الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
للنساء فى مصر
نتيجة سيطرة فكرة الشرف والعيب فى
المجتمع المصرى تغلب فكرة مناقشتها فى الأفلام بدرجة أكبر كثيرا من مناقشة حقها فى
العمل أو استقلالها الاقتصادى، وفى الحالات التى يتم فيها تناول قصة امرأة عاملة
تعرض مقرونة بفكرة تفوق الرجل وقوامته والانتهاء بأن دور المرأة الحقيقى أن تكون خلف
رجلها " تنور بيته وتربى عياله" . القليل الذى نرصده من الأفلام
الروائية التى تستهدف الجمهور العريض ناقش حق المرأة فى العمل بل وتفوقها أحيانا
على الرجال، ولكنها إما فى أسلوب كوميدى يغلب عليه السخرية من المرأة وطموحها، أو
فى دراما رومانسية تنتهى بإقرار المرأة بأن مكانها فى البيت لترعى الزوج والأولاد
. سأبدأ مع فيلم الأفوكاتو مديحة الذى أخذت فيه المرأة نصيبها من التأنيب
عبر خطب رنانة من أخيها الأكبر يوسف بيك وهبى وبعد أن نالت ما نالته من التقريع والتأديب
نجدها وقد تحولت إلى كائن ناجح فى حياتها العملية وكما ورد فى تعريف الفيلم بموقع
السينما العربية (الأفوكاتو مديحة 1950 ﻓﻴﻠﻢ مصرى ﺗﻢ ﻋﺮﺿﻪ
10 ابريل 1950 .)
نسخة معدلة من الفيلم تقوم فيها فاتن حمامة يتمثيل دور الأستاذة فاطمة
التى درست القانون
وتأهلت لتمارس المحاماة تشجيعا من والدها الذى لم ينجب ذكرا يحقق له طموحاته،
تتعثر فى مكتبها وتسرق زبائن الرجل الناجح وحين تتزوجه تنجح بما أهلته لها دراستها
فى الدفاع عن الزوج كمهمة وحيدة وأساسية للمرأة حتى لو كانت فاتن حمامة التى قامت
بأدوار تسعى فيه إلى حريتها وتطالب بفتح الأبواب لها ولبنات جنسها فى مطالب
بالمساواة مبكرا جدا فى فيلم لطيفة الزيات وهنرى بركات " الباب المفتوح
"، فيه تمر الفتاة ثم السيدة بثلاثة مراحل مع نوعيات مختلفة من الرجال
وينتهى باختيارها أن تكون بجوار الحبيب الثورى الذاهب إلى بورسعيد متطوعا للدفاع
عن وطنه فى حرب 1956 .
حتى هنا دراستها وتطوعها مدفوعة بالوقوف خلف الرجل وليس
بجانبه.
أما الحق فى العمل فيأتى دائما فى حالة الاضطرار كما فى فيلم " أنا
وبناتى " الراسخ فى أذهاننا بعنوانه التالى بيت العز، فالبنات
الأربع تضطررن للعمل بعد أن يعجز الأب على الإنفاق عليهن ، فى الفيلم مشهد تتكافتن
وتحتضن كل منهن الأخرى باكيات لأنهن
سيخرجن للعمل، بعد إصابة الأب ، هذا المشهد تحديدا يصيب بعض ممن يشاهدونه من بلدان
أخرى باستغراب شديد فما هى المأساة فى أن يعمل إنسان ما؟ بالطبع هم لا يتصورون قدر
الأفكار الاجتماعية الخاطئة التى كانت لديهم يوما ما قريب فى بدايات القرن العشرين فى وقت ليس بعيد
من حوالى مائة عام فقط أو يزيد قليلا فى أوروبا كما يرصد فيلم " ابتسامة
الموناليزا " حيث تواجه معلمة طليعية – وهى النجمة جوليا روبرتس- أفكار
سيدات المجتمع وصاحبة ومديرة مدرسة للفتيات تهدف من تعليمهن أن تصبحن ربات بيت
مطيعات للزوج وأن تقمعن مواهبهن ورغباتهن لتمضى الحياة فى نفاق اجتماعى بزواج يشبه
ما نسميه الآن – زواج صالونات- وهو المناخ المسيطر على مصر الأربعينيات حيث لا
تعمل النساء لكسب عيشهن أو لتحصلن على استقلالهن الاقتصادى الا عند الضرورة
القصوى. وحين تفكر فتاة أو امرأة فى العمل – ياخدوها على قد عقلها – ويتظاهرون
بالموافقة حتى يقنعها حبيب أو تقتنع لسبب ما وتعود لأحضان قناعات باقى أفراد الأسرة
ذكرها والأم التى تتبنى أفراد ذكور العائلة حرصا على سلامة ابنتها – من البهدلة فى
سوق العمل- أكتب وفى ذهنى فيلم " عائلة زيزى" فنيا واحد من أفضل
الأفلام الكوميدية الذى يعكس العلاقات داخل الأسرة المصرية ولكن الأخت - وتؤدى دورها الجميلة سعاد حسنى- حين ترغب فى التمثيل كعمل تتصور أنها أهل له،
يتوحد الأخوان لمنعها من التمثيل بدعم الأم بالطبع ، ويدعمهم بشكل غير مباشر
المخرج السينمائي داخل الفيلم الذى يفضلها زوجة ويتقدم لخطبتها وننتهى إلى رسالة
أن حصولها على زوج أفضل للجميع من حصولها على عمل. ولم يكن هذا موضوع الفيلم الأساسى بل كان
التركيز على المخترع فؤاد المهندس الذى صمم ماكينة لصنع القماش، كلنا نحفظ تعبير
" طلعت قماش " وزوجته – التى ستصبح زوجته – ابنة صاحب المصنع الذى سيمول
مشروع المبدع الرجل وهى تسانده ولا تغضب حين يغازلها " أنت أجما ماكينة شفتها
فى حياتى" نعم النساء ماكينات تحتجن إلى التشحييم والتزييت ، تحتاج يد الرجل
المبدعة لتخرج أفضل ما بها وتطلع قماش. المخرج فطين عبد الوهاب ناقش عمل المرأة فى
فيلم كوميدى طريف آخر " للرجال فقط" حيث تتنكر نادية لطفى وسعاد حسنى فى
زى الرجال لتتمكنا من العمل مهندسات فى موقع للكشف واستخراج البترول كما زميليها إيهاب
نافع وحسن يوسف، هنا مناقشة ساخرة أن حرية التعلم والوصول لأعلى درجات التعليم
مسموح بها أما العمل فهناك مهن محددة فقط يميل المجتمع نحو أن تمارسها النساء،
ممرضة لا طبيبة، سكرتيرة وليست مديرة، معلمة للأطفال، وإذا عدنا للفيلم نجد أن
علاقات الحب بين الشابين والفتاتين وقد تحولت إلى موضوع الفيلم الرئيس وليس حقهما
فى العمل الذى تؤهله لهما الدراسة التى درسنها. النماذج السابقة لأفلام تدور فى الطبقة الوسطى
والنساء متعلمات وستم طرح قضية العمل فى أفلام تتناول نماذج للمرأة فى الطبقات
الشعبية، غالبا تعملن خادمات منازل اضطرتهن ظروف اجتماعية للتضحية وممارسة هذا
العمل، ويمكن أن نضم إليهن أيضا من تحترفن الرقص أو الغناء فى الكباريهات أو حتى فى
فرق فنية وينظر لهن بشفقة وتظهرن فى الأفلام بائسات تنتظرن المخلص،
( رجل شهم يحبها ويستتها ويبعدها عن ولاد الحرام). وهن بالطبع كائنات خلقن لغواية الرجل أو لخدمته والجلوس تحت رجليه، فقط الحب الرومانسى قد ينقذها من مصير قطعة القماش الممزقة بتحويلها إلى ست بيت ( هدى سلطان وقد تزوجت فريد شوقى ولم تعد تغنى فى الصالات أو تقرأ الطالع، بل نتظره فى البيت تغنى سعيدة أثناء إعدادها الطعام " الأسطى حسن " وهى ست كُمل صاينة بيته يساندها أهل الحى ويتفهموا لجوءها لعمل الحياكة فى المنزل حتى تنفق على ابنها وأمها وتعوض انصرافه عنها. يتم التعامل مع عمل المرأة لكسب النقود بميلودرامية وكأنها مأساة لابد من زوالها بعودة الزوج – الى مراته حبيبته- وإعفاءها من العمل المهين. ستمضى السنوات ويتم تناول شخصية الخادمة والعاملة البسيطة بشكل طليعى يركز على إنسانيتهن ويظهر تضامن النساء ويهاجم بلا مبالغة الرجل الأنانى وأفضل نموذج على ذلك فيلم " أحلام هند وكاميليا " للمخرج المتفرد محمد خان حيث نجلاء فتحى زوجة لرجل بخيل أخذها لخدمته وأعفاها من خدمة الأغراب وصديقتها الخادمة قليلة الحيلة أمام إغواء الرجال . خان يظهر الرجل هو الدنيء ، الأنانى ، الذى يمارس الغواية وليس الفتاة أو السيدة كما يتصورها رجال فيلم "لحن الوفاء ". فضلت هند أن تترك زوجها وتمارس عملا يضمن لها عيشها على العيش فى انتظار ( خمسة جنيهات تركها الزوج لكى تطبخ له بامية باللحمة الضانى) وهو أمر غير ممكن يتعامى هو عن كيفية تدبيرها النقود المهم أن يحصل على مايريد ( يملأ كرشه) ، لا ينتهى الفيلم نهاية ثورية بأنهما مثلا تنجحان وتشقان طريقهما، بل بضياع تحويشة العمر حين قررتا أن تلهوان قليلا على شاطيء البحر مع أحلام ابنة هند وقد تلاعب المخرج فى عنوان فيلمه البديع وأسماه أحلام هند وكاميليا . الابنة والمعنى معا.
( رجل شهم يحبها ويستتها ويبعدها عن ولاد الحرام). وهن بالطبع كائنات خلقن لغواية الرجل أو لخدمته والجلوس تحت رجليه، فقط الحب الرومانسى قد ينقذها من مصير قطعة القماش الممزقة بتحويلها إلى ست بيت ( هدى سلطان وقد تزوجت فريد شوقى ولم تعد تغنى فى الصالات أو تقرأ الطالع، بل نتظره فى البيت تغنى سعيدة أثناء إعدادها الطعام " الأسطى حسن " وهى ست كُمل صاينة بيته يساندها أهل الحى ويتفهموا لجوءها لعمل الحياكة فى المنزل حتى تنفق على ابنها وأمها وتعوض انصرافه عنها. يتم التعامل مع عمل المرأة لكسب النقود بميلودرامية وكأنها مأساة لابد من زوالها بعودة الزوج – الى مراته حبيبته- وإعفاءها من العمل المهين. ستمضى السنوات ويتم تناول شخصية الخادمة والعاملة البسيطة بشكل طليعى يركز على إنسانيتهن ويظهر تضامن النساء ويهاجم بلا مبالغة الرجل الأنانى وأفضل نموذج على ذلك فيلم " أحلام هند وكاميليا " للمخرج المتفرد محمد خان حيث نجلاء فتحى زوجة لرجل بخيل أخذها لخدمته وأعفاها من خدمة الأغراب وصديقتها الخادمة قليلة الحيلة أمام إغواء الرجال . خان يظهر الرجل هو الدنيء ، الأنانى ، الذى يمارس الغواية وليس الفتاة أو السيدة كما يتصورها رجال فيلم "لحن الوفاء ". فضلت هند أن تترك زوجها وتمارس عملا يضمن لها عيشها على العيش فى انتظار ( خمسة جنيهات تركها الزوج لكى تطبخ له بامية باللحمة الضانى) وهو أمر غير ممكن يتعامى هو عن كيفية تدبيرها النقود المهم أن يحصل على مايريد ( يملأ كرشه) ، لا ينتهى الفيلم نهاية ثورية بأنهما مثلا تنجحان وتشقان طريقهما، بل بضياع تحويشة العمر حين قررتا أن تلهوان قليلا على شاطيء البحر مع أحلام ابنة هند وقد تلاعب المخرج فى عنوان فيلمه البديع وأسماه أحلام هند وكاميليا . الابنة والمعنى معا.
استغلال الرجال للنساء وسرقة أموالهن تيمة متكررة فى كثير من الأفلام ففى "
شادر السمك " يستغل أحمد زكى نبيلة عبيد بعد أن تظاهر بحمايتها من معلمى
السوق وحين تتزوجه وتسلم له مالها الذى ورثته عن زوجها المتوفى يتنكر لها ويتزوج
عليها . السينما التجارية فى مصر هى سينما نجوم كما السينما الأمريكية والهندية
تفصل مواضيع أفلامها وقيمها المطروحة لخدمة النجم فنجده مهابا ومثاليا إذا كان
النجم رجلا ، والنجمة نجدها مضحية وقوية ، وأخلاقية تقاوم الرجل وقد تغلبه إذا كان
الفيلم معدا لنجمة، وأشهر مثال هما النجمتين نبيلة عبيد ونادية الجندى، فى
أفلامهما يمكن تمرير حقوق المرأة اقتصاديا واجتماعيا لتظهر البطولات التى يمكن
لهما أن تقدماها، ولكنها تبقى مرهونة بهما فقط كشخصيتين استثنائيتين فى رسم يشبه
الشخصية النسائية فى الفيلم الفرنسى، المرأة القادرة التى تمتلك من الأنوثة
والذكاء وقوة الشخصية ما يمكنها من التفوق على الرجال، وعلى الشيطان أيضا إذا لزم
الأمر. " امرأة غلبت الشيطان " عنوان لفيلم يسير فى هذا الاتجاه
ومعه أغلب أفلام نجمة الجماهير ( نادية الجندى) حيث تظهر المرأة قادرة على الكيد
لأنها فى عداء دائم مع الرجل وهو نموذج تجد فيه سيدات الطبقات الشعبية والوسطى
متوسطة التعليم نموذجا يحتذى لتتمكن من الحصول على حقهن اقتصاديا واجتماعيا، أجريت
حوارا مع سيادت وفتيات حضرت مصادفة عرض تجارى لفيلم لنادية الجندى وسألتهن عن سر
إعدابهن بها قلن أنهن تتعلمن منها، ليس الندية وليس الحق فى العمل وليس القدرة على
المحافظة على مكاسبهن المالية بل كيف تنجحن فى الانتقام والكيد لرجال هدفهم
استغلال النساء.
بالطبع ليست هذه دراسة كاملة عن كيفية تناول " الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية للمرأة" فى الأفلام المصرية فمازال هناك الكثير مما يمكن الكشف
عنه وتحليله عاكسا أفكار المجتمع وعارضا لتبنى صناع الأفلام لهذه الأفكار. خلافا لما يمكن استنتاجه من السينما التسجيلية وخاصة ما قدمته المخرجة الكبيرة عطيات
الأبنودى فى عرضها لنماذج قوية من النساء مثل الفتاة راوية ووالسيدة نجاة، ومرشحات لمجلس
الشعب وعاملات فى البناء، وفيها أبرزت نقاط إيجابية تحسب للمرأة المصرية فى مسيرة
نضالها للحصول على مكتسبات اجتماعية واقتصادية.
صفاء الليثى
القاهرة مايو 2015
نشر بالعدد الأول من مجلة بنت النيل يصدرها حزب التحالف الشعبى الاشتراكى