Monday 30 January 2017
Friday 20 January 2017
قراءة فى أفلام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى 38
أفلام عالمية هامة
وممتعة
والمصرية مخجلة
فى ندوة فيلم " كلز اون هويلز
القتل على كراسى متحركة " الحائز على أفضل إخراج من لجنة التحكيم الدولية
فوجيء الحضور بالبطل المشارك فى العمل على كرسيه المتحرك بجوارى الصديقة طبيبة
وناقدة قالت إنه بالفعل يعانى من شلل رباعى، صفقنا طويلا للفيلم الممتع ولبطله
القادم من المجر على كرسيه المتحرك، أدركت دون أن يكون لدى معلومات مسبقة أن
المخرج لابد وقد أعاد صياغة أوراقه، السيناريو الأولى ليتناسب مع الكاستنج الذى
اختاره لفيلمه، سألت الممثل وكان الرد أن النسخة التى صورت هى النسخة التاسعة
للاسكريبت. وهذا فى رأى سر نجاح الفيلم – أى فيلم – إذ ينطلق من سيناريو مبدئى ثم
يتم التعديل ليتوافق مع فريق العمل ومستجدات التصوير. ينتمى " القتل على
كراسى متحركة " لنوعية فيلم الكوميدى أكشن، قديما كان لدينا نماذج ناجحة من
هذا النوع وهناك محاولات حديثة لثلاثى من السينمائيين الشباب لإحياء هذا اللون
المحبب ( قدموا سلسلة أفلام بدايتها كان سمير وشهير وبهير ) وهذا النوع
يتميز بتحقيقه للنجاح الجماهيرى ولإعجاب النقاد أيضا. نعود للفيلم الفائز بجائزة
الإخراج للعمل الأول، الجائزة استحقها لعمله على السيناريو وتطويره، ففى
النهاية السرد والتتابع المكونان لسيناريو الفيلم الذى يصلنا فى
النهاية مسئولية مخرجه حتى لو لم يقم بنفسه بعملية الكتابة، بشكل أوضح تقع
مسئولية سيناريو الفيلمين المصريين على عاتق مخرجيه كاملة أبو ذكرى فى " يوم
للستات "، وعلى إدريس فى " البر التانى" . حين قمت بدراسة لأفلام
صلاح أبو سيف ومن قبله بركات ونيازى مصطفى لاحظت أن السيناريو يتشارك فيه أكثر من
مبدع وصلوا إلى أربعة فى الفيلم الكبير "رصيف نمرة خمسة" لنيازى مصطفى،
وعادة يتخصص مبدع فى كتابة حوار أفلامناالمصرية التى نسميها أفلام الزمن الجميل ،
انفراد شخص واحد بالقصة والسيناريو والحوار وعدم وجود جلسات مناقشة السيناريو
والعصف الذهنى الواجب حدوثه قبل التصوير سبب رئيس لخلل البناء فى أفلامنا المصرية
الحديثة.
صلاح أبو سيف قال: " نجيب محفوظ
يقيم الأسمنت المسلح فى عمارة الفيلم".
البراعة فى قيادة الأطفال فى بطولات أولى
شاهدنا بمهرجان القاهرة عددا من
الأفلام بطلها الأول طفل أو طفلة فى حوالى العاشرة من العمر، الفيلم المشارك
بالمسابقة الرسمية "لسنا وحدنا" من التشيك الذى حاز مخرجه جائزة الإسهام
الفنى به طفل شديد الذكاء ، والده حارس سجن ما زال يعيش حنينا للحقبة الشيوعية
ويمارس قسوة على الجميع ولا يتفهم حب زوجته لابنهما الوحيد، الطفل يتناول الحلوى ،
بل يلتهمها بسرعة خشية أن يلحظه أبوه، يمارس الطفل أفعالا سادية بتعذيب الحيوانات
الصغيرة وينجح بذكائه الخارق فى إبعاد الشكوك عنه حين تولى محقق التحقيق فى الأمر،
بدهاء يستولى على نقود القواد بعد مقتله على يد أبيه الحارس القاسى ويسافر ، يهرب
من جحيم البلدة ويترك المخرج النهاية مفتوحة والطفل يراقب شاطئ آخر يبدو أكثر أمنا
بالنسبة له. الطفل يعبر ببراعة عن تركيبة شخصية تجمع بين من يتملكه الذعر وأيضا
الإصرار والشجاعة على مواجهة هؤلاء الكبار الفاشلون.
الفيلم الثانى لبطولة طفلة فى حوالى
العاشرة الفلبينى اليابانى "بلانكا" فى أسلوب يقترب من سينما الحقيقة
حتى تشعر أنه فيلما وثائقيا أعيد أداء أبطاله فى صياغة درامية عن طفلة شوارع تلاقى
مصيرها وتتصرف بذكاء بعد أن تلتقى بأعمى تتخذه أبا بينما تدخر نقودا لتشترى أما
ترعاها.
الفيلم الثالث الهندى "نصف
تذكرة" بطولة طفلين من المنبوذين بعد سجن والدهما وشقاء الأم لترعى شئونهم،
يعملان فى جمع الحديد الخردة ويبعانه ليحصلا على نقود قليلة فجأة يتملكهما حلم
بتناول البيتزا ويبذلان المستحيل ليجمعا مالا يكفى تناولها. أجواء الفيلم كلها
تتحرك بين البيئة العشوائة التى تشبه عشوائات مصر مع البعض من البرجوازيين منهم
طفل يتمتع بثراء والديه ويجرى بينه وبين البائسين الصغيرين حوار .
المخرج ناجح تماما فى قياده أطفاله
وفى تسكين كل أبطال فيلمه فى أدوار تناسبهم، مما يحقق اندماج المشاهد مع الأحداث
وكأننا نشاهد واقعا حقيقيا من خلال مرآة سحرية. فيلم رابع شارك المسابقة الرسمية
بعنوان" يعقوب الصغير" لرجل يتذكر طفولته البائسة مع والده القاسي الذى
كان يجلده لأقل غلطة.
يبدأ الفيلم بيعقوب رجلا وحيدا فى
منزل مرتب ثم يقتحم بيته وخزانة أسراره الطفل ويسرد لنا المخرج وهو نفسه كاتب
السيناريو قصته مع حادثة سقوط ماكينة الدريس على ساق والده، ثم الحاقه بمدرسة
داخلية ومشاكله مع أقران له يتمتعون بدفء الأسرة، وقبلها مشاهد لموت الجدة وحزنه
الشديد لفقدها، من خلال التذكر ينجح الرجل فى التصالح مع ذكرى أبيه ويسامحه على
قسوته.
لدينا ميراث من أفلامنا يستخدم
فيه الأطفال بأدوار سنيدة دائما يتصرفون ويتحدثون بطريقة تتجاوز أعمارهم حتى أصبح
لدينا دعابة عن طفل لا يناسب حديثه ولا طريقة تصرفه عمره " ده عامل زى
أطفال التلفزيون، أو زى عيال السيما " . الأفلام الأربعة ( يعقوب الصغير، نصف
تذكرة، بلانكا، لسنا وحدنا ) تتعامل مع الطفل بتفهم لسيكلوجية الطفل وأغلب
مخرجيها لديهم تجارب مع السينما الوثائقية أو لجئوا لأبحاث قبل أن يكتبوا
سيناريوهات أفلامهم.
أفلام كبرى خارج
المسابقة الرسمية
واحد من أهم أقسام المهرجان ما يصنفه
المدير الفنى الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله تحت مسمى القسم الرسمى خارج
المسابقة والذى شهد إقبالا كبيرا وخاصة مع عدد من الأفلام التى سبقتها
سمعتها العالمية مثل فيلم " تونى إردمان" الذى يروى عن الأب ستيفن الذى
يقرر أن يزور ابنته حيث عملها الستراتيجى الهام فى بوخاريست، الفيلم الألمانى به
موضوع قوى فى إطار من الكوميديا يدهشنا أنها آتية من ألمانيا حيث نعانى أحيانا من
تصورنا النمطى عن صرامتهم وجديتهم، الفيلم ممتع وإنسانى نجح فى ايصال رسالته عن
تفضيل العلاقات الإنسانيىة الحقيقية عن شهوة النجاح فى العصر الحالى رغم طول
زمن عرض الفيلم الذى تجاوز الساعتين بنصف الساعة. ومن المملكة المتحدة
استمتعنا بفيلم النجمة ميريل استريب وثيو جرانت وأيضا لا يخلو من نوع خاص من الكوميديا
الراقية .
الإقبال الأكبر كان لفيلم " درب اللبانة " للمخرج أمير كوستورتشا الذى
قام بنفسه بدور البطولة فيه يعود فيه لموضوعه الأثير والسخرية من الحرب ، هذه
المرة مع إنتاج ضخم شاركت فيه الصرب مع المكسيك، وأجده مفتعلا يفتقد طزاجة
وعبقرين البداية التى أحببنا كوستورتشا بسببها . وفيلم " التخرج "
الرومانى " وبطله ذو الملامح العادية المختلفة عن نجوم السينما، الفساد فى
رومانيا وصعوبة العيش فيه دون أن ينجرف الجميع نحو هذا الفساد.
فى نفس القسم الفيلم الكندى الفرنسى
" إنها فقط نهاية العالم" الذى اختلفت حوله الآراء ووجدته يمتلك أسلوبا
خاصا فى التعامل مع الكادر فى لقطات شديدة القرب غالبا وبإضاءة مجهدة للعين –
وخاصة مع ضعف العرض بالمسرح الكبير – شوش على استقبالى للفيلم ما ذكره كثيرون عن
بطله الشاذ جنسيا فى حين كانت عودة الابن الكاتب لأسرته ليخبرهم أنه مقبل على
الموت، الارتباك الذى أحدثه ظهوره بعد اثنى عشر عاما من الاغتراب وما سببه من ردود
أفعال متباينة مع أمه وأخيه الأكبر، زوجة الأخ والأخت الصغرى، نوع من الدراما
النفسية التى تتطلب يقظة فى التلقى واستعدادا لاستقبال أسلوب سينمائى مغاير
للمعتاد. التميز الأسلوبى فى الإخراج يتمتع به المخرج الفلبينى ميندوزا فى
فيلم "ماروزا" وخاصة فى تعامله مع مشهد التحقيق مع الأم فى قسم البوليس
الذى يشهد فسادا كبيرا، التعامل مع القسم والتحقيق غير التقليدى وحركة الكاميرا
التى جعلها تصحب ضابط القسم الكبير الفاسد وهو يخرج من الباب الخلفى حاملا أموال
الرشوة، حركة كاميرا كاشفة وتشرح الكثير دون كلمات مباشرة، شخصية الأم التى تمتلك
متجرا صغيرا وترأس أسرتها وتحاول حماية أطفالها أداء جبار للممثلة بتوجيهات
المخرج. أما فيلم المُدرسة فرغم سيطرة فكرة الهجوم على الحقبة الشيوعية ورفضى لهذا
الهجوم الذى بدا فجا وهو يتناول المدرسة التى تستغل موقعها كرئيسة لخلية الحزب
الشيوعى الحاكم وقتها فى استغلال تلاميذها وأولياء أمورهم، ما أراحنى أن نهاية
الفيلم تظهر المدرسة وهى تمارس نفس الأفعال بعد سقوط الشيوعية مما ذكرنى بالحكمة
القائلة بأن الناس معادن، وهاهى سواء فى الحقبة الشيوعية أو بعد انهيارها تمارس
نفس الأفعال فى فيلم قوى وممتع فى أن يعكس الاختلافات بين البشر فى قضية تخصهم، من
يهادن، من يخالف ضميره، ومن يمتلك الشجاعة لمواجهة الخطأ والفساد. كل الأفلام
الناجحة لا نجد بها خللا فى السرد ولا ارتباكا فى الأسلوب، كل فيلم له نسيجه الخاص
المتسق مع فكرته، أكتب هذا والحسرة تملؤنى لضعف الأفلام المصرية التى اختاروها
للمشاركة بمعزل عن لجنة اختيار الأفلام تدور فيها مناقشات ونتبادل فيها الآراء
ونقدم رأينا مكتوبا عن حيثيات الرفض أو القبول أو القبول بحماس، وما زالت الحكمة
العربية " ما خاب من استشار" صالحة وحامية فى مواجهة اختلاف الأذواق وفى
مواجهة رقابة رسمية أو مجتمعية.
عن الفيلمين المصريين المشاركان بالمسابقة
الرسمية
خلل البناء أضاع الهدف
شارك فيلمان مصريان بدورة مهرجان القاهرة 38 أولهما للمخرجة
كاملة أبو ذكرى التى حققت سمعة طيبة وخاصة بمسلسلات تلفزيونية ناجحة أولها
"ذات" عن قصة للكاتب الكبير صنع الله ابراهيم، ثم "سجن
النساء".
والعملين للسيناريست مريم نعوم وتصوير نانسى عبد الفتاح. حازت
المسلسلات الإعجاب العام باستثناء صوت وحيد كان يصرخ بأن هذا
ليس فنا، رأى أن نقل الواقع والإغراق فى التفاصيل ليس كافيا لنسمى العمل فنا.
ويبدو أن لعنة المسلسلات – والتى يجدها مخرج مثل داوود عبد السيد أعمالا تهدد
السينما وتأتى على النقيض من التكثيف المميز للفيلم السينمائى- لعنة المسلسلات
أصابت مخرجتنا التى نجحت قبلا مع فيلم "واحد صفر" وقبله مع "ملك
وكتابة".
هنا فى "يوم للستات" شعرت بأننى أتابع مسلسلا مضغوطا
وليس فيلما سينمائيا مبنى على أساس من سرد لا يتجاوز الساعتين فى بناء محكم أيا كانت
شخوصه، هل لبطل مفرد أو بطولة جماعية لأفراد يجمعهم مكان واحد وإن اختلفت
الشخصيات. المخرجة كاملة أبو ذكرى لا تكتب أعمالها ولكنها أيضا لا يمكنها أن تقوم
بتنفيذ ورق وصلها – الورق تعبير يستخدمه أهل صناعة السينما فى مصر ويردده خلفهم
الصحفيون، المهم الورق، العيب فى الورق، عندنا أزمة ورق. الورق، السيناريو المكتوب
الذى تسلمته المخرجة سواء من المنتجة أو عن طريق الكاتبة، لابد أنها قرأته
جيدا فوجدت فيه ما يستحق حماستها لتخرجه ومن المؤكد أيضا أنها تناقشت مع
الكاتبة والمنتجة لكى تصل إلى نسخة سيناريو معدة للتصوير. فى كتالوج المهرجان ملخص
الفيلم وهى المادة الصحفية التى يرسلها صناع الفيلم كتبت هكذا: تدور أحداث
"يوم للستات" على مدار أربعة وعشرين ساعة في أحد أحياء مصر الفقيرة حيث
يقرر مركزا للشباب أن يُخصص يوماً خاصاً بحمام السباحة للنساء فقط. تكشف الأحداث
عن عواقب هذا القرار على الحياة الاجتماعية، النفسية والعاطفية لنساء الحي.
عذرا لم أشعر من الإيقاع أن الأحداث دارت على مدى 24 ساعة بل
على الأقل على مدى 24 يوما تبدل فيه حال ناهد السباعى من عزة الهبلة إلى فتاة تحب
وتتمنع، وتتحب ويصحبها حبيبها لتأكل فى مطعم كنتاكى، ولا أن تتغير نظرة نيللى كريم
الكئيبة للحياة بعد فقدها لابنها وزوجها فى العبارة وتبتسم لأول مرة بعد أن عرفت
أن مدرب السباحة هو من يرسل لها رسائل على محمولها بدون توقيع، ولا أن تلتقى الهام
بعد عشرين سنة من الانتظار بحبيبها الذى تزوج غيرها وتنام معه، أخيرا هناك من تعامل
مع جسدها بما هو أكثر من التحسيس. – سمعنا فى مونولوج طويل منها كيف يعاملها من
يرسمونها دون أن نشاهد ما تحكى عنه-
خلافا لشخصية المتعصب الدينى وانكشاف سبب تعصبه نتيجة الكبت
الجنسى والإحساس بالفشل، هل يمكن لأحد أن يوهمنا أن مشاهد حمام السباحة المتتالية
تمت كلها فى يوم واحد، يوم تحضر فيه الهبلة وبقدرة قادر تصبح قادرة على العوم ثم
تحضر باقى النساء ويقام الحفل وتسرق ملابسهن وتبقين فى الحمام ثم يتم العثور على
بعضها بجوار الزبالة ثم يردون الكيل للرجال ويدخلون الحارة بملابس داخلية مبللة .
وشجار و... تفاصيل كثيرة التشعب لا يمكن بحال من الحوال أن تتم فى 24 ساعة. ما
علينا. لا يذكر الملخص أيضا ما يتعلق بمشاهد تتم فى الحارة – ديكور العزيمة وما
تلاها من أفلام حتى وقتنا هذا- ولا ما يتم فى بيت الفيشاوى وأختهم نيللى، ولا فى
بيت الهام ولا فى بيت الهبلة وجدتها المريضة ، وكلها بمفردها تشكل فيلما يضاف إلى
تيار الواقعية المصرية بحارته ونماذجه الشعبية ومعاركه وأفراحه القليلة أيضا.
نشاهد المشهد وتعلو الموسيقى ويجتهد الممثلون ثم لا شيء يحدث. وتعود الفتاة فى
لقطتها تسبح وكأنها من رواد نادى الجزيرة حتى نيللى كريم فشلت فى أن تغرق بل غطست
كسباحة ماهرة وعلمنا فقط من الصراخ وحوار عالى من الهام والأخريات أن ليلى بتغرق،
وبدلا من أن تنفرد بمشهدها يصبح مشهد الاعتراف لالهام عن رسمها وهى عارية فتبكى
نيللى بحرقة فتصرخ الهام لأن البكاء انفراجة مما يعنى أنها شفيت من كتمانها لرد
فعلها، مشهد به مجهود كبير من الجميع ولكنها تعود حزينة بنفس التكشيرة، وحتى عندما
تخرج فى مشهد مصنوع صور بالاستديو مع اياد نصار وتبتسم تعود كما كانت وكأن كل ما
نشاهده لقطات مجانية لا تؤثر فى تطور البناء الدرامى مما يحدث التغيير فى مسار
الشخصيات .فقط (آدى احنا لعبنا شوية وعيطنا شوية وحبينا شوية) وعدنا للمجارى
الطافحة ولم يفعل حمام السباحة فعله مع ناس – على الأرجح يستحقون ما هم فيه من بؤس
ولا سبيل إلى إصلاحهم. من أين أتى مدرب السباحة الراقى الوسيم هذا، لا نعرف جذوره
ولا أى خلفية عنه هل تكفى الكتب فى ديكور منزله لنستنتج أنه مثقف ولهذا هو محترم،
وكيف تتمكن الهام ومعها حميدة من تحقيق ليلة دخلة بهذه السلاسة وهما المحرومان منذ
ما يقرب من عشرين عاما، فى عودة الابن الضال وبعد زفاف سهير المرشدى على على
العائد مهزوما من الحرب تغتصبه بشراسه وتمزق ملابسه، كبت السنين لا يمكن أن يحل
هكذا ببساطة فنشاهد الهام جالسة على السرير فى حضن الرجل الذى تركها وتزوج غيرها
وكأنها عروسان ليلة دخلة عادية جدا. من المسئول عن هذا التناقض فى رسم الشخصيات
وتفهم دوافعها؟ من حوار أجرته المخرجة مع مجلة وزعت على من حضروا عرض الفيلم
حاورتها عالية قاسم قالت كاملة أن جيل الهام كان مسئولية الهام المنتجة والبطلة
الأولى وأن جيلها مسئوليتها هى، عن أى جيل تتحدث كاملة، هل العمل اخراج مشترك
بينها وبين المنتجة، هل الكاتبة قامت بتفصيل خطين واحد يرضى الهام فى الحارة مع
الممثلين المخضرمين حميدة والفيشاوى ونصار تجاوزا وخط يرضى كاملة مع ناهد السباعى
وأحمد داوود والفيشاوى الصغير. وأين تقع نيللى من كل هذا ومع أى خط تتواجد!. لا شك
أن العمل به بعض اللمحات الفنية المميزة ولكنه افتقد البناء المتماسك الذى يجعلنا
نصل إلى فكرة العمل الرئيسية، هل هى دعوة للحرية؟ ،هل هى بكائية على حال فقراء فى
عصر مبارك شوارعهم بها طفح دائم للمجارى؟ هناك شكلانية سواء فى مشاهد بها تصور
ساذج عن الرومانسية المفقودة والتى يفكر بعض الفنانين فى إعادتها، وهناك الواقعية
الفجة بنماذجها من متعاطى الحشيش والمخدرين السابحين فى المجارى. وكل مشهد مع نوره
نانسى تهتم بوجه الحبيبين نيللى ونصار وكأنهما فى عالم آخر لولا شريط الصوت الذى
أضيف لاحقا فى المونتاج والمكساج. الهام مع حبيبها بالشموع دون حساب لسنوات العجز
والفشل. فجأة تتحول الهبلة التى شاهدناها فى بداية الفيلم تسبح وسط الصبيان بملابس
داخلية إلى فتاة بمايوه تسبح كما الفراشات تربية النوادى وتجلس مع
الميكانيكى فى مطعم حلمت به. يبدو أن الجميع فى حالة من ألزهايمر لا يتذكرون
كيف كانوا وكيف أصبحوا. صناع الفيلم جعلونا نتفرج على الشخصيات وكأنهم مجموعين فى
حديقة حيوانات بشكل فولكلورى تماما يحضرون حلة محشى بجانب حمام السباحة، ويرقصون
على أنغام مختلطة، تختار كاملة الكومبارس كما اعتاد صناع السينما السائدة اختيارهم
كاركترات مضحكة، هى لا تكرههم ولكنها تنظر لهم عن بعد ككائنات لا تعرفها.
تتمتع المخرجة كاملة أبو ذكرى بسمعة طيبة فى الوسط السينمائى
وبين الصحفيين مما جعل البعض يلقى بمسئولية ضعف الفيلم بشكل كامل على الكاتبة هناء
عطية، وهى تتحمل جانب كبير من مسئولية السيناريو بالطبع ولكن السيناريو الذى وصلنا
مع الفيلم المعروض مسئولية المخرجة وخاصة أنه ليس عملها الأول . فنقلا عن
كتالوج المهرجان أيضا:
المخرجة " كاملة
أبو ذكري ":
ولدت في مصر عام 1974. بدأت كاملة أبو ذكري مشوارها المهني
كمساعد مخرج. في عام 2004، أخرجت فيلمها الروائي الطويل الأول "سنة أولى
نصب". يتضمن رصيدها السينمائي فيلم "واحد صفر" الذي أشيد به نقدياً
وشارك في العديد من المهرجانات السينمائية من بينها مهرجان فينيسيا السينمائي
الدولي. حصل الفيلم على أكثر من خمسة وأربعين جائزة دولية، وأخرجت أيضاً فيلم
"ملك وكتابة" عام 2006. على صعيد الدراما التلفزيونية، أخرجت مسلسل
"حكاية بنت اسمها ذات" عام 2013 ومسلسل "سجن النسا" عام 2014.
فيلموجرافيا مختارة: ملك وكتابة (2006)، واحد صفر (2009).
يوم للستات فيلم المخرجة كاملة أبو ذكري، بطولة : إلهام شاهين،
محمود حميدة، نيللي كريم، إياد نصار، فاروق الفيشاوي، أحمد الفيشاوي، أحمد داوود،
ناهد السباعي، هالة صدقي، رجاء حسين.
سيناريو: هناء عطية فى ساعتين
إنتاج مصر لشركة الممثلة الهام شاهين بعد عمل سابق مع الكاتبة فى خلطة فوزية
للمخرج مجدى أحمد على مما يؤكد اقتناعها وتفهمها لما تقدمه هناء عطية وهى كاتبة
قصة لها مجموعة مميزة بعنوان هى وخادمتها، تخرجت من المعهد العالى للسينما قسم
سيناريو وهذا العمل مساهمتها الثانية للفيلم الروائى وتعد للممثلة عملا آخر سوف
تخرجه المخرجة هالة خليل.
قدمت هناء عطية فكرة لامعة يمكن
صياغتها كالتالى، ما الذى يمكن أن يحدث لو خصص يوم للستات فى حمام سباحة بنادى
شعبى، وهى فكرة يمكن عن طريقها مناقشة أوضاع تتعلق بالعلاقة بين الرجال والنساء
وبين بعضهن البعض، مكانا مفتوحا يسمح بعرض شكل من أشكال الدراما مختلف عن الحارة
التى تمسكت بها المخرجة وجعلتها خطا موازيا لما يحدث بالحمام .
للأسف ضاعت فكرة جيدة جدا فى سرد مفكك وتم الاهتمام بتفاصيل
على حساب تأسيس الشخصيات وتبيان جذورها ودوافعها، انجرفت المخرجة وراء الانبهار
بسباحة الفتاة الساذجة حتى انها كررت لقطتها كموتيف بالفيلم ونسيت غزل خيوط باقى
الشخصيات فلم نعرف من أين أتوا وما هى دوافعهم، باستثناء شخصية الموديل التى
قدمتها الهام شاهين كانت الأكثر اكتمالا فى العمل ووحدها تصلح لبناء فيلم، ولكن
صناع العمل - ولهم كامل الحرية - فى تفضيل السرد عبر مسح لشخصيات الحارة وهو خط
يؤسس بمفرده لفيلم متكامل دون أن تطغى عليه مشاهد الحمام ، باختصار لم يتضافر
الخطان ولم يتم غزلهما معا ليخدم كل منهما على الآخر. ولا أعتقد أنها عيوب ورق أو
كتابة ولكنها مسئولية المخرجة المسئولة عن السيناريو الذى وصلنا فى نسخة الفيلم
النهائية وخاصة لما لدى كاملة ابو ذكرى من خبرة فى أفلام متماسكة سابقة لها كفيلم
"واحد صفر" وفيلم "ملك وكتابة". رغبة المنتجة ورغبة المخرجة
فيما يسميه أهل المهنة( أفيش حلو ) يتزاحم فيه عدد كبير من الممثلين النجوم أضر
بالفكرة وأضاع رونقها وخاصة مع تنميط عدد من الشخصيات وخاصة دور الفيشاوى الصغير.
أختلف مع لجنة التحكيم فى منح الجائزة لناهد السباعى فقد فلتت منها الشخصية
وأصابتنى بالحيرة، هل هى هبلة فعلا أم انسانة فقيرة بتستعبط بالإضافة أنها ليست
بطلة العمل ودورها ليس الدور الاول بل دور الهام شاهين.
أما العمل الثانى "البر التانى" فمشاكله أكثر
فداحة فالأفكار الكبرى لا تقف وحدها لعمل فنى كبير المهم كيف يتم تناول هذه
الأفكار وكيف تتم معالجتها فى فيلم اختار مناقشة الهجرة غير الشرعية التى يلجأ
إليها شباب من دول كثيرة هربا من البطالة فى بلادهم، على مدى سنوات شاهدنا أعمالا
تسجيلية وروائية تناولت الحدث وأغلبها كان هروبا من بلدان المغرب العربى حيث أوضاع
اقتصادية قاسية إلى الحلم الأوربى عبر السباحة أحيانا أو عبر الارتحال بمركب غالبا
يقوم تجار ليس لديهم ضمير بتكديس الناس فيه وتحميله أكثر من حمولته فيغرق ويغرق
أغلب المهاجرين قبل الوصول إلى الشواطئ الأوربية. انضم مهاجرون سوريون بعد الأزمة
السورية وأخيرا انضمت مصر أيضا وآخر ما وصلنا فاجعة سميت بمركب رشيد التى غرق بها
أكثر من 400 شاب كانوا يسعون للوصول إلى إيطاليا. شاهدنا أفلاما عديدة عرضت بمهرجان
الإسماعيلية ومهرجان القاهرة عبر دوراته فى العشر سنوات الأخيرة وأخيرا فى
بانوراما الفيلم الأوربى. ويبدو أن صناع الفيلم المصرى لم يكلفوا أنفسهم عناء
الاطلاع على هذه الأفلام ولو من باب عدم تكرار مشاهد ما. فجاء عملهم
الأضعف الذى مر على حتى كتابة هذه السطور. سيناريو شديد البطء أضاع زمنا طويلا قبل
الوصول الى مربط الفرس أو المشهد المنتظر بالتجمع عند شاطيء البحر. ومخرج تعامل
باستهتار كامل مع تفاصيل مطلوبة لنصدق أن ما نشاهده مركب تحمل مهاجرين وليس مجموعة
أصدقاء فى رحلة بعرض البحر. مرت أربعون دقيقة بكاملها لتجميع أبطال الفيلم الثلاثة
من قراهم التى بدت كقرى خارج الزمن، فلاحوها أقرب إلى فلاحين السينما بطريقة
حديثهم وأداؤهم الميلودرامى الفج. فى برامج تلفزيونية شاهدنا كيف يتحدث أهالى
منكوبى حادثة رشيد وكيف تبدو الفلاحة التى فقدت ابنها ثابتة وهى ترد على سؤال
المحاور بأنها سترسل ابنها الآخر لأنه لا يوجد بديل. فمن نجح فى الوصول تمكن من
الزواج وبناء بيت وشجع غيره على خوض المغامرة، هكذا شاهدنا الواقع وعلى قسوته إلا
أن به مرارة تفوق ميلودراما مشاهد صناع الفيلم وهم يقدمون لنا نماذج فلاحية اختفت
من عالمنا المعاصر.
أعود للقول أن التركيز على ثلاثة نماذج أحدها فقط المنتج الذى
انفرد بالملصق الدعائى للفيلم وأنه طرزان ذاهب إلى مغامرة فى الأدغال. الفاعل
الوحيد على المركب، المنقذ الجميع من الغرق ومن الفشل ومن الإحباط. نموذج اختفى من
عالم السينما شجيع السما هذا القادر وحده على شق البحر والعوم بجثة زميله المهاجر.
فاتنى أن أذكر انفراد أحدهما بمشاهد عودة للخلف لتوضيح دوافع سفره وتميز آخر
بمشاهد قفز للمستقبل تعويضا عن إفلاس فى استعراض ما يمكن أن يحدث لرحلة بحرية فى
خضم بحر هائج ولمسافة كبيرة لمسنا خطورتها من أفلام سابقة تناولت الفكرة، أفلام
فرنسية ومغاربية وأفلام أخرى إفريقية فالحدث متكرر فى كثير من بلدان تعانى أزمات
اقتصادية مثلنا الآن.
وحتى لا يتم التحجج بضعف الإمكانيات يمكننى ذكر فيلم عرض بدورة
بانوراما الفيلم الأوربى الأخير اكتفى مخرجه بالتعامل مع أحد الساعين للهجرة وصور
زملاء له يتجمعون على جزيرة بالمغرب تواجه سورا عاليا بأسبانيا، ونجح فى تقديم
فيلم شديد الجمال دون أن يستخدم تقنيات تصوير مكلفة ودون أن يغادر الجزيرة وبقى
مستعرضا نماذجه من الحالمين بعيش أفضل فى أوربا، واستعان فقط بشريط المراقبة بجودة
تصوير شديدة التواضع لتصور عملية العبور المضنية بتسلق السور الحديدى
البعيد عن نيران البوليس .
فيلم " البر التانى " يتبنى فى محصلته النهائية وجهة
نظر رسمية تدين المهاجرين وتوضح أنهم وحدهم سبب مأساتهم فكيف يجمعون أموالا كثيرة
ويمنحونها إلى مهربين فاسدين ويلقون بأنفسهم إلى التهلكة.
البر التانى 99 ق انتاج مصرى 2016 اخراج على ادريس ،
سيناريو زينب عزيز، تمثيل محمد على . ملخص الفيلم كما ورد بكتالوج المهرجان يتتبع
قصص مجموعة من الشباب المصريين يحاولون الهرب من قراهم الريفية المحرومة من
أساسيات الحياة، تجمعهم رغبة واحدة وهى الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا حيث
يسافرون على متن سفينة قديمة متهالكة. بينما رؤية الساحل الإيطالى تشعل آمالهم.
تضع أمواج البحر الغادرة نهاية لأحلامهم.
لاشك أن هذا الملخص به طموح لم يصلنا معناه لفشل تام فى
التعبير عن مراحل الرحلة والتى عبرت أفلام كثيرة عنها ببراعة مؤثرة. والمدان
الوحيد فى الفيلم خفر السواحل الإيطالى الذى حصل على رشوة بالاتفاق مع قائد المركب
وفجأة تظهر نقود لا نعرف من أين أتت رغم طول مدة التحضير. لا إدانة لبوليس مصرى
يهمل سواحله ولا يراقبها ولا يوجد نموذج واحد رفض السفر أو وصل متأخرا. لا دراما
حقيقية بل نوع من الاستسهال وافتراض أنه ما حدش هياخد باله- ويا ليتنا كنا فعلا مش
واخدين بالنا .
" آخر أيام المدينة " والتراجع
عن مشاركته المسابقة الرسمية
بينما مثل مصر هذين الفيلمين مٌنع من المشاركة فيلم " آخر
أيام المدينة" رائع البناء والمميز بتداخل الروائى مع التسجيلى به، وكيف كثف
فكرته تماما وقلل من شخوصه. البطل خالد عبد الله مخرج وثائقى هو المخرج ذاته فى
حيرته وبحثه عن مسكن بقلب القاهرة ومع رحلة بحثه التى تسير فى خط يقطعه لقاءات مع
صديقيه كل من مدينة انتهت بالفعل بيروت وبغداد نرى الأصدقاء وقد تجمعوا بسيارة
مفتوحة تجوب القاهرة والمخرج المصرى مع كاميرته يصور المدينة فى لحظة توشك فيها
الثورة على الانفجار، ومع سفر الأصدقاء العرب، حبيبته تتركه وتقرر السفر للهجرة
وتتركه.
مهزوما فى العثور على مسكن يحاول الاحتفاظ بذكرى من والده فلا
يجد أحدا يعرفه. بمشاهد منفذه بشكل رائع، يرصد تحولات النسيج السكانى وأزمة
الأصدقاء، ينجح فى نقلها إلينا عبر شحنة عاطفية تضعنا فى حالة الانتظار، الاستعداد
للانهيار فى مدينة توشك على أن تلحق بأخواتها وتكون " آخر أيام المدينة"
على مشارف العام 2011 . فهل ننتبه.
فى الخلفية هناك صيحات لمظاهرة .. يسقط .... ومجموعة بملابس
مدنية تقبض على متظاهر وتشحنه بعنف فى سيارة، بينما يعبر البطل يشاهد حبيبته التى
هجرته يطلبها بالتليفون نراه ويراها هى تنظر الى الرقم ولا تجيب. حالة الفقد
والقهر تتداخل يزيدها المنازل التى تهدم على محتويات كأنها بشر أحياء.
منذ متى تشارك السينما التجارية بأعمالها فى المهرجانات
وتستبعد أفلام بديلة مكانها العرض بالمهرجانات المتخصصة، منذ متى نعاقب فنانا على
وجهة نظره السياسية فنقف له بالمرصاد ونعاقبه لأن هناك فى الخارج من احتفى
به، منذ متى نتسول من صناع السينما ليشاركوا بالمهرجان فيملون شروطهم ومنها عدم
العرض على لجان الاختيار والقبول الفورى للفيلم ومنحه امتيازا إضافيا بعرضه فى
الافتتاح، كما حدث مع " يوم للستات " أو بشراء التذاكر لتمتلئ الصالة
بالموالين مدفوعى الأجر. كما حدث مع " البر التانى " . منذ متى تقزمنا
إلى هذا الحد وأصبح المنتج التجارى هو الممثل الوحيد والمعتمد للسينما
المصرية.
فى الوقت الذى تم حذف فيلم " آخر أيام المدينة " من
المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى 38 يواصل عروضه ونجاحاته خارج
مصر، ينقل لنا الناقد السورى ماهر عنجارى صورا مفرحة لتزاحم الجمهور على حضور
العرض بمهرجان نانت بفرنسا للقارات الثلاث ومنها أن العرض اثانى للفيلم حضره وزير
الخارجية الفرنسى المداوم على حضور المهرجان منذ كان عمدة لمدينة نانت وأعجبه
الفيلم جدا وأخذ يبحث عن المخرج تامر السعيد ليشكره على إبداعه، يشير ماهر عنجارى
الأخبار والصور مصحوبة بتعريف تامر السعيد يسبقه لقب المخرج المصرى، نعم هذا هم
المخرج المصرى كريم العنصرين .
نشر بالعدد الثامن من مجلة الفيلم نوفمبر 2016
رئيس التحرير سامح سامى رئيس التحرير التنفيذى حسن
شعراوى
Wednesday 18 January 2017
السينما الإيرانية بين الشعبوية والنخبوية
أفلام تحصد الجوائز وأخرى تعرض لشهور
مسعود ده نمكى وأصغر فرهادى
الصورة من "عن ايلى" لأصغر فرهادى
السينما الإيرانية التى نعرفها وصلتنا عن طريق
المهرجانات العالمية الكبرى كان وبرلين وفينيسا وعن طريق مسابقة الأوسكار لأفضل
فيلم أجنبى ولكننا لا نعرف السينما السائدة التى تحظى بتأييد شعبى كبير وتحقق
الإيرادات فى الداخل كما يرضى عنها نظام جمهورية إيران الإسلامية . نحن نعرف
كياروستامى وأصغر فرهادى فهل سمع أحد منا عن مسعود ده نمكى ؟ .. عام 2014 مثل فيلم
" انفصال" إيران فى مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى وهو للمخرج
المستقل أصغر فرهادى الذى نعرفه جيدا ولكن ما لا نعرفه أن منافسه كان فيلم إخراجى
ها " المبعدون" المرضى عنه من الملالى ومن النظام. فبجانب السينما
الإيرانية التى تحظى باحترام العالم توجد سينما أخرى، أو هى السينما الأولى لو
اعتمدنا قوانين الداخل، سينما شعبية يقبل عليها المشاهدون الإيرانيون ويستمر عرضها
لأسابيع أو حتى شهور، سينما شعبوية ترفع شعارات الوطنية تقترب من السينما المصرية
والهندية فى عناصر الجذب من تضمين الكوميديا والشعارات العالية والنماذج الشعبية،
كما يكون حضور مرجع شيعى كحكم بين المختلفين عنصرا ضروريا فى أفلام تبنى على تيمة
التطهر لشخصيات هامشية يحدث لها تحول فتتطهر وتصبح عضوا ناجحا فى مجتمع إيران
الجديد الذى عانى ويلات الحرب ضده من العراق وأمريكا . سيصل انفصال إلى المسابقات
الدولية فى مهرجان كان وأوسكار أمريكا وسيكتفى الفيلم الشعبى بنجاحات الداخل ورضا
رموز النظام، وسيبقى بعيدا عنا لا نعرف حتى بوجوده وسنعرف فقط "انفصال"
ومخرجه الذى سيبقى فى ذاكرتنا كمخرج تخطى حدود بلده، سينضم أصغر فرهادى إلى آلهة
السينما فى أوليمب الغرب مع سابقيه كياروستامى وبناهى جنبا إلى جنب أكيرا كورو
ساوا اليابانى وتاركوفسكى الروسى وكارلوس ساورا الأسبانى وفيللينى الإيطالى وتروفو
الفرنسى، جاك أوديار والأخوة تافيانى، وكل رموز سينما النخبة التى ينحاز لها
المتخصصون من سينمائى مصر ونخبة مثقفيها. لم
لا نتعرف على السينما السائدة فى إيران حتى تصبح لدينا رؤية شاملة عن صناعة
السينما فى البلد الأوحد فى العالم الذى أقام نظاما إسلاميا للحكم بعد ثورة قام
بها أطياف الشعب على اختلاف توجهاتهم انتهت إلى سيطرة الجناح الإسلامى وفرض نظام
شمولى صبغ البلاد بنظرة أحادية تصبغ المشهد العام بحجاب يغطى رؤوس نسائه مجبرات
دون استثناء، وبصور للملالى وآيات الله مع الكتابة بحروف عربية أفهم منها بوضوح
" على ولى الله". ورغم النظام الواحد تنجح الفنون عامة والسينما خاصة فى
الإفلات من القولبة فتحقق إبداعات متفردة تنجح فى التنافس على أرفع الجوائز العالمية
وفى الحصول الدائم على تقدير دولى.
فيلم "اخراجيها/المبعدون"
في سوق كان
عام 2007 أعلنت مؤسسة فارابي السينمائية أن فيلم
"المبعدون" لمخرجه السيد مسعود ده نمكي سيعرض من جانب إيران في سوق الأفلام بمهرجان كان الدولي. بين عناوين أخرى رشحت من قبل مؤسسة رسمية تحمل اسم "
مؤسسة الشهيد و شؤون المضحين يتوقع هذا العام عرض 17 فيلماً يعود الي المؤسسات الناشطة
في السينما الإيرانية كما صدرت تعليمات إلى قناة سيما الدولية لتعد برامجها لعرض أربعة افلام
فى سوق كان. خلافا بالطبع لأفلام فنية تشارك مسابقات كان الرسمية وأقسامه الأخرى.
سينما ضد سينما
فى سوق مهرجان كان أفلام لمخرجين لا يعرفهم
العالم، محليون وطنيون بمفهوم الثورة الإسلامية الإيرانية، أفلام تشبه الفيلم
الشعبى المصرى، سينما سائدة لا تشارك فى مسابقات المهرجانات الدولية تحقق ايرادات
ويقبل عليها الجمهور العريض، مخرجيها ليسوا ضد النظام وبعضهم شارك جنديا فى جيش
الثورة الذى حارب حروبا متتالية فى مواجهة الهجوم العراقى. فى مقابل أفلام
لمخرجين يعرضون فى الخارج ويشاركون مهرجانات دولية وأفلامهم ليست بالضرورة ضد
النظام ولكنها بعيدة عن السينما السائدة ، سينما فنية معارضة، هاجر رموزها إلى
فرنسا أو ألمانيا أو كندا أو الولايات المتحدة الأمريكية. مات كبيرهم فى الغربة،
مات عباس كياروستامى وهو يقطر دما إيرانيا صافيا حزنا على وطنه. ويواصل أصغر
فرهادى نجاحات مطردة حتى وصل عام 2016 بفيلمه البائع إلى صالات السينما بفرنسا
بينما يحقق مسعود ده نمكى إيرادات عالية بفيلم المعراجيون الذى حققه بعد نجاح
ثلاثية "اخراجى ها ".
فمن هو صانع الأفلام
الشعبية مسعود دى نمكى؟
يقول ده نمكى عن نفسه أنه كان عضوا في الجيش عام
1982 – شارك المعركة التى حررت خرمشهر في نقطة تحول حاسمة في الحرب العراقية الإيرانية، وهو أمر يصعب تصديقه حيث كان عمره 13 عاما وقتها ولا يمكن تجنيده فى هذه السن
المبكرة، قال في حديثه لمراسل CNN كريستيان أمانبور أن جبهة حرب في الحرب بين إيران والعراق كانت المدينة
الفاضلة والمجتمع المثالي بالنسبة له.
(هذا ما عبر عنه فى المبعدون - إخراجي ها ).
(هذا ما عبر عنه فى المبعدون - إخراجي ها ).
مسعود ده نمكى انخرط فى نشاط مع أنصار حزب الله
وكان أحد قادة حراس الباسيج الذين هاجموا بضراوة المؤتمرات والمهرجانات التى كان
يعقدها الطلاب لسنوات، وكان معروفا على نطاق
واسع كمنفذ لقواعد المحافظة التي تقيد حرية المرأة و المجتمع. اعتاد أن يُستخدم
لتفكيك التجمعات السلمية، والهجوم على المتكلمين، وجلب دوريات الحراس على
موتوسيكلاتهم في الشوارع. شارك ده نمكى في أعمال الشغب كطالب بجامعة طهران في يوليو
1999. ضد عدد من الطلاب الذين كانوا يحتجون في تلك الليلة إغلاق "سلام" وتعرضوا
للضرب في وقت لاحق من قبل المهاجمين وقالوا أمام لجنة التحقيق أن السيد ده نمكى
كان يقود تلك الغارات الليلية الوحشية.وفي عام 2002، كان مع أنصار حزب الله، التى
أعلنت كجماعة متشددة أنهم فى "حرب مقدسة" اشتهرت بتعطيل التجمعات
الإصلاحية وضرب الطلاب " لتخليص إيران من المصلحين الذين يروجون للديمقراطية الغربية
وتحدي المرشد الأعلى للبلاد". مسعود ده نمكى، كان أيديولوجيا مع الجماعة، قال
عن محاولات بعض الإيرانيين استرضاء أعداء إيران مثل الولايات المتحدة أنها "يجب
أن تتوقف". ولن يكون غريبا عليه بعد
أن احترف الإخراج السينمائى أن يطلق على سلسلة أفلامه " الدفاع
المقدس". ومنها فيلم " المبعدون " المتاح على
الشبكة الدولية بترجمة عربية.
بدأ ده نمكى حياته صحفيا لعدة مجلات أسبوعية
تقترب من أيدلوجية المحافظين. منها مجلة أنصار حزب الله وصبح، والشلامجة التى فرض
عليها الحظر من جانب محكمة إيرانية. اتجه إلى الإخراج عام 2002 حيث أخرج فيلما وثائقيا
عن الدعارة التى تعود جذورها إلى شرور الفقر "الفقر والدعارة"،. ويُظهر فيلمه
الوثائقي الدعارة المتفشية والمحظورة من قبل النظام الإسلامى المسيطرعلى البلاد. تفشيها
فرض أن تناقش فى أفلام لمخرجين من كافة الاتجاهات كما عرضنا لفيلم المخرجة ناهد
بيرسون اليسارية وها هو مسعود دى نمكى يتعرض لها أيضا بشكل مختلف يناسب قيمه
المحافظة.
في عام 2004 أخرج دى نمكى "ما الأزرق، الذى
الأحمر"، وبعده دخل فى سلسلة الدفاع المقدس التى تتناول فى إطار نقد اجتماعى
سياسى الحرب بين العراق وإيران وتحولات السياسة بعدها.
" اخراجى ها " دفاع
مقدس
تحت عنوان " دفاع مقدس" قدم مسعود ده نمكى
ثلاثية فيلمية "إخراجى ها "
بدأها بالفيلم الذى يصور معركة على جبهة القتال مع قوات العراق، يبدأ
الفيلم بمشهد لشاب يتزعم مجموعة من البلطجية – ولنقل المهمشين- يتقدم لخطبة فتاة
ويكون مهرها أن يذهب إلى الجبهة لينال احترامها واحترام والدها وينتهى به وقد أصبح
بطلا عبر فى حقل ألغام وفتح لهم طريق المجابهة مع العدو ثم يستشهد، وهو المعنى
الذى سيتتبعه من تحول المطرودين الى المعراج فى السماء حيث منازل الصديقين والشهداء. لا يركز دى نمكى على الجنود النظاميين بل يبقى مع أبطاله من عامة الشعب الذين
أصقلتهم جبهة القتال وتجربة الدفاع عن الوطن، فكاهة وسخرية، أبيات شعر ومواقف
حماسية، بطولات وخيبات، موسيقى شرقية تجمع بين الغنائية والحماسية، الرومانسية
الوطنية والمثالية فى أعلى صورها، بيت شعر يختم الجزء الأول يقوله مرتضى الضابط
الملتزم الدارس لفنون القتال " لن يسمحوا لنا بالعبور من جبل الصالحين إلا
إذا قبلت أنت " وأغنية بصوت رجل جميل مع عزف بآلة وترية تنزل التترات.
الجزء الثانى يبدأ بتصدير كتابى مطول وكأن
المخرج يخشى ألا يفهم فيلمه على الوجه الصحيح وهو الذى يتبع أسلوبا نعرفه فى
السينما المصرية بالتركيز على الهزائم والشخصيات السلبية تشغل مساحة كبيرة من زمن الفيلم ثم يظهر لنا
الهدف الأخلاقى –المورال – قرب النهاية وغالبا يأتى على لسان الإمام السمح أو
القائد المتعلم المثالى.
تصدير إخراجى ها 2 (
المبعدون 2)
-
الفيلم يعنى لون الظلام على الشاشة وهو تشويه لأفكار وأذهان العامة.
-
ليست قصتنا قصة ابريق الزيت، ولو أنها لا تخلو أبدا من الزيف.
-
فمنذ عهد المدينيين فى زمنهم القديم، شب نزاع مع الظالمين مستديم.
-
منهم من حج فأسميناهم حجاجا، ومنهم من بقى فسميناهم المطرودين.
-
هذا الفيلم اقتباس مع التصرف لحادثة واقعية حدثت زمن الحرب المفروضة ، وقبل
تشكيل حرس أمن الطيران التى يمكن أن تجدوا وثائقها فى الأرشيف.
-
عدونا البعثى وعبر تأسيس المعتقلات الإعلامية حاول قلب الحقائق حول مقاومة
أسرانا الأحرار المستمينة فى سائر المعتقلات. وفيلمنا هذا يروى حكاية هذا المعتقل.
-
الأسماء والشخصيات وهمية، وأحداث الفيلم جرت خلال أسبوع واحد ولا نقصد من خلاله
التعمق فى حياة الأسر.
الجزء الأول من
الثلاثية :اخراجى ها / المبعدون" بدا كافتتاحية لجذب المشاهدين والدفاع عن
دورهم فى (الدفاع المقدس) عن بلدهم، أما الجزء الثانى فلزم أن يشرح الهدف وأن
يوثق من وجهة نظره الدفاعية ( الثورية)
لحادثة الأسر وخطف طائرة ركاب مدنيين، شرح قبل التترات عنوان الفيلم الذى كان
ملتبسا على حول معنى المبعدون من منظور دينى وسيتأكد الشرح فى الجزء الثالث حين
يشرح مرتضى قائد مجموعة المقاومة لناخبيه ( كلنا مبعدون منذ أن طرد الله أبينا آدم
من الجنة ) وكيف أن القتال فى الجبهة هو من صنع من هؤلاء المبعدين معراجيين (
هؤلاء المبتعدين عن الدين تحولوا فى الجبهة إلى شهداء مكانهم حيث المعراج).
ملامح السينما الشعبية للمخرج مسعود ده نمكى
-
البطولة لنماذج من المهمشين والبسطاء تتراوح أعمالهم بين الخير والشر، هم
منافقون غالبا وأحيانا شجعان، بلهاء ولكن ظرفاء، مقدامون عند الحاجة وخاصة حين
يطلبون الاستخارة من الشيخ الإمام الذى هو الملاك السمح الناطق بالحكمة والذى
يحترم رأيه الجميع، أما الشيطان فهو الشيوعى من مجاهدى خلق كخاطف الطائرة فى الجزء
الثانى، أو المرشح الذى عاش خارج البلاد وعاد بأفكار– تحررية- ليبرالية يخدع بها
شباب وطنه فى الجزء الثالث. التنميط على طريقة أفلامنا المصرية وعلى الطريقة
الهندية أيضا، أخيار واضحى الملامح وأشرار مرفوضون وبينهما مهمشين يخففون من ثقل
الأحكام القطعية ويقربون الأفكار من عامة الناس، الجمهور المستهدف لأفلام موجهة من
مخرج تتوافق قيمه التقليدية والمحافظة مع النظام.
-
يبدو وكأنه يقرأ أفكار المشاهدين أو يتوقع ردود أفعالهم فيثير لديهم شكوكا
ثم يوضح حقيقتها، كما فعل مع اختياره للممثل الذى قام بدور مجيد فى الجزء الأول
ليقوم بدور رسول فى الجزء الثانى ثم رجل أمن النظام المثالى فى الجزء الثالث. هل
هما مجيد؟ هذا ما قد يتبادر الى ذهن المشاهد ثم يرد كسؤال من مرتضى البطل الذى
يفضله فى كل الأجزاء.
-
مجاميع تتحرك بشكل جيد، وكاميرا بحركة دائرية فى مشاهد كبيرة. سينما جيدة
الصنع فى مضمون يرضى عنه النظام يصل إلى قمته مع ما يشبه خطبة الوداع بعد أن كُشف
الإمام وتعرف عليه البعثيون وسط الأسرى، فيقررون حبسه حبسا انفراديا مع رسول الذى
كشف عن معدنه الطيب فى تأكيد أنه صورة من البطل الشعبى مجيد الذى بدا بلطجيا يتزعم
شلة من الصعاليك وانتهى إلى التضحية بنفسه وخاض وسط الألغام فاتحا الطريق ليستردوا
المنطقة التى احتلها العدو.
- أهم علامات السينما الشعبية الواضحة لدى نمكى تكرار جمل تبدو كحكم بعضها
أبيات شعر، تردد بتنغيم دون إغفال الأغانى الحماسية تنتهى بها أجزاء الفيلم مع
موسيقى مميزة، الغناء بصوت رجل وكورس من الرجال يرددون أيضا ومع مشاهد الاستشهاد
صوت كورال نسائى متناغم مع الموسيقى ويتصاعد مع المشاهد القوية. وكمثال مشهد نهاية
الجزء الثانى – الذى أراه الأقوى بين الأجزاء الثلاثة – فى المشهد الجامع لكل
الأطراف الأسرى وجنود البعث والمخطوفين المدنيين من الطائرة، تغنى فرقة الأسرى أغنية
وطنية حماسية بدلا من ليلى التى طلبها منهم العراقيون ( إيران حدودك بالجواهر
مسيجة، ترابك منشأ الفنون الواعدة.. مصونة حتى عن أذهان الأعداء، لتحيا لنا على
طول الزمان، أفدى ترابك الطاهر يا بلادى " مشهد ضخم ومزدحم بلقطات متنوعة
قريبة وبعيدة، يغنى فيه الجميع ومعهم من وشى سابقا لضعفه أمام التدخين فى مقابل
الحصول على السجائر التى تبدو كأحد الشياطين أو دلالة على تهافت الضعفاء. ومعهم يغنى من اعتقدوا أنه وشى ذلك المسيحى من أصل
أرمينى، والنساء والرجال أسرى خاطف الطائرة، أما العراقيون فينسحبون وتنزل
العناوين.
لا شك أن فيلما كهذا يثير حمية المواطن العادى
المحب لوطنه. والذى يرى نفسه وجيرانه ومن يعرفهم فى حارته. التى استمد منها دى
نمكى نماذج أبطال فيلمه، مضيفا طبقات أخرى تضاف مع تغير الحدث والمكان، أشقياء
سذج من الحارة، شيخ ورع فى المسجد ومنافق يدعى أنه يعرف الحلال من الحرام، ضابط
متعلم دمث الخلق ويضحى من أجل وطنه، فتيات محبات مهرهن التطوع فى الحرب ما يثبت
شجاعة الرجال طالبيهم للزواج.
فى مقابل مسعود ده نمكى الذى لم أكن أعرفه، نعرف جميعا صانع الأفلام أصغر
فرهادى إنه المخرج الإيرانى ذائع الصيت
دوليا، وخاصة بعد حصوله جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عن فيلمه "انفصال". كان اسمه واحدا من أكثر 100 شخصية تأثيرا فى العالم من قبل مجلة تايم في عام
2012.
ولد فرهادي فى (مدينة الميمون) فى 7 يناير 1972.
والتى تغير اسمها عام 1979 بعد الثورة الإسلامية إلى (مدينة الخمينى) وهي المدينة التى
تقع في مكان قريب من مدينة أصفهان. وهو خريج المسرح، من جامعة طهران كلية التربية،
بدأ عام 1997 بأفلام قصيرة بمقاسى 8 مللى
و16 مللى ، بفرع أصفهان للجمعية السينما الإيرانية الشابة، قبل أن ينتقل إلى كتابة
المسرحيات والسيناريوهات لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون، بعدها قدم أفلامه الروائية
مواصلا الحصول على الجوائز ليحصل على الدب الفضي لأفضل مخرج في مهرجان برلين السينمائي
الدولي ال59 عن فيلم " عن إيلى" وأيضا أفضل فيلم فى مهرجان تريبيكا السينمائي. الفيلم
حول مجموعة من الإيرانيين الذين قاموا برحلة إلى الشواطئ الإيرانية من بحر قزوين تحولت
إلى مأساة. نفس النجاح بالدورة ال29 لمهرجان
الفجر السينمائي الدولى في طهران، وتلقى إشادة من النقاد من جمعية إيران من نقاد السينما.
فاز فرهادى بأربع جوائز من بينها جائزة أفضل مخرج (للمرة الثالثة بعد الألعاب النارية
الأربعاء و عن اللى). أيضا شارك في المنافسة في الدورة 61 من مهرجان برلين السينمائى
الدولى، وحصل على الدب الذهبى لأفضل فيلم عن " انفصال"، ليصبح أول فيلم إيرانى
يفوز بهذه الجائزة. في يونيو 2011، فاز "انفصال" بجائزة سيدني السينمائى فى المنافسة مع الفائز بمهرجان
كان عن "شجرة الحياة"، من إخراج تيرينس ماليك.
بترشيح من نقاد السينما فى إيران تقدمت إيران رسميا
بفيلمه "انفصال" لأفضل فيلم أجنبي فى جوائز الاوسكار عام 2012، وحصل على
ترشيح فى فئة أفضل سيناريو أصلى. وحصد جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية في
26 فبراير 2012، ليكون أول فيلم إيراني كبير يفوز بها. وأصبح فرهادي أول إيراني يفوز
بجائزة الاوسكار في أي من الفئات التنافسية، دعي بعدها للانضمام إلى أكاديمية فنون
وعلوم الصور المتحركة في يونيو 2012 مع 175 شخاصا.
عام 2013 يحصل على جائزة سيزار لأفضل فيلم أجنبى
وجائزة الروح المستقلة لأفضل فيلم عن "
الماضي"، من بطولة بيرينيس بيجو وطاهر رحيم، وتنافس للفوز بالسعفة الذهبية بمهرجان
كان السينمائي عام 2013. حازت بيجو جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان عن دورها في الفيلم.
،عام 2016 تنافس فيلم " بائع" للفوز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي
ولكنه حصل على جائزتى أفضل ممثل وجائزة أفضل سيناريو لفرهادى.
تمثل أفلام فرهادي صورة مصغرة عن إيران الحديثة والمضاعفات
الحتمية التى تنشأ، وخاصة عند عبور التفاعلات الطبقية والفوارق بين الجنسين. يقدم فرهادى
تعقيدات الحياة اليومية في إيران اليوم، وخاصة في ضوء التنوع الذى يعبر الهياكل الاجتماعية
مثل الطبقة والجنس.
مخرج مستقل حاز الحسنيين
أصغر فرهادى ليس فقط مخرج النخبة حاصد الجوائز
العالمية، بل تنجح أفلامه داخل إيران وله سمعة طيبة بين نقادها وسينمائييها. وإذا كانت شهرته لدينا وانتباه الأوساط
السينمائة المصرية له ارتفع بعد فوزه بأوسكار أفضل فيلم أجنبى عن "انفصال
" فقد سبقه فيلم هام حاز الدب الفضى ببرلين " عن إيلى" يدور فى
مجال الطبقة الوسطى وقضايا العلاقات الشخصية بين الرجال والنساء فيما يبدو أنها
تيمته المفضلة التى يقدم تنويعات عليها بشكل مطرد ، "عن إيلى" 2009 ، "
الماضى " 2012 ثم " انفصال " 2014 أفلام تبدو فى ظاهرها عن الأسرة
ولكنها تلقى بظلالها على قضايا تخص المجتمع كله والنظام العام. فى أفلامه نقترب من
الطبيعة الإنسانية لأبطاله فنجدهم مثلهم مثل أى بشر فى العالم يتحابون، يحقدون
يشعرون بالغيرة، يلعبون ويمرحون، يرقصون، بالطبع الرجال فقط هم من يرقصون والنساء
تصفق، النساء فى حجابهن الدائم سواء على الشاطىء، أو فى البحر تعوم، أو نائمة
بجوار طفلها. التزام المخرج بقواعد الرقابة على السينما تجعلها متداولة فى الداخل
والخارج، يحوز جوائز فى الداخل والخارج . فرهادى بأفلامه الفنية والتزامه بالخطوط
العامة لسياسات بلده يحوز الحسنين جوائز الداخل والخارج وعروض تجارية هنا وهناك.
"عن إيلى"
المشهد الأول لمجموعة نساء ورجال وأطفال فى
سيارة فى نفق يصرخون مرحين ثم تعبر السيارة وتمر إلى منطقة ساحلية ثم يتوقفون
لاستراحة فى الطريق. الكاميرا حرة والحوار تلقائى نعرف منه معلومات عن تدبير لقاء
بين أحمد الذى انفصل عن زوجته الألمانية وبين إيلى معلمة الحضانة لابنة زبيدة التى
تبدو كقائد للرحلة ومدبرة كل شيء. وهناك اتفاق شبه جماعى لتدبير زيجة أحمد من إيلى
عوضا عن الألمانية التى طلقته.
فى استراحة الطريق يعدون شايا على الفحم فى
ابريق الشاى الفارسى المميز، أحمد المغترب لم يشرب مثله منذ فترة ويسألونه عن
الأحوال هناك فى الغربة.
حين يتعذر استئجار الفيلا المعتادة يعرض عليه
فيلا قريبة من شاطىء البحر، نوافذها مكسورة وغير مهيأة للسكنى، متربة والأجهزة
تحتاج جهدا لتعمل، بالطبع لا يوجد فى الفن مصادفة بل هو اختيار المخرج الذى سيلعب
على هذه الأوضاع فى دلالات يمكن قراءتها على ضرورة العيش فى المتاح مع بذل الجهد
لجعله مريحا فى فيلا شبه مهجورة تطل على شاطيء جميل، هل هى الوطن كله ؟ شبابيك
مكسورة وقفل صديء، أثاث متهالك وبيت متسخ، هل هذا هو المتاح من الوطن؟ هناك حركة
من الجميع ومشاركة وخاصة من السيدات لإعداد الفيلا للمبيت بعد أخذ التصويت بالبقاء
أو الرحيل لليلة فى مكان أكثر ملائمة. الرجال راضون عن زوجاتهم زوج زبيدة يناديها
بمولاتى، والديمقراطية فضلت البقاء مع التنضيف بمشاركة الجميع. هذا المحور سيلعب
عليه فرهادى كثيرا عن عدم جدوى الهجرة وتفضيل البقاء مع تحسين الشروط.
بالفيلم عادات شرقية فالنساء سيكون لهن غرفة
واحدة للنوم مع الأطفال والرجال فى غرفة أخرى، عدا العرسان الجدد العريس يقول
سأنام مع زوجتى. ملمح شرقى آخر رقص الرجال مع تصفيق النساء فقط. يلعبون لعبة تشبه
لعبة نمارسها فى الرحلات (صلح) شخص يخفى وجهه ويحزر من الذى ضربه من الخلف. ثنائيات
الأسرة تتحرك فى تناغم عدا إيلى مدرسة ابنة زبيدة نراها مشغولة بالبحث عن مكان به
إشارة لتليفونها المحمول لتنفرد بمحادثة خاصة، الآن هى فى سيارة زبيدة تحدث أمها
وتخبرها أنها تبيت مع صديقة وستحضر فى الغد، زبيدة تجعل أحمد يقود السيارة ويشترى
طلبات ومعه فى الطريق إيلى ليتعرفان ويتبادلان الحديث. من تليفون ايلى نعرف أن الأم
مريضة ويدور حوار هو الأهم بين أحمد وإيلى حين تسأله عن سبب الانفصال فيقول لها
بالألمانية أولا ثم يترجم ما قالته له الزوجة الألمانية وهى تطلب منه الطلاق ( أن نتألم قليلا أفضل من
أن نندم طوال حياتنا) هو يحكى عن علاقته بأمه التى ماتت منذ سنتين وكيف كانت تهتم بإعطائه طعاما بيتيا فى سفره
وخجله من علبة المخلل التى فاحت رائحتها فى المطار وأشعرته بالخجل. هى تفكر قليلا
وتبقى الكاميرا على وجهها الذى يحبه المخرج ويتوقف عنده فينقل لنا إعجابه بها.
الرجال يعدون الشواء ومائدة طعام على الأرض
يفسحون لها مكانا بجواره، نسيوا الملح فتسارع بإحضاره، هم يضحكون كمن يفضح نفسه
حين يدبر أمرا مما يسبب لها الإحراج، فى المطبخ تفكر فى أمر ما وتبدو سارحة
ومهمومة ، حين تعود تجلس فى مكانها بجوار أحمد.
جلسة رجالية مع الشيشة يتسامرون ويسألونه عن
رأيه فى الفتاة، بينما السيدات فى المطبخ، ولكن زبيدة تطلب منهم التجمع فى جلسة
جماعية حيث يلعبون لعبة الأفلام. أشعر بتقاربهم معنا نحن المصريين فى طريقة العيش
باستثناء هذا الزى شبه الموحد للنساء غطاء على الرأس فى كل مكان وملابس محتشمة
فضفاضة. شخص يمثل فيلما بشكل صامت وهم يحزرون، إيلى لعبت والطفل ووالده وتتوالى
أسماء الأفلام " ملكة النحل والعسل" ،" الحياة الصعبة لطلاب
الحقوق". ثم الصباح التالى والرجال فقط مع لعبة الكرة الطائرة، النساء
منهمكات فى أمور إعداد الطعام، الأطفال يسبحون، ايلى ترغب فى المغادرة فتمنعها
زبيدة، هى تجلس مرغمة وقد طُلب منها الانتباه للأطفال، ابنة زبيدة تطلب منها
إصلاح خيط الطائرة الورقية، تصلحها وتجرى بها فى مشهد الفيلم الفائق حيث تجرى بمرح
طفولى. والمخرج يتابعها فى مشهد متعدد الزوايا قبل أن يعود للرجال مع الفولى بول
والطفلة تأتى صارخة على أبيها آراش أراش قبل أن ينتبه الأب وباقى الرجال أن الطفل
يغرق. ويتسارع إيقاع التوتر مع احتمال غرق الطفل حتى أن الجميع يشاركون فى الإنقاذ
وأهمهم أحمد وينجحون فى النهاية فى إنقاذ الطفل وبعدها ينتبهون إلى غياب إيلى
فيسود الاعتقاد أنها نزلت البحر لتنقذ الطفل فغرقت. زبيدة تعوم بكامل ملابسها،
حالة من الانهيار للجميع مع انحسار الشمس وارتفاع موج البحر، فرقة إنقاذ تفشل فى
العثور على إيلى أو جثتها. طوال المشاهدة سيطر على أن هذا سوء تفاهم وأن ايلى
غادرت كما كانت تريد وكما أخبرت أمها بذلك. يظهر إحساس زبيدة الهائل بالمسئولية
وتبدو إيلى كشخص أنانى لا يهتم بقلق الآخرين عليه. أحمد يشعر بالذنب لأنها لم ترغب
فى التعرف عليه ووقعت تحت ضغط زبيدة. زوج زبيدة وقد طفح به الكيل وينهرها بل
يضربها لأنها تتدخل فى مصائر الآخرين. الرحلة وقد انقلبت إلى كارثة بعد أن كانت
البداية منتهى المرح.
حدث الاختفاء جعله فرهادى فرصة لعرض التركيبات
النفسية لأبطاله، زبيدة ( دائما تعتبر نفسها المسئولة ) كما يقول زوجها. السيارة
عجلاتها مغروزة بالرمل، الأزمة العائلية يتعامل معها فرهادى بجدية شديدة وكأنها
حرب كبرى وقرار الرجال ( النساء والأطفال يعودون إلى طهران ونبقى نحن هنا للبحث)
وحديث عن ( المقدر والمكتوب ) على لسان إحدى الشخصيات. وندخل فى مشهد تجمعه فكرة
واحدة عن النفاق الاجتماعى والأكاذيب وكيف تؤدى إلى ضياع الحقيقة. أما مشهد لعب
إيللى التى لا نعرف الكثير عنها مع الطائرة الورقية فيعد أحد مشاهد السينما
الكبيرة التى تبقى عالقة فى أذهان محبى فن الفيلم، كثف فرهادى لقطات إيلى مع
الطائرة، الممثلة فى براءتها وتعطشها إلى الحرية، بسمتها الفرحة والمبهجة. لن
نراها بعد هذا المشهد، ستختفى حتى يتضح خبر غرقها وكأن الموت أمر محتوم بعد أن
نجح المخرج فى إظهار قسوة الخطيب الذى يقتلها بحبه المريض، وبعد نجاحه فى إظهار
سخف تدخل زبيدة فى حياتها رغم جهلها بحقيقة ما تتحمله من ظروف. ستتصدر صورة إيلى
مع تطلعها إلى سماء الحرية ملصقات الفيلم الذى يحصل على عدد هائل من الجوائز فى كل
مهرجانات الدنيا.
كيف يحول المخرج من العادى واليومى فيلما غير
عادى كاشفا الكثير من المعانى مع القليل من الحوار المحمل بمعانى دالة وإشارات
هامة. والأكثرية من الحوار حوار الحياة اليومية غير المحمل بالشعارات على عكس مخرج
السلطة مسعود ده نمكى - إذا جاز التعبير -
الذى يلجأ إلى حوار مزين بالكلمات الرنانة والشعارات والحكم الشعبية.
حصل " عن إيللى" جوائز عديدة منها:
جائزة (أفضل مخرج) ، مهرجان فجر السينمائي الدولي
(2009)
جائزة الجمهور بمهرجان فجر السينمائي الدولي
(2009)
الدب الفضي (أفضل مخرج) بمهرجان برلين السينمائي
الدولي (2009)
أفضل فيلم روائي طويل بمهرجان تريبيكا السينمائي
(2009)
الغراب الدراج، ذهبية مهرجان السينمائي الدولي في ولاية كيرالا
(2009)
أفضل سيناريو ، جوائز الشاشة آسيا والمحيط الهادئ
(2009)
جائزة لجنة التحكيم الكبرى ، جوائز الشاشة آسيا والمحيط
الهادئ (2009)
جائزة NETPAC ، مهرجان بريسبان
السينمائي الدولي (2009)
ملحوظة: اخترت الكتابة عن فيلم " عن إيللى
" لأنه لم يتم الانتباه إليه إلا بعد فيلم " انفصال نادر وسيمين"
نتيجة حصوله على الأوسكار. حيث وجدته أكبر معبر عن سينما أصغر فرهادى الأقرب إلى
السينما الفرنسية التى لا تنشغل بالقضايا الكبرى وفى نفس الوقت تعبر بجمال خاص عن
الإنسان الإيرانى فنجده مثلنا جميعا يعانى من أزمات وجوده التى تتجاوز شكليات
الحجاب والمنع إلى قضايا الحرية والبحث عن الذات.
بالنسبة لى أيضا كمصرية تربيت على أفلام شعبية
فى مراحل الأسود والأبيض لم تزعجنى متابعة سلسلة أفلام " دفاع مقدس" ولا
أنكر أننى استمتعت بها وقد خلعت نظارة المثقف وبقيت على سجيتى، خلافا للمتعة
الراقية التى شعرت بها مع أفلام فرهادى وخاصة "عن إيللى" الذى حرمنا
من مشاهدته بمصر فى مهرجاننا الدولى المتأثر بالسياسة والمصالح المتغيرة.
* شكر
خاص للصديق الفنان التشكيلى المصرى أوفى ريان الذى عرفنى بفيلم " اخرجى ها
".
وأوصلنى إلى مراجع الدراسة:
أفلام ايرانية "
دفاع مقدس " فيما يشبه نوعا سينمائيا
تخصص فيه مسعود دى نمكى
البحث
عن إيللى: كتابة وإخراج أصغر فرهادى
نشرت الدراسة بالعدد الثامن من مجلة الفيلم نوفمبر 2016
Subscribe to:
Posts (Atom)