Tuesday 31 October 2017

أخضر يابس فيلم بطعم السينما الإيرانية



واقعية ثالثة تعكس دواخل الشخصيات

عقدت العزم على حضور الحفل الأول من العرض العام لفيلم " أحضر يابس " ، ثوان أخرتني عن بداية الفيلم فأجلت المشاهدة للحفلة التالية، وحسنا فعلت ففي الدقيقة الأولى من الفيلم ، نباتات زينة في شرفة منزل ، كلها من نبات الصبار، أخضرها باهت، ثوان ننتقل بعدها إلى فتاة تصعد كوبري الترام ، كاميرا المخرج تبدأ حركة تتبع البطلة وفي المقدمة شجرة يابسة ويقطع قبل أن تصل الكاميرا إلى فروع أكثر اخضرارا. تهيأت لمشاهدة فيلم كل تفصيلة فيه محملة بدلالات وليست فقط مناظر بالصدفة. إضاءة الفيلم نفسه باهتة دون سطوع، والحي والأماكن المختارة لا تعبر عن واقع مدينة مصرية قدر ما تعبر عن واقع الشخصية التي ركز عليها الفيلم في كل مشاهده.
منذ فيلم هالة لطفي " الخروج للنهار " بدأت ملامح سينما مصرية معاصرة لا تتناول الواقع الذي بدأ مع كمال سليم وامتد مع صلاح أبوسيف، ثم مع عاطف الطيب، في واقعهم الاجتماعي العام الذي يوثق سينمائيا المجتمع المصري بتعقداته ودواخله. 

هنا في " أخضر يابس " واقع الشخصية الداخلي، العالم من خلال الفتاة التي فاتها قطار الزواج والحياة، الفتاة التي يبست جثمانيا بعد أن تيبس العقل حابسا نفسه في احترام التقاليد والأعراف. عين تيمة الفيلم القصير لحماد " أخضر باهت " المكثف والمؤثر عن واقع النساء في بلدنا، المحكوم عليهن بانتظار فرصة الحياة فقط مع رجل يرغبها كزوجة. في " أخضر يابس " إيمان الأخت الكبرى ترعى الصغرى، إيمان المهزومة هي البطلة وليست الصغرى التي اتخذ نموذجها بطلة وجسدتها سعاد حسني الفتاة الشقية في أغلب أدوارها، الواقع الاجتماعي الذي وضعه حماد في الخلفية ، المتراجع في مصر مع حجاب النساء وبؤس حاضرهن، بطلته الفتاة التي شاخت مبكرا، وليس الأخرى التي ستعيش عيشة أهلها وتتزوج، متحملة تقاليد العائلات فلابد من رجل يظهر كمسئول عنها حتى لو كان خيال مآتة. حسنا كتب حماد راسما ثلاثة اختلافات بين الأعمام، عم تسوقه زوجته مستسلما لمشورتها، وعم مشغول بعمله في الخارج مشغول فقط بمصلحته ومخاوفه على ما كسبه، والعم الثالث طيب وحنون ولكن ظروفه الصحية تحول بينه وبين أداء واجبه تجاه بنات أخيه، اليتيمتان. قدر طفيف من ميلودراما حسن الإمام مع يتيمتيه ظهرت عند حماد حين اختار أن يصاب العم الطيب بأزمة ويدخل الرعاية المركز. ليس انحرافا عن السرد الأميل إلى الطبيعية ، تحول يتوقعه المشاهد، ويصدمنا حماد بفعل الفتاة التي أزالت بكارتها بيدها ، تألمت متمردة على بكارة احتفظت بها دون جائزة منتظرة من مجتمع منصرف عنها غير مكترث بما تعتقد أنه تضحياتها.

يستخدم حماد دلالات تقليدية حين يختار شريط القطار والترام القديم، والسلحفاة التي تعافر بعد أن انقلبت على ظهرها. محل الحلويات وثلاجته المعطلة التي تمنع الحلوى الغربية، وتبقى فقط الشرقية بكل ما تحمله من دلالة عن الفارق بين الشرقي والغربي. ينتمي الفيلم إلى سينما تهتم بالنساء للتعبير عن أزمة للمجتمع ككل، لقطات وجدتها كتحية من المخرج محمد حماد لمشاهد نسائية، مسح البلاط والتقليب في الذكريات تحية لفيلم هالة خليل القصير " طيري يا طيارة"، وأجواء فيلم هالة لطفي القصير " عن الشعور بالبرودة" والطويل " الخروج للنهار".
" أخضر يابس" بطعم السينما الإيرانية التي تطرح أفكارا كبيرة دون موعظة ولا كلمات رنانة، المعتمدة على ممثلين يبدو وكأنهم لا يمثلون قدر ما يستوعبون الشخصية فتبدو كما لو كانوا يؤدون شخصياتهم الحقيقية في الحياة الواقعية. الممثلة هبة علي في دور إيمان، ، يتذكرحماد أن اختيار بطلة الفيلم لم يكن سهلاً حيث تواصل مع هبة علي لمدة طويلة دون أن يخبرها بأنه يرشحها للدور، يقول أنه كان يحاول اكتشافها على المستوى الانساني أولاً ، بعد فترة عرض عليها القيام بأداء دور ايمان ، وهو ما قابلته هبه بصمت في البداية وتردد طويل قبل أن توافق في النهاية على المشاركة مدفوعة برغبتها في خوض هذه المغامرة ، ونظراً لعدم وجود مدرب تمثيل كان على حماد قراءة العديد من الكتب ودراسة كيفية تدريب الأشخاص العاديين على التمثيل وتغيير نبرات الصوت وإجراء بروفات كثيرة حتى يمكن الوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة .
عن تمويل فيلم كهذا لا يتحمس له منتج تقليدي يشير حماد إلى أنه يعمل في منطقة صافية من السينما خالية من شوائب الرغبة في الربح أو الانصياع لتقاليد السوق، وهو ما دفعه إلى الاعتماد على نفسه في تمويل صناعة الفيلم حتى لا يتأثر بتوجهات وانحيازات شركات الإنتاج .
لم يحصل الفيلم على أي تمويل أو منح من أي جهة واعتمد على شراكة بين حماد، و المنتجة خلود سعد ، ومحمد شرقاوي مدير التصوير  حيث كانوا هم المصدر الأساسي لتمويل الفيلم، بالاضافة الى الجهد التطوعي الذي قدمه باقي فريق العمل ، و بعد الانتهاء من مرحلة المونتاج حصل الفيلم في مرحلة ما بعد الإنتاج على دعم من المنتج محمد حفظي الذي تحمس للفيلم و بدأ على الفور تمويل المراحل الأخيرة.
ويبقى السؤال كيف لفيلم كهذا أن يعرض في دور عرض تجارية يهمها فقط جذب جمهور يتعامل مع السينما كملهى في قاعة مكيفة الهواء ليضحك ويتسلى ويمضي بعض الوقت، يعود بعدها لعمله وحياته. ولهذا يأتي دور زاوية ماريان خوري ومصر العالمية بتخصصها في عرض الأفلام الفنية لجمهور خاص حين تقابله تعرف أنه مازال هناك هامش لنا نحن محبي السينما الجديدة، المتعطشين لأفلام تؤرقنا وتبقى محتلة مكانة في أذهاننا لنتقكر في شخوصها ونتشارك همومهم ونحاول جاهيدن التفكير في تغيير واقعنا والاستمرار في التمرد على ما يسمونه ثوابت أجدها ضد الحياة، وضد الفطرة التي فطر الله الناس عليها . قابلت في صدفة متوقعة قبل مشاهدة الفيلم زملاء من مهنة النقد وصناعة السينما، كنا فرحين لأن هناك حدثا سينمائيا هاما نتشارك في التفاعل معه، فرحين بمحمد حماد ومحمد الشرقاوي وخلود سعد بأنهم أصروا وحققوا مشروعهم، فرحين بأنهم وجدوا محمد حفظي مساندا لتجربتهم ومن سمير فريد وهالة لطفي وآخرين داعمين لتجربتهم التي تضيف للسينما المصرية المعاصرة عناوين جديدة تدعم استمرار صناعة السينما المصرية رغم كل ما يحدث حولنا. 
في مصر الآن يعرض الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجة المؤلف محمد حماد بعد جولة في مهرجانات العالم، وبعد حصوله على جائزة أفضل إخراج من مهرجان دبي السينمائي الدولي 2016.  
                                                                                                         صفاء الليثي 
 نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 31 أكتوبر 2017 رئيس التحرير عماد الغزالي



Tuesday 10 October 2017

الفيلم الحائز جائزة سمير فريد وذهبية الجونة الأول





" أم مخيفة" والحد الفاصل بين الجنون والعبقرية


حلم سكنها ككابوس مخيف، نادوجي هي تأكل السيدات الحوامل، لم تعد نينا بل ناندونج كما الحكاية الشعبية الآسيوية، وحش بمائة ذراع يأكل النساء بعد أن يغتصبهن. تقدمت بالفكرة إلى مركز الفيلم في جورجيا كفيلم قصير ولم تقبل فكرتها، عملت على الفكرة وطورتها وأصبح الحلم مشهدا فائقا في فيلم الفتاة التي لم تبلغ الثلاثين من عمرها ولكنها امتلكت وعيا بنفسية امرأة، ربة بيت، كاتبة مبدعة، تؤرق شطحات إبداعها أسرتها وخاصة الزوج، يمارس عليها قهرا فيحرقون ما كتبته، في مشهد أوجعني، في جردل وضع بالشرفة نشاهد الأسرة مجتمعة يحرقون النص، احتفال عائلي لزم أن تعود الأم بعده لتمارس دورها الوحيد والمقبول اجتماعيا. كجمهور ترسو رغبت بشدة أن تكون هناك نسخة أخرى من العمل، المخرجة بوعي لما يريده المشاهد، نعم هناك نسخة صورها الرجل صاحب المكتبة، وسيط الناشرين والمؤمن بعبقرية المؤلفة، معه نسخة، يلف بها على الناشرين، الجميع يرفضون، هذا جنون وإباحي، لا يستسلم، يبحث ويحضر مطبعة قديمة كانت ملقاة في النفايات، يقدمها لها هدية عيد ميلادها، العمل غير مكتمل، عليها أن تتفرغ لتكتب النهاية، يعد لها حجرة تخصها وحدها ويساعدها على الهرب لتتفرغ للكتابة، الزوج يلاحقها، يعنفها، يتشاجر مع الرجل، يفشل في أخذها بالقوة، يستسلم ويمضي بعد أن يهددها ( ستخسرين عائلتك) ، الكاتبة تسير بين منزلها والمكتبة على جسر للمشاة ، موجود بشكل طبيعي في البلدة ولكنه في السياق الدرامي جسرا رمزيا بين عالمين، تستغل المخرجة البناية بنوافذ مختلفة أقرب إلى نصف قبة، موقعا للمشهد الذي تحكي فيه حلمها ( فيلم المخرجة القصير) للزوج، هو عطوف يحضر لها غطاء سميكا يلفها من البرد، ولكنه عاجز عن فهم لحظات إبداعها، يتهمها بالجنون، في لقطة مشهدية يهرع الى الابنة (امك اتجننت) الفتاة نائمة وضوء يغمرها بينما الأب خلف حاجز موجود في المنزل طبيعيا فتظهر صورته يحجبها ضباب، يصلنا معنى عن حيرته وتشوش أفكاره في مقابل تفهم الابنة المحبة للقراءة لجنوح أمها. 
هل انتهى عرض المخرجة للقهر الذكوري الواقع على المرأة المبدعة، لا فالأب سيظهر، رجل ثري مسن مريض، يترجم، تتحايل عليه بطلب مراجعة نص لصديق لها، تعجبه الكتابة حتى مشهد يعبر عن مأساة أمها، زوجته التي انتحرت فيستشيط غضبا، تزوره وقد عقصت شعرها وبدت كأمها، يدرك الأب أنها الكاتبة ويحذرها بعنف أنه لن يترجم موت انتحار أمها. ها هو الأب أيضا، رغم إيمانه بعبقرية تأليفها، لا يوافق على أن تعبر بصدق عن قهره لأمها الذي دعاها إلى الانتحار. ينتهي الفيلم فجأة، هل ستطبع الرواية، هل سيقوم الأستاذ بالترجمة، الحكاية نفسها ليست بأهمية التعبير عن مشاعر مبدعة تجد نفسها مضطرة للتخلي عن أسرتها ومحيطها الاجتماعي كله لتتمكن من الكتابة. يعكس الفيلم وعيا بالنفس البشرية للمبدعة، ولزوجها العاطل من الموهبة، ولابنتها الحائرة والتي تواجه مشكلة أكبر من عمرها، تفهم للمترجم الأب الأناني رغم تفوقه، كل الأسرة مع أصدقائها في ناحية، وبعد الجسر هناك على الجانب الآخر صاحب المكتبة الداعم والمؤمن بضرورة تفرغها لكي يخرج فنها إلى النور. 
من بين أفلام المسابقة الأربعة عشر وجدت لحنة تحكيم جمعية نقاد السينما المصريين عضو الفيبريسي أنه الفيلم المستحق للجائزة، وفي الاعتبار عبقرية هذه الفتاة الخجول التي وجدناها منعزلة مع بطلة فيلمها ناتا مورفانيدزه ومع بطل فيلمها ديمتري تاتشفيلي الحاضرين معها . بعد تسليمها الجائزة أجريت مقابلة معها وعرفت منها حكاية فكرة الحلم كفيلم قصير، وكيف عكفت على الكتابة لمدة عامين، وبعدها كيف تقدمت به ليتم الموافقة على إنتاجه فجاءتها الموافقة بعد شهرين، شهرين فقط ، الدعم يكفي التصوير وبقي أن تحصل على دعم لما بعد الإنتاج، أنهت فيلمها وشاركت به مهرجان لوكارنو ليحصل على جائزة العمل الأول ، ثم على الجائزة الكبرى من مهرجان ساراييفو، وهاهي في الجونة تحصل على جائزة النقاد ونجمة الجونة الذهبية للفيلم الروائي الطويل من لجنة التحكيم الرسمية، بما يعني أن هناك إجماعا على تميز الفيلم واستحقاقه للجوائز.
 أنا أوروشاتدزه فتاة السابعة والعشرين ربيعا ابنة المخرج الجورجي الكبير زازا أوروشاتدزه المرشح للأوسكار مرتين، والدتها طبيبة نفسية. تعكف أنا حاليا مع أختها الأصغر على كتابة فيلمها الثاني، منطلقة من مجموعة مشاهد لم تربطها بعد في سياق واحد ، مما يبدو أنه طريقتها في الإبداع حيث تسكنها حكايات صغيرة وصور مبهمة تعمل على تطويرها لتكون عملا متماسكا تصوره في شهر، وتقوم بمونتاجه، أخبرتني أنها أنهت مونتاج الفيلم فقط في ثلاثة أيام مما يعني أنها دخلت التصوير بسيناريو محكم (شوتنج سكريبت) جاهز تماما للتصوير، تأتيها أفكار، تجترها، تطورها، تبنيها داخل سياق وتصور.
دولة جورجيا دولة صغيرة تعداد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، تقوم مؤسسات حكومية بها  بتلقي مشروعات الأفلام قصيرة وطويلة، تقرأها لجنة مختصة، المشروع الموافق عليه يعني أنهم سينتجونه. كانت هذه سياسة قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري في فترة تولاها السيناريست ممدوح الليثي، وبعيدا عما طال سمعته من اتهامات إلا أنه أنتج عددا من الأفلام السينمائية بميزانية محدودة، لم تكن بقوة الأفلام المنتجة سينمائيا للشركات الخاصة المصرية، ولم تصل لحجم ولا مستوى إنتاجات المؤسسة المصرية العامة للسينما ولا فيلمنتاج، ولكنها كانت منفذا لزيادة المنتج من أفلام السينما ، والآن لا يوجد إنتاج للمركز القومي للسينما  للبلد الذي وصل تعداد سكانه إلى تسعين مليون نسمة، البلد الذي يتفاخر بأن السينما بدأت لديه بعد شهور من بداية السينما في العالم. ولنعرف جيدا كيف تسير الأمور في مصرنا الحبيبة، سنجد أن الفيلم المصري الحاصل على جائزة أفضل فيلم عربي مقدمة من لجنة التحكيم الدولية يمثل العمل الأول لمخرجه تامر عشري والعمل الثاني لشركة خاصة ناشئة، تدعم الإنتاج الفني دون أن تتلقى دعما من أي جهة حكومية مصرية.
تشكلت لجنة تحكيم جمعية نقاد السينما المصريين التي يرأسها الناقد محسن ويفي من صفاء الليثي رئيسا وعضوية كل من أندرو محسن ومنال بركات في الدورة الأولى لمهرجان الجونة السينمائي الدولي الذي أسسه رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، في بلدة الجونة التي أنشأها أخوه سميح ساويرس، واختارا الناقد والناشط السينمائي العراقي انتشال التميمي مديرا فنيا له بعد خبرة بمهرجان أبو ظبي السينمائي، وأسندت مهمة البرمجة للمخرج أمير رمسيس، رأس المركز الصحفي الناقد خالد محمود وتحرير النشرة  إلى الناقد هاني مصطفى، نسق المخرج الشاب مصطفى يوسف منصة الجونة التي طورت ودعمت مشروعات في طور الإعداد وغير كاملة التجهيز. يطمح مهرجان الجونة ليملأ فراغا في مصر لما يجب أن يكون عليه مهرجان السينما كمؤتمر علمي كبير لكل السينمائيين.
صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 ، رئيس التحرير عماد الغزالي

Sunday 1 October 2017

شيخ جاكسون وفوتوكوبي فيلمان مصريان بمسابقة الجونة الأول

في الجونة تنافس نوعان من السينما المصرية 

نجح مهرجان الجونة السينمائي الدولي في دورته الأولى في ضم فيلمين مصريين لمسابقته، "شيخ جاكسون" مسبوقا بدعاية كبيرة ، مميزا بأنه فيلم الافتتاح، الفيلم المرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، والثاني "فوتوكوبي " لمخرج يقدم عمله الأول. في العالم وفي مصر، نوعان من السينما، سينما سائدة تعتمد على نجوم، في سرد يتخذ حكاية كبرى وحدث ساخن، يبدأ عادة بمشهد قوي. 
شيخ جاكسون النجم الشاب أحمد الفيشاوي رجلا، والنجم الصاعد أحمد مالك صبيا، حائرا بين تربية والده) قام بدوره النجم ماجد الكدواني) التقليدية على الطريقة المصرية ( عاوز أعمل منك راجل) وبين الخال الذي يوجهه على طريق إرضاء الله وتفضيل طاعته على كل مباهج الحياة. تيمة معاصرة تعبر عن ارتباك وحيرة للشباب المصري ممتدة منذ أكثر من ثلاثين عاما، يلح في مناقشتها المخرج عمرو سلامة المنشغل بنفسه بهذه الحيرة . مستعينا بكاتب سيناريو يقدم عمله الروائي الأول ، عمر خالد مخرج لأفلام قصيرة تميز منها فيلمه عن صبي الشوارع كريم ، ذكاء من المخرج عمرو سلامة البدأ بفكرة هذا المراهق بين إعجابه بموسيقى مايكل جاكسون، وبين تراتيل القرآن وصلاة التهجد. ولكن كيف تناولها؟، بادئا بمشهد لحلم مفزع ثم لجلسات مع طبيبة نفسية وعن طريق العودة للخلف يحكي لنا حكاية الشاب خالد. فيلم ليس به سوى لحظات ومواقف ساخنة على مدى زمن الفيلم كله، بإيقاع مشدود لا تترك للمشاهد لحظة تنفس. يلقى هذا الأسلوب تجاوبا من غالبية المشاهدين، بينما ينزعج منه قلة أنا منهم، حيث شعرت بكم الضغط العصبي الذي يمارس علينا لندرك مأساة خالد، شيخ جاكسون الذي لم يعد قادرا على البكاء في صلاته. 
على الجانب الآخر يقع فيلم " فوتوكوبي" حيث محل تصوير المستندات بلافتته القديمة في بناية يتم تجديد طلائها بلون وردي يسقط جزء منه على لافتة عم محمود . في رمزية سيلعب عليها المخرج بهدوء للصراع الحادث في الفيلم على الرصيف المواجه لنا ، المنظر الذي يكاد لا يختفي طوال الفيلم. تنفست في الفيلم رائحة حي من أحياء القاهرة ، حي للطبقة وسطى يجري بها تحولات ، يحضرني حي السيدة زينب جنوب ميدان لاظوغلي العريق، حيث تتجاور عراقة توشك على الانقراض، بجانب تحديث ظاهري . بين محل التصوير لصاحب مهنة الجميع، جمع المقالات، التي تم الاستغناء عنها وبين الشباب في النت كافيه بألعابهم وصخبهم.

حين اتخذ المخرج الكبير داوود عبد السيد من هضبة المقطم موقعا لفيلم " سارق الفرح" كتب النقاد أنها نقلة جديدة عن حارة العزيمة التي أصبحت مكانا لكثير من أفلامنا المصرية، حارة العزيمة الممتدة بحانوت الجزار، والحلاق، ومنازل أفراد الشعب وفاتنة الحي . بينما حارة داوود منفتحة على الجبل حيث تجري الأحداث والأبطال مطلون على السماء المفتوحة. في فوتوكوبي حارة ثالثة ، رصيف فقط به البناية مع محل التصوير، ورصيف مواجه به الأجزخانة حيث الاحتياج الرئيس لبطلة الفيلم ست صفية، والعلاقة مع الدكتورة الصيدلانية، جيل يقترب من الفناء، موتا أو مهنة، وجيل صاعد، طيبون ولكنهم يتحايلون على معيشتهم، ليرثوا المحل بما فيه ، ليس عن طريق التآمر ولكن بقدر من الظرف دون زعيق .

في السيناريو يتحدث الأساتذة عن لحظة التنوير، هنا في الفيلم مقالة عن الديناصورات المنقرضة يجمعها عم محمود تهزه من الداخل فينشغل بسؤال الفيلم، لمذا انقرضت الديناصورات، بعدها يتقدم خطوة ليتزوج السيدة التي يحبها، وليتوسع في دكانه ويُدخل تقنية النت، تدخل معها شخصية الأفريقي من النيجر الذي يتحدث مع خطيبته هناك، ويتطور الأمر فيأتي بصديقه السوداني أيضا، شباب الحي يتحولون من التندر على عم محمود وتأخره في التعامل مع الكومبيوتر إلى داعمين له ، في مشهد مر سريعا متحلقون حوله يشجعونه وهو يلعب ، هذه العلاقة بين جيل الشباب ، الطبيبة الصيدلانية، وعلي الطيب صاحب النت كافيه، وبين عم محمود والست صفية، تلخص فكرة الفيلم دون أن يتصاعد الصراع، ودون موسيقى زاعقة ولا أداء تمثيلي حاد. التركيز على لحظات عادية من الحياة اليومية أسلوبا اتخذه المخرج تامر عشري في فيلمه الأول الذي يلعب على المشاعر دون أن يدعي تناول قضايا كبرى. سيناريست شاب في عمله الطويل الأول يظهر صراعا لا تستغني عنه الدراما بين رئيس اتحاد الملاك، الغليظ بيومي فؤاد والذي يمارس ضغطه على عم محمود في مشاهد تجري أيضا على الرصيف مع مشهد واحد جرى بشقة ست صفية. الصراع موجود ولكن تم التعبير عنه بإيجاز بلافتات علقها محمود، في لحظة قرر فيها أن يواجه الحياة فيتقدم للزواج والترشيح لمجلس إدارة العمارة وبالتعبير الصارخ  بتعليق لافتات عن المجلس الباطل.
للمشاهد الحرية في أن يقرأ المشهد كتعبير مباشر عن موقفين في شأن داخلي بين ملاك وحدات في عمارة، أو يمد الأمر ليقرأه كتعبير عن موقفين من النظام ككل ومن الحياة في مصر المعاصرة، بساطة العرض وعدم إلحاح المخرج على المشاهد تترك له حرية التلقي، بما يختلف تماما مع أسلوب مخرج " شيخ جاكسون" الذي لا يترك للمشاهد فرصة للتأمل، فتتلاحق مشاهده الساخنة في اتجاه وحيد، الأب في الجاكوزي مع سيدة دون مراعاة مراهقته، يخلع الباب ليحرمه من حريته في اختيار ما يحب، يدافع عنه بشراسة ويسبه ( أنا ما خلفتش راجل) ، يدخل خالد تحت السرير كتجربة للقبر، يكرر المخرج الحركة من زاوية علوية، حركات كاميرا بالكرين، موسيقى عالية. 

بينما في فوتو كوبي تصحبنا أغنيات قديمة، ويتم تقديم الأشخاص بكاميرا هادئة تشعرك أنك تشاهدهم من على الرصيف المقابل.

انحازت لجنة تحكيم مهرجان الجونة السينمائي الدولي في دورته الأولى لأسلوب فيلم " فوتو كوبي " اللجنة ترأستها سارة جونسون منتجة أمريكية، حاصلة على جائزة إيمي لإنتاج المستقل، ومنتجة منفذة لعدد من الأفلام البارزة منها بيردمان، والناقد دافيد دارسي، والمدير الفني للمهرجانات والمستشار للعديد من المنظمات السينمائية مارك آدامز، والممثل والمخرج الجزائري إلياس سالم، حاصل على فيبريسي عام 2008، والحصان البرونزي في فيسباكو 2009. وضمت في عضويتها المخرج المصري أسامة فوزي القدير ( عفاريت الأسفلت، جنة الشياطين، بالألوان الطبيعية ) فمنحته جائزة أفضل فيلم عربي عرض بالمهرجان، والجائزة منحت للمنتج الذي تحمس لكتابة جديدة وإخراج رصين، وأجد اللجنة وقد فضلت تحية سينما تتناول حياة بشر بعيدا عن القضايا الكبرى يختلف عن السينما الزاعقة بصوتها العالي.

بمناخ الاحتراب بين فريقين، يكتب كثيرون كيف لا يحصل "جاكسون" على الجائزة، وما هذا الفيلم ( القصير) الذي منحوه جائزتهم، فقد ساد رأي أن فوتوكوبي بالكاد يصلح كفيلم قصير، إي أنه فقير وبدائي، ومن الغريب أن غالبيتهم من شباب النقاد المفترض فيهم النفتاح على السينما الطليعية وليس التشبث بسينما النجوم ومخرجي السوق. متناسين أن كل لجنة لها معاييرها التي تنطلق منها، وهي متسقة مع كل جوائزها، حيث انحازوا لأفلام تتناول صراع إنسان ما مع الحياة من خلال سينما درست النفس البشرية وعبرت عن قلقها في " أم مخيفة" و" أرثميا " وفي " فوتوكوبي " دون اللجوء إلى أساليب السينما التجارية بالاعتماد على نجوم شباك، أوبالتركيز على انقلاب درامي بتحول صارخ في الشخصية، ولا بالتوسع في تناول أطراف عدة دون اختزال تتطلبه مرحلة الكتابة التي أجدها مرتبكة في " شيخ جاكسون" وعميقة وبسيطة في " فوتوكوبي ". تفاهم هاني عشري مع هيثم دبور فقدما معا عملا راقيا، بينما فرض عمرو سلامه رؤيته الفنية التقليدية على فكرة عمرو خالد اللامعة فعكس الفيلم ارتباكا لصانعه كارتباك بطله بين فن عالمي يمثله مايكل جاكسون، وتربية قامعة بوجهها الذكوري التقليدي أو الديني السلطوي. بدا لى المخرج نفسه مرتبكا محاولا أن يرضي جميع الأطراف، مرتبكا في سرده بالاعتماد على خط الطبيبة النفسية والفلاش باك. وهذا الخليط المربك في السرد لايقل عن ارتباك بطله الذي لم أصدق أن يلجأ مثله إلى طبيب نفسي، فما بالك بطبيبة.

غالبا سينجح " شيخ جاكسون" في سوق السينما في مصر، ولن يصمد " فوتوكوبي " في دور العرض، ولكنه سيستمر في نجاحاته بحصد جوائز في مهرجانات ينحاز حكام لجان تحكيمها الى السينما البديلة ، وإن كان نموذج " فوتوكوبي " ليس منقطعا تماما مع السينما السائدة، ولكنه كما أفلام هالة خليل يقع في منطقة وسط بين سينما النجوم وتيماتها الزاعقة، وبين السينما البديلة بالاعتماد على الممثل وليس على النجم، وهو انحياز المنتج صفي الدين محمود الذي تحمس لفيلم هالة خليل الأخير "نوارة" وللعمل الأول لتامر عشري "فوتوكوبي ". وأتمنى أن يخيب ظني وأن ينجح في سوق السينما المصرية مع جمهور لا يمكن دائما توقع ردود أفعاله، فأحيانا تكون استجابته رائعة ومساندة لفيلم يعبر عنهم دون ضجيج.        

صفاء الليثي القاهرة أول أكتوبر 2017