Friday 15 January 2021

عن فيلم المخرج رشيد مشهراوي "فلسطين بث مباشر"

نقل الرواية الفلسطينية بصدق ودون مبالغات

 شاب حليق الرأس ، أسمر البشرة أخضر العينين ، تظنه الأخ الأصغر للمخرج خيري بشارة ، وإذا سألته قال : إيه أنا من غزة ، قريب من مصر . فقط لهجته الشامية ، وأسلوب حديثه عبر جمله القصيرة ، وتعجله الدائم لينهي الندوة الرسمية ، لأنه على موعد مع الأصدقاء على مقهى هناك ، لديه قرون استشعار لأماكن دافئة في القاهرة أو رام الله ، في الإسماعيلية أو دمشق ، في فرنسا أو أمستردام ، رشيد مشهراوي صاحب الفيلم الوثيقة على الرغم من نسيجه الروائي " حتى إشعار آخر " وصاحب " حيفا " ، حاصد جوائز مهرجان القاهرة الدولي ، جائزة أفضل فيلم عربي والجائزة الذهبية لأفضل فيلم في المهرجان ، "  القاهرة " تسمعها من رشيد مشهراوي  وكأنها اسم الحبيبة الساحرة الأم " القاهرة .. هيك ، المترو والأصحاب ، جو تاني " .

بعد انتهاء مهرجان الإسماعيلية التقاه مثقفو القاهرة في اتحاد التسجيليين المصريين ، قدم ندوته محمد ملص وقال : " رشيد مشهراوي هو نفسه بث مباشر ، أفلامه التي قدمها عن فلسطين روائية وتسجيلية ، وفي فيلمه " فلسطين بث مباشر " يقدم الأحداث كجزء من الحياة ، الفلسطينيون يعيشون يتحابون، والحدث، الانتفاضة والاحتلال والقصف جزء من حياتهم اليومية  وسيضيف رشيد في نهاية الندوة بعد عرض الفيلم ، بأن فيلمه ليس مختصا بالبحث عن مشاهد القصف والضرب ، الفيلم تعايش وليس دعاية عن هيئة الإذاعة الفلسطينية ، نحن نعيش حياة مثل كل البشر، نضحك ونمزح ، الناس يطلقوا ، ويتزوجوا ، خارج الفيلم أصيب مراسل الإذاعة برصاصة حية ، لم أقدم هذا في الفيلم ، ليس هذا هدفي والمراسل الذي أصيب ليس مميزا عن غيره ممن أصيبوا ويصابون كل يوم ، حزنت على " إيمان حجو " ولكن هناك مئات غيرها ، هذه تقارير صحفية، ولم تعجبني طريقة تعامل مهرجان الإسماعيلية مع الفيلم الفلسطيني، نحن مشاريع حياة ولسنا مشاريع موت ، وليس كما تريدنا ااسرائيل ، وفيلمي موجه للإعلام الغربي ، هذا الفيلم سيشاهده العالم في استراليا ، وهولندا ، تعمدت صدق الرسائل ، مراسل صادف حادثا واحدا ، شخص واحد استشهد ، نقلت هذا لتوضيح مصداقية الرواية الفلسطينية ، الفيلم جسد أشياء لوضع ثقة ومصداقية بين المشاهدين والحدث .

" فلسطين بث مباشر " أحدث أفلام رشيد مشهراوي صور بالفيديو مستخدما أغلب الوقت كاميرا يدوية تتحرك مع الناس في موقع عملهم بالإذاعة ، أو في الشوارع حيث الحدث اليومي للحياة الفلسطينية عام 2001 . يبدأ الفيلم بأحداث ومذيع وسطها يبث عبر تليفونه المحمول : " استشهد مذيع في القناة الفرنسية .. " مجموعة من المراسلين الأجانب رجال وسيدات مع معداتهم بجوار المذيع ، ثم لوحة مكتوبة " هنا صوت فلسطين " بخط عربي جميل إخراج رشيد مشهراوي . داخل محطة الإذاعة بث إذاعي ، ثم اجتماع يدور فيه نقاش نسمع تفاصيله ، والكاميرا تتنقل بحرية ، ثم انتقال للشوارع ، وعربة الإذاعة تستعد للبث من موقع الاستعداد بالتظاهر ، ثم داخل الإذاعة والمذيع يقول : " ننقل إليكم من ميدان المنارة حيث يجتمع الناس لإحياء ذكرى النكبة ، ثم الموقع مرة أخرى ومظاهرة شعبية تهتف " بره بره يا احتلال " ثم انتقال لمكتب رئيس المحطة، محموعة العمل تتصفح الصحف اليومية ، مناقشة صاخبة ، ثم بث إذاعي بصوت مذيع قدير عن النكبة والبث الإذاعي الصوتي مستمر مع تغير الصورة في أكثر من مكان ، رئيس المحطة يوقف سيارته وتصعد سيدة تقدم نفسها " أنا بشتغل في وكالة القدس .. " تشرح طريقة عملها ، تعبر مظاهرة بجوار السيارة ونسمع صوت " لا تصور ، ولم لا ؟ صور " .

حتى الآن فيلم " فلسطين بث مباشر " يقدم ومن قلب الأحداث حالة مختلفة عن كل مانراه من لقطات لجنازات ورمي أحجار، يساورنا أثناء المشاهدة بعض الشك ، هل هو فيلم دعائي ؟ مشهد في منزل الزوجين السيدة التي التقيناها في السيارة ورئيس المحطة يتناقشان في العمل الزوج يقول " رويتر .. يتحدث عن عدم صحة الحيادية مطلقا ثم " كل قضيتنا إعلام ، هذه مساحة متروكة .. من يضغط يحصل على نتائج أكبر " .. ضعاف إحنا في الإعلام .. " وبالطبع يتحدث عن ضعف الإمكانيات. المشهد السابق به نقد ذاتي لوضع الإعلام الفلسطيني لا يخلو من قدر من الإحباط وسينعشنا المشهد التالي الذي يبدأ باغنية فيروز" لأجلك يا مدينة المدائن " وبث مع فتاة لطيفة تقدم برنامجها وهي في حالة من البهجة، وبرنامج " بطاقات محبة " الفتاة تعيش الحالة تبهجنا إشارات يدها الراقصة لتعلو الموسيقى وتنخفض مع إلقائها ، تبث أغنية فتصاحبها الفتاة بالغناء " إن شاء الله ترجع ليا " ثم تذيع وننتقل إلى قاهرة المعز مع يس مطر واتصال من فلسطين لمصر وأغنية أخرى " سلم لي عليه " الفتاة تغني ثانية لا يقلقها وجود الكاميرا و لا فريق تصوير المخرج رشيد مشهراوي  . قطع مفاجئ والفتاة تشرح برنامجها " بنطير مع الناس من مطار صوت فلسطين " الفتاة تتحدث بسعادة وإيمان بما تفعله . وانتقال مع مذيعة أخرى جادة تقدم خاتمة نشرات الأخبار " عاد الهدوء الحذر .. " يغلب الحجم المتوسط على صورة الفيلم ويبدو أن البث التلفزيوني هو هدف رشيد الذي يقترب من العاملين في الإعلام الإذاعي بدرجة كافية ونلمح حروف الهيئة بالإنجليزية P.B.Cصباح مبكر الصورة ندية مشربة بزرقة ، جرائد الصباح وغيرها من مظاهر حياة يوم جديد ، تلاميذ في الطريق إلى المدارس، رجل يرش مياه أمام دكانه ، وعربة الوكالة الفلسطينية تصل أمام مقر هيئة إذاعة وتلفزيون فلسطين ، نقاش في المكاتب الداخلية عن مقتل الطفلة " إيمان حجو " العمل يجري في استديوهات الإذاعة وموت الطفلة جزء من الأحداث وانتقال لمكتب به سيدات تبكين في هدوء ويدخل عليهن زميل ، حنشتغل ولا حنعيط " حوار طبيعي يحدث عادة فالرجال يتماسكون والنساء لا تحبسن  الدمع وخاصة إذا كان الموت لطفلة رضيعة ، ونسمع البث الإذاعي ويركز المخرج على فقرة اشتراك عرب 48 أعضاء الكنيست في الاحتجاج .

مراسل الإذاعة تستوقفه نقطة تفتيش ، الجنود الإسرائيليون يدركون وجود الكاميرا يتعاملون بتهذيب ، ونعود لمقر الإذاعة اتصالات عبر التليفون ومتابعة من خلال التلفزيون، وجود التلفزيون يفرض علي سؤالا لماذا اختار  مشهراوي  البث الإذاعي ؟ هل بدا له التحدي أكبر ؟ لا يمكن الاستغناء عن الصورة تماما حيث يتم الانتقال في بعض الأوقات لموقع الحدث. حركة حرة داخل الممرات، واجتماع آخر " لدينا أعدل قضية ولكن محامينا ضعيف ، وعندهم أبأس قضية ومحاميهم قوي " ومرة أخرى عن مساندة الإعلام الغربي والأمريكي لإسرائيل .

سيارة إسعاف ومشهد لحادث والمراسل يتابعه ، المصابة تدخل المستشفى ، يسرع المراسل ويصل إليها يسجل معها ، يدخل دكانا ويعد الرسالة بطرق بدائية عبر تليفون عتيق وجهاز تسجيل منزلي " أصيب الفتيان .. ببلدة الخضر .. ، ومن ناحية أخرى " المشهد يدل على فقر إمكانيات الإذاعة بعيدا عن المقر الرسمي وهنا المراسل يختم إرساله " صوت فلسطين بيت لحم " ومرة أخرى شارة هيئة الإذاعة P.B.C .

مشهد حياتي والمراسل يشتري خبز ، سلالم حجرية ومكان يوحي بأنها مدينة عريقة ، ثم داخل منزل رئيس المحطة يداعب ابنته وزوجته في حوار مع الكاميرا " حياتنا كلها متأثرة بالعمل الذي نعمله .." ثم الرجل يميل إلى اليأس " بخاف أحبط ..بعد ثلاثين سنة غير متأكد من الرسالة التي يوصلها .. " ينهي حديثه وتبقى كاميرا مشهراوي على وجهه مع لحظات صمته. مراسل بيت لحم يصل رام الله يحتفى زملاؤه به ويتبادلون حديثا إنسانيا عن تزايد وزنه ، صورة عرفات وعلم فلسطين في مكتب الرئيس ، اتفاق على عمل ومكالمة عبر المحمول ، لقطة دخيلة للرئيس ليتمكن المخرج من اختصار المشهد ، ثم بث إذاعي مع مراسل من مطار السلطة في نابلس ، قطع كهربائي وانقطاع الإرسال " نعتذر عن القطع ونواصل ..  ، 200 مستوطن اقتحموا .. " حادث كبير ودخان متصاعد عن بعد، العيش تحت الخطر واحتمال توقف الإرسال في أي وقت حوار دائر بهذا المعنى . ثم في الخارج عدد كبير من سيارات الإسعاف ، مكان به مراسل يكتب وعدد كبير يتابعون ما يكتبه ، مصاب يخفون وجهه بسرعة غالبا توفي ، المخرج يتحاشى مشاهد الدماء على عكس أفلام تبالغ في هذا ، المراسل ينقل من خلال المحمول " قصف بطائرات إف 16 . ثم موقع به منازل مهدمة ، وشخص يودع ابنه ، الحياة مستمرة رغم الموت وتحت أي ظروف ومراسل يبعث اسم المتوفي " اسماعيل أبو رفيع ، 21 عاما ، داخل الإذاعة فتاة تطمئن والدتها التي تلح على عودتها ، الفتاة تعطي التليفون لزميلها أو قد يكون خطيب الفتاة " أيوة يا خالتي .. ما تخافي ، كلنا واخدين بالنا عليها " ثم الفتاة تبث الأخبار " استشهد اليوم الشاب اسماعيل أبو رفيع 21 عاما .. " تنهي عملها وتواجه الكاميرا حابسة دموعها " احنا هون ، بدهم ينهونا ، احنا هون " الكاميرا باقية على وجهها الصامت في تصميم كبير . بث من رئيس الإذاعة " أسعد الله مساءكم أينما كنتم ، مستمعينا في فلسطين نتمنى لكم ليلة هادئة خاليا من القصف ، والذين يستمعون إلينا خارج فلسطين نتمنى لكم الاستمتاع في الخارج حيث النسيم العليل .. " موسيقى على مشهد ليلي خارجي وتظلم الشاشة وتكتب العناوين " فلسطين بث مباشر " .

في فيلم رشيد مشهراوي يبدو حماس الفتيات أكبر، قدر كبير من اليأس والإحباط ونقد ذاتي مرير على لسان مسئول المحطة ، شكوى من زوجته عن صعوبة الحياة ، وإصرار من فتيات على البقاء والمقاومة .

أداء العاملين أمام الكاميرا الذي بدا طبيعيا شرح سببه  رشيد مشهراوي  قائلا : الكاميرا أصبحت جزءا من حياتنا ، دائما هناك مصورين ومراسلين من كل العالم ، انعدمت الرهبة من الكاميرا وقال إننا ترددنا كثيرا قبل التصوير وتعايشنا معهم ، الكاميرا أصبحت مثل أجهزة الصوت بالنسبة لهم لا يزعجهم وجودها ، الفتاة التي حادثت أمها نسيتنا تماما واندمجت في مشاعرها ومع عملها ، كان هدفي الدخول في كواليس الإذاعة وبالطبع فكرت في تناول البث التلفزيوني ولكن تناول البث الإذاعي مثل تحديا أكبر أمامي كمخرج يريد نقل الرواية الفلسطينية ورسالة الإعلام الصوتي بصدق ودون مبالغات .

صفاء الليثي

   حاشية: عرض الفيلم بمهرجان الإسماعيلية وأعدنا عرضه بندوة الثلاثاء في نشاط جمعية التسجيليين المصريين التي رأسها المخرج فؤاد التهامي .

تعريف من ويكيبيديا رشيد مشهراوي مخرج أفلام فلسطيني

ولد رشيد مشهراوي عام 1962 لعائلة لاجئة أصلها من يافا ونشأ في مخيم الشاطئ في قطاع غزة. إثر مرض والده اضطر في جيل 14 عاما للعمل للمساعدة في إعالة عائلته. لم يدرس السينما بل وصل إليها من خلال اهتمامه وتجاربه بالفن التشكيلي، أخرج فيلمه القصير الأول جواز السفر عام 1986 حول زوجين علقا في المعبر الحدودي بين إسرائيل والأردن وذلك لأن الزوج أضاع جواز سفره. وعام 1992 أخرج فيلما كوميديا قصيرا بعنوان الساحرعام 1993 هاجر إلى هولندا حيث أقام لمدة 3 سنوات وأسس مع هاني أبو أسعد شركة أفلام أيلول التي أنتجت أفلاما بالتعاون مع شركة أفلام أركوس الهولندية. عام 1996 انتقل إلى رام الله حيث أسس مركز الإنتاج والتوزيع السينمائي في محاولة لتطوير طواقم إنتاج محلية.

يعتبرالمخرج رشيد مشهراوي أول سينمائي فلسطيني عمل على إنجاز سينما داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أنجز العديد من الأفلام التي كان أولها (جواز سفر) 1986 أي قبل الانتفاضة الأولى، ثم (الملجأ) عام 1989، و(دار ودور) 1990، و(أيام طويلة في غزة) 1991.. وبعد أن أسس رشيد مشهراوي شركة (أيلول للإنتاج التلفزيوني والسينمائي) عام 1992 قدم فيلمه الروائي الأول (حتى إشعار آخر) 1993، ثم فيلمه الروائي الطويل الثاني (حيفا) عام 1996..الذي كان أول فيلم فلسطيني يعرض بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي منذ أن تأسس المهرجان، وفي العام 1996 أسس رشيد مشهراوي (مركز الإنتاج السينمائي) في رام الله، وعمل من خلاله ورشات تدريب، وأسس مهرجان سينما الطفل، والسينما المتنقلة في فلسطين، وأنتج من خلاله مجموعة من الأفلام منها (رباب) 1997، و(توتر) 1998، و(خلف الأسوار) 1999، و(غباش) 2000، و(موسم حب) 2000، و(مقلوبة) 2000 و(من فلسطين بث مباشر) 2001، وفيلمه الروائي الطويل الثالث (تذكرة إلى القدس) 2002..ثم قام بإنجاز بعض الأعمال التجريبية مثل (قمر واحد) و(شهرزاد) و(حمص العيد) 2003، ثم فيلمه الروائي الطويل الرابع (انتظار) ، وفيلم وثائقي طويل (أخي عرفات) في العام 2005. 2008 أنجز فيلمه الروائي الطويل الخامس (عيد ميلاد ليلى) و في العام في العام 2009 قام بكتابة وإخراج اربع أفلام وثائقي بعنوان ( الأجنحة الصغيرة ) حول موضوع عمالة الأطفال في العالم العربي حيث تم تصوير الأفلام في مصر والمغرب وفلسطين والعراق، في العام 2011 قام بإعداد وإخراج فيلم وثائقي بعنوان (رجل وطن ومدينة) عن القائد الفلسطيني المقدسي فيصل الحسيني في العام 2012 أنهى فيلمه الوثائقي الجديد (أرض الحكاية) وفي العام 2013 أنجز فيلمه الروائي الطويل السادس الذي عرض في مهرجانات عالمية وعربية وبدأت عروضه في مدن مختلفة وفي بداية العام 2014 أنجز فيلم وثائقي بعنوان ( رسائل من اليرموك) عن حصار المخيم الفلسطيني المحاصر في دمشق جراء الأحداث الجارية في سوريا، حصل على العديد من الجوائز العالمية في المهرجانات الدولية، وشارك في عضوية ورآسة لجان تحكيم في مهرجانات عربية ودولية. غزة واشنطن هو مشروع سيناريو لفيلم روائي طويل متوقع تصويره في نهاية العام 2015 ، اعتبر الناقد سمير فريد فيلمه حتى إشعار آخر أول فيلم فلسطيني لأنه أنتج في الأراضي الفلسطينية المحتلة بواسطة طاقم فلسطيني.

 

No comments:

Post a Comment