لجان المشاهدة في مهرجانات السينما
..
استشارية أم ملزمة؟
على مدى سنوات
شاركت في لجان لاختيار أفلام مهرجاني القاهرة والإسماعيلية ، المصطلح العلمي لها
لجان اختيار أولي ( بري سيلكشن) مهمتها اختيار أفلام للمشاركة بالمهرجان من بين
أفضل ما تقدم . وحين اختارت لجنة مشاهدة مهرجان القاهرة فيلم " آخر أيام
المدينة " بحماس للمشاركة في المسابقة الرسمية وبعدما أعلن عن اختياره بالفعل،
تغير الموقف وفوجيء أعضاء اللجنة بفيلمين مصريين آخرين وعدم عرض الفيلم المختار
بأي قسم في المهرجان. أزمة حدثت فأثير النقاش هل رأي اللجنة ملزم أم أنها لجنة
استشارية؟
الناقد الراحل سمير فريد كان اعتمد التسمية لجنة اختيار الأفلام بينما
يعتمد الناقد يوسف شريف رزق الله التسمية بلجنة المشاهدة. وأعتقد أن الفارق كبير في المعنى وإن كانت النتيجة واحدة ، تقوم سياسة
رزق الله على أنه يستحيل عليه أن يشاهد بمفرده أفلاما تتخطى الألف فيلم بمتوسط
ساعتين لكي يختار من بينها الأفلام المشاركة، ولهذا يعتبر أن لجنة المشاهدة لجنة
معاونة له في غربلة الكم الكبير من الأفلام الذي يصل مهرجان القاهرة العريق. رزق
الله مديرا فنيا للمهرجان ومبرمج البرامج اختار مساعدا له في السنوات الأخيرة يشاركه
الاختيار. بعض الآراء تذهب إلى أن هذه اللجنة غير ذات صفة وأن الأفضل أن يكون هناك
مبرمج يختار الأفلام ويصنفها داخل أقسام المهرجان المختلفة. وأجد الرأي مناسبا
للمهرجانات الصغيرة كمهرجان شرم الشيخ الناشيء أو مهرجان الأقصر أو أسوان . ويبقى
مهرجان القاهرة في احتياج إلى لجان تختار وتمنح تقديرات ويقترح أفرادها القسم الذي
يرشحون الفيلم للمشاركة به. يحكم النقاد من خلفيات صحفية غالبا على محتوى الفيلم
وفكرته، أما النقاد من خلفيات أكاديمية أو من بين دارسي فن السينما وصناعها فيهمهم
الأسلوب الفني للفيلم وكيفية تناوله عبر تقنيات السرد. ولهذا أجد أن اللجنة الأكثر
توفيقا في الاختيار التي تضم نقادا صحفيون وصناعا للفيلم ممن يمتلكون حسا نقديا
ومن الممكن أن تضم أيضا مثقفا عاما أو ممارسا لفن الكتابة أو الفن التشكيلي، فتكون
عندها النظرة للأفلام شاملة فروع الفيلم الستة المعروفة . اللجنة الأنسب يتنوع
فيها أيضا الفئات العمرية والنوعية ، شبابا وكهول، رجالا ونساء. أذكر أن لجنة
ضمتني مع د. سلمى مبارك والصحفية علا الشافعي، وكنا ثلاثتنا نتحمس لفيلم لا يلفت
انتباه الرجال الزملاء من الرجال، الأنثى
تقرأ بشكل نسوي الأفكار والمشاعر بشكل يغيب عن الرجال أحيانا كثيرة. أما الخلاف
الأكبر فينشأ بين جيل قديم مازال يجد أن التزام الفن ضروري في المقام الأول بينما
يجد الشباب أن كسر القواعد والتجديد في الشكل عنصر يغلب المضمون ومفاهيم الالتزام
بكل أنواعها . يثار نقاش أيضا حول تضمن بعض الأفلام لمشاهد جنسية صريحة، عندها
تظهر وجهتي نظر، رأي يصرح قائلا بأن الحكم على الفن لدواعي فنية ولسنا رقباء على
الفن ورأي آخر يصرح بأننا نختار فيلما للعرض على مصريين متنوعي المشارب وليس
اختيارا في المطلق. أنحاز إلى الرأي الأخير ويكون اختياري بما أعتقد أنه مناسب
للعرض في مصر على جميع المستويات شكلا وموضوعا. تظل لجنة مشاهدة مهرجان القاهرة
لجنة استشارية ترشح عددا من الأفلام يتخطى كثيرا ضعف المطلوب لتكون هناك فرصة أمام
المبرمج ليختار بشكل نهائي الأفلام المشاركة بما يناسب لائحة المهرجان وبما يمكنه
الحصول عليه بأقل تكلفة ممكنة مع انخفاض سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية. إذن لجنة مشاهدة أو بري سيلكشن تعبير دقيق Pre-selection. وعلى حسب
توافق أعضاء اللجنة وتقبلهم للخلاف في جو ديمقراطي تكون اللجنة موفقة واختياراتها
مرضية، يلاحظ التوافق أو عدمه من شكلها وبناء عليه يقوم بالتغيير أو التجديد
.
لجان الإسماعيلية
رغم اختصار تسميتها إلى لجان المشاهدة إلا أنها لجنة اختيار باتة ونهائية بدرجة
90% ، واللجان تنقسم حسب فروع المسابقات فتكون هناك لجنة للتسجيلي بنوعية الطويل
والقصير، ولجنة للفيلم الروائي القصير ولجنة لأفلام التحريك. منذ البداية تم
اختيار اللجان من بين من مارسوا صنع هذه الأفلام والمتخصصين بها بشكل أساسي مع
تطعيمهم بالصحفيين، وأنحاز كثيرا إلى هذا التوجه الذي ينتج عنه دقة اختيار الأفلام
باعتماد أسلوبها الفني بشكل أهم من المحتوى الذي تعبر عنه.
أحد مهام أعضاء
اللجان سواء في القاهرة أو الإسماعيلية مراعاة التنوع في الموضوعات والأساليب
الفنية عند الاختيار، ولأن الواقع يفرض نفسه، كثيرا ما تؤثر القضايا المطروحة على
الساحة في عملية الاختيار، كأن تكون الهجرة غير الشرعية أو قضايا الإرهاب كما هو
حادث منذ سنوات، وقبلا كانت قضايا عمالة الأطفال أو اضهاد المرأة والأقليات، قضايا
آنية تفرض وجودها وتقود الاختيار بما يتجاوز في أحيان كثيرة المستوى الفني للفيلم
. وإذا كانت لجان التحكيم تختار ( أحسن الوحشين) مثلما عبر مخرجنا الكبير توفيق
صالح فهذا هو واقع الحال مع لجان الاختيار التي يمكن اعتبارها لجان تحكيم أولية
قبل الاستئناف.
يحرص المدير الفني
ورؤساء المهرجانات على تجديد تشكيل اللجنة ، يقوم الناقد الكبير يوسف شريف رزق
الله بقراءة تقارير الأعضاء بدقة، ومنها يشكل رأيا أوليا قبل أن يشاهد بنفسه
الفيلم الذي رشح للمشاركة، يقيم اختياره للأعضاء وبحسه النقدي يتحمس لعضو ويبقيه
لعام بعد عام أو يجده لم يؤد دوره كما يجب أو أنه لم ينتظم في الحضور، الالتزام
والحرص على الحضور الدائم أمر هام لتكون مشاركته فعالة ومتكاملة الرؤية .
تبقى علاقة أعضاء
اللجنة مع المخرجين المصريين شائكة، أغلب من يتقدمون بأفلامهم يحرصون على معرفة
أعضاء اللجنة، هي معلنة وتنشر تشكيلاتها بالصحف بالطبع، بعضهم يطارد العضو ويسأل
ويتعجل قرار اللجنة، البعض يعادى ويهاجم إذا لم يتم اختيار فيلمه، مبالغة المخرجين
المصريين في تقدير أعمالهم واعتمادهم على آراء أصدقائهم آفة كبرى ومن أكبر مشاكلنا
التقدير المبالغ فيه الذي يضعه المخرج لنفسه أو أن يوقعه حظه العاثر في أصدقاء
ينحازون له مهما كان مستوى عمله المتواضع غالبا.
عمل اختيار أفلام
للمشاركة بالمهرجان عمل شاق ومسئولية كبيرة، مسئولية تجاه المبدعين وتجاه
المتلقين، وطالما سعدت باستقبال الحضور في مهرجان الإسماعيلية للأفلام المشاركة،
وخجلت من كلمات الشكر على حسن الاختيار، وحزنت مرات أقل للمعاتبة على ضعف مستوى
بعض الأفلام المشاركة، مع السنوات شعرت أن الإسماعيلية للفيلم التسجيلي والقصير
أحد أفراد أسرتي يهمني نجاحه ويهمني أن يحوز إعجاب الأصدقاء. ومع مهرجان القاهرة
المسئولية الأكبر إذ يستمر الترشيح حتى أثناء المهرجان نظرا لتعدد العروض وتزامن
أكثر من برنامج، يوقفني زملاء ويسألون ( ترشحي لنا ايه النهارده ) أشير لهم على
انحيازاتي، تناسبهم غالبا وتكون فرحتي حين تخرج نتائج لجنة التحكيم فأجدها متوافقة
بدرجة كبيرة مع ترشيحاتي، تزداد ثقتي وأشعر بالامتنان للناقد الكبير يوسف شريف رزق
الله الذي منحني دورا في إقامة مهرجان مصر الأول وأستمر في تقبل المهمة على
صعوبتها لأن النتائج غالبا ما تكون مشجعة.
صفاء الليثي
نشر بمجلة الهلال مايو 2017 رئيس التحرير سعد القرش