في " حظر تجول" سكتت فاتن وسكت الفيلم أيضا
فيلم المخرج أمير
رمسيس " حظر
تجول" يعد فيلمه الثامن في مشواره مع السينما الروائية الطويلة ، يقدم رمسيس
هنا سينما تعتمد على النجوم وتناقش قضية تشغل المجتمع المصري ، اختار رمسيس حي
شبرا القاهري المعروف بتجاور المسيحي والمسلم من الطبقة الوسطى به، كما أنه قريب
من قلب القاهرة حيث مركز أحداث العام 2013 وتطبيق حظر التجول على العاصمة، تبرز
العناصر الفنية في الفيلم بشكل جيد، ديكور
البيت والشقة بطرازها المصري القديم، باب عريض في صالة المنزل وشرفات تقابلها
شرفات منازل الجيران، العمارة بساكنيها وحتى السطح، تعبر عن نماذج متنوعة من نسيج
المجتمع المصري، بداية من مشهد على السلم ومقابلة الجارة مرورا بمنزل الجار يحى
الذي قد يكون مسيحيا دون أن يؤكد لنا صانع الفيلم، عند مشاهدة الفيلم تطمئن إلى
حقيقة أنه مازالت هناك صناعة للسينما في مصر وتتساءل أيضا لماذا لا يوجد خلل سوى
في السيناريو، قام أميررمسيس بتأليف فيلمه بنفسه كما فعل أحيانا في أفلامه
السابقة، السيناريو بدأ مشوقا وضعنا في حيرة
عن ليلى وفاتن، هل هي حماتها؟ قريبة لها، ولكنه لم يصبر طويلا ثم أفصح عن العلاقة
بشكل أسرع مما توقعت. بناء جيد لشخصية فاتن تقوم بها الهام شاهين بتمكن، وشخصية غامضة لم أفهم تركيبتها
النفسية تماما تقوم بها أمينة خليل، وشخص متسق مع نفسه يقوم به أحمد مجدي، طفلة
السينما الغلباوية والجار يحي بملامح رومانسية، يحب عبد الحليم ويعاني صحيا أداء
رائع للممثل الفلسطيني كامل الباشا. جارة لها قبول لدى المشاهدين هي عارفة عبد
الرسول تضفي حيوية على المشاهد القليلة
التي تظهر بها، ولتكتمل التوليفة المصرية هناك سائق التوكتوك المنزعج من الحظر
فيعوض الحبسة بإقامة ما يشبه الغرزة في منزله على سطح البيت. وأداء جيد للكوميديان
محمود الليثي. ينتهي الفيلم كإشارة عابرة فقط عن مشكلة كبيرة قد تحدث في بيوتات
كثيرة ويكون التعمية عليها مسببا لمشاكل أكبر. يمكن الاستمتاع بالفيلم رغم هنات
الكتابة التي قام بها المخرج بنفسه. المناخ العام الذي يضعنا فيه " حظر تجول"
يتجاوز الاسم بعيدا عما قد يوحي به سياسيا ويناقش فقط علاقة كراهية من ابنة لأمها
غير معتادة في تركيبة الأسر المصرية. فقد سكتت
فاتن عن سبب قتلها لزوجها حماية لابنتها، وسكت الفيلم أيضا ، لم يناقش فيلم "
حظر تجول " المسكوت عنه، مشكلة تحرش الأب بابنته، الصبية البطلة لم تدرك شيئا
وظلت على حبها لوالدها الذي يتحرش بها وضبطته الأم متلبسا فقتلته ، وبدعوى شائعات
طالت الأم عن علاقتها بالجار يحيى تصدقها الابنة وتكره أمها ولا تزورها في سجنها
لمدة 17 عاما، لم يناقش الفيلم سبب محبة الابنة للأب الذي ينتهكها، هل لم تدرك
وقتها فحش ما يفعله بها ؟ توقعت مع تقطيع الفلاشات باك على أجزاء عبر الفيلم أنه
في لحظة ما ستدرك مدى الجرم الذي مارسه معها الأب، لحظة التنوير التي تكتمل بها
الدراما، ولكن هذا لم يحدث. تحول الفيلم الى مناقشة علاقة كراهية من ابنة لأمها،
تتحول الى قبول ثم اعتراف بها كأم وهذا جيد ولكن المشكلة الأساسية لم تحلل ولم
تناقش .
"حظر تجول
" فيلم تجاري محكوم بسينما النجوم ، النجمة الأم الهام شاهين نجمة مخضرمة والنجمة الشابة أمينة
خليل نجمة هذه الأيام ومباراة التمثيل بينهما دون ترك مساحة حقيقية لمشكلة الطفلة،
لايبدو أن المخرج استشار طبيبا نفسيا ليفهم طبيعة مشاعر صبية تتعرض لانتهاك من
والدها، ولم يتم مناقشة تركيبة هذا الأب ، حين يتم تناول موضوع اجتماعي هام كان
يجب استشارة طبيب نفسي لتوضيح بعض
المفاهيم. وبالطبع شخصية ساكن السطح مزروعة لغرض الترفيه، مشاهد ظريفة ولكنها تبقى
في إطار تركيبة الفيلم المصري الذي يقبل عليه الجمهور. لا أعتقد أن صناع العمل
منتجه صفي الدين محمود وباهو بخش قد حققوا
هدفهم من فيلم يفتح نقاشا حول زنا المحارم أو الخلل النفسي لدى بعض الآباء. ما أراده صناع الفيلم من الحديث" عن المسكوت عنه" لم يتحقق لأن الفيلم سكت كما سكتت فاتن وتم عرض
الحدث بشكل غامض وترك لكل مشاهد حرية التفسير التي وصلت بي الى أن الفتاة كانت تجد
متعة في مداعبات الأب وتلك مشكلة كبرى تمتد الى التوتر الجنسي بينها وبين زوجها
ونفورها ورفضها بحجة وجود الأم رغم أن الحوار يعكس أن هذا التباعد مستمر قبل مجيء
الأم بالإضافة الى غيرتها من ممرضة تتحرش بالطبيب الزوج، على طريقة الحدق يفهم تركت
كل الأمور دون تعمق في تحليلها. هناك تعمية بحجة التناول الهاديء أو لعدم خدش حياء
المشاهد ، وظلت المشكلة قائمة دون تحليل.
صفاء الليثي
نشر بجريدة
القاهرة الثلاثاء 5 يناير 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي
No comments:
Post a Comment