Friday, 8 November 2019

"باكوراو" من أفلام " سينما بلاحدود" في بانوراما الفيلم الأوربي 12

"باكوراو" وكيف أعادها السكان إلى الخريطة
يظهر طبق طائر يصور سكان بلدة صغيرة، هل هو هجوم من سكان فضاء؟ دراجتين ناريتين، موتوسيكل رجل وامرأة بملابس غريبة، ببراءة يستقبلهما السكان كسائحين ثم يبدآن في قتل عشوائي غير مفهوم، اجتماع مع مجموعة غريبة بينها الممثل الألماني أودو كير صاحب النظرة الشريرة والعين الزجاجية، من هؤلاء؟ رجل سلطة يحضر لهم طعام وماء عند ظهوره يختفي الجميع ثم في لحظة واحدة يظهرون ويقبضون عليه، يركبونه حمارا بالمقلوب، أين شاهدت هذا المنظر من قبل؟ تجريسة بلدي تجري في ريفنا المصري. تبدأ خيوط الفيلم في التجمع داخل رأسي، ممثل لسلطة فاسدة يؤجر فرقة قتل دولية ليرهب سكان بلدة صغيرة جدا حتى أنها لا توجد على الخريطة لكي يقيم بها مشروعهم الكبير. هل يستسلمون ؟، رغم فارق السلاح ينجح السكان في النصر على فرقة القتل ويدفن حيا كبيرهم بالتعاون بين شباب مقاومة
 وكبارها وحتى الأطفال.
 عودة للمقاومة الشعبية وتوحيد الصفوف
في المستقبل القريب يدور الفيلم البرازيلي المعروض في قسم "سينما بلا حدود " بالبانوراما 12 ، يتبع الفيلم تيريزا (باربارا كولين) ، التي تعود إلى منزل باكوراو ، وهي قرية تقع في شبه جزيرة سيرتاو في البرازيل ، لحضور جنازة جدتها. عند وصولها ، تراقب تيريزا على الفور علامات على أن باكوراو في ضائقة شديدة. هناك نقص في وسائل الراحة الأساسية ، كما أن تغطية الهواتف المحمولة تتلاشى ، وإمداد المياه النظيفة مدمر والشاحنة التي تصل المياه الصالحة للشرب مليئة بثقوب الرصاص. سرعان ما أصبح واضحًا أن الحكومة الفاسدة قد تخلت عن القرية تمامًا: ليس فقط تم محو باكوراو حرفيًا من الخريطة ، ولكن مواطنوها يتعرضون للهجوم. عند الاقتراب من المسؤولية ، يجب على القرويين إعداد مقاومة منظمة لتجنب المزيد من الأضرار. وتظهر قيادة من الفتاة القادمة من العاصمة ومن مدرس القرية، وأشقياء يتزعمهم فدائي.
اختار المخرجان شكلا يجمع بين خيال افتراضي وواقع أليم لفضح المشاكل المعقدة في البلاد في موقع بشمال شرق البرازيل. تقع في منطقة سيرتاو - أو المناطق الداخلية التي تحتل الركن الشمالي الشرقي للبلاد - "باكوراو" تبني ببطء المواجهة بين سكان قرية نائية ومجموعة من الزوار الأميركيين الأثرياء ، بقيادة أودو كير ، الذين رتبوا لمطاردتهم للرياضة. هؤلاء الغرباء البيض يرون أنفسهم متفوقين ، ولكن بمساعدة عقاقير نفسية موجودة في الصحراء ، خاض الناس معركة أكثر مما توقع هؤلاء المرضى.
مشهد يعيدنا إلى الواقعية السحرية لسينما أمريكا اللاتينية يظهر كبير البلدة عاريا تماما يجري طقوسا مع عشبة يزرعها في صوبة بالصحراء، فجأة يحدث هجوم من فرقة البيض ولكنه يخرج سلاحا ويقتلهم، تخرج السيدة عارية مثله لا تصرخ كعادة النساء بل تقتل الغرباء في مشهد رهيب يكون مقدمة لانتصار السكان الأصليين على الغزاة الأمريكان رغم طائرة تجسسهم وسلاحهم المتطور.
في أحد المشاهد تتحمس قاتلة من المجموعة ومعها زميل ويقتلان بلا رحمة مسنة ومسن قررا الخروج من الحصار في البلدة، نشوة القتل تدفعها لكي تحتفل على طريقتها بممارسة جنسية بحماس بجوار القتلى.
فيلم لا يمكن تلخيصه لغنى مشاهده وتعدد أسلوبها بين فيلم حركة، وفيلم واقعي، وفيلم فانتازيا، عمل المخرجان معا لكي يتم دمج الأساليب الفنية المتعارضة في نسيج قوي لفيلم ثوري من أفلام المقاومة ، مقاومة الشعوب لجشع الرأسمالية وخيانة السلطة المحلية، والميل للقتل لدى بعض الغربيين.
يذكر بفيلم  "باكوراو" أن ما  يحدث  يتم في بعد بضع سنوات من الآن،  لكننا بالكاد نشعر بالمستقبلية ، نظرًا لحقيقة أن بعض المجتمعات في سيرتاو لا تزال تفتقر إلى المياه أو الكهرباء الجارية ، وأن هذه المدينة بالذات قد انعكس تقدمها المحدود من قبل رئيس بلدية فاسد ، الذي دمر إمدادات المياه النظيفة. وحين يكتشف مدرس القرية أن باكوراو قد تم محوها من جميع الخرائط. يتم التحرك مع جماهير البلدة وينتصرون .
الفيلم يحقق رؤية بصرية سمح بها الموقع المختار الذي يظهر وكأنه ما بعد حرب ما حيث لا ماء لا مؤونة وحوادث قتل، وبرج مراقبة من فرقة مقاومة تتخذ شكل البطل الشعبي . ليس قالب الديستوبيا تماما ، كخراب مستقبلي افتراضي للعالم، ولكن عمل من أعمال مواجهة انعدام العدالة في النظم المعاصرة. 
الفيلم فاز بجائزة لحنة التحكيم قي أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان كان الأخير. وجوائز أخرى للمخرجين، جوليانو دورنيلز وكليبر ميندونسا فيلهو في مهرجان ليما أمريكا اللاتينية السينمائي 2019 ومهرجانات عديدة أخرى.
المخرج كليبر ميندونسا فيلهو ولد عام 1968 في ريسيفي ، بيرنامبوكو ، البرازيل. وهو مخرج وكاتب ، معروف باكوراو (2019) ، الدلو (2016) والأصوات المجاورة (2012). شريكه في الإخراج جوليانو دورنيلزهو مصمم ومنتج للإنتاج ، ومعروف باسم باكوراو (2019) ، ومان سانا في كوربوريو سانو (2011) ولوخا دي ريبتيز (2014).كتبا الفيلم معا وأسندوا البطولة إلى سونيا براغا ، أودو كير ، باربارا كولين ، توماس أكينو.
أجدني أسمي الفيلم بالبرازيلي نظرا لجنسية مخرجه ميندوسا رغم مشاركة فرنسا بالإنتاج حيث يدور الفيلم في بلدة برازيلية ويعبر عن مواطنيه البرازيليون، الإنتاج الفرنسي يساند أعمالا من بلاد مختلفة انحيازا للفن وللقضايا الإنسانية التي تعبر عنها الأفلام.
تمنح الإنتاجات المشتركة فرصا أكبر لكي يكون  الإنتاج  غنيا ، تضمن مشاركته أقوى المهرجانات كما تضمن توزيعه جماهيريا على نطاق واسع. شاهدت الفيلم في عروض مهرجان الجونة الثالث، ويشاهده جمهور القاهرة في بانوراما الفيلم الأوربي الذي تنظمه أفلام مصر العالمية ، يوسف شاهين وشركاه، ينتظره كل عشاق السينما ليتابعوا أهم وأجمل الأفلام التي عرضت.
صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 5أكتوبر 2019 رئيس التحرير عماد الغزالي 

No comments:

Post a Comment