Saturday, 25 July 2020

القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا 2 في فيلم الأسطى حسن 1952


الأسطى حسن  والسقوط في الغواية
يتم تقديم شخصية الأسطى حسن منذ المشهد الأول كشخص غير راض في مقابل زميله شلاطة الذي يعلن كدعاية للنظام الجديد بعد الثورة " كل المدارس بقت جنبنا ومجانا " خلفهما لافتة القناعة كنز لا يفني، ولا يكتفي صلاح أبو سيف بالصورة بل يجعله يقرأها، لتصل الرسالة الى كل المتفرجين. المشهد الثاني تغني فيه هدى سلطان أغنية " الشرط نور وأنا شارطة عليك" بينما تنظف بيتها بنفسها في تضاد مع كلمات الأغنية بشكل ظريف. ويستمر المخرج في تقديم تفاصيل الحياة مع معاناة الفقر وابنه الواد محروس يشاكسه مضافا إليه نموذج الحماة  ماري منيب التي تعاير زوج ابنتها بفقره. المشهد الثالث يركز على ساق لسيدة جميلة في سيارتها تأتي الى الورشة لتتفق على تركيب باب في منزلها فتلحظ العامل القوي، تتأمله وتختاره وتعبر سيارتها الكوبري بين بولاق والزمالك ، سينما صلاح أبو سيف التي توجز وتشرح بالصورة والكلمة في إلحاح على الفكرة. يقدم مقابلة متوازية بين الزوجة التي ترضى بعيشها ، عزيزة بنت البلد التي يحترمها أهل الحتة، والهانم كوثر التي تصطاد الرجل وتغويه ، ويواصل أبو سيف استعاراته مع تمثال يصفر كلما خلت الهانم بالذكر القوي في غرفة النوم. تحول الأسطى الناقم على فقره إلى ذكر داعر يبيع جسده. يقيم لديها وينسى أسرته تماما، مزج الواقعية بالدراما الغنائية حين يسأل الابن عن أبيه فتغني هدى سلطان نام يا ضنايا نام. السخرية من الأسطى غير القادر على التأقلم مع الأغنياء ويدخل في شجار مع الحبيب الجديد لكوثر الذي يقول باين عليه سمكري، فيرد الأسطى، سمكري لكن أنضف منك انت صايع. يزور الحارة بمظهره الجديد ببدلة فخمة وسيارة بسائق، يلقي النقود لهم ويعود لعيشته الهانئة. يغيب فيحصلون على عنوان إقامته وتقرر الزوجة أن تقابل الهانم في مشهد تكرر في مئات الأفلام المصرية، كوثر على البيانو وعزيزة تطلب منها " سيبيلي حسن ، جوزي، رجلي، أنا أغنى منك بشرفي وايماني بالله. انت شيطان" يظهر حسن ويضرب زوجته بالقلم على وجهها. 

وصلنا الى منتصف الفيلم الزوجة تقرر أن تخرج للعمل ويتم تقديم مشهد حزين لها مع أخريات على ماكينة الخياطة. يتم تقديم عمل المرأة ككارثة حلت على الأسرة وليس دفاعا عن حقها في العمل. محروس الصبي أيضا يعمل وسط تشجيع من أهل الحارة في وقت لم يكن عمل الأطفال مدانا بل دلالة على الجدعنة وتحمل المسئولية. ويستمر التوازي بين جدعنة الطفل وتضحية المرأة في مقابل حياة سهر ومقامرة للأسطى حسن محاولا العيش في ثوب لا يلائمه. تتطور الأمور ويتهم بقتل كوثر ويتبين أن القاتل هو زوجها حسين رياض الذي كتب لها ثروته بعد إصابته بالشلل، يظهر الحق ويعود حسن نادما الى عزيزة ومحروس وقد وعي الدرس وينتهي الفيلم بحكمة من خلال أغنية ، اللي يرضى يعيش بقليله المقسوم ، راح ييجي يوم يعيش مرتاح.
شجاعة كبيرة من فريد شوقي أن يقوم بدور البطل الضد في أول بطولة مطلقة له عام 1052 ، ولكن العبرة بالختام الذي يعود فيه إلى أسرته وأهل حارته الطيبين، وكأي عمل درامي هناك الأخيار والأشرار، انحياز أبو سيف واضح ، الفقراء أولاد البلد هم الأخيار. القانعون بعيشهم والكادحون، والأشرار هم مجموعة كوثر المرأة الهائجة وأصدقائها فوفو بيه وسوسو بيه ، البهوات والهوانم ، عاطلين بالوراثة. نجح الفيلم نقديا وجماهيريا لأنه يتوجه إلى شريحة المشاهدين المتابعين للسينما التي تنقل لهم أجواء لا يعرفونها في الواقع، القصور وبيوت الأغنياء والملاهي الليلية، تدين طبقة ليسوا منها وتظهر تضامنهم الذي يصل أحيانا إلى حشرية مرفوضة في أيامنا هذه، ولكنها في سنوات الخمسينيات والستينيات ومنتصف السبعينيات كانت مطلوبة وبدونها يصعب على الفقراء العيش.
تغيرت القيم الاجتماعية ولم بعد عمل الطفل جدعنة بل استغلالا تحاربه منظمات حقوقية، ولم يعد عمل المرأة مهينا لها بل حقا مكتسبا بعض النظر عن احتياج الأسرة لعائد عملها، وبقيت قيمة الرجل الذي لا يترك زوجته ويبيع روحة لمن تدفع. يظل الرجل محترما بعمله الشريف ، صابرا عاملا بجد لتحسين ظروفه.  
صفاء الليثي
نشر بمجلة روز اليوسف العدد 4806 باب للفن فقط إشراف شيماء سليم


No comments:

Post a Comment