Friday, 20 January 2017

قراءة فى أفلام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى 38



أفلام عالمية هامة وممتعة
 والمصرية مخجلة
 
فى ندوة فيلم " كلز اون هويلز القتل على كراسى متحركة " الحائز على أفضل إخراج من لجنة التحكيم الدولية فوجيء الحضور بالبطل المشارك فى العمل على كرسيه المتحرك بجوارى الصديقة طبيبة وناقدة قالت إنه بالفعل يعانى من شلل رباعى، صفقنا طويلا للفيلم الممتع ولبطله القادم من المجر على كرسيه المتحرك، أدركت دون أن يكون لدى معلومات مسبقة أن المخرج لابد وقد أعاد صياغة أوراقه، السيناريو الأولى ليتناسب مع الكاستنج الذى اختاره لفيلمه، سألت الممثل وكان الرد أن النسخة التى صورت هى النسخة التاسعة للاسكريبت. وهذا فى رأى سر نجاح الفيلم – أى فيلم – إذ ينطلق من سيناريو مبدئى ثم يتم التعديل ليتوافق مع فريق العمل ومستجدات التصوير. ينتمى " القتل على كراسى متحركة " لنوعية فيلم الكوميدى أكشن، قديما كان لدينا نماذج ناجحة من هذا النوع وهناك محاولات حديثة لثلاثى من السينمائيين الشباب لإحياء هذا اللون المحبب ( قدموا  سلسلة أفلام بدايتها كان سمير وشهير وبهير ) وهذا النوع يتميز بتحقيقه للنجاح الجماهيرى ولإعجاب النقاد أيضا. نعود للفيلم الفائز بجائزة الإخراج للعمل الأول، الجائزة استحقها لعمله على السيناريو وتطويره، ففى النهاية  السرد والتتابع  المكونان لسيناريو الفيلم الذى يصلنا فى النهاية مسئولية مخرجه حتى لو لم يقم بنفسه بعملية الكتابة، بشكل أوضح  تقع مسئولية سيناريو الفيلمين المصريين على عاتق مخرجيه كاملة أبو ذكرى فى " يوم للستات "، وعلى إدريس فى " البر التانى" . حين قمت بدراسة لأفلام صلاح أبو سيف ومن قبله بركات ونيازى مصطفى لاحظت أن السيناريو يتشارك فيه أكثر من مبدع وصلوا إلى أربعة فى الفيلم الكبير "رصيف نمرة خمسة" لنيازى مصطفى، وعادة يتخصص مبدع فى كتابة حوار أفلامناالمصرية التى نسميها أفلام الزمن الجميل ، انفراد شخص واحد بالقصة والسيناريو والحوار وعدم وجود جلسات مناقشة السيناريو والعصف الذهنى الواجب حدوثه قبل التصوير سبب رئيس لخلل البناء فى أفلامنا المصرية الحديثة. 
صلاح أبو سيف قال: " نجيب محفوظ يقيم الأسمنت المسلح فى عمارة الفيلم". 
البراعة فى قيادة الأطفال فى بطولات أولى
شاهدنا بمهرجان القاهرة عددا من الأفلام بطلها الأول طفل أو طفلة فى حوالى العاشرة من العمر، الفيلم المشارك بالمسابقة الرسمية "لسنا وحدنا" من التشيك الذى حاز مخرجه جائزة الإسهام الفنى به طفل شديد الذكاء ، والده حارس سجن ما زال يعيش حنينا للحقبة الشيوعية ويمارس قسوة على الجميع ولا يتفهم حب زوجته لابنهما الوحيد، الطفل يتناول الحلوى ، بل يلتهمها بسرعة خشية أن يلحظه أبوه، يمارس الطفل أفعالا سادية بتعذيب الحيوانات الصغيرة وينجح بذكائه الخارق فى إبعاد الشكوك عنه حين تولى محقق التحقيق فى الأمر، بدهاء يستولى على نقود القواد بعد مقتله على يد أبيه الحارس القاسى ويسافر ، يهرب من جحيم البلدة ويترك المخرج النهاية مفتوحة والطفل يراقب شاطئ آخر يبدو أكثر أمنا بالنسبة له. الطفل يعبر ببراعة عن تركيبة شخصية تجمع بين من يتملكه الذعر وأيضا الإصرار والشجاعة على مواجهة هؤلاء الكبار الفاشلون.
الفيلم الثانى لبطولة طفلة فى حوالى العاشرة الفلبينى اليابانى "بلانكا" فى أسلوب يقترب من سينما الحقيقة حتى تشعر أنه فيلما وثائقيا أعيد أداء أبطاله فى صياغة درامية عن طفلة شوارع تلاقى مصيرها وتتصرف بذكاء بعد أن تلتقى بأعمى تتخذه أبا بينما تدخر نقودا لتشترى أما ترعاها.
 الفيلم الثالث الهندى "نصف تذكرة" بطولة طفلين من المنبوذين بعد سجن والدهما وشقاء الأم لترعى شئونهم، يعملان فى جمع الحديد الخردة ويبعانه ليحصلا على نقود قليلة فجأة يتملكهما حلم بتناول البيتزا ويبذلان المستحيل ليجمعا مالا يكفى تناولها. أجواء الفيلم كلها تتحرك بين البيئة العشوائة التى تشبه عشوائات مصر مع البعض من البرجوازيين منهم طفل يتمتع بثراء والديه ويجرى بينه وبين البائسين الصغيرين حوار .
المخرج ناجح تماما فى قياده أطفاله وفى تسكين كل أبطال فيلمه فى أدوار تناسبهم، مما يحقق اندماج المشاهد مع الأحداث وكأننا نشاهد واقعا حقيقيا من خلال مرآة سحرية. فيلم رابع شارك المسابقة الرسمية بعنوان" يعقوب الصغير" لرجل يتذكر طفولته البائسة مع والده القاسي الذى كان يجلده لأقل غلطة.

يبدأ الفيلم بيعقوب رجلا وحيدا فى منزل مرتب ثم يقتحم بيته وخزانة أسراره الطفل ويسرد لنا المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو قصته مع حادثة سقوط ماكينة الدريس على ساق والده، ثم الحاقه بمدرسة داخلية ومشاكله مع أقران له يتمتعون بدفء الأسرة، وقبلها مشاهد لموت الجدة وحزنه الشديد لفقدها، من خلال التذكر ينجح الرجل فى التصالح مع ذكرى أبيه ويسامحه على قسوته.
 لدينا ميراث من أفلامنا يستخدم فيه الأطفال بأدوار سنيدة دائما يتصرفون ويتحدثون بطريقة تتجاوز أعمارهم حتى أصبح لدينا دعابة عن طفل لا يناسب حديثه  ولا طريقة تصرفه عمره " ده عامل زى أطفال التلفزيون، أو زى عيال السيما " . الأفلام الأربعة ( يعقوب الصغير، نصف تذكرة، بلانكا، لسنا وحدنا )  تتعامل مع الطفل بتفهم لسيكلوجية الطفل وأغلب مخرجيها لديهم تجارب مع السينما الوثائقية أو لجئوا لأبحاث قبل أن يكتبوا سيناريوهات أفلامهم.
أفلام كبرى خارج المسابقة الرسمية

واحد من أهم أقسام المهرجان ما يصنفه المدير الفنى الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله تحت مسمى القسم الرسمى خارج المسابقة والذى شهد إقبالا كبيرا وخاصة مع  عدد من الأفلام التى سبقتها سمعتها العالمية مثل فيلم " تونى إردمان" الذى يروى عن الأب ستيفن الذى يقرر أن يزور ابنته حيث عملها الستراتيجى الهام فى بوخاريست، الفيلم الألمانى به موضوع قوى فى إطار من الكوميديا يدهشنا أنها آتية من ألمانيا حيث نعانى أحيانا من تصورنا النمطى عن صرامتهم وجديتهم، الفيلم ممتع وإنسانى نجح فى ايصال رسالته عن تفضيل العلاقات الإنسانيىة الحقيقية عن شهوة النجاح فى العصر الحالى رغم طول  زمن عرض الفيلم الذى تجاوز الساعتين بنصف الساعة.  ومن المملكة المتحدة استمتعنا بفيلم النجمة ميريل استريب وثيو جرانت وأيضا لا يخلو من نوع خاص من الكوميديا الراقية .
الإقبال الأكبر كان لفيلم  " درب اللبانة " للمخرج أمير كوستورتشا الذى قام بنفسه بدور البطولة فيه يعود فيه لموضوعه الأثير والسخرية من الحرب ، هذه المرة مع إنتاج ضخم شاركت فيه الصرب مع المكسيك،  وأجده مفتعلا يفتقد طزاجة وعبقرين البداية التى أحببنا كوستورتشا بسببها . وفيلم " التخرج " الرومانى " وبطله ذو الملامح العادية المختلفة عن نجوم السينما، الفساد فى رومانيا وصعوبة العيش فيه دون أن ينجرف الجميع نحو هذا الفساد.
فى نفس القسم الفيلم الكندى الفرنسى " إنها فقط نهاية العالم" الذى اختلفت حوله الآراء ووجدته يمتلك أسلوبا خاصا فى التعامل مع الكادر فى لقطات شديدة القرب غالبا وبإضاءة مجهدة للعين – وخاصة مع ضعف العرض بالمسرح الكبير – شوش على استقبالى للفيلم ما ذكره كثيرون عن بطله الشاذ جنسيا فى حين كانت عودة الابن الكاتب لأسرته ليخبرهم أنه مقبل على الموت، الارتباك الذى أحدثه ظهوره بعد اثنى عشر عاما من الاغتراب وما سببه من ردود أفعال متباينة مع أمه وأخيه الأكبر، زوجة الأخ والأخت الصغرى، نوع من الدراما النفسية التى تتطلب يقظة فى التلقى واستعدادا لاستقبال أسلوب سينمائى مغاير للمعتاد.  التميز الأسلوبى فى الإخراج يتمتع به المخرج الفلبينى ميندوزا فى فيلم "ماروزا" وخاصة فى تعامله مع مشهد التحقيق مع الأم فى قسم البوليس الذى يشهد فسادا كبيرا، التعامل مع القسم والتحقيق غير التقليدى وحركة الكاميرا التى جعلها تصحب ضابط القسم الكبير الفاسد وهو يخرج من الباب الخلفى حاملا أموال الرشوة، حركة كاميرا كاشفة وتشرح الكثير دون كلمات مباشرة، شخصية الأم التى تمتلك متجرا صغيرا وترأس أسرتها وتحاول حماية أطفالها أداء جبار للممثلة بتوجيهات المخرج. أما فيلم المُدرسة فرغم سيطرة فكرة الهجوم على الحقبة الشيوعية ورفضى لهذا الهجوم الذى بدا فجا وهو يتناول المدرسة التى تستغل موقعها كرئيسة لخلية الحزب الشيوعى الحاكم وقتها فى استغلال تلاميذها وأولياء أمورهم، ما أراحنى أن نهاية الفيلم تظهر المدرسة وهى تمارس نفس الأفعال بعد سقوط الشيوعية مما ذكرنى بالحكمة القائلة بأن الناس معادن، وهاهى سواء فى الحقبة الشيوعية أو بعد انهيارها تمارس نفس الأفعال فى فيلم قوى وممتع فى أن يعكس الاختلافات بين البشر فى قضية تخصهم، من يهادن، من يخالف ضميره، ومن يمتلك الشجاعة لمواجهة الخطأ والفساد. كل الأفلام الناجحة لا نجد بها خللا فى السرد ولا ارتباكا فى الأسلوب، كل فيلم له نسيجه الخاص المتسق مع فكرته، أكتب هذا والحسرة تملؤنى لضعف الأفلام المصرية التى اختاروها للمشاركة بمعزل عن لجنة اختيار الأفلام تدور فيها مناقشات ونتبادل فيها الآراء ونقدم رأينا مكتوبا عن حيثيات الرفض أو القبول أو القبول بحماس، وما زالت الحكمة العربية " ما خاب من استشار" صالحة وحامية فى مواجهة اختلاف الأذواق وفى مواجهة رقابة رسمية أو مجتمعية.
عن الفيلمين المصريين المشاركان بالمسابقة الرسمية
خلل البناء أضاع الهدف
شارك فيلمان مصريان بدورة مهرجان القاهرة 38 أولهما للمخرجة كاملة أبو ذكرى التى حققت سمعة طيبة وخاصة بمسلسلات تلفزيونية ناجحة أولها "ذات" عن قصة للكاتب الكبير صنع الله ابراهيم، ثم "سجن النساء".
والعملين للسيناريست مريم نعوم وتصوير نانسى عبد الفتاح. حازت المسلسلات الإعجاب العام باستثناء صوت وحيد كان يصرخ بأن هذا ليس فنا، رأى أن نقل الواقع والإغراق فى التفاصيل ليس كافيا لنسمى العمل فنا. ويبدو أن لعنة المسلسلات – والتى يجدها مخرج مثل داوود عبد السيد أعمالا تهدد السينما وتأتى على النقيض من التكثيف المميز للفيلم السينمائى- لعنة المسلسلات أصابت مخرجتنا التى نجحت قبلا مع فيلم "واحد صفر" وقبله مع "ملك وكتابة". 
هنا فى "يوم للستات" شعرت بأننى أتابع مسلسلا مضغوطا وليس فيلما سينمائيا مبنى على أساس من سرد لا يتجاوز الساعتين فى بناء محكم أيا كانت شخوصه، هل لبطل مفرد أو بطولة جماعية لأفراد يجمعهم مكان واحد وإن اختلفت الشخصيات. المخرجة كاملة أبو ذكرى لا تكتب أعمالها ولكنها أيضا لا يمكنها أن تقوم بتنفيذ ورق وصلها – الورق تعبير يستخدمه أهل صناعة السينما فى مصر ويردده خلفهم الصحفيون، المهم الورق، العيب فى الورق، عندنا أزمة ورق. الورق، السيناريو المكتوب الذى تسلمته المخرجة سواء من المنتجة  أو عن طريق الكاتبة، لابد أنها قرأته جيدا  فوجدت فيه ما يستحق حماستها لتخرجه ومن المؤكد أيضا أنها تناقشت مع الكاتبة والمنتجة لكى تصل إلى نسخة سيناريو معدة للتصوير. فى كتالوج المهرجان ملخص الفيلم وهى المادة الصحفية التى يرسلها صناع الفيلم كتبت هكذا: تدور أحداث "يوم للستات" على مدار أربعة وعشرين ساعة في أحد أحياء مصر الفقيرة حيث يقرر مركزا للشباب أن يُخصص يوماً خاصاً بحمام السباحة للنساء فقط. تكشف الأحداث عن عواقب هذا القرار على الحياة الاجتماعية، النفسية والعاطفية لنساء الحي.
عذرا لم أشعر من الإيقاع أن الأحداث دارت على مدى 24 ساعة بل على الأقل على مدى 24 يوما تبدل فيه حال ناهد السباعى من عزة الهبلة إلى فتاة تحب وتتمنع، وتتحب ويصحبها حبيبها لتأكل فى مطعم كنتاكى، ولا أن تتغير نظرة نيللى كريم الكئيبة للحياة بعد فقدها لابنها وزوجها فى العبارة وتبتسم لأول مرة بعد أن عرفت أن مدرب السباحة هو من يرسل لها رسائل على محمولها بدون توقيع، ولا أن تلتقى الهام بعد عشرين سنة من الانتظار بحبيبها الذى تزوج غيرها وتنام معه، أخيرا هناك من تعامل مع جسدها بما هو أكثر من التحسيس. – سمعنا فى مونولوج طويل منها كيف يعاملها من يرسمونها دون أن نشاهد ما تحكى عنه-
خلافا لشخصية المتعصب الدينى وانكشاف سبب تعصبه نتيجة الكبت الجنسى والإحساس بالفشل، هل يمكن لأحد أن يوهمنا أن مشاهد حمام السباحة المتتالية تمت كلها فى يوم واحد، يوم تحضر فيه الهبلة وبقدرة قادر تصبح قادرة على العوم ثم تحضر باقى النساء ويقام الحفل وتسرق ملابسهن وتبقين فى الحمام ثم يتم العثور على بعضها بجوار الزبالة ثم يردون الكيل للرجال ويدخلون الحارة بملابس داخلية مبللة . وشجار و... تفاصيل كثيرة التشعب لا يمكن بحال من الحوال أن تتم فى 24 ساعة. ما علينا. لا يذكر الملخص أيضا ما يتعلق بمشاهد تتم فى الحارة – ديكور العزيمة وما تلاها من أفلام حتى وقتنا هذا- ولا ما يتم فى بيت الفيشاوى وأختهم نيللى، ولا فى بيت الهام ولا فى بيت الهبلة وجدتها المريضة ، وكلها بمفردها تشكل فيلما يضاف إلى تيار الواقعية المصرية بحارته ونماذجه الشعبية ومعاركه وأفراحه القليلة أيضا. نشاهد المشهد وتعلو الموسيقى ويجتهد الممثلون ثم لا شيء يحدث. وتعود الفتاة فى لقطتها تسبح وكأنها من رواد نادى الجزيرة حتى نيللى كريم فشلت فى أن تغرق بل غطست كسباحة ماهرة وعلمنا فقط من الصراخ وحوار عالى من الهام والأخريات أن ليلى بتغرق، وبدلا من أن تنفرد بمشهدها يصبح مشهد الاعتراف لالهام عن رسمها وهى عارية فتبكى نيللى بحرقة فتصرخ الهام لأن البكاء انفراجة مما يعنى أنها شفيت من كتمانها لرد فعلها، مشهد به مجهود كبير من الجميع ولكنها تعود حزينة بنفس التكشيرة، وحتى عندما تخرج فى مشهد مصنوع صور بالاستديو مع اياد نصار وتبتسم تعود كما كانت وكأن كل ما نشاهده لقطات مجانية لا تؤثر فى تطور البناء الدرامى مما يحدث التغيير فى مسار الشخصيات .فقط (آدى احنا لعبنا شوية وعيطنا شوية وحبينا شوية) وعدنا للمجارى الطافحة ولم يفعل حمام السباحة فعله مع ناس – على الأرجح يستحقون ما هم فيه من بؤس ولا سبيل إلى إصلاحهم. من أين أتى مدرب السباحة الراقى الوسيم هذا، لا نعرف جذوره ولا أى خلفية عنه هل تكفى الكتب فى ديكور منزله لنستنتج أنه مثقف ولهذا هو محترم، وكيف تتمكن الهام ومعها حميدة من تحقيق ليلة دخلة بهذه السلاسة وهما المحرومان منذ ما يقرب من عشرين عاما، فى عودة الابن الضال وبعد زفاف سهير المرشدى على على العائد مهزوما من الحرب تغتصبه بشراسه وتمزق ملابسه، كبت السنين لا يمكن أن يحل هكذا ببساطة فنشاهد الهام جالسة على السرير فى حضن الرجل الذى تركها وتزوج غيرها وكأنها عروسان ليلة دخلة عادية جدا. من المسئول عن هذا التناقض فى رسم الشخصيات وتفهم دوافعها؟ من حوار أجرته المخرجة مع مجلة وزعت على من حضروا عرض الفيلم حاورتها عالية قاسم قالت كاملة أن جيل الهام كان مسئولية الهام المنتجة والبطلة الأولى وأن جيلها مسئوليتها هى، عن أى جيل تتحدث كاملة، هل العمل اخراج مشترك بينها وبين المنتجة، هل الكاتبة قامت بتفصيل خطين واحد يرضى الهام فى الحارة مع الممثلين المخضرمين حميدة والفيشاوى ونصار تجاوزا وخط يرضى كاملة مع ناهد السباعى وأحمد داوود والفيشاوى الصغير. وأين تقع نيللى من كل هذا ومع أى خط تتواجد!. لا شك أن العمل به بعض اللمحات الفنية المميزة ولكنه افتقد البناء المتماسك الذى يجعلنا نصل إلى فكرة العمل الرئيسية، هل هى دعوة للحرية؟ ،هل هى بكائية على حال فقراء فى عصر مبارك شوارعهم بها طفح دائم للمجارى؟ هناك شكلانية سواء فى مشاهد بها تصور ساذج عن الرومانسية المفقودة والتى يفكر بعض الفنانين فى إعادتها، وهناك الواقعية الفجة بنماذجها من متعاطى الحشيش والمخدرين السابحين فى المجارى. وكل مشهد مع نوره نانسى تهتم بوجه الحبيبين نيللى ونصار وكأنهما فى عالم آخر لولا شريط الصوت الذى أضيف لاحقا فى المونتاج والمكساج. الهام مع حبيبها بالشموع دون حساب لسنوات العجز والفشل. فجأة تتحول الهبلة التى شاهدناها فى بداية الفيلم تسبح وسط الصبيان بملابس داخلية  إلى فتاة بمايوه تسبح كما الفراشات تربية النوادى وتجلس مع الميكانيكى فى مطعم حلمت به.  يبدو أن الجميع فى حالة من ألزهايمر لا يتذكرون كيف كانوا وكيف أصبحوا. صناع الفيلم جعلونا نتفرج على الشخصيات وكأنهم مجموعين فى حديقة حيوانات بشكل فولكلورى تماما يحضرون حلة محشى بجانب حمام السباحة، ويرقصون على أنغام مختلطة، تختار كاملة الكومبارس كما اعتاد صناع السينما السائدة اختيارهم كاركترات مضحكة، هى لا تكرههم ولكنها تنظر لهم عن بعد ككائنات لا تعرفها.
تتمتع المخرجة كاملة أبو ذكرى بسمعة طيبة فى الوسط السينمائى وبين الصحفيين مما جعل البعض يلقى بمسئولية ضعف الفيلم بشكل كامل على الكاتبة هناء عطية، وهى تتحمل جانب كبير من مسئولية السيناريو بالطبع ولكن السيناريو الذى وصلنا مع الفيلم المعروض مسئولية المخرجة وخاصة أنه ليس عملها الأول .  فنقلا عن كتالوج المهرجان أيضا: 
  المخرجة " كاملة أبو ذكري ":
 ولدت في مصر عام 1974. بدأت كاملة أبو ذكري مشوارها المهني كمساعد مخرج. في عام 2004، أخرجت فيلمها الروائي الطويل الأول "سنة أولى نصب". يتضمن رصيدها السينمائي فيلم "واحد صفر" الذي أشيد به نقدياً وشارك في العديد من المهرجانات السينمائية من بينها مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. حصل الفيلم على أكثر من خمسة وأربعين جائزة دولية، وأخرجت أيضاً فيلم "ملك وكتابة" عام 2006. على صعيد الدراما التلفزيونية، أخرجت مسلسل "حكاية بنت اسمها ذات" عام 2013 ومسلسل "سجن النسا" عام 2014.
فيلموجرافيا مختارة: ملك وكتابة (2006)، واحد صفر (2009).
 يوم للستات فيلم المخرجة كاملة أبو ذكري، بطولة : إلهام شاهين، محمود حميدة، نيللي كريم، إياد نصار، فاروق الفيشاوي، أحمد الفيشاوي، أحمد داوود، ناهد السباعي، هالة صدقي، رجاء حسين.
  سيناريو: هناء عطية فى ساعتين إنتاج مصر لشركة الممثلة الهام شاهين بعد عمل سابق مع الكاتبة فى خلطة فوزية للمخرج مجدى أحمد على مما يؤكد اقتناعها وتفهمها لما تقدمه هناء عطية وهى كاتبة قصة لها مجموعة مميزة بعنوان هى وخادمتها، تخرجت من المعهد العالى للسينما قسم سيناريو وهذا العمل مساهمتها الثانية للفيلم الروائى وتعد للممثلة عملا آخر سوف تخرجه المخرجة هالة خليل.
 قدمت هناء عطية فكرة لامعة يمكن صياغتها كالتالى، ما الذى يمكن أن يحدث لو خصص يوم للستات فى حمام سباحة بنادى شعبى، وهى فكرة يمكن عن طريقها مناقشة أوضاع تتعلق بالعلاقة بين الرجال والنساء وبين بعضهن البعض، مكانا مفتوحا يسمح بعرض شكل من أشكال الدراما مختلف عن الحارة التى تمسكت بها المخرجة وجعلتها خطا موازيا لما يحدث بالحمام .
للأسف ضاعت فكرة جيدة جدا فى سرد مفكك وتم الاهتمام بتفاصيل على حساب تأسيس الشخصيات وتبيان جذورها ودوافعها، انجرفت المخرجة وراء الانبهار بسباحة الفتاة الساذجة حتى انها كررت لقطتها كموتيف بالفيلم ونسيت غزل خيوط باقى الشخصيات فلم نعرف من أين أتوا وما هى دوافعهم، باستثناء شخصية الموديل التى قدمتها الهام شاهين كانت الأكثر اكتمالا فى العمل ووحدها تصلح لبناء فيلم، ولكن صناع العمل - ولهم كامل الحرية - فى تفضيل السرد عبر مسح لشخصيات الحارة وهو خط يؤسس بمفرده لفيلم متكامل دون أن تطغى عليه مشاهد الحمام ، باختصار لم يتضافر الخطان ولم يتم غزلهما معا ليخدم كل منهما على الآخر. ولا أعتقد أنها عيوب ورق أو كتابة ولكنها مسئولية المخرجة المسئولة عن السيناريو الذى وصلنا فى نسخة الفيلم النهائية وخاصة لما لدى كاملة ابو ذكرى من خبرة فى أفلام متماسكة سابقة لها كفيلم "واحد صفر" وفيلم "ملك وكتابة". رغبة المنتجة ورغبة المخرجة فيما يسميه أهل المهنة( أفيش حلو ) يتزاحم فيه عدد كبير من الممثلين النجوم أضر بالفكرة وأضاع رونقها وخاصة مع تنميط عدد من الشخصيات وخاصة دور الفيشاوى الصغير. أختلف مع لجنة التحكيم فى منح الجائزة لناهد السباعى فقد فلتت منها الشخصية وأصابتنى بالحيرة، هل هى هبلة فعلا أم انسانة فقيرة بتستعبط بالإضافة أنها ليست بطلة العمل ودورها ليس الدور الاول بل دور الهام شاهين.
 أما العمل الثانى "البر التانى"  فمشاكله أكثر فداحة فالأفكار الكبرى لا تقف وحدها لعمل فنى كبير المهم كيف يتم تناول هذه الأفكار وكيف تتم معالجتها فى فيلم اختار مناقشة الهجرة غير الشرعية التى يلجأ إليها شباب من دول كثيرة هربا من البطالة فى بلادهم، على مدى سنوات شاهدنا أعمالا تسجيلية وروائية تناولت الحدث وأغلبها كان هروبا من بلدان المغرب العربى حيث أوضاع اقتصادية قاسية إلى الحلم الأوربى عبر السباحة أحيانا أو عبر الارتحال بمركب غالبا يقوم تجار ليس لديهم ضمير بتكديس الناس فيه وتحميله أكثر من حمولته فيغرق ويغرق أغلب المهاجرين قبل الوصول إلى الشواطئ الأوربية. انضم مهاجرون سوريون بعد الأزمة السورية وأخيرا انضمت مصر أيضا وآخر ما وصلنا فاجعة سميت بمركب رشيد التى غرق بها أكثر من 400 شاب كانوا يسعون للوصول إلى إيطاليا. شاهدنا أفلاما عديدة عرضت بمهرجان الإسماعيلية ومهرجان القاهرة عبر دوراته فى العشر سنوات الأخيرة وأخيرا فى بانوراما الفيلم الأوربى. ويبدو أن صناع الفيلم المصرى لم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على هذه الأفلام ولو من باب عدم تكرار مشاهد ما. فجاء عملهم الأضعف الذى مر على حتى كتابة هذه السطور. سيناريو شديد البطء أضاع زمنا طويلا قبل الوصول الى مربط الفرس أو المشهد المنتظر بالتجمع عند شاطيء البحر. ومخرج تعامل باستهتار كامل مع تفاصيل مطلوبة لنصدق أن ما نشاهده مركب تحمل مهاجرين وليس مجموعة أصدقاء فى رحلة بعرض البحر. مرت أربعون دقيقة بكاملها لتجميع أبطال الفيلم الثلاثة من قراهم التى بدت كقرى خارج الزمن، فلاحوها أقرب إلى فلاحين السينما بطريقة حديثهم وأداؤهم الميلودرامى الفج. فى برامج تلفزيونية شاهدنا كيف يتحدث أهالى منكوبى حادثة رشيد وكيف تبدو الفلاحة التى فقدت ابنها ثابتة وهى ترد على سؤال المحاور بأنها سترسل ابنها الآخر لأنه لا يوجد بديل. فمن نجح فى الوصول تمكن من الزواج وبناء بيت وشجع غيره على خوض المغامرة، هكذا شاهدنا الواقع وعلى قسوته إلا أن به مرارة تفوق ميلودراما مشاهد صناع الفيلم وهم يقدمون لنا نماذج فلاحية اختفت من عالمنا المعاصر.
أعود للقول أن التركيز على ثلاثة نماذج أحدها فقط المنتج الذى انفرد بالملصق الدعائى للفيلم وأنه طرزان ذاهب إلى مغامرة فى الأدغال. الفاعل الوحيد على المركب، المنقذ الجميع من الغرق ومن الفشل ومن الإحباط. نموذج اختفى من عالم السينما شجيع السما هذا القادر وحده على شق البحر والعوم بجثة زميله المهاجر. فاتنى أن أذكر انفراد أحدهما بمشاهد عودة للخلف لتوضيح دوافع سفره وتميز آخر بمشاهد قفز للمستقبل تعويضا عن إفلاس فى استعراض ما يمكن أن يحدث لرحلة بحرية فى خضم بحر هائج ولمسافة كبيرة لمسنا خطورتها من أفلام سابقة تناولت الفكرة، أفلام فرنسية ومغاربية وأفلام أخرى إفريقية فالحدث متكرر فى كثير من بلدان تعانى أزمات اقتصادية مثلنا الآن.
وحتى لا يتم التحجج بضعف الإمكانيات يمكننى ذكر فيلم عرض بدورة بانوراما الفيلم الأوربى الأخير اكتفى مخرجه بالتعامل مع أحد الساعين للهجرة وصور زملاء له يتجمعون على جزيرة بالمغرب تواجه سورا عاليا بأسبانيا، ونجح فى تقديم فيلم شديد الجمال دون أن يستخدم تقنيات تصوير مكلفة ودون أن يغادر الجزيرة وبقى مستعرضا نماذجه من الحالمين بعيش أفضل فى أوربا، واستعان فقط بشريط المراقبة بجودة تصوير شديدة التواضع  لتصور عملية العبور المضنية  بتسلق السور الحديدى البعيد عن نيران البوليس .

فيلم " البر التانى " يتبنى فى محصلته النهائية وجهة نظر رسمية تدين المهاجرين وتوضح أنهم وحدهم سبب مأساتهم فكيف يجمعون أموالا كثيرة ويمنحونها إلى مهربين فاسدين ويلقون بأنفسهم إلى التهلكة.
البر التانى 99 ق انتاج مصرى 2016  اخراج على ادريس ، سيناريو زينب عزيز، تمثيل محمد على . ملخص الفيلم كما ورد بكتالوج المهرجان يتتبع قصص مجموعة من الشباب المصريين يحاولون الهرب من قراهم الريفية المحرومة من أساسيات الحياة، تجمعهم رغبة واحدة وهى الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا حيث يسافرون على متن سفينة قديمة متهالكة. بينما رؤية الساحل الإيطالى تشعل آمالهم. تضع أمواج البحر الغادرة نهاية لأحلامهم.
لاشك أن هذا الملخص به طموح لم يصلنا معناه لفشل تام فى التعبير عن مراحل الرحلة والتى عبرت أفلام كثيرة عنها ببراعة مؤثرة. والمدان الوحيد فى الفيلم خفر السواحل الإيطالى الذى حصل على رشوة بالاتفاق مع قائد المركب وفجأة تظهر نقود لا نعرف من أين أتت رغم طول مدة التحضير. لا إدانة لبوليس مصرى يهمل سواحله ولا يراقبها ولا يوجد نموذج واحد رفض السفر أو وصل متأخرا. لا دراما حقيقية بل نوع من الاستسهال وافتراض أنه ما حدش هياخد باله- ويا ليتنا كنا فعلا مش واخدين بالنا .
  " آخر أيام المدينة " والتراجع عن مشاركته المسابقة الرسمية
 بينما مثل مصر هذين الفيلمين مٌنع من المشاركة فيلم " آخر أيام المدينة" رائع البناء والمميز بتداخل الروائى مع التسجيلى به، وكيف كثف فكرته تماما وقلل من شخوصه. البطل خالد عبد الله مخرج وثائقى هو المخرج ذاته فى حيرته وبحثه عن مسكن بقلب القاهرة ومع رحلة بحثه التى تسير فى خط يقطعه لقاءات مع صديقيه كل من مدينة انتهت بالفعل بيروت وبغداد نرى الأصدقاء وقد تجمعوا بسيارة مفتوحة تجوب القاهرة والمخرج المصرى مع كاميرته يصور المدينة فى لحظة توشك فيها الثورة على الانفجار، ومع سفر الأصدقاء العرب، حبيبته تتركه وتقرر السفر للهجرة وتتركه.
مهزوما فى العثور على مسكن يحاول الاحتفاظ بذكرى من والده فلا يجد أحدا يعرفه.  بمشاهد منفذه بشكل رائع، يرصد تحولات النسيج السكانى وأزمة الأصدقاء، ينجح فى نقلها إلينا عبر شحنة عاطفية تضعنا فى حالة الانتظار، الاستعداد للانهيار فى مدينة توشك على أن تلحق بأخواتها وتكون " آخر أيام المدينة" على مشارف العام 2011 . فهل ننتبه. 

فى الخلفية هناك صيحات لمظاهرة .. يسقط .... ومجموعة بملابس مدنية تقبض على متظاهر وتشحنه بعنف فى سيارة، بينما يعبر البطل يشاهد حبيبته التى هجرته يطلبها بالتليفون نراه ويراها هى تنظر الى الرقم ولا تجيب. حالة الفقد والقهر تتداخل يزيدها المنازل التى تهدم على محتويات كأنها بشر أحياء.
 منذ متى تشارك السينما التجارية بأعمالها فى المهرجانات وتستبعد أفلام بديلة مكانها العرض بالمهرجانات المتخصصة، منذ متى نعاقب فنانا على وجهة نظره  السياسية فنقف له بالمرصاد ونعاقبه لأن هناك فى الخارج من احتفى به، منذ متى نتسول من صناع السينما ليشاركوا بالمهرجان فيملون شروطهم ومنها عدم العرض على لجان الاختيار والقبول الفورى للفيلم ومنحه امتيازا إضافيا بعرضه فى الافتتاح، كما حدث مع " يوم للستات " أو بشراء التذاكر لتمتلئ الصالة بالموالين مدفوعى الأجر. كما حدث مع " البر التانى " . منذ متى تقزمنا إلى هذا الحد وأصبح المنتج التجارى هو الممثل الوحيد والمعتمد  للسينما المصرية.
فى الوقت الذى تم حذف فيلم " آخر أيام المدينة " من المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى 38 يواصل عروضه ونجاحاته خارج مصر، ينقل لنا الناقد السورى ماهر عنجارى صورا مفرحة لتزاحم الجمهور على حضور العرض بمهرجان نانت بفرنسا للقارات الثلاث ومنها أن العرض اثانى للفيلم حضره وزير الخارجية الفرنسى المداوم على حضور المهرجان منذ كان عمدة لمدينة نانت وأعجبه الفيلم جدا وأخذ يبحث عن المخرج تامر السعيد ليشكره على إبداعه، يشير ماهر عنجارى الأخبار والصور مصحوبة بتعريف تامر السعيد يسبقه لقب المخرج المصرى، نعم هذا هم المخرج المصرى كريم العنصرين . 
نشر بالعدد الثامن من مجلة الفيلم نوفمبر 2016
رئيس التحرير سامح سامى رئيس التحرير التنفيذى حسن شعراوى 




No comments:

Post a Comment