادية شكري وإميل بحري، وكمال أبو العلا ، وعطية عبده ، وعادل منير ،
وألبير نجيب ، وحسين أحمد وفتحي قاسم ، وحسين عفيفي . نلاحظ أنها لم تثبت أسئلة
كررتها مع كل حالة، بل انطلقت بشكل حر من معرفتها بالمونتير وأعماله والمخرجين
الذي عمل معهم. كل حوار ينتهي بقائمة أعمال فنان المونتاج بما يجعل الحوارات مرجعا
هاما عن العاملين بالمونتاج على مختلف أساليبهم. أغلبهم من العصاميين الذين
اكتسبوا المهنة بالخبرة فيما عدا عادل منير القريب منها إنسانيا والمختلف عنها في
طريقة عمله.
رحمة منتصر
قامت بمونتاج العمل الأول للمخرجة أسماء البكري ، كتبت عنها دراسة في حلقة بحث
أخرى بالمجلس الأعلى للثقافة ونشرت في المجلة المحكمة " وجهات نظر"
وفيها كتبت: رحمة منتصر أستاذة المونتاج في معهد السينما ، سيدة هادئة جدا صوتها يكاد لا يسمع ، ،
التقيتها في ورشة عمل في استديو نحاس " النيل " حيث أستاذ الكرسي
المتصوف " شادي عبد السلام " ونحن طلبة معهد السينما نحج إليه كالمريدين
نستمع منبهرين لمشاغبته لنا عن غيره من المخرجين ، أساتذتنا الذين لا تنقطع أعمالهم
. بينما هنا في مركز الفيلم التجريبي يسير العمل في إيقاع هادئ يشبه صاحبه
وتلامذته ومنهم رحمة منتصر المونتير المساعد في فيلمه " المومياء " .
كانت مع الأستاذ – وكان هذا لقبا كافيا لشادي
عبد السلام – يعملان في " جيوش الشمس " ويجربان طرقا فنية باستخدام
وسائل معملية لعمل مؤثرات حربية بالصورة ، تجارب شادي لم تكن تتوقف في المونتاج
وكانت " رحمة منتصر " بهدوئها نموذجا للصورة التي حدثنا عنها أستاذنا
سعيد الشيخ عن المونتير الهادئ الصبور ، وخاصة عند التعامل مع مخرج من نوعية شادي
عبد السلام ، قد يفكر عدة أيام في لقطة تستغرق ثوان على الشاشة ليقرر المكان
المناسب للقطع .
بعد حياة " شادي عبد السلام
" القصيرة نسبيا مع فن السينما انتقل عدد كبير من تلامذته للعمل مع أستاذ آخر
وهو يوسف شاهين والتقت " رحمة منتصر " مع المخرجة أسماء البكري في عملها
الأول والمختلف عن السينما السائدة " شحاذون ونبلاء " بأسلوبه
المختلف وذوقه الخاص والذي ناسبه مونتاج " رحمة منتصر " بإيقاعه الذي
يعطي اللقطة زمنها المطلوب فيكون متمهلا عند الرغبة في التأمل ، حادا وسريعاً
لإحداث معنى المفاجأة وتحقيق التأثير المطلوب .
" شحاذون ونبلاء " العمل
الأول لمخرجته أسماء البكري به طزاجة الأعمال الأولى ، وبدائية الحرفة أحيانا ومع
جمال الموضوع المعتمد على قصة لأديب مصري يكتب بالفرنسية ، تمكنت من صياغة سيناريو
بمشاهد تشبه فصول كتاب . المشاهد في فيلم
" شحاذون ونبلاء " قليلة ومكثفة تعكس على بساطتها فكرة عميقة عن أثر
الحرب العالمية على مدينة القاهرة ، مركزا على موقع واحد لمنطقة شعبية – حي
الجمالية - ، الحارة بشخوصها المتنوعة والمرسومة بشكل لم نعهده في السينما السائدة
، الفيلم مصاغ في بناء موسيقي بوحدات مشهدية يمكن تقسيمها إلى ثلاث وحدات رئيسية :
الافتتاحية ، الأزمة ، ثم الحل . سأمضي في التحلي لعملها المبدع وأنتهي إلى "
رحمة منتصر " وجدت لديها مادة للعب بها من أحجام اللقطات وزواياها ،أداء صامت
معبر ، وجمل حوارية دالة ، عناصر الصورة مخدومة فنيا ، الموسيقى موجودة طوال الوقت
ولكن درجة علوها وانخفاضها تأليفا وأثناء عملية المكساج قدمتها في أروع أشكالها ،
الأسلوب الذي أخرجت به المخرجة مشهد القتل مؤثر دون عنف فج بعد أن أعدت له مسرح
الحدث جيدا .
التحقيق يتم في صالة البيت "بيت
الدعارة " يفد عليه الزبائن وكلهم موضع شك ماعدا الفاعل " الأستاذ جوهر
/ صلاح السعدني " مؤديا دوره بامتياز ومعه عبد " الضابط / العزيز مخيون
" الذي سيقاسمه البطولة منذ ظهوره المتأخر بعض الشيء حتى نهاية الفيلم التي
يحدث فيها تحول في شخصيته لينضم إلى مجموعة
أبطال الفيلم " الشحاذون النبلاء " .
رحمة منتصر في انتقالاتها ولحظة القطع
داخل المشهد ، وانسيابية المشاهد وترابطها عبر الفيلم كله تحافظ على أسلوب محدد
على مدى الفيلم كله يعكس فهما لقضية الفيلم المركبة التي تتحدث عن أثر الحرب
العالمية على قاع المجتمع المصري من خلال شخوص لا تملك إلا الانتحار الصامت في
انتظار انفراج الأزمة .
الحل لا يبدو ورديا ولكنه حل منطقي لكل
ما نسجته المبدعتين من وضع يعكس أزمة
عالمية ومحلية وأزمات البشر الشخصية اختاروا الاستغناء عن الثروات والبقاء كشحاذين
يملكون نبلا داخليا رغم اليأس .
الذوق الخاص للفيلم ، النبرة الهادئة
وعدم الصراخ ، الموسيقى في مكانها فقط ، الممثلون من غير النجوم ، التركيز على
أبطال غير مزيفون ، لا توجد قصور فخمة وبدل ومعارك سينمائية ، الجمال ينبع من
الذوق حتى في بيت الدعارة ، لا سوقية في الألفاظ ولا جنس مباشر ولكن تعبير مكتوم
وقوي عن كافة الأشياء السياسة والكبت الجنسي وكراهية الشر في العالم والنفس
الإنسانية ، كل هذا غريب على المشاهد الذي تربى على أسلوب زاعق وثنائيات الخير والشر ، كافة الأنماط ، غريب على من تعود
على أفلام كلها صراخ وحدة وضجيج وصخب يشترك فيه عادة الكتابة مع الأداء التمثيلي
والإخراج ، وهو غير موجود في" شحاذون ونبلاء " للسيدتين المبدعتين "
رحمة منتصر " و" أسماء البكري ".
الفيلم أحد ستة
أفلام روائية طويلة قامت بمونتاجها فنانتنا المبدعة وكلها تمثل علامات لمخرجيها
وأفلام مهمة في قائمة أفلام السينما المصرية غير السائدة والتي نكتشف جمالها كلما
مرت السنوات:
يوم حلو ويوم مر – سرقات صيفية 1988 ، شحاذون ونبلاء – البحث عن سيد مرزوق –
المواطن مصري 1991 و إشارة مرور 1996 .
خلافا لمونتاج الأفلام الوثائقية، آفاق، كرسي توت عنخ آمون،
جيوش الشمس لشادي عبد السلام وفيلم القاهرة 1980 للمخرج سمير عوف ، وفيلمي انجي
وحديقة الحيوان لمحمد شعبان .
السينما المصرية صناعة كبرى بها ورش
متعددة ومختلفة، ففي ورشة الفيلم التجريبي لصاحبها شادي عبد السلام ازدهر عمل رحمة
منتصر مونتير البوزيتيف القديرة، وفي ورش أخرى ازدهر عمل ليلى السايس مونتير
النيجاتيف الرائدة لمخرجين من مدارس مختلفة. قامت ليلي السايس بمونتاج النيجاتف لما يقرب من 152 فيلما روائيا
كبيرا ومئات من الأفلام التسجيلية والإعلانات التلفزيونية والمسلسلات التلفزيونية
السينمائية. بادئة مشوار العمل من استديو مصر إلى استديو نحاس ثم مكاتب المونتاج في الألفية
الجديدة. تعاملت ليلي السايس مع أجيال مختلفة من المخرجين فمن العصر الذهبي كمثال
وليس على سبيل الحصر بركات، وكمال عطية، وحسن الإمام ، وعاطف سالم، وأحمد ضياء
الدين، والسيد زيادة، ثم جيل نادر جلال وأشرف فهمي وحسن حافظ ومحمد عبد العزيز ثم
أحمد يحي وكمال عيد وعادل الأعصر ،كذامع مخرجي جيل الألفية الجديدة أمثال وائل
إحسان وشريف مندور وأحمد عواض وأمير رمسيس وألفت عثمان. أفلاه هامة منها غدا سأنتقم،
وداد الغازية، حتى لا يطير الدخان، الموظفون في الأرض، انتحار صاحب شقة، الصبر في
الملاحات، كراكون في الشارع، مراهقون ومراهقات، يا عزيزي كلنا لصوص، سيارة الأمير
، السجينة 67 ، الخادم، رحلة مشبوهة، رجل له ماض. مع سعيد شيمي مخرجا: الكنز ، ومع
أشرف فهمي: ليل وخونة، فخ الجواسيس، ضربة جزاء، ليلة القتل، قانون ايكا، السرايا
الصفراء ، إعدام قاضي، حب بين قوسين. مع كريم ضياء الدين: طأططأ نام، طأ طأ قام.
مع كمال عيد: زواج مع سبق الإصرار، الخط الساخن، عايزين لعب. عادل صادق، زوج تحت
الطلب، مع عادل الأعصر: عفريت النهار، الخروج للقمة،علاقات مشبوهة، قدارة، بوابة
ابليس، عنبر والألوان، الجبلاوي ، الحفار، مخالب امرأة، العملية 42، السقوط، فضيحة
العمر، دموع الشيطان .
حتي أوائل التسعينات كانت الإعلانات
تصور سينمائياً ، وكانت ليلي السايس من
أكثر المونتيرات عملا في العديد منها ، عملت مع مخرجي الإعلانات مثل طارق نور
وكمال عيد ومحمد سامي وطارق هاشم وأحمد كامل وأخرين، كما قامت بمونتاج النيجاتيف
لعدد من مشروعات تخرج لطلاب معهد السينما.
وبحكم عملها في المركز القومي للسينما قامت بمونتاج
النيجاتيف لمئات الأفلام التسجيلية شاركت في المهرجانات المحلية والدولية، شاركت بالعمل أيضاً
في المسلسلات التلفزيونية التي كانت تصور بشريط السينما ومن أشهرها مسلسل الوليمة.
هذه القدرة
على مواصلة العمل لسنوات طوال في حب السينما مهنة للرزق، ومتعة المشاركة في منتج
مصري يوثق لحياتنا ومساهماتنا في بناء الحضارة رغم قلة الإنتاج مقارنة بأوقات مضت،
وتبقى مساهمات مبدعاتنا رحمة منتصر وليلى السايس دعما لفن السينما وعلامة مضيئة في
تاريخ المرأة المصرية.
كتب بمناسبة تكريم رحمة منتصر وليلى السايس قي أسوان 2020 لتلي سينما
صفاء الليثي
نشر بمجلة تلي
سينما تصدرها نقابة المهن السينمائية
النقيب مسعد فودة،
رئيس التحرير أيمن الحكيم