Tuesday, 26 November 2019

فورمان مقابل فورمان وملص وفتح أبواب السينما


روائع تسجيلية بالقاهرة 41 في قالب السيرة ذاتية

عملان تسجيليان ممتعان يعرضان بقسم عروض خاصة 
 من بين خمسة أفلام تسجيلية تعرض في قسم عروض خاصة اخترت الحديث عن عملين يجمعهما أسلوب واحد يتناول سيرة ذاتية لمخرجين كبيرين يقومان بشرح أعمالهم دون اللجوء لمعلق من الخارج ودون الاستعانة بمن يقدم شهادات عنهم.



يضم قسم البانوراما الدولية فيلم "فورمان مقابل فورمان" عن المخرج الشهير ميلوش فورمان فيه يحكي الرجل عن طفولته في التشيك، أمه وأبيه ناشطان ضد النازية، مدرسته لأطفال يتامى الحرب. يحكي وهو في الأماكن التي يحكي عنها وتتقاطع مشاهد وثائقية، سنعرف أنه مخرج سينمائي من مجموعة الموجة الجديدة في التشيك. منها " غراميات شقراء" الذي وضع اسمه على خريطة أهم مخرجي العالم ، يحدثنا فورمان عن لعبة استغماية مع الرقابة والتصريح بالعرض. أنه ميلوش فورمان الشهير. كما بالفيلم قصة سحب فيلمه "رجال الإطفاء" من مسابقة كان تضامنا مع ثورة الطلاب 68. واحد من أهم أفلام الكوميديا السياسية على مستوى العالم، يروي قصة  اجتياح براغ وتهريب أسرته الى باريس حيث لا عمل هناك فيأتيه عرض لعمل فيلم في أمريكا عن الهيبز ووجد أحوالهم مملة فقدم فيلما على طريقته وفشل، استعان بقصة أمريكية وجد فيها عمله التالي" طار فوق عش الوقواق" واعتبرها حياة حقيقية وليست رواية.  فيلم مميز عن الحرية الحرية . وحصوله على الأوسكار عنه. يمارس رياضة ال جري ثم يخبرنا أنه فقط يريد كتاب أو سيناريو، لكي يقوم بالعمل الذي يحبه، صنع فيلم. ويكمل أفلامه التالية مع أجزاء منها، ومن الميكنج وهو في التصوير بحماس . العمل تسجيلي في فورم تقليدي، ولكن مشاهدتها مع تعليقه الشخصي عليها أمتعني كثيرا.
به من روحه وكأنه من أخرجه. وتأتي الأهمية فيما يحكيه وفي وجود وثائق بوفرة. 

وفي استعادتنا لما نعرف جانبا كبيرا منه وخاصة فيلمه الذي عرض جماهيريا بالقاهرة ونجح مع الجمهور العريض وفيلميه " غراميات شقراء" و" رجال الإطفاء وكنا ندرسهما بمعهد السينما ، يتخذه أستاذي القدير محمود مرسي خلفية ليشرح لنا السياسة وراء قصص الحياة في الفيلم .
على نفس المنوال وفي قالب السيرة الذاتية أيضا يأتينا من سوريا " فتح أبواب السينما" الذي يقدم سيرة ذاتية للمخرج محمد ملص رائد من رواد السينما العربية كما يصفه بإيجاز المخرج الشاب نزار عنداري في عمل فيه احترام كبير للمخرج، ترك له التعليق والشرح مع الالتزام بالتتابع الزمني للأعمال التي قدمها بداية من مشروع التخرج من معهد موسكو وحتى "سلم إلى دمشق" الذي قدمه عام 2013 عن شجاعة شباب دمشق. بيوفيلموجرافيا مصورة للمخرج السوري الكبير بفريق من الشباب أبدع في تصويره يان سيفرين، وفي مونتاجه شوناز دليمي، شارك المخرج في الإنتاج هناء مكي ونجا الأشقر. في 62 ق غنية بتقديمه الهام  للعام من خلال الخاص يقوم فيه ملص بدور البطل والراوي والناقد لمشواره وما قدمه من أعمال روائية وتسجيلية ذاكرا باعتزاز اختيار النقاد لفيلمه " أحلام المدينة" ضمن أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما العربية وذلك في استفتاء جرى عام 1987. يظهر المخرج في مشهد البيانو، يضبط فيه مفاتيح البيانو، يقول لملص إنه محتاج دوزنة فيرد ملص البلد كلها تحتاج دوزنة.
في تفصيل أكثر سأترككم مع ملص يستعرض محطات حياته الغنية كما فعل المخرج نزار عنداري .

  " فتح أبواب السينما"  تسجيلي عن محمد ملص
" الله ما أحلى الشام.. الشام يا أمي"
لافتة من رواد السينما العربية ، صوت غناء  قديم من أسطوانة، صوت عبد الناصر يخطب، لقد ظلت هذه الأمة، أمة عربية واحدة، صور مقربة من بوستر فيلم الوردة البيضاء ويأتينا صوت ملص معلقا تلك الأيام في دمشق ارتبطت بصوت الراديو ، أرجع إلى الوراء خمسين عاما وأتذكر خطابات ومسلسل، أول عرض سينمائي أحضره في القنيطرة في سينما الدنيا، أبي نجار سقفها وكيف لا أدخلها، ينادى على ، تعالى، أدخل من باب وأحضر فيلم الوردة البيضاء. ثم في موسكو اغتنيت بصريا من الواقع، المعلم مخرج شاب ينتمي  إلى سينما المؤلف علمني كيف أشوف نفسي ، إعادة اكتشاف الذات أكثر من تعليمي تققنيات السينما. الكاميرا لها مشاعر تحب أو لا تحب ، سينما المؤلف تعني أن تحقق فيلما من الأشياء التي يختزنها البصر والتي تريد أن تعبر عنها من جديد. يتحدث للكاميرا من منزله العربي بأحجاره ونوافذه الملونة، بيت يليق بفنان من نوع خاص. يقطع المخرج على لوحة عن فيلم التخرج " كل شيء على ما يرام سيدي الضابط" 1970 ، يحكي ملص عن زمالته في السكن بالكاتب المصري صنع الله ابراهيم وكان كتب " تلك الرائحة" عكست في فيلم الدبلوم تجربة صنع الله في السجن، أسندت له الدور الأساسي، قاريء الصحف التي تصل السجن متأخرة بضعة أيام، تقرأ أخبار النصر بينما الواقع يحكي عن الهزيمة، خطاب التنحي كاملا ثم يغلق ملص جهاز الكومبيوتر وهو جالس في حديقة جميلة بمنزله، المخرج يجعلنا نعيش اللقاء بشكل حي.
لوحة للفيلم الثاني القنيطرة 74 (1974) رحلة إلى مسقط الرأس وقد دمرته الحرب، يتساءل ، هل هناك تشابه بين المصير الشخصي ومصير مسقط الرأس؟ تركت القنيطرة وعشت في دمشقعدت فقط أحقق فيلم قنيطرة 1974 . ليس لنتفرج على دمارها ، لاستعادة الذاكرة والتعايش فيها من جديد، مشهد من الفيلم الأم تنظف زجاج نافذة زجاجها مكسور( سيكرر اللقطة في فيلم أحلام مدينة بشكل مختلف) .
لوحة مكتوبة، الذاكرة 1075 محاولة غير تسجيلية للدخول في ذاكرة وداد نصيف ، القنيطرة 1975) السيدة التي بقيت بالبلدة مع 12 شخص فقط مع كل احتلال لها ، نشاهد مقطعا تتسلم فيه خطابا من قريب مسافر.
ثم فيلم مفقودة صور 1977، نسخته وحتى النيجاتيف بعنوان الفرات مزج بين الغناء الشعبي ومشاكل الفلاحين ، منع ثم ضاع .. يعلق أنه شيء مؤلم جدا. ستمضي سنوات حتى عام 1984 ليحقق " أحلام المدينة" يعرض نزار فيما يشبه النافذة صورة الفيلم ثم حركة عرضية إلى ملص يصعد سلم البيت واهنا، يجلس في الحجرة التي صور الفيلم بها والمعبرة عن بيت الأسرة ، البيت فارغ، يستند الى سلم حائط يجلس ويحكي: أنه حاول من خلال الفيلم الجمع بين الذاكرة الخاصة والعامة ، يقول ولهانا " الله ما أحلى الشام" كلمة الصبي عند وصوله إلى دمشق. ويزعق " الشام يا أمي" المدينة وحين انكسر الحلم بها.
في الخمسينيات انتخابات ديمقراطية في سوريا، جوهر الفكرة هذا الزمن المفقود، بعد عناء وفي غفوة عن العصر رأي الصبي بطل الفيلم، وجدناه في مدرسة قريبة رحب أهله بأدائه الدور كانوا يعرفونني.
صنف " أحلام المدينة" ضمن أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما العربية وذلك في استفتاء للنقاد جرى عام 1987. ( رحلة تجاوز المحكي عن المسكوت عنه) .
الليل 1992 ،  يحكي في عام 1936 عندما غادر الكثيرون من رجال العرب منازلهم متجهين إلى فلسطين، توقف الكثير منهم في القنيطرة ، يهدي ملص الفيلم إلى الذين جاهدوا وماتوا . أحلام المدينة زمن مفقود، الليل مكان مفقود. بين الذاكرة المعاشى ويمثلها الصبي والذاكرة المحكية وتمثلها الأم. المجاهدين كأنهم يخرجون من الصورة. " تعالوا ناخد صورة" هذه الفوتوغرافية هي ما بقي من المكان.
المنام 1987 وثائقي عن أحلام وكوابيس اللجئين الفلسطينيين في بيروت ، بالنسبة لي الفيلم الأجمل من بين أفلام ملص، قامت صديقتي وزميلة دفعة مونتاج معهد السينما 1975 أنطوانيت عازرية، يحكي ملص أنه وجه سءالا لسكان المخيمات ، ماذا يرون صورة فلسطين في المنام، سجلت مع كثيرين واخترت المنامات التي تعكس صورة الإنسان في وجدانهم. تجربتي بعد حادث أصابني كيف انفصلت رؤية كل عين عن الأخرى، اليمين غير الشمال، لم تعد الصورة تتطابق كما يحدث في المخ. بدت الصورة أقل سحرا ، خرجت من الموت وعلاقتي بالسينما تحمل شيئا من البرود. ساعدت يوسف شاهين في اختيار أماكن تصوير توقع أن يجدها بدمشق، ثم عرض على التمثيل، قبلت على مضض، بعد التجربة سألني " ليس بالفصحى ولكن ما معناه" هل عادت السينما إلى دقئها؟أ ذكر هذا عرفنان بقامة كبيرة ساعدتني.
" حلب مقامات المسرة" لوحة عن صبري مدلل ( 1918-2006) من أعلام الغناء العربي في القرن العشرين، نشاهد جزءا من الفيلم وصوت ملص: كان عمره 85 سنة وقت التصوير ، سمعني الأذان الذي أشتهي أن يذاع على كل مساجد المدينة، استخدم خمسة مقامات في أدائها، أداعبه خمسة بعين الشيطان. امتد صوته على مئذنة الجامع الكبير التي دمرها الإرهابيون اليوم، ومن قلعة حلب إلى بانوراما المدينة وصوت مدلل يشكو إلى الله، أشكو إليك أمورا أنت تعلمها، ... ملص يغني في مطبخ بيته وهو يعد الشاي للمخرج، نوار الذي يضع لنا لوحة " باب المقام 2005 ، صور بمدينة حلب عاصمة الموسيقى العربية ، ويحكي ملص عن خبر في جريدة لسيدة تحب الغناء فشكوا في أخلاقها فقتلوها ، روائي عن قصة حقيقية وهو شكل لم يتطرق إليه سابقا.
قبل الدخول ليحكي عن فيلمه الأخير يذكر حكمة – وهو مولع بذكر ما يشبه القول المأثور – يقول، السينما يجب أن تحمل الأسئلة وليس الإجابات. سلم إلى دمشق 2013 ، عن شجاعة شباب دمشق. بيوفيلموجرافيا مصورة للمخرج السوري الكبير بفريق من الشباب أبدع في تصويره يان سيفرين ، ومونتاجه شوناز دليمي شارك المخرج في الإنتاج هناء مكي ونجا الأشقر. في 62 ق غنية بتقديم الهام من خلال الخاص يقوم فيه ملص بدور البطل والراوي والناقد لمشواره وما قدمه من أعمال روائية وتسجيلية، يظهر المخرج في مشهد البيانو، يضبط فيه مفاتيح البيانو، يقول لملص إنه محتاج دوزنة فيرد ملص البلد كلها تحتاج دوزنة.
صفاء الليثي
نشر بمجلة الفيلم العدد 19 نوفمبر 2019 رئيس التحرير سامح سامي رئيس التحرير التنفيذي حسن شعراوي





No comments:

Post a Comment