الطائرات الورقية فعل مقاومة
الاثنين 18 مارس 2002 كان موعد لقاء أفلام فلسطين التلفزيونية مع مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال الكاتبة والمخرجة ليانة بدر التي تشارك بفيلمها " الطير الأخضر " في مسابقة قسم أفلام التلفزيون حضرت بصعوبة مع مجموعة الأطفال الفلسطينيين للمشاركة في لجنة التحكيم كما هو متبع في مهرجان الطفل بالقاهرة ، واستطاعت أن تنهي المراحل الأخيرة من فيلمها " الطير الأخضر " في مصر وعنه تقول :" قدمت الفيلم بمشاركة
الأطفال لننقل وجهة نظرنا إلى العالم لما لاحظناه عن الصورة النمطية للطفل
الفلسطيني الذي يرمي الحجارة ، أردت تقديم فيلم يحكي فيه الأطفال عن أحلامهم وقت
الانتفاضة والتعبير عن إرادة الحياة عندهم " .
" نحن أبناء فلسطين ، نعرف نرقص ونغني ونحكي كثيرا من القصص
الحلوة " بصوت طفلة يعلق على صور لأطفال صغار يحملون أعلاما صغيرة ، ومظاهرة
الأطفال فيها يحملون لافتات سلام ضد العنف ، وتعليق الطفلة مستمر : " نحب
نعيش أحسن من هيك ، نعيش حياة غير طبيعية غير باقي العالم " ثم موسيقى على
رسم من رسوم الأطفال يوضح طائرة ورقية مشتبكة في سلك شائك ومعلومة مكتوبة "
معرض 100 شهيد ، 100طائرة " فتاة
اسمها مريم تحكي عن طفل فتح القفص وأطلق سراح العصفور قبل استشهاده بيوم والصورة
من قفص مفتوح إلى الفتاة تتطلع من نافذة وتقول إنها تريد أن تكون مخرجة ، فتاتان
أمامهما صندوق به كتاكيت ، أحدهما تحكي عن تربيتها للكتاكيت " الصيصان "
ثم لقطات لعساكر الحواجز يشيحون للناس ليتحركوا بسرعة ، مريم تجري وسط الناس بينهم
رجل متوسط العمر على عكاز ، فتاة أخرى تحكي أنها كتبت " أهلا وسهلا تفضل اجلس
تحت القصف ثم تحكي عن صديقتها التي ارتدت ملابس سوداء حتى لا يشاهدها الجنود في الظلام فواصل موسيقية على
لقطات هادئة نوعا ثم الفتاة تحكي أنه يوم في الساعة الخامسة والنصف من صباح الخميس
18/10/2001سمع صوت " ممنوع التجول حتى إشعار آخر " الدبابات تلف حول
البيوت ثم انتقال إلى طائرة ورقية وتقديم لثلاث صبية جمال ومأمون واسحق أبو موسى
الأول يريد أن يصبح طبيب بيطري والثاني لاعب كرة قدم الثالث يحكي عن استشهاد واده
" ناصر لطفي " نرى صورته معلقة على جدار الصبي يحكي عن استشهاد أبوه ثم
نعود إلى جمال الذي مات كلبه المخرجة تسأله " أول مرة تربي كلب ؟ " يجيب
وسط دموعه الحبيسة " ثاني مرة " . مأمون يفرجنا على جوائز لعب الكرة
" كأس مؤسسة شباب البيرة " ويحكي عن أخوته من استشهد منهم ومن بقي .
فتاة من أسرة غنية تحكي عن حلمها أن تكونعصفورة ، تطير وتلف حول العالم "
أطلع على القمر وأقعد عليه " ثم تحكي أن ما يعجبها في جو الانتفاضة أنهم
يجتمعون جميعا ويحكون ، ثم تعزف على بيانو صغير وهي تغني " أوضاع في بلدتي /
أحداث لا تنتهي / منها الكبير الكبير / منها الصغير الصغير / فصمدنا أمام الغزاة /
لنحرر فلسطين " ثم نراها أمام السور تتطلع لمنطقة مقابلة بها مستعمرة
إسرائيلية ثم تجيب عن سؤال للمخرجة عن وضعها لعلم فلسطين على صدرها فتجيب "
افتخاراً بالوطن " تحكي : " في
يوم عيد الاستقلال تبع الإسرائيليين ، كان في ألعاب نارية حلوة ولكن احتفالهم
لاحتلال بلادنا شيء يضايق " تواصل بأن شارون منع اللعب بالطائرات الورقية
فتحمس الصبية للعب بها في مواجهة المستوطنة ثم نسمع غناء بدون موسيقى " ركضنا
في الساحة ولعبنا لعبات / ولعبنا في الساحة وحكينا حكايات " الصورة في الفيلم
مخالفة لما اعتدنا مشاهدته في شرائط الأخبار بعيدة عن الحماسة والصراخ بل تنقل
صورة هادئة تشبه نارا تحت الرماد ، شوارع الفيلم هادئة ، بقايا صورة على حائط تبدو
كلوحة لرجل محفورة في الجدار ، أطفال صغار يلعبون بجوار سيارات مهشمة ، أشياء
مقلوبة في منزل والأطفال يجلسون على الأثاث المبعثر وطفلة أخرى تحكي أنها تحب أن
تتعلم العبرانية لتقول لهم " اطلعوا من بيوتكم " مش الكم بيوت !؟ "
طفل يحكي عن تربيه للعصافير وبيعها ليساعد أهله وكيف أنه أصبحت لتتحمل البقاء
لأربع ساعات على الحواجز فتموت . ثم لقطات من فوق أسطح المنازل الفتيات تنشرن
الغسيل فتاة تلفت وتحدثنا " المستوطنة قبالنا ، نحن ما بنخاف لكن الصغار
يخافون ، ما فيش عندهم أطفال " تحكي عن حبها للعب بطائرة يصنعها أخوها تحمل
علم بلادها وتطيرها في السماء ثم نلتقي بالأخ وهو صبي على أعتاب الشباب لنصل لمشهد
النهاية ونشاهده يحكي عن حبه لعمل الطائرات الورقية وكيف أصبح يعلم الأولاد ، حتى
قام بعمل طائرة على هيئة علم فلسطين " أطيره علشان أقهر العدو والمحتلين
أراضينا ، أرفعه لأكسر أعينهم ، ردوا علينا بطائرات عليها علم إسرائيل بس ما قدروش
يعملوه بنفس الفن وعلى طرقنا " .
فيلم " الطير الأخضر "
يقدم نماذج مختلفة لأطفال أغنياء بيوتهم لها حدائق ، وآخرون يعملون أعمالا
بسيطة لمساعدة عائلاتهم مثل صبي يبيع قهوة لمن يريد وآخر يتجول بأكياسه يبيع أدوات
مدرسية وثالث كان يربي عصافير ولكن الأحداث عطلت تجارته الصغيرة وأماتت عصافيره.
فتاة تعيش في بيت كبير وله حديقة ولكنها محاطة بسور في مواجهة مستوطنة كانت أرضا
فلسطينية حتى وقت قريب غيروا اسمها وبنوا بيوتهم عليها .
فيلم " الطير الأخضر " مصور بالفيديو بكاميرا نصف احترافية
وعلى فترات متباعدة تبعا لما سمحت به الأحداث ويقدم أطفال رام الله والبيرة وهم
يحكون روايتهم للمعيشة وسط الانتفاضة ، أنهت " ليانة بدر " اللمسات
الأخيرة في المونتاج في مصر وبلغ طوله 38 ق وفاز بالميدالية البرونزية في مسابقة
الأفلام التلفزيونية والتحريك قالت عنه المخرجة والكاتبة ليانة بدر أن الفكرة بدأت
من أطفال جيران لها في رام الله يسكنون في منطقة تواجه مستوطنة إسرائيلية ، وما
أثار فضولها رؤيتها لطائرات ورقية مرسوم عليها علم فلسطين وكنت أدهش كيف لايخاف
الأطفال من رفع طائراتهم في أماكن خطرة بها سكان يقومون بأعمال قنص وقتل وعندما
بدأت في عمل الفيلم فهمت من الأطفال أنهم يعتبرون هذا العمل فعل مقاومة .
وعن ظروف تصوير الفيلم قالت إنها اهتمت بألوانه الغنية التي تعكس جمال
الطبيعة في فلسطين وأنهم يعانون من صعوبة وجود ميزانيات لعمل الأفلام وتلقت دعما
من " سيدا " المؤسسة السويدية للتعاون ، ولم تتمكن من تجهيز مواد دعاية
لتصاحب الفيلم في مهرجان القاهرة الدولي للأطفال ونتوقع ما بين الحصارات
الإسرائيلية في فترات التوقف أن تنمكن من بثه عبر الإنترنت كما اقترحت السيدة
" منى شوقي " مديرة وكالة أنباء الشرق الأوسط بالقاهرة التي عبرت عن
سعادتها بالفيلم لأنه ينقل رسالة هامة عن هؤلاء الأطفال ورغبتهم في العيش في حب
وسلام وأنها شاهدت صورة مختلفة عن كثير من الأفلام الأخرى .
تحدثت ليانة بدر عن توارد خواطر كل الأطفال الفلسطينيون في أكثر من
فيلم بحلمهم أن يكونوا عصافير وكونه حلم جماعي لا يقدر أحد على قمعه . كما تحدثت
عن نجاحهم في عبور الحواجز للحاق بطائرة مصرية تصادف وجودها لكي تتمكن هي والأطفال
الفلسطينيون أعضاء لجنة التحكيم من الوصول في الموعد والمشاركة مع أطفال العالم في
تظاهرة الأطفال الدولية استجابة للتعاطف الكبير من الشعب المصري والعربي وشعوب
العالم .
مقال قديم أعيد نشره ليبقى في ذاكرتنا صفاء
الليثي
نشر بجريدة العربي الناصري الأسبوعية مارس 2002 / مسئول
صفحة السينما ماهر زهدي
No comments:
Post a Comment