Monday, 19 December 2022

عن فيلم تسجيلي " نور على نور"

البحث عن معنى النور في فيلم طريق  

منذ عدة سنوات صور مخرج وفنان موسيقي سويسري اسمه جاك سيرون فيلما في مدينة الأقصر راصدا صوتيات المكان بداية من آذان الفجر وبعض أصوات الطبيعة وصورىة المكان بآثاره المصرية القديمة ومساجده ، نجح سيرون في نقل حالة صوفية لمدينة بها حالة عامة لا تخص دينا بعينه، كان تركيزه على الصورة وأصوات المكان. فيلم نور على نور ركز على مفهوم الناس عن فكره النور الإلهي ونور النبي محمد، التقط المخرج الدنمركي كريستيان سور هذه الروح الصوفية لدى الناس في مصر وخاصة من النساء، السيدة ماجدة والسيدة أم أميرة وسيدات أخريات شرحت كل واحدة منهن مفهوم النور للمتصوف القادم من الغرب وكانت هذه المشاهد الأجمل على مدى الفيلم الذي يبدأ بحوار الأجنبي على مقهى بوسط البلد حيث قلب القاهرة وينتهي بعرض فكرته التي وصل إليها عن النور الواحد في كل الأديان، نور الله الواحد الأحد بتجلياته التي تتبدى لكل متصوف، لم يخرج العمل عن الفكرة التي تؤكد أن الحقيقة واحدة ولكن كل مجموعة تمنحها اسما. في تقديم الفيلم بعرضه الأول بمهرجان القاهرة تحدث المخرج بالعربية ثم أكمل بانجليزية وشرح بداية التفكير في العمل منذ 15 عاما حتى التقى بالمنتجة هالة لطفي وقررا العمل معا على الفيلم، كريستيان سور بدى مهموما في الفيلم بالتقاط معنى النور من المصريين الذين وجد لديهم فكرة الإيمان بمحبة وبساطة وعمق، تناوشه الفتاة الشقية من الإسكندرية أميرة وهي تسحب دخان الشيشة، تتفلسف، نحن في مصر إما أن نتجه إلى الجنون أو إلى التصوف وهي تحكي عن أمها التي تنفق كل دخلها على الموالد ترتحل معها في كل البلاد المصرية، إلى القاهرة وطنطا ودسوق، من بعد يصور حلقات الذكر ولكن اقترابه يكون حميما من السيدات الشارحات لعظمة نور النبي. لشخص مثلي بعيد عن أجواء الصوفية وحلقات الذكر أراقب أداء طبقة اجتماعية ومثقفات في حالات من الاندماج مع الإنشاد دون التزام بغطاء رأس أو ملابس شديدة الاحتشام، أجواء يتوحد فيها الجميع دون تقيد بأشكال محددة من الملابس . أتوقف عند احتضان الفتيات لبعضهن وقد توحدن في شعور ينتهي ببكاء وحضن، السيدة ماجدة تشرح للمخرج والسيدة بعد افطار موائد الرحمن برمضان تشرح يعد تلعثم إنه نور من نور في نور وبنور الأنوار محمد؟ تبتسم بعدما تمكنت من قولها بفصاحة عالم دين يفهم ويشعر معنى نور الله الذي وضعه في قلب صفيه النبي محمد.  

افتقدت في الفيلم ذكر آية النور، الله نور السموات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري ... نور على نور" والتي لا يمكن تجاهلها في فيلم عنوانه " نور على نور" ولكن المخرج اقتدى بمن قابلهم وتعرف من خلالهم على مفهوم النور الأقرب إلى النبي شفيعهم في الدنيا والآخرة. يقول المخرج لقد درست لعدة سنوات العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في أوروبا. أجريت بحثًا عن التطرف، ومشكلات الاندماج، وحيازة الجن، والذهان، وفي مرحلة معينة أصبت بالإرهاق. حتى أعطاني صديق في القاهرة نصيحة بسيطة: توقف عن التركيز على الظلام في هذا العالم، انظر إلى النور. أخذت النصيحة وبدأت مع المخرج المصري محمد مصطفى والمصورة أميرة مرتضى في مشروع بحثي وفيلم حول التجارب الدينية للضوء. يمكن وصف النتيجة بأنها فيلم طريق يوثق حركة الأشخاص الذين يصرون على الاحتفاظ بمساحة للضوء والحب في حياتهم على الرغم من الظروف السياسية الصعبة. وكما تقول أميرة، في مصر بعد الثورة إما أن تصاب بالجنون وإما أن تكون متصوفًا.

المخرج كريستيان سوهر مخرج أفلام وأستاذ في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة آرهوس في الدنمارك. بدأ تعاونه مع مجموعة أفلام "حصالة" التي تتخذ من القاهرة مقراً لها في عام 2014 ، ويعد فيلم "نور على نور" أول فيلم لهما في ثلاثية مخطط لها. يتضمن العمل السابق لكريستيان سور الفيلم الحائز على جائزة وكتاب "النزول مع الملائكة" عن الطب النفسي الإسلامي وطرد الأرواح الشريرة في الدنمارك. وهو حاليًا الباحث الرئيسي في مشروع فيلم وبحث حول تجربة وزراعة الحب في الدنمارك ومصر ونيبال وتنزانيا وبابوا غينيا الجديدة. منتجة الفيلم هالة لطفي مخرجة أفلام أسست حصالة كجهة إنتاج خاص وأنتجت فيلمها الطويل الأول " الخروج للنهار" الذي يعرض في متاحف السينما، كما أنتجت فيلم " ليل خارجي" للمخرج أحمد عبد الله السيد، وفيلمها "نور على نور" بداية لسلسلة إنتاج مشترك مع الدنمرك.

وراء إنتاج الفيلم وإنجازه هدف نبيل اجتمع عليه مخرجه مع المنتجة ووجدا مجموعة عمل تقدم صورة مختلفة عن الإسلام بعيدة عن صورة الإرهاب أو الدجل تحت مسمى الطب الإسلامي، في المشهد الأخير يلخص كريستيان سور ومحمد مصطفى في حوارهما نتيجة رحلتهما ويخلصان أن النور الإلهي فكرة واحدة وملموسة في كل الديانات وغيرها من الأفكار الروحانية مهما اختلفت معتقدات البشر.

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 6 ديسمبر 2022 


No comments:

Post a Comment