سيناريست كلاسيكي ينطلق من أعمال أدبية
رغبة في التعرف على أعمال كاتب السيناريو " كريستوفر هامبتون" الذي اختاره محمد حفظي واللجنة العليا
لمهرجان القاهرة ليكون الشخصية الأجنبية المكرمة بجائزة الإنجاز الإبداعي الهرم الذهبي في الدورة 42، أعدت مشاهدة أفلامه وأولها " علاقات خطرة " 1988 ووجدت تميزه الأكبر في صياغة الحوار بشكل يوجز المعاني ويضع تحتها خطوطا للتوكيد. فكرة الانتقام المبنية على خداع شخصية سيئة شعارها في الحياة " اربح أو مت " الحبكة عن فساد الطبقة الأرستقراطية ، صراع الطبقات العليا من البرجوازية العفنة كما يسميها اليسار، استخدام النساء وإخلاص الخدم واستخدامهم لكل شر. العمة الثرية والقريب الشاب الفاسد والمفلس ، يمثله جون ملكوفيتش ببراعة، قدرته الفذة على خداع النساء عملا وحيدا يتعيش منه، إغواء الثريات، يغوى السيدة " مدام دورفيل " التي ترغب الماركيزة البطلة في تحطيمها، يستهويه إذكاء المعركة بين العشق والفضيلة ، هكذا يحدد هامبتون بكلمات موجزة راسما شخصياته ويستمر مؤكدا على لسان بطله، كل النصائح عديمة الجدوى. وعبر الخطابات يتم فيها عرض الإغواء والانتقام، نقف عند الجملة المفتاح، هذا فوق سيطرتي، تلك الحياة تماما فوق سيطرتي، يجن جنون الماركيزة وتدفعه لاستخدام الكلمة ليتخلص من العاشثة المسكينة، هذا الذكر الداعر تتلاعب به الماركيزة ولكنه يقع في شباك صنعها حيت يتعارض غروره مع سعادته، حين تتأزم الأمور ونصل إلى إحدى مشاهد هذه الطبقة بالمبارزة ، يصرح وهو مقبل على الموت، حبها كان السعادة الحقيقية الوحيدة التي عرفتها. يعرض الفيلم كثيرا على قنوات الأفلام، لم أنتبه مسبقا الى الكاتب المولع بفضح الأثرياء وبتناول فترات تاريخية قديمة مازجا الحب بالحرب كما سيظهر في عمله " كفارة" 2007 الذي تبدأ أحداثه في انجلترا عام 1935 لمست فيه ازدراءه للطبقة العليا وفضح أكاذيبها، عبر سيناريو بحبكة قوية تظهر الحقائق تدريجيا ولن تتضح الا مع اقتراب النهاية بتقديمه لشخصية الكاتبة التي كتبت العمل كله لتكفر عن خطيئتها في شهادة الزور التي أفسدت حياة حبيبين، أختها الأكبر وحبيبها الذي رغبت فيه وهي طفلة فاسدة ومغرورة.يبدو أن كريستوفر هامبتون مقتنع تماما بأن الناس معادن ، وبأن هناك بشر أشرار مؤذيون غير قادرون على المضي قدما في حياتهم دون أن يدمروا حياة من يغارون منهم. العمل أيضا مبني على رواية من تأليف إيان ماكيوان للمخرج جو رايت الذي قدم مشاهد مؤثرة لنهايات الحرب التي تلت معركة دانكريك الشهيرة، بتركيز على البطل الذي اختار الجندية بديلا عن سجنه عقب شهادة الزور للفاسدة الصغيرة كاتبة كفارة.
وبعيدا عن أجواء
الطبقات الاجتماعية الفاسدة يأتي عمله " الأمريكي الهاديء" عام 2002
فاضحا هذه المرة الدور الأمريكي في فيتنام وتقسيمها الى شمال وجنوب. اعتمادا على
رواية للكاتب جراهام جرين والبداية مع تعليق المراسل الصحفي الذي يقوم بدوره مايكل
كين وهناك حرب وحب وعلاقات انسانية ، بطل طيب هو طوماس فايلر ، يعشق الفيتنامية
فونج ولكنه لايستطيع الزواج منها، لرفض زوجته الانجليزية الكاثوليكية منحه الطلاق،
والشرير بايل الذي يتكشف دوره المخابراتي ببطء، يعلن أن الأمريكيون ليسوا مستعمرين
، هم فقط يساعدون الناس، مقارنة بالمستعمر الفرنسي الذي لا يقوم بفظائع رجال
المخابرات الأمريكية التي تقوم بأعمال ارهابية وتلصقها بالشيوعيين رغم ادراك
المراسل أنه ليس من مصلحتهم قتل السكان المحليين. رغم اختلاف عناصر فيلم الأمريكي
الهادئ الا أن جمل كريستوفر هامبتون الحوارية لا تفارقنا، وسنسمع على لسان بطله،
عاجلا أو آجلا على المؤء أن ينحاز إلى جانب ما إذا أراد الحفاظ على آدميته، كما
بدأ الفيلم بتعليق من مايكل كين على مشهد المراكب في النهر ليلا متغزلا في سايجون
وفيتنام حيث يوجد شبح في كل منزل بها ، فيلم مركب عن الحرب والحب، وعناصر مرتبطة
بهما في بيوت الهوى ونوع غريب من العاهرات. عبث الأمريكان في فيتنام وحقائق تاريخية
تكتب مع نهاية الفيلم ، سيحكم الشيوعيون الشمال بينما تعزز أمريكا انفصال الجنوب ،
عمليات برية للأمريكان وموت الآلاف.
في عام 2020 يحول كريستوفر هامبتون مسرحية فلوريان زملر إلى فيلم " الأب" ويكون عملا سينمائيا أول لزملر بعد عرض المسرحية عدة سنوات على المسارح ، لا شك أنه احتاج كاتبا قديرا للسيناريو كي يصبح العمل فيلما بكل عناصر السينما ، الأب" رحلة تجريبية شاهقة ومذهلة ومؤلمة حقًا في كابوس الخرف ولكل من يشاهد الفيلم سينتابه شعور بالألم وستنتقل حالة التشوش والمعاناة التي يشعر بها المسن ويشعر بالتعاطف مع آن العاجزة عن حل مشكلة والدها ومعاناته مع الخرف.
وهكذا سنجده في كل
أعماله ، من علاقات خطرة إلى الأب ، ينطلق بداية من نص أدبي به غنى في رسم
الشخصيات وثراء في التفاصيل وتحليل نفسي لدوافع أبطاله مع انعكاس واضح للخلفية
الاجتماعية وربط زمن العمل بالتاريخ، باستثناء الأب الذي يكون على المشاهد اكمال
الصورة عن الحياة المعاصرة وخاصة في الدول المتقدمة التي ارتفع فيها معدل حياة
الفرد واهتزت الروابط الاجتماعية وأصبح إعالة المسنين عبئا لا يمكن لأي من عائلته
تحمله ويأتي دور موظفون يقومون بالمهمة، ممرضون ومساعدون يرفضهم " الأب
" كما يرفض الاعتراف بمرضه المؤلم الذي أثر على عقله وأربك حساباته التي عُرف
قديما بدقتها.
صفاء الليثي
نشر بجريدة
القاهرة الثلاثاء 24 نوفمبر 2020 رئيس التحرير عماد الغزالي
No comments:
Post a Comment