Thursday, 14 January 2021

عن كتاب فيلليني سينما السحر والأحلام للناقد أمير العمري

كتاب ممتع ومحفز على إعادة مشاهدة الأفلام

لا شك أن المكتبة السينمائية العربية تعاني من نقص شديد في مؤلفات السينما خلاف للترجمات، ولهذا يأتي كتاب " فيدريركو فيلليني سينما السحر والأحلام للناقد أمير العمري" إضافة هامة للمكتبة العربية في صياغة جيدة لا تربك القاريء، زاخرة بالمعلومات والاهتمامات التي تتناولها الصحافة السينمائية عادة ممتزجة برأي نقدي يخص الكاتب نفسه ، واقتباسات من نقاد أجانب مرموقين يتم ذكرهم في متن النص كما يرفق بعد كل فصل مصادر الدراسة التي رتبت زمنيا بحيث خرج الكتاب كمرجع شامل لكل أعمال فيلليني ومقتطفات من أقواله، معلومات ما يعرف بالميكنج أو كواليس عمل الفيلم، مع ذكر ردود الأفعال وقياس مدى النجاح التجاري والنقدي لكل عمل من أعمال فيلليني دون إغفال أعماله القصيرة. نتوقف في الكتاب عند جمل تبلغ أهميتها ما لجمل حوار الأفلام من أهمية، إنها " يعيش السينما ولا يعمل بها فقط" كما يصفه الناقد" بيتر بوندانيلا" ، "غير أن السينما تظل أقوى من الحياة"، " يمكن اعتبار الفيلم رحلة في عقل كائن خرافي " يحمل الكاتب لقب دكتور فهو خريج كلية الطب جامعة عين شمس عام 1976 ، ويمكن أن يحمل اللقب ليكون دكتورا في السينما بهذا العمل البحثي الهام الذي يعتمد المنهج البحثي في الكتابة عن عبقري قنان، بذكر المصادر وتحليل الأعمال ثم الوصول الى استنتاج نهائي، مذيلا برأيه، أو منتهيا بجملة قالها فيلليني نفسه، مثل " تعلمت من كازانوفا أن غياب الحب هو أعظم الآلام" .

كتاب أمير العمري عن فيلليني يكسر عددا من المسلمات على رأسها مقولة، الفنان أسوأ من يتحدث عن عمله، فعلى النقيض تماما فإن فيلليني أفضل من يتحدث عن أفلامه ويشرح طريقته في العمل أفضل من أي ناقد يتبع منهج التفكيك والتأويل. وهو أيضا قادر على شرح الفيلم للممثل وخاصة أنه لا يعطي ممثليه سيناريو كامل ولا نسخة حوار سيرددوها في الفيلم، يشرح العمري كيف يوجه ممثليه بالبوق الشهير الذي يحمله عبر الميكرفون ويعتمد على الدوبلاج ، تسجيل الصوت لاحقا لكي يضبط تماما الجمل التي يريد قولها. مسلمة أخرى يكسرها الكتاب ففي عرضه للأفلام يقوم الناقد بشرح المشاهد ووصفها بالكلمات قبل أن يخرج بتحليله النقدي، وهذا الوصف لم يمثل عائقا أمامي للاستمتاع بالفيلم بعدما أعدت مشاهدته بتحفيز من المعلومات والتحليل الشامل الذي قرأتع بالكتاب. فمهما وصل وصف المشاهد بالكلمات لا يمكن أن تغنيك عن مشاهدتها، في فيلم فيلليني الذي يمزج الواقع بالسحر والخيال بالأحلام كما ورد كثيرا في وصف طريقة عمله. يكتب العمري ، "ساتيركون فيلليني " عالم غير متماسك،غير متجانس، مركب من الصور والتداعيات التي تندفع من عالم الحلم ، وينقل أيضا أن أصدقاءه المقربون أكدوا أنه كان يختلق ذكريات شخصية للاستمتاع فقط بتصويرها في أفلامه" . أثناء قراءتي للكتاب كنت ألهث في محاولة لملاحقة الأفكار المنهمرة من فيلليني وناقد أجنبي يتحدث عنه والعمري في استدراكاته واستنتاجه الأخير، وكأن حمى الكتابة عن فيلليني قد انتقلت من الكاتب الى القاريء وتشربت روح فيلليني وشخصيته الصريحة القوية، أتمثله حين يقول ، لم أفهم الكثير من قصتك ..، ولكني أخيرا حصلت على حريم الملك سليمان، وأتوقف عند قول الكاتب " لقد أصبح فيلليني علامة مسجلة ، ولهذا هناك "روما فيلليني"، "ساتيركون فيلليني" وكازانوفا فيلليني " في الكتاب شرح واف لسبب اقتران اسم فيلليني بالأعمال السابقة تحديدا .

ولشرح سبب سقوط فيلم " كازانوفا فيلليني " يذكر الكاتب أن هذا بسبب مخالفته للصورة السابقة عن كازانوفا لدى الجماهير، ينقل العمري مقولة " القاعدة الأولى في الفن أنك يجب ألا تصنع عملا فنيا عن شخصية لا تحبها ، وينقل الكاتب جون باكستر عن فيلليني قوله إن كازانوفا أسوأ فيلم أخرجته" ولكن في كتاب الناقد الإيطالي جيوفاني غرازيني يقول  فيلليني "كازانوفا" يبدو لي أكثر أفلامي اكتمالا وجرأة". وهكذا ينقل العمري بأمانة آراء لفيلليني ذاكرا المصدر وهو يضعنا في مواجهة شخصيته وتناقضاتها. 

في الملاحق ، نعرف كيف ولد فيلم " روما مدينة مفتوحة "  ونقرأ رسالة فيلليني الى ناقد ماركسي، ترسم صورة لطبيعة العلاقة الندية بين مخرج فذ وناقد محترم. علاقة متكافئة لا يعكر صفوها الخلاف في الرأي. افتقدت بالكتاب صورا كافية تمتع عين القاري بلقطات من مشاهد أفلامه، ولقطات له أثناء العمل، افتقدت صورا له في لحظات مع زوجته وأصدقائه لتكتمل صورة الإنسان والفنان التي بذل الكتاب جهدا كبيرا في تكثيفها عبر ما يمكن اعتباره نصا يصلح لعمل وثائقي مصور عن واحد من أهم صناع السينما على مستوى العالم.

وأخيرا أتمنى أن يتم الاهتمام بإصدار الكتب السينمائية في مهرجاناتنا الكبرى وأن تخصص ميزانية كافية لتكون الكتب كما وكيفا إضافة حقيقية لما يكتب عن السينما بلغتنا العربية.

صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 12 يناير 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي 



No comments:

Post a Comment