Sunday 9 January 2011

مهرجان وهران الدولى للفيلم العربى 2

رؤية مكثفة للواقع العربى الأليم
وكشف عن سينما سعودية واعدة

قبل الحديث عن الأفلام دعونى أحدثكم عن النظافة والخضرة، نظافة مدينة وهران أمر لافت يفوق عواصم وبلدان أوربية، الخضرة والشجر فى كل مكان وكثرة عدد المنازل القديمة بطابقين أو أكثر، بدأ فى التزاحم معها أبنية حديثة مرتفعة بنوافذ زجاجية، مبانى العولمة التى تمسح الطابع الشخصى وتهدد بزواله. كرم الضيافة والهدوء فى التعامل مخالف للصورة التى تصلنا من الإعلام وحتى عبر الأفلام الجزائرية نفسها. العنف فى الشارع ، والعنف فى المنزل تجاه المرأة والأطفال آفة المجتمعات العربية مطروح فى أكثر من عمل مشارك بمسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان وهران للفيلم العربى.

كارانتينا 
عدى رشيد
المخرج العراقى عدى رشيد يطرح برؤية تأملية هذا الواقع متوغلا فى الشخصية العربية لرجلين أحدهما رب أسرة عراقية فقيرة فى الواقع الراهن، يكاد يكون عالة على الزوجة التى تعمل وتعول أسرتها فى وجوده، يساعدها الصبى الصامت الذى ينهض باكرا دون تريج – دون تناول إفطاره- حاملا صندوق مسح الأحذية بينما الأب جالس يأكل بشهية وراغبا فى زوجة ترفضه لأنها بالطبع متعبة. الرجل الثانى قاتل محترف يسكن أعلى منزل الأسرة السابقة، يبدو مظهره قويا ولكن عدى رشيد سيكشف لنا عن مدى هشاشته وعقدته التى تعذب وجوده. حتى أنه يحرق كتاب الحساب الخاص بالصبى الذى يذاكر بنفسه جنب ممارسة عمله. تقترب كاميرا المخرج من الوجوه بإضاءة طبيعية معتمدا فقط على ضوء الشمس يقول عن ذلك أن ظروف انقطاع الكهرباء هو الذى فرض هذا الاختيار. وأن مصوره هو أخاه الأصغر صاحب التجربة المحدودة. النتيجة جاءت مبهرة ودعمت التناول العميق للشخصيات والأماكن ، تخلف الأب الذكر ، تسلطه على العائلة بديلا عن عجزه تجاه المجتمع الذى يقهره، المراهقة المعذبة والمعتدى عليها، الصبى المقهور طفلا يعمل بديلا عن اللعب والتعلم. العنف ضد المرأة، عمالة الأطفال عصابات القتل وزنا المحارم موضوعات طرحت كثيرا ولكنها فى فيلم "كرنتينا" بأسلوب المخرج غير مباشر والبعيد عن الصراخ تكتسب بعدا فنيا وتحدث تأثيرا لدى المشاهد حتى من يجد فيهم قدرا من المبالغات كاعتداء الأب على ابنته ثم إحضار مشعوذة لإخراج الجن من جسدها، أو اختيار التصفية الجسدية واحدا من الحلول لا يجد له القاتل المحترف بديلا وقد أصبح يمارسه ببساطة حتى مع أم صديقه ليتمكن الصديق من تنفيذ حلمه بالهجرة. رسم شخصية القاتل يحيلنا لشخصية "ليون " فى الفيلم الفرنسى والتى أداها الممثل جاك رينو حيث شخصية غير نمطية للقاتل المحترف، لا ينفى عدى تأثره بليون ويضيف عليه أعمال مخرجين فى السينما الفرنسية، والفيلم بالفعل أقرب للمدرسة الفرنسية التى تركز على ردود الأفعال وتحذف من سردها المشاهد العنيفة فنحن لا نشاهد الاغتصاب أو القتل ولكن ما نجم عنهما. 

ينهى عدى رشيد فيلمه بالأم تصر على الرحيل مع ابنتها بعد تلقيها علقة ساخنة من الأب، تمضيان فى اتجاه عمق الصورة ويلحقهما الطفل الصبى ويثبت الكادر والطفل ناظرا خلفه فى غضب. الفيلم لا يدين الأمريكان ولا صدام بل يدين الشخصية العربية الذكر العاجز عن الفعل. عمق الفيلم ظهر أيضا فى عمق ردود المخرج العراقى على الأسئلة التى وجهت إليه من الصحافة الجزائرية بوهران ومنها شرحه عن اسم الفيلم كارنتيا الذى يعنى "الحجر للمجانين" فى رؤية تبدو قاتمة للواقع الراهن بالعراق، يمحيه بالطبع المشهد الأخير وقد ترك الصبى والأم والفتاة المكان متطلعين لحياة مختلفة. عدى رشيد له فيلم طويل سابق بعنوان غير صالح استخدم فيه خاما سينمائيا فقد لونه ليرسم لوحة لعراق ما بعد الأزمة. حاز الفيلم عدة جوائز وسبقه بكتابة وإخراج عدد من الأفلام القصيرة والتجريبية . منحته الخبرة فى صياغة عمل فنى رفيع ظهرت فى فيلم كارانتينا الذى أثار ردود فعل إيجابية لدى عرضه باليوم الثانى من عروض المهرجان وتدفقت الحيوية بين النقاد والمخرجين المشاركين بالمهرجان مجمعين على أن مشاهدة فيلم جيد أمر يثير الحماسة ويوقظ مشاعر إيجابية. وتوقع كثير من النقاد حصول الفيلم على جائزة، واتفقت لجنة التحكيم برئاسة الأديب الجزائرى الكبير رشيد بوجدرة على استحقاقه جائزتها التى تعد الثانية بعد الجائزة الكبرى التى ذهبت لعمل جزائرى تونسى مشترك. شهدت المسابقة الطويلة حضورا جيدا للعراق بعملين هما ابن بابل وكارانتينا، ولبنان بفيلم شتى يادنيا وكل من قطر والإمارات بفيلم واحد وسوريا بعملين وتونس بعملين والجزائر بثلاثة أعمال.
الإسكافى وعايش : سينما سعودية واعدة
فى القسم القصير كان مفاجأة المشاركة السعودية بعمل قصير عنوانه الإسكافى لمخرجته عهد كامل حصل على تنويه خاص وعمل آخر حاز الإعجاب عنوانه عايش لمخرجه عبد الله العياف الذى تناول شخصية عايش الذى يعمل حارسا لمشرحة ثم يحتاجونه لحراسة دار توليد فيشعر بالخوف وتتغير حياته ،
اعتمد المخرج تفاصيل جيدة ترسم صورة عن الشخصية بداية من صحيانه فى الصباح وبجواره مصغر لدراجة بخارية، توقفه لملاحظة دراجة حقيقية بينما ينتظر حافلة عامة تقله لعمله،خشيته من التقاليد وانتقاد حيازته لدراجة نارية للشباب فقط لا تناسبه، حياة جديدة ينفتح عليها حين يخوض تجربة ملاحظة المواليد المبتسرون وينجح فى إنقاذ أحدهم من عطل بجهاز التنفس، الممثل الذى قام بادور عايش يحيلك لسينما الحقيقة فلا تتصور أنه يقوم بدور تمثيلى، حصل العياف على جائزة أفضل فيلم قصير بمهرجان الخليج عن عمله هذا، كما حصل على عدة جوائز أخرى فى موطنه بالسعودية ومن الإمارات، كشف مهرجان وهران للفيلم العربى عن موهبته وجمعه مع مبدعين أشقاء من مختلف الدول العربية، يزداد إعجابنا بالعياف وفيلمه كونه يبدأ من الصفر بمفرده تماما صاقلا موهبته بمتابعة جيدة للأفلام من كل أنحاء العالم . ليبيا كانت لها مشاركة بفيلم بعنوان المشاركة يحكى ببساطة قصة إنسانية عن أخ فقير وأخته يتقاسمان حذاء واحدا ، كل يرتدى فردة فى القدم الباقية من أثر حرب ما، اختار قويدر التجريد فى فيلمه مركزا على لمسة تعاطف مع فقراء ما فى حرب بأى مكان. لم يكن التنافس على الجوائز هدفا للمخرج بل التواصل والاحتكاك مع زملائه من السينمائيين العرب. كان للجزائر فيلمين مختلفين فى الأسلوب أولها العابر الأخير حاز جائزة أفضل فيلم قصير بمهرجان أبوظبى وفيه يتناول المخرج مؤنس خمار شخصية شاب محبط يتملكه اليأس من عدم تحقيقه لذاته فى عمله كممثل، وعندما ينتحر يكون هذا عبورا أخيرا نحو تحقيقه لأحلامه، أسلوب السرد والتداخل بين الواقع وما بعده هو ما يميز هذا الفيلم الذى يشي بموهبة لمخرجه فى استخدام جيد للغة الصورة وللتكوين وقدرته الممتازة على قيادة ممثله، تحكمه بإيقاع فيلمه وشريط الصوت الذى يحقق تناغما مع الصورة. لم يحصل العابر الأخير على جائزة من وهران بل ذهبت لمواطنه عبد النور زحزاح عن فيلمه قراقوز وهو فيلم بسيط يوجه مشكلة المتطرفين المسيطرة على الواقع العربى الآن واقتسم معه الجائزة المخرج التونسى مليك عمارة بفيلمه الكوميدى الأسود عن الزوج المضطهد، حملات الدفاع عن المرأة ورفضه لتزايد الأعمال الفنية التى تنحاز للنساء وتظهر مشاكل التمييز ضدهم دفعته لتقديم نموذج مضاد لاضهاد رجل على يد امرأة. لاقى فيلمه استحسان الجمهور وتجاوبهم، كون الكوميديا الى اتبعها أثارت موجة من التعاطف مع قضية الرجل المضطهد. ومن الأفلام التى انتبه إليها الجمهور المتواجد وأغلبه من الصحفيين والنقاد كان الفيلم المصرى الوحيد المشارك فى المسابقة القصيرة أحمر باهت لمحمد حماد وتركزت التعليقات حول نجاحه فى التعبير عن قهر الفتاة فى ظل أسرة ضعفت لغياب الأب بسبب السفر لتحسين الدخل وبقاء الفتاة فى رعاية الجدة التى ترى المحافظة عليها فى قتل الحياة ممثلة فى ملابس داخلية حمراء أجبرتها على إزالة لونها ليتحول إلى أحمر باهت فاقدا عنفوانه وشبابه الطبيعى. إحدى المشاهدات وصلتها رسالة معكوسة وشكرت المخرج على استجابة الفتاة لنصيحة الجدة واتباعها التقاليد رغم أن الرسالة الناعمة للفيلم تنعى قتل الحياة. أحمر باهت حاصل على أفضل فيلم قصير بمسابقة الديجيتال بمهرجان الإسكندرية، ومسابقة مهرجان تارتان، وجائزة منظمة المرأة العربية بقرطاج الأخير. أحمر باهت يصب فى نقد المجتمعات العربية مثل كارانتيا العراقى الذى ينتقد كونها تحولت فلى رأيه أشبه بمعتقل كبير للمجانين، ويتماس مع عايش فى نقده للقيم المحافظة التى تقف دون أن يعيش الفرد بحرية ممارسا رغبات بسيطة كركوب موتوسيكل أو اقتناء لعبة كطفل صغير.
تميزت الأفلام القصيرة التى تعكس حضور موهبة السينمائيين الشبان من مختلف الدول العربية اختارتها بعناية ياسمين شويخ المخرجة والممثلة والتى حصل فيلمها الباب على جائزة من مهرجان الإسماعيلية منذ عدة أعوام ، وكانت أيضا ملازمة للوفود حيث صحبتهم من وهران للجزائر تساعد فى حل مشاكل حجز الطيران الذى تأثر بسبب عوامل الجو. كان نبيل حاجى مسئول الاتصال قد فرغ من عمله بوهران ولحقنا بالجزائر ومعه نبيلة رزايق حتى اللحظات الأخيرة بالمطار. دفء الأشقاء من الجزائر ومنهم المصور الصحفى حمزة ، والصحفيى رياض وطار وصحفى جريدة الوطن فيصل مطعونى، وهيبة مسئول الندوات، ومهدى فى التنظيم، وكثير من الصحفيات الشابات، جمعتنا بهم لقاءات مودة ومع كل الضيوف من مختلف الأقطار العربية يجعل وهران جامعة فنية لكل الدول العربية .

No comments:

Post a Comment