Sunday 23 August 2020

القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا 6 " عاشت للحب 1959


عاشت للحب وماتت تحت شجرة اللبلاب
على بوستر الفيلم وبخط كبير عن قصة شجرة اللبلاب ، قرأت العمل الأدبي الذي طبع عام 1949 قبل عشر سنوات من إنتاج الفيلم، حتى صفحة خمسين ما يعني ثلث الرواية يحكي السارد عن طفولته وعن تكون عقدة لديه تجاه النساء بسبب خيانة زوجة أبيه لوالده. وستبدأ أحاث الفيلم بعدما وصلنا الى صفحة 77 عند منتصف الرواية بسكنه في حجرة فوق السطوح وتحته صاحبة البيت وابنتها وفرع شجرة اللبلاب الذي تهزه فيظهر من النافذة ويتبادلان الحديث. حسنا فعل صناع الفيلم بكتابة عن قصة، فقد تم أخذ بعض خطوطها وأضيفت شخصيات وحذفت أخرى ليصبح السيناريو مثله مثل العديد من أفلامنا المصرية عن علاقة شاب وفتاة وما يحدث بينهما من حب ، غدر من قبل الشاب المعقد ووفاء من قبل الفتاة المقدامة التي بدأت الاعتراف بالحب وبادرت إلى اقتراح أماكن وسبل لكي يتقربا ويتحابا . زبيدة ثروت بعينيها الجميلتين الجريئتين وبراءة بسمتها اختيار موفق جدا لشخصية زينب التي كتبها الأديب محمد عبد الحليم عبد الله كفتاة عصرية مثقفة تبحث عن الحب ولا تصطاد عريسا، قوية وفية مخلصة حتى لو عاملها الحبيب بقسوة. أما حسني الشاب القادم من الريف بما يحمله من عقدة تجاه النساء فهو مشوش بين حبها وبين شكه بها رغم نصح صديقه عبد المنعم ابراهيم بأن مش كل الستات خاينين. 
أسوأ ما قام به كاتب السيناريو إضافة شخصية الأخت ومثلتها ليلى طاهر، وهو حل شاهدناه كثيرا عن رفيقة البطلة التي تخبرنا بالمعلومة واضحة وفجة رغم أنها في العمل الأصلي مفهومة من وصف الكاتب . وهنا ينحرف الفيلم ليكرر الخطاب الاجتماعي في مئات غيره من الأفلام، فحين تبكي زينب وتقول لأختها أنا ضعت، تصعد الأخت وتدفع باب حجرة حسني ، وتعنفه، ما تحاولش تنكر اللي حصل، لسه هتفكر، علشان تصلح غلطتك لازم تطلبها من ماما . زينب أمانة في رقبتك ومستقبلها في إيدك ، أنا عندي أمل كبير انك هتكون شهم وتصلح غلطتك. نوع الخطاب الوعظي هذا وجدنا مثيله في فيلم " أنا وبناتي" ويمكن لنا أن نسمعه في مئات الأفلام، وهو خطاب شائع مختلف عن قصة الأديب الذي رسم الفتاة محبة متحملة لما فعلته حتى أنها ستنتحر بعد أن كتبت خطابات للحبيب فحواها تحملها مسئولية أفعالها دون أن تجبره على الزواج منها. لولا شجرة اللبلاب التي حرص المخرج على استخدامها من شرفة حجرة الفتاة الى شباك الشاب لما وجدنا أي رباط بين القصة والفيلم. زبيدة بالبيجامة للنوم، تقرأ وتلتقي معه في المكتبة، حين يغيب عنها ولا يجيب على اهتزازات الشجرة تصعد إليه، يقول لها أنا اللي غلطان اللي ما أقدرتش أحافظ عليك. وينفعل بعد زيارة الأخت، يا سلام على البراءة ، فهمت الخطة كويس، أمك وأختك يسافروا اسكندرية علشان يخلى لنا الجو ونغلط. وبعدين أنا مستحيل أتجوز بالطريقة دي. ترد هي بصوتها الباكي ورقتها، انا عمري ما كلمتك عن الجواز. ينهي الحوار بكلمته الصادمة ، مفيش حاجة اسمها حب. لم يكن كمال الشناوي من أبطالي المفضلين في الطفولة والصبا وغالبا السبب دور كهذا يصوره قاسيا معقدا، في مقابل رومانسية عماد حمدي أو شكري سرحان. هذا المنطق الذكوري الذي يردد في الفيلم مستمر وبدرجة أكبر في مجتمعنا، عدم التعاطف مع الفتاة المبادرة بالحب والحكم عليها وانعدام الثقة بها. وعن القصة لم أقتنع بما شرحه المؤلف عن سبب عقدة بطله بخيانة زوجة الأب الشابة، فالوضع يختلف ، زينب ليست زوجة لأحد، أحبت شابا مناسبا لها تربطهما محبة القراءة والاستمتاع بجمال الطبيعة. هي ليست من تزوجت رجلا يكبرها بثلاثين عاما، وخانته مع قريب شاب لها. زينب ند لحسني شابة ومثقفة وتثق في الحب.
تغيير آخر جرى على مهنة حسني ليصبح طبيبا بدلا من مهندس، كمهنة تعد الأرفع ،هذا التنميط أحد آفات السينما المصرية، وإن كان التحويل سيفيد عندما يفسحون له الطريق ليكشف عن سبب سقوطها ليلة زفافها على عريس لم تستطع أن ترفضه وهي مبيتة النية على الانتحار ويتأكد  لنا أنها  فقط عاشت للحب.  
صفاء الليثي
نشر بمجلة روز اليوسف العدد 4810 باب للفن فقط إشراف شيماء سليم
مقاطع من قصة شجرة البلاب صدرت عام 1949 للكاتب محمد عبد الحليم عبد الله



No comments:

Post a Comment