A Certain Kind of Silence
عبادة غريبة في نوع معين من الصمت
كما عنوان الفيلم
يلف المشاهد نوع من الصمت في شريط صوت يتحدث فيه الناس همسا ، ومع صورة تغلب عليها
الرماديات في المنزل العصري بديكوراته الحديثة. هناك اقتصاد شديد في الحكي يدفع
إلى التركيز مع توقع حدوث أمر ما، فعندما تصل فتاة قادمة من التشيك إلى هذا البيت في
بلد غربي لأثرياء، لا نعرف تماما طبيعة عملهم. يستقبلها الرجل وزوجته التي تشرح
لها مهام عملها المنزلي ، مع منزل نظيف بداية ومرتب لا يبدو عملها شاقا، لها حجرة
خاصة ويمكنها أن تمارس اهتماماتها بعدما تفرغ من أعمال النضافة، ولكن هناك الصبي ،
الابن الذي لا يتحدث ، صامت تماما ، يجيب فقط عندما يطلب منه الحديث.
هي تراقبه في
البداية، هل يعاني من عرض ما، ستجد أنها مكلفة بتأديبه لأي خطأ يفعله، تأديبه نعم،
نام وبلل فراشه، تنادي المربية الأم ، تعطيها عصا وتطلب منها ضربه حتى لا يكرر
خطأه، الفتاة ترفض بشدة ثم تجد نفسها مهددة بالطرد فتفعل ما يأمرونها به، يتطور
الأمر لتجد الصبي يحضر العصا بنفسه وفي صمت ينحني لتؤدبه. لا تجد ميا وهذا ليس
اسمها الحقيقي بدا من طاعة الأوامر، تتحول إلى ما يشبه إنسان آلي وسط هذه الأسرة
الغريبة التي تبدو لها كالقادمين من الفضاء . يترك المخرج المشاهد يحلل كما حدث معي معتقدة أنه ينتقد شكل حياة عصرية جافة يهم الناس
فيها النجاح بصرف النظر عن المشاعر. الإصرار على مناداة المربية باسم مثل كود ما،
ومعاملة الطفل سباستيان بجفاء مع منحه ما يحتاجه، كأنه سيارة ، قطعة جماد أو إنسان
آلي ، هناك قهر والغاء لرغباتها وخاصة ما يطلب منها بتأديب سباستيان بالضرب بالعصا
ترفض في البداية ولكنها تجد نفسها غير قادرة على الرفض ولا على العودة لبلدها.
تظهر المدينة مميكنة والمشاعر آلية. سباستاين يطعنها بسكين حين تمادت في اذلاله
بضربه وتركه ثم العودة لضربه، يتم إبعاده وإحضار صبي آخر باسم جديد، هناك نوع من
التحقيق الرسمي دون أن نتأكد من الجهة . في النهاية كتابة على الشاشة عن عبادة
بدأت في ألمانيا، يربون أطفال ليصبحوا أنقياء حتى يعود المسيج. و تأتي الكتابة
لتفسر المصدر الذي أخذ عنها المخرج فكرته من خبر عن هذه العبادة الغريبة.
الفيلم منفتح على كافة التفسيرات وينبه الى خطورة
المجتمع (المثالي) المريض. بدون المعلومة
أو قبلها تلقيت الفيلم كنقد لمجتمع يهدف الى المثالية ، وهي فكرة نمطية نعممها على
أوربا المتقدمة وخاصة في ألمانيا، الديكور والصورة وشريط الصوت والتمثيل كلها في
خدمة الفكرة جيدا. الفكرة الأعم التي التقطتها والتخصيص الذي حدده المخرج عن هؤلاء
المتطرفون وعبادتهم الغريبة. حينما يتمرد سباستيان، يذهبون به بعيدا ويحضرون صبيا
غيره، الصدمة تحدث للفتاة فتقوم بالإبلاغ عندما لا تتحمل ما يفعلونه وخاصة حين
تدعوها السيدة لتعرض على صديقاتها المهارة التي دربوها عليها وتقوم بضرب ابنة
لصديقة السيدة وكأنها تحولت إلى عشماوي أو جلاد فاقد المشاعر يقوم بمهمة التهذيب
والإصلاح. رغم الاحتياج المادي واحتمال الطرد والعودة إلى بلدها، تقوم الفتاة –
التي عرفناها باسم ميا- بمحاولة إنقاذ الطفل دفاعا عنه وعن ذاتها المهانة. نجح المخرج في جعلي أتعاطف مع الفتاة والصبي،
وفي التحضير لمشهد القبض على الرجل وزوجته لمنع هذه الجرائم التي تمارس كمعتقد
ديني لتنشئة ملائكة سيسمح وجودهم بعودة السيد المسيح كما يعتقدون. إن فكرة
العمل لدى أسرة في مجتمع مختلف تماما فكرة مرعبة في حد ذاتها ، يحولها المخرج التشيكي ميشال هوجينور
في عمله الثاني إلى كابوس غريب ومقلق. تستند إلى أحداث حقيقية
تدور حول طائفة ألمانية حاولت تربية الآلاف من الأطفال "المثاليين" باستخدام
العقاب البدني.
الإيجاز وتوافق الصورة بألوانها المحايدة مع برودة
الحياة التي وضع الأبطال فيها مع التركيز الشديد وعدم الخروج عن المكان وساكنيه، الاقتصاد
في استخدام حركة الكاميرا إلى أقصى درجة، حالة سكون تضعنا في ترقب وقلق. نجاح كبير
للمخرج التشيكي ميشال
هوجنور في عمله الأول المعتمد على قصة حقيقية من
الواقع ينبه فيه إلى خطورة بعض الممارسات غير الشائعة والتي لا نتصور وجودها في
عامنا المعاصر.
عرض الفيلم بقسم
شرق غرب بمهرجان كارلو فيفاري، ويأتي عرضه الدولي الأول خارج بلده بمهرجان القاهرة
ليؤكد مكانته وتبنيه للأعمال الأولى التي تعكس موهبة مخرجيها وتعرفنا على اهتمامات
العالم التي اتسعت ما بين نقد الماضي ونقد الحاضر، يلتزم فيها صناعها بالتعبير عن
قضايا مهمة في أطر فنية وأسلوبية من خلال سينما جديدة تتكامل عناصرها لتجمع بين
عمق الأفكار والتميز الفني.
في حوارللمخرج بمهرجان كارلو
فيفاري صرح "من الضروري أن تجد لغة الفيلم الخاصة بك والحساسية الشعرية الخاصة
بك" نعم وقد وجدها في عمله الطويل الثاني لافتا الانتباه إليه كمخرج صاحب
أسلوب ومستمرا في التميز بعد عمله الثاني الذي قدمه
عام 2012 بعنوان " المتخرج" متوسط الطول في 58 ق وعرض بقسم نصف شهر
المخرجين بمهرجان كان.
صور الفيلم في لاتفيا بفريق عمل هولندي ، نوع معين من الصمت هو إنتاج دولي مشترك
بين جمهورية التشيك (بيتر أوكروبيك وبافل سترناد ، لصالح الشركة التشيكية نيجاتيف)
، وهولندا (ستينيت بوسكلوبير وليزيت كيلدر لفيلم سيرس السينمائي) ولاتفيا (أييا بيرزينا
، من فيلم تاسي) ). تلقى المشروع أيضًا دعمًا من الصندوق التشيكي للأفلام ، وصندوق
الأفلام الهولندي ، والمركز الوطني للأفلام في لاتفيا ، وصندوق ريغا السينمائي. وقبلها
حصل على منحة تطوير من الأورو ايمدج.
عن طريق أسلوب الإنتاج هذا بتجميع المطلوب من أكثر من جهة دولية سمح بظهور
مبدعين جدد نجحوا في التواجد وفرض أعمالهم وسط الكيانات الكبرى الاحتكارية وهو ما
نحتاجه بمصر ليتمكن شباب وشابات مبدعينا من تحقيق أفكارهم وإنجاز أعمال كسينما
بديلة عن سينما تنتجها شركات كبرى وتهدف إلى تحقيق ربح سريع دون أن يشغلها قضايا
التعبير عن الواقع المعاصر وعن هموم الفئات المختلفة من شعبنا المصري والعربي.
صفاء الليثي
نشر بالعدد السادس
من نشرة مهرجان القاهرة 41
رئيس التحرير خاد محمود،
مدير التحرير سيد محمود سلام، المدير الفني محمد عطية
حاز الفيلم على جائزة الهرم البرونزي مناصفة مع الفيلم الصيني " الحائط الرابع". في CIFF 41 >
No comments:
Post a Comment