صاحب المقام
والتصالح مع فكرة الشفاعة
في سياق يختلط فيه
الواقع مع ما وراء الطبيعة حيث تظهر ( ست روح/ يسرا) مع رجل الأعمال قاسي القلب ( يحي الرملي /آسر يس ) وتحثه على عمل الخير تقربا
إلى الله ليشفي زوجته الحبيبة ( أمينة خليل) من غيبوبة ليس لها سبب مادي تظهره
الفحوص ولا التحاليل. بمنظور يتفهم الفعل الشعبي في التقرب إلى الله بشفاعة أولياء
الله الصالحين بعد أن هدم مقاما لولي مجهول ليقيم مشروعا في الأرض وحدثت له بعد
الكوارث.
في لحظة فارقة يصرح البطل بمقولة
الفيلم " آن الأوان أن يجيب الإمام الشافعي على الخطابات" جملة مفتاح
لفهم مغزى الفيلم والغرض من تأليفه كما قرأته. إنها دعوة للأغنياء لحل مشاكل
الفقراء المرسلة عبر الخطابات ، يوقف رجل الأعمال كل أشغاله يقرأ الخطابات التي
أخذها من الضريح بمساعدة خادمه، يختار ما يمكنه حله وما يتحمس لتحقيقه، مستعينا
بلواء بوليس مرة ومجموعة تكونت ممن وصل إليهم وحقق أمانيهم. كحلم رومانسي ثوري
يغامرون يقودهم لتحرير الفتاة حبيسة زوج أمها محمد لطفي بعد تنميطه في شخصية
الشرير المعاصر. فكرة مهداة لكل من يرغب في فعل الخير ليس بالتبرع الى جهات غير
معلوم أمانتها ، ولكن بالجهد المبذول والدخول مع المشاكل ومواجهتها. اصطحاب الطفل
ابن البطل وكأنه يتلقى درسا في العطاء ، العطاء الفعلي والعملي مع مغامرة الوقوع
في مشاكل أثناء تحقيقه. يطرح الفيلم مفاهيم دينية إسلامية ويصحهها، حين تطول
غيبوبة الزوجة يغضب يحي ويسأل الست روح، ألستم تقولون أنها تجارة مع الله، فتجيبه
نعم تجارة وليست صفقة، التجارة بها مكسب وخسارة.
هناك دائما اتهام
للكاتب ابراهيم عيسى بأنه يكتب مقالات وليست خطة لعمل فيلم، لماذا يكتب السيناريو؟
في الضيف تفهمت أسلوبه، وهنا في " صاحب المقام" أجده وقد خطا خطوتين نحو
كتابة السيناريو ، جسد فكرة من روح وبشكل سينمائي تظهر ليحي في كل مكان يذهب إليه، في المستشفى والشوارع
التي يبحث فيها عن العناوين، وفكرة الدفاع عن الأضرحة جسدها في شخص الممثل بيومي
فؤاد وقرينه يسخر منها ، نفس الممثل مع لون مخالف للبدلة، حل إخراجي بظهور الشخصين
في كادر واحد، عفوا ليسا توأمين كما فهم البعض ، بل فكرة متجسدة في شخص . وما
أفلام السينما إلا تجسيد لأفكار عبر مشاهد وأحداث تصاغ ، تشمل الرجوع الى قصص
حقيقية ولكنها ليست واقعا بكل حذافيره، تعكس المشاهد في السينما الأفكار والمفاهيم
بتجسيدها واللعب بها ومعها، وعلينا أن نفتح عقولنا لاستقبالها بوعي يتلقى ما
نشاهده كمرآة للواقع، حلما فنيا أو مجازا للحياة وليس الحياة نفسها بكل تفاسيرها
الملموسة. إنها الخيالة، فن الظلال والأضواء على شاشة لم نعد نجلس أمامها مسلوبي
الإرادة، بل نتفاعل معها في ردود أفعال انترأكشن للأكشن الذي كتبه وصوره وأخرجه
ومثله صناع الفيلم الراغبين في طرح مفاهيم ، كحجارة تلقى في مياه ساكنة لإحداث
موجات من التغيير مع حقائق الحياة التي نعيشها. جسد المؤلف فكرة الإيمان بالمعتقد
الشعبي من خلال ست روح ، الفكرة كانت ستكون أقوى لو أسند الدور لممثلة أخرى، ممثلة
وليست نجمة ولكن ماذا نفعل مع ضغوط شباك التذاكر. ورغم النجومية التي حققها آسر يس
مع مسلسله الأخير، إلا أنه يبقى ممثلا لم ينمط بعد ووجدته موفقا في دوره هنا ،
ورسم الشخصية بجوانبها الحلوة والسيئة ساعده على النجاح.
الإيقاع مسئولية
المخرج ، تعثرت بداية الفيلم وطال الدخول
إلى عمق الفكرة الأساس التي نطق بها آسر. آن الأوان لكي يرد الإمام الشافعي على
الجوابات، هكذا وصلتني فكرة الفيلم ، المورال بلغة أهل الصنعة كدعوة للقادرين لتلبية
أمنيات المحتاجين بشكل مادي وعملي وممكن. دون أن نبقي على جدل حول ما يظنه البعض
خرافات !، وأجده عشم الغلابة في رحمة الله بشفاعة الصالحين. حقيقة أنه لا شفاعة في
الإسلام وأن علينا التوجه إلى الله ، نعم فهنا في "صاحب المقام" تفهم
الكاتب المثقف الباحث في أمور الدين ، تفهم لجوء البسطاء إلى أولياء الله الصالحين
نتيجة الفقر وقلة الحيلة. محاكمة العمل الفني بمقياس الواقعية البحتة خطأ كبير،
الفيلم عمل فني يبدأ بافتراض طرحه المؤلف كسؤال، وماذا لو حاول أحدهم أن يحقق
أمنيات المساكين. تسامحوا مع الفن وافتحوا قلوبكم، فما حدث للزوجة من مرض ، وحرق
الفيلا وأمور أخرى مصادفات، تكئة لطرح الفكرة، كما أنها حققت التشويق المطلوب لأي
عمل فني مع جرعة كوميديا وحوار ظريف، نجاح للإنتاج تقديم كل هؤلاء الممثلين ابراهيم
نصر، محمود مسعود، وكأنها هدية وداع لهم، هدية لنا لنتذكر كيف
كانوا مبدعين حتى في أقصى لحظات المرض. نجاح في أدوار قصيرة ومؤثرة للفنانة سلوى
محمد علي، والعائدة منذ فترة بعد غياب القديرة فريدة سيف النصر، وانجي المقدم بدون ماكياج، وبساطة الطقل الممثل وتمثيله المقنع بطبيعية.
للكومديدبات الذين خففوا وقع الدراما فلم يسقط الفيلم في فخ الميلودراما رغم
المآسي التي يعرضها. نجاح المخرج محمد
العدل في اختيار الممثلين وتسكينهم في أدوار تلائمهم تماما وفي توجيه أداؤهم. نجاح
آسر يس الذي انتبهت إليه منذ فيلم " فرش وغطا" مع أحمد عبد الله . نظرت
للفيلم نظرة كلية وكمصرية أحببته، وهذا متاح في النقد كما قالت د. نهاد صليحة، أن
تحب أو تكره دون أن يخرجك هذا من زمرة النقاد ، أن تستعيد بعض مشاهد أثرت فيك كما
كنا نفعل صغارا بعد عودتني من متابعة فيلم ، نسير في صف واحد سعداء ويخرج واحد منا عن
الصف ليواجه الآخرين ويذكرنا ولما عمل كذا وكذا ويقاطعه آخر ... اخلع نظارة المثقف
أو البسها ولكن كن صادقا مع نفسك هل استمتعت بالفيلم ولم تتوقف عن المشاهدة ، هل
تحدثت عنه لمعارفك ونصحتهم بحضوره، هل كتبت يوما خطابا تتمنى فيه شيئا وخجلت أن
ترسله لصاحب المقام؟ .
صفاء الليثي
كتبته ونشرته
مباشرة على مدونتي الخاصة " دنيا الفيلم "
شاهدت الفيلم الاسرائيلي مكتوب ولم أجد أي علاقة مع صاحب المقام اللهم ما هوموجود في واقع اليهود وتبركهم بحائط المبكى وواقع المصريبن وتبركهم بأضرحة أولياء الله الصالحين ...واقعنا متشابه وفكرة المساعدة للتطهر ممكن أن ترد على خاطر كثيرين ..مكتوب فيلم كوميدي متواضع المستوى ...صاحب المقام فيلم درامي اجتماعي جيد كتابة وإخراجا وتمثيلا . ( ساكتب مقالا مقارنا تفصيلا)
ReplyDeleteحاشية : شاهدت أفلاما اسرائيلية قديما وحديثا وعرضنا بجمعية النقاد لمخرجين ينتقدون اسرائيل واهمهم اموس جيتاي ...وهذا الفيلم يشبه افلامنا الشعبية الجماهيرية التجارية. افلام المخرج ايليا سليمان تتم بدعم من اسرائيل ويصر ايليا سليمان على وضعها في كتالوجات المهرجانات باسم اقليم فلسطين ..احترم افلامه وتبهرني شكلا ومضمونا وآخرها "ان شئت كما في السماء" الذي حصل على جائزة النقاد العرب لأفضل فيلم عربي هذا العام وكنت منهم..فيلم عربي منسوبا لمخرجه على الطريقة الفرنسية