قناة النيل للأخبار جهد شاب ينقصه الاكتمال
تطالعنا
مذيعة الربط بالقناة الثانية " حياة عبدون " بوجهها المبتسم دوما وتردد
بأنها تعدنا بأننا لن ندير مؤشر القنوات عن القناة الثانية التي تقدم مائدة حافلة
من البرامج والأفلام والمسلسلات التي سيلتف حولها كل أفراد الأسرة . ومع جزيل
الشكر والاعتذار لها ولأسرة القناة الثانية – الحافلة بالأفلام والمسلسلات
الأمريكية - فإننا لن ندير مؤشر القنوات عن قناة النيل للأخبار- إحدى قنوات النيل
المتخصصة - التي نجحت خلال أحداث الانتفاضة الثانية وخاصة مع بدء الاجتياح
الإسرائيلي لمدن السلطة الفلسطينية في بث التقارير الحية وتقديم برامج إخبارية
وعددا من الحلقات – يطلق عليها خطأ أفلاما تسجيلية – تتركز موضوعاتها على الصراع
العربي الإسرائيلي الذي كان أحد الأسباب الهامة في شحن الشعب المصري بكل فئاته
العمرية للوقوف مع الشعب الفلسطيني وانعكس ذلك في أشكال مختلفة من التضامن بداية
من المظاهرات الغاضبة ، انتهاء بمقاطعة البضائع الأمريكية والمطاعم المنتشرة خاصة
في العاصمة والمدن الكبرى .
تطالعنا
وجوه الفتيات الشابات بملامحهن المصرية بعيون سوداء وشعر غير مصبوغ تقدمن النشرات
والبرامج بكفاءة تامة مع زملائهن من الشباب ، تامر أمين، أحمد أنور، شريف عامر ،
محمد البلك وآخرين ، والفتيات منى الشايب ودعاء جاد الحق ودينا سالم وأخريات . جيل ولد بعد حرب أكتوبر
1973 ، ومع ذلك لديهم وعي بالأحداث التي مرت بها مصر والمنطقة العربية ، وعي يتبدى
في برامج صامدون ، والصورة في أسبوع ... وغيرها من البرامج التي جذبت المشاهدين
وجمعتهم حولها . ويبقى سؤال لمن توجه القنوات المتخصصة عبر القمر الصناعي المصري
" نايل سات " ؟ الأغلب أن هناك خطأ في لغة الخطاب الإعلامي للقناة حيث
تحفل اللغة بكلمات " السفاح " و" المجازر الوحشية " وهي لغة
لا يفهمها أغلب البشر وخاصة في دول العالم الأول – أوربا وأمريكا – الذي يهمنا أن
نتوجه إليه خاصة هذه الأيام، والأرجح أنها لغة خطاب للاستهلاك المحلي وتعمل على
تنفيس غضب المشاهدين وتتركهم وقد حققت نوعا من التطهر والراحة ، فهل هذا هو
المطلوب ؟ ومع نجاح الخطاب الإعلامي المصري في التقليل من درجة التعتيم التي سادت
فترات سابقة إلا أنه يظل في حاجة إلى تطوير وخاصة بالتخفيف من نغمة التفاخر التي
ترد على لسان مسئول الإعلام الأول السيد " صفوت الشريف " كما ترد في
الإعلان المصور على القناة الذي ينتهي بأن الخبر ينتقل هكذا ، ثم تظهر شارة قناة النيل للأخبار وكأنها إعلان تجاري عن سلعة أو فيلم في دور
العرض .
في
شهر مايو تم الإعلان عن إقامة " ليلة فلسطينية " أقامتها قناة النيل
للأخبار في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية وعرضت فيها أعمال تسجيلية أطلق
عليها خطأ " أفلام تسجيلية " وهي بالكاد حلقات إخبارية برامجية يفتقد
الواحد منها للوحدة الفنية التي تجعله فيلما تسجيليا دون أن يقلل هذا من قيمة ما
تحتوي عليه من معلومات وروح تضامن مع القضية الفلسطينية التي تمثل أحداثها مادة
خصبة لتغذية كل الأنشطة الإعلامية مما يجعل متابعتها يخدم القنوات أفضل مما تخدمها
القنوات .
بعض هذه الأعمال لا يرقى لمستوى الحدث وخاصة العمل " بنت صهيون " الذي قدم عن موسوعة د. عبد الوهاب المسيري " اليهود واليهودية والصهيونية " وفي الحلقة التاسعة من المسلسل الإخباري التي عرضت طالعتنا فتاة تعلق بصوت ينقصه الكفاءة المطلوبة وتكرر ظهورها في لحظات ربط لا تناسب كون ما أطلق عليه فيلما تسجيليا مسجلا وليس بثا مباشرا يحتاج فقرات ربط بل كان يجب أن يُبنى كفيلم من خلال ما احتوى عليه من حوار مع مؤلف الموسوعة " د.عبد الوهاب المسيري " ومن اشترك معه بها " أ.أحمد صدقي الدجاني " وباحث شاب آخر، واستخدام ما يقولونه على المشاهد الوثائقية دون حاجة لوقوف الفتاة بجوار بعض الآليات العسكرية التي سببت بلبلة للمشاهدين وتبين أنها آليات مصرية رغم أن الحديث يدور عن الآلة العسكرية اليهودية والفكرة الصهيونية، جلست الفتاة في وضع إعلاني فاردة ساقيها على مركبة حربية وخلفها يرفرف علم مصر، وفي النهاية يتبين من العناوين أن من قرأت التعليق هي المخرجة " لمياء جودة " التي على حد علمي ليس لها أعمال سابقة تؤهلها للتصدي لتقديم موسوعة هامة أمضى أستاذا جليلا عمره كله في تحقيقها ومعه باحثين أفاضل يكفي ظهورهم لجذب المشاهدين دون الحاجة للقطات ذات الطابع السياحي التي تناسب برامج منوعات وليس برامج جادة في قناة نحترمها ونلتف حولها .
وسط البث التلفزيوني لقناة الأخبار عن
الحادث الاستشهادي في حيفا ظهر شابين إسرائيليين يتابعان نقل المصابين وهما يتضاحكان وكأنهما يشاهدان فقرة في سيرك ،
مع المتابعة المتكررة لنشرات الأخبار أعيد المشهد وتأكدت من بُعده عن التخيل ، بل
هما بالفعل يضحكان بلا مبالاة مستندين على حاجز على الرصيف أحدهما قميصه أبيض شديد
البياض وهو ما يلاحظ في مشاهد أخرى يسود فيها ارتداء الإسرائيليين لملابس بيضاء
ناصعة بخلاف ملابس اليمينيين منهم حالكة السواد والجميع يتحركون على مهل بإحساس
تام بالسيطرة والأمان . على الأقل هذا ما تنقله الصور وما أكده فيلم من إنتاج قناة
النيل للأخبار باسم " القدس .. بعيدا عن نشرات الأخبار " يحكي فيه مذيع
قناة الأخبار " شريف عمار" عن جولة في القدس صحبته فيها مراسلة قناة
النيل للأخبار " شروق أسعد " في جولة شبه سياحية تنتهي بسيرهما وسط
مسيرة لشابات وشباب إسرائيليين يحملون علم إسرائيل ناصع البياض مع النجمة الزرقاء
والخطين الأزرقين ، نهري النيل والفرات.
يعبر بطلانا شريف وشروق الطريق وقد انتابهما صمت بليغ ، ويسود الكادر
الأعلام الإسرائيلية التي ترفرف بأمان تام وتتسيد الصورة والمشهد . ووسط عدم
استيعابي قرأت اسم المخرج " حسين الرزاز " وبمشاعر غاضبة استنكرت أن
نقدم فيلما ينتهي بمشهد لا يقل عن ثلاث دقائق ترفرف على سمائه أعلام إسرائيل
بدلالتها التوسعية ، وعلى قدر الغضب الذي يمكن أن يصيبنا من المشهد على قدر صدق
الرسالة التي وصلتنا من شباب قطاع النيل للأخبار عن الحالة التي وصلت إليها القدس
؛ بقايا من تراث عربي في مقابل واقع إسرائيلي وإحساس مفرط بالأمان والثقة .
وفي
احتفالية " ليلة فلسطينية " شاهدنا عملا آخر للمخرج الشاب " حسن
الرزاز " يظهر بوضوح أن المخرج لا يستوعب جيدا لغة الصورة ولا يعرف أين يضع
الكاميرا وكيف يتحرك بها لينقل المعاني التي يريدها، ففي فيلم صور في ديسمبر 1998
عن مدن السلطة الفلسطينية نجد التعليق يخبرنا عن نابلس بينما الصورة تقدم لقطة
متوسطة لمنازل المستوطنات ثم تتراجع الكاميرا لتظهر المستوطنة كمنتجع سياحي دون
التأكيد على كونها كانت مزارع زيتون أو منازل فلسطينيين بل يمضي التعليق في ذكر ما
تتميز به نابلس دون أن تنجح الصورة في نقل ما يخبرنا به التعليق .
قام
المخرج بعمل نسخة جديدة من فيلمه التسجيلي " النيل يعانق فلسطين " وهو
حلقة من برنامج النيل يعانق الأشقاء فأصبح " النيل يعانق فلسطين /نظرة أخرى
" يتوقع المشاهد أن يلجأ المخرج لعمل إزاحة لصورة مدن السلطة الفلسطينية التي
صورها في ديسمبر 1998 لتحتل صورة الاجتياح الإسرائيلي الذي بدأ مساء 28 مارس 2002
ولكنه اكتفى بوضع أحداث الاجتياح في إطار يحتل 25%من الصورة بجوار المشاهد القديمة
في إطار مماثل ، وكتابة على الشاشة " النيل يعانق فلسطين "، وعندما حدثت
الإزاحة سيطرت الصورة القديمة بدلا من
الأحداث الجديدة في تقابل بين الأمل واليأس
كما يقرأه المذيع " أحمد أنور " الذي احتلت صورته ثلاثة أرباع
الصورة بجوار مربع لا يكاد يُرى من مشاهد
البلدة . والعمل المذكور بأكثر الكلمات تهذيبا محاولة تمت في تعجل لا يرقى إلى
مستوى الحدث .
وتلخيصا
لمأزق الخطاب الإعلامي المصري الذي يأخذ موقف الدفاع بإصراره على الحديث عن
الريادة المصرية حتى في الوقوف مع الشعب الفلسطيني بالإضافة إلى الحديث عن جيل
أكتوبر وإنجازاته كرد فعل على الدور الذي لا يمكن إنكاره لجيل الستينيات في مختلف
المجالات الإعلامية والثقافية وهو الجيل الذي أرسى قواعد الفيلم التسجيلي المصري
وقام بدوره في توثيق أحداث الفترة الناصرية وما بعدها بمستوى فني متكامل خلافا
لمحاولات شباب قناة الأخبار الذين يخلطون بين أسلوب التقارير الإخبارية التي تحتاج
مذيع ربط كما تفعل مراسلة قناة الأخبار شروق أسعد في تقاريرها الهامة وبين حلقات
تسجيلية تحتاج صياغة فنية وبنية تعتمد على ما وصل إليه فن المونتاج الذي ينجح في
خلق صدام وجدال ومعرفة جديدة عن طريق الانتقالات بين الأفكار واللقاءات والمواد
المصورة للأحداث على غرار ما يقدم في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإنجليزي وأيضا
القناة الفرنسية الخامسة التي تقدم أعمالا تسجيلية متنوعة لمختلف القضايا السياسية .
أن
يقال عن نشاط ما أنه يقام تحت رعاية السيدة الفاضلة " سوزان مبارك " حرم
رئيس الجمهورية فهو قول في محله لأنها بالقطع لا تتقاضى راتبا على جهودها كما أنها
تقوم بها بشكل تطوعي كقدوة للجميع على بذل الجهد في مجالات رعاية الأطفال والمرأة
وعددا من مشروعات تنمية المجتمع التي تحتاج روح التطوع لتحقق أهدافها ، أما أن
يحتفل السيد وزير الإعلام ويمنح بركاته وتقديره للعاملين تحت رئاسته مع إطلاق
تعبير " تحت رعاية " فهو أمر لا يجب أن يحدث بل على العكس يجب أن توجه الدعوة لكبار المثقفين وأهل الفكر
والإعلام ويستمع لآرائهم المخلصة في ما تقدمه القناة لكي تبقى مصر في مواصلة رسالتها الإعلامية التي
تخدم قضايانا الوطنية بعيدا عن كلمات لا يصح ترديدها في عصر السماوات المفتوحة مثل
" الريادة والعظمة " وكل تلك النعرات العنصرية التي تدعي التفوق ولا
تترك المشاهدين يعبرون لها عن إحساسهم بذلك بل تصادر على آرائهم إلى حد يتهم فيه
من يقدم رأيا مخلصا بتهمة سخيفة تسمى " الإساءة إلى سمعة مصر " ، على
هذا ودون الخوف من أي تشكيك في الانتماء فقد انزعجت بشدة من القول بأن الاحتفال
يقام تحت رعاية السيد صفوت الشريف وأندهش لتعبير تحت رعاية الذي يطلق على عمل هو
من صميم عمل السيد المحترم ويدخل في مهامه
الوظيفية كوزير للإعلام في حكومة منتخبة من الشعب .
صفاء الليثي
نشر بجريدة العربي
الناصري 2002
No comments:
Post a Comment