"قبل زحف الظلام"
اختار المخرج علي
الصافي نماذج لفنانين مغاربة قدموا أعمالا في السينما والمسرح والكاركاتير
والتمثيل، ملتزمين بتحقيق فن مغربي خاص وملتزم، وجد المخرج مادة غزيرة فوتوغرافية
ومقاطع من فيلم " أحداث بلا دلالة"، كما وجد تسجيلا لمسرحية " ناس
الغيوان"، ونماذج من لوحات لفنان الرسوم المتحركة وكلها ممتزجة بلقاءات أجراها مع مغاربة من
الشباب يظهر بينهم يحاورهم مقتربا من وجوههم .
بعد صور فوتوغرافية أبيض وأسود يجري المخرج لقاء مع أفراد من الشعب، يقول شاب أنه يحب أفلام عبد الوهاب الدوكالي التي تتناول قصصا اجتماعية . ويسأل رجل ناضج فيقول أنه لا يشاهد الأفلام الوطنية ولا يجد فيها نفسه ويفضل الأجنبية اذا سمح وقته للمشاهدة بعد فراغه من العمل. ولقاء مع فتاة تفضل الأفلام الاجتماعية الوطنية التي تتناول مشاكلهم. ثم عنوان فيلم " أحداث بلا دلالة" تدور القصة حول فيلم مغربي مستقل من عام 1974 ، عن بعض الأحداث التي لا معنى لها لمصطفى الدركاوي ، حيث استكشف مجموعة من صانعي الأفلام الشباب الدور الذي يجب أن تلعبه السينما المغربية الجديدة في المجتمع. نشأت الثقافة المضادة من الحركات الطلابية الماركسية التي رأت أن السينما "أداة للتوعية" واكتشاف الذات . بعد تقديم مشاهد من الأنباء المغربية مظاهرات في السبعينيات ( تشبه جريدة مصر السينمائية) يواصل المخرج لقاءه مع الشاب يجب أن تكون السينما المغربية ملتزمة بقضاياه الوطنية . وألا تكون للتسلية كما السينما المصرية، حوار مع شبان من داخل سيارته، الشاب يرفض التحدث في السياسة لأنه فقير وصغير ويحتاج أن يعيش . الكادر يشبه فيلما قديما مصور أبيض وأسود والشباب مهتمون بالظهور في الصورة. على مدي أكثر من مائة دقيقة أبحر بنا المخرج في دروب الفنون التي ازدهرت في السبعينيات ووثقت لنضال طوائف من الشعب نحو الحرية والديمقراطية، أراد بعودته إلى هذه الحقبة أن يرصد ما قدمه الفن والفنانون بمختلف تنوعهم للمجتمع وللشعب. " قبل زحف الظلام" لم يكن مرثية لفترة خصبة في تاريخ المغرب بقدر ما كان تحية لجهود فنانين بعضهم رحل عن دنيانا، أو انقطعت أخباره، وبعضهم كان حاضرا بعد سنين الاعتقال والمعاناة، بذاكرة موثقة له ولعائلته ولعمله. فيلم غني بمادته الوثائقية، يقدم توجها واضحا بحس ثوري ناقم على حال السينما والعلب الصدئة التي تبعثرت محتوياتها وسط ركام من بقايا زمن كان لزاما أرشفته كما تفعل كل الأمم التي تحترم ثراثها وجهد مواطنيها. في النهاية إهداء (الى كل فنان وفنانة ضحية للرقابة والانتهاك).
ينهي علي الصافي
فيلمه بمعلومات مكتوبة على لوحات نهائية بجوار صورة لكل من ظهر بالفيلم : حكم على
عبد العزيز الطريبق بالسجن 2 سنة قضى منهم 11 عاما ثم أفرج عنه. تم العثور مؤخرا
على النسخة النيجاتيف من فيلم " أحداث بلا دلالة " في أسبانيا وبعد
ترميمها من قبل فيلموتيكا دي كطالونيا أقيم أول عرض في الفورم في مهرجان برلين
السينمائي 2019 لكن لا يزال الأرشيف السينمائي في المغرب صعب المنال ( بنص ما كتبه
المخرج بجوار صورة لعلب صدئة لأفلام . بقي المسرح البلدي للدار البيضاء معقلا
للتمرد رغم سيطرة وزارة الداخلية على إدارته، إلى أن تم إغلاقه وهدمه عام 1985 بعد
أحداث شعب لجمهور لم يتسنى له حضور أمسية للمغني اللبناني الملتزم أحمد قعبور. توفى
فجأة بو جميع أحكور رائد مجموعة " ناس الغيوان" وأكبر أيقونة مغربية، في
ليلة من شهر أكتوبر عام 1974 في أوج عطائه وعمره ثلاثون عاما فقط. اختفت ليلى شتا
الممثلة السينمائية الرائدة بطريقة غامضة بعد سيرة عالمية متميزة، لم يعد المغاربة
يتذكرون إنجازاتها، ولا يعلم أحد اليوم شيئا عن أحوالها. استهل عبد العزيز المريد
رائد رسم الجرافيك في المغرب، أعماله على جدران السجن الذي قضى فيه عشر سنوات في
رفقة عبد العزيز طريبق ، توفى عام 2013 بعد مرض طويل.
الوثائق
والمعلومات الوافرة واللقاءات الحميمة تميز فيلم " قبل زحف الظلام"
وتظهر جهود التنوير التي سادت الثقافة المغربية في السبعينيات ، ولم يذكر الانهيار
الحادث الا بشكل عارض بداية من عنوان الفيلم ومن خلال جمل في التعليق مثل الأرشيف
المغربي الذي يظل صعب المنال.
ولد المخرج علي الصافي في المغرب ،
ودرس علم النفس في فرنسا ، ثم دخل عالم صناعة الأفلام. تشمل أعماله كمخرج عام ، هنا
نحن ، صمت حقول البنجر ، فيلم ورزازات وأزهار الشيخ التي تم عرضها على نطاق واسع في
الحلبة الدولية. عرض فيلمه الوثائقي الأخير " قبل زحف الظلام " لأول مرة في آيديفا IDFA أكبر مهرجان معاصر للفيلم الوثائقي .
صفاء الليثي
الفيلم يتسابق ضمن
جوائز النقاد العرب لأفضل فيلم عربي وأنشره مباشرة على المدونة