Monday 7 June 2021

للإيجار ومقاومة الحزن بحلة وردية

 

للإيجار ومقاومة الحزن بحلة وردية


بداية أتوجه بالتحية لفريق الإنتاج الذي تحمس لينتج فيلما بطله رجل متقاعد مع تصوير كامل الفيلم بالإسكندرية بعيدا عن الصورة النمطية عن كونها مصيف للعائلات. ودون قصد وثق المخرج للإسكندرية، شوارعها ومقاهيها، وكانت شرفة شقة مختار/ خالد الصاوي  المطلة على البحر دعوة للإستمتاع بالحياة. ومع البداية ووصول نجم كوميدي معروف لنا خالد/ محمد سلام نتوقع أن يمضي الفيلم هزليا مليء باللزمات الضاحكة، ولكن الشجن غلف الفيلم ليس فقط من مشهد زيارة مختار للمدافن ولكن مع المشهد الأصعب ونحن نسمع صوت بكاءه دون أن نشاهده، صادرا من غرفته المغلق بابها عليه. يبدو مختار مهزارا منفتحا على الحياة مع الآخرين ، نشاهده يزيط بانتصاراته على الخصوم في لعبة الطاولة، وسرعان ما نلمس مدى شقاءه حين يكون وحيدا وباب حجرته مغلق عليه. ديكور شقته يبعث على التساؤل عن صاحبة الصورة وبجوارها اسطوانات أسمهان وجرامفون قديم، لا جهاز كاسيت ولا سيديهات، جرامافون قديم يدير أغاني نادرة لأسمهان تشعرنا كم يعيش بالماضي مع ذكريات نربطها بزيارته للمقابر مع الورود وصورة السيدة المجهولة. لا نبقى طوال الفيلم مع مختار وحكاياته، ونتابع ما يحدث مع خالد من كوابيس يظهر له فيها ساكن الحجرة قبله، الشاب الذي أتى خالد بديلا عنه للعمل بالإسكندرية، يبدو متكدرا لذلك، مكتئبا ومنزعجا من غرابة شخصية مختار. كوابيس خالد وحزن زملاء العمل ومشاكل زميله اليومية تبعدني عن مختار وأنتظر كشفا عن أسباب بكائه وحزنه الذي يحاول إخفائه ولا تقدم خطابات كاميليا إجابة شافية بل تبعدنا عن أصل الحزن الذي سينكشف حين تفتح الحجرة المغلقة عن متعلقات الابن المهاجر بالخارج. حكاية مختار الأرمل المتقاعد ووحدته كانت كفيلة لوحدها لتقديم فيلم مشوق  دون كوابيس المستأجر وحكاية الموظف الراحل، سواء مات قضاء أو انتحر، أو شعرت خطيبته بذنب دفعه للانتحار، عالم وافد من الحكايات الفرعية على الحكاية الرئيس التي كانت كافية لتقديم فيلم غني ومؤثر عن هذا المسن الوحيد وشخصيته الغريبة التي يناسبها أداء تمثيلي من النجم خالد الصاوي البارع في تقديم شخصيات مركبة. هل اختار الصاوي لون حلته الوردية أم اختارها له الاستايلست خالد عبد العزيز، بحركة خفيفة يرقص مختار على الكورنيش، وستبقى في ذهن خالد صورة مختار راقصا بالملابس الوردية ، صورة كافية لتبعده عن الكآبة التي سببها فشله في قصة حب. لن نجد بالفيلم مواقف ساخنة ولا جرائم دموية، ولكننا سنخرج بشحنة من التفاؤل مبعثها مختار المقاوم لأحزانه بحلته الوردية. تحاشى الكاتب اللجوء الى الفلاش باك وعوض المخرج بأدوات الصورة من مواقع واكسسورات وديكورات عن العودة للخلف وكانت كافية لتكمل الحكاية ونفهم سبب حزنه ووحدته، وفكرة تأجير غرفة  تناوب عليها أكثر من ساكن، شباب عوضوه عن غياب زوجته وابنه. الفكرة التي انطلق منها السيناريو وحققت تشابك العلاقات.

صورة الفيلم في المشاهد الخارجية تعكس قيمة حب الحياة، ابتعد المخرج عن الأجواء الممطرة والأوقات الرمادية، حافظت إضاءة مدير التصوير رامي سالم على الصورة مبهجة فظهرت من عين مختار المحب للناس والحياة. وفي مشاهد الليل القليلة كانت الإضاءة تظهر وجهي مختار وخالد دون ظلال كثيفة . حافظ مونتير الفيلم حمادة عبد المنعم على تدفق الإيقاع وشكلت أغاني أسمهان المختارة بعناية من المخرج في إحساسنا بالمتعة مع شريط صوت ناعم بعيدا عن التنميط.   

عن العمل مع الممثل خالد الصاوي يقول اسلام بلال، لقد كان يدعمني كثيرًا منذ قراءة السيناريو الأول. إنه شخص محترف للغاية ، على الرغم من أنه أيضًا مخرج، إلا أنه لم يتدخل أبدًا في عملي كمخرج وركز على دوره التمثيلي. قدم لي الكثير من النصائح، وكان داعمًا حتى لحظة عرض الفيلم لأول مرة.

حصل الفيلم على جائزة رضوان الكاشف من لجنة تحكيم مؤسسة شباب الفنانين بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في دورته العاشرة مارس 2021 ، وكان المخرج حصل على دورة تدريبية بدورة سابقة للمهرجان وقدم عددا من الأفلام القصيرة قبل أن يجهز لفيلمه الأول " للإيجار" مواجها تحديات صعوبة الحصول على تمويل الذي وجده مع المنتجين محمد حمادي ومحمد الدياسطي. وعن العقبات يقول المخرج كان الوباء بالطبع عقبة كبيرة. ومع ذلك ، فإن العثور على الشقة المناسبة التي تناسب القصة وعدم اللجوء إلى الاستوديو والتأثيرات المرئية كان عقبة أخرى واجهناها. كنا نتمنى أن يكون لدينا مشهد حقيقي من نوافذ الشقة حيث كان من المفترض أن يطل على البحر في الإسكندرية ، وقد استغرق هذا وقتًا طويلاً للعثور عليه. انتهى بنا المطاف بالعثور على فندق قديم في محطة الرمل وحولناه إلى شقة.

                                                                                        صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 9 يونيو 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي




 

 

 

 

 



No comments:

Post a Comment