دراما الواقع تتجاوز سينما الخيال
لم تعد السينما
التسجيلية هي تلك الأفلام المملة التي نحول القناة عنها إلى فيلم خيالي ممتع، بل
أصبحنا نشاهد أفلاما وثائقية تكون بها الدراما أقوى من كل الأعمال المتخيلة، تم
دمج الأفلام التسجيلية في أغلب مهرجانات العالم لتنافسها في مسابقة واحدة يجمعها
طول زمن عرض الفيلم. في البانوراما الأوربية 11 التي تنتهي في السابغ عشر من الشهر
الجاري يشاهد الجمهور في مصر عددا من هذه الأفلام التي لا تقل في تأثيرها العاطفي
على المشاهد عن أقوى الأفلام الخيالية . في فيلم " الكلاب تنبح من بعيد"
معايشة يومية مع الطفل أولج وجدته ألكسندرا وحيدان في قرية حدودية، حيث قنابل
الحرب وأصوات الرصاص آتية من بعيد. على مدى زمن الفيلم يغلب على الصورة إحساس
رمادي، فلا شمس قوية ولا إضاءة ساطعة. بدون ميلودراما ولا صريخ تظهر قسوة الحرب
على شخوص العمل، الحرب التي يسمع أصواتها عن بعد ويشببها المخرج بنباح الكلاب. عمل
آخر يحفل بمتعة متابعة شخصية استثنائية عن مصمم الأزياء الإنجليزي ألكسندر "
ماكوين" بالرجوع إلى شرائط مسجلة من بداياته في التسعينات ولقاءات مع من
عملوا معه كمساعدين في عمله، ولقاءات مع كبار مصممي أزياء يحكون جوانب عنه. رحلة
الفنان من الفقر وتلقي إعانة بطالة من الحكومة إلى الشهرة والغنى بعد أن لاحقة بيت
الأزياء الفرنسي الشهير جوفنشي، هو يحول تصميماته إلى نماذج يمكن تطبيقها وهم
يحدثون انقلابا وتغييرا مطلوبا في تصميماتهم. الفارق بين هذا البوهيمي بمظهر بائس
بالجينز وقميص متسع وبين الأرستقراطية في بيت الأزياء الراقي،"ألكسندر
ماكوين" أو لي كما يناديه أصدقاؤه، يسخر ونحن معه من هذه المفارقات، الفيلم
مقسم إلى عناوين باسم كل شريط تسجيل قديم، مبني بإيقاع يجعلنا مشدودين حتى
النهاية، ينقلنا من حالة الدهشة إلى الانبهار إلى الحزن على مصيره بعد انتحاره عقب
وفاة أمه التي ساعدته على أن يكون نفسه، عقب وفاتها بيوم واحد يخرج من بيته في كيس
للموتى بعد أن ملأ الدنيا صخبا وبزغت موهبته منذ كان مراهقا في 17 من عمره ووصل حد
الشهرة وهو تحت الثلاثين، بحجمه الضخم وفقره ثم التحول إلى شخص يخسر وزنه ليكون
شكله لائقا لمليونير شاب مبدع يدهش العالم بأفكاره وإبداعاته. تحفر بانوراما
الفيلم الأوربي أنفاقا في تلقينا ونصبح على استعداد للتفاعل مع أعمال وثائقية بنفس
حماسنا للأعمال المؤلفة ، ونكتشف أن بعض الأعمال يتفوق في تأثيره النفسي على أقوى
الأعمال المتخيلة.
أيضا فيلم "
شكرا على الأمطار" نموذج من الأفلام التي تقدم مثالا على تحدي ظروف المناخ في
منطقة صعبة بكينيا، نشاط حقوقي قام به البطل بالعمل مع عائلته وأهل قريته ، ويوصل
مطالبهم عبر ما صوره على مدى أربع سنوات إلى المجتمعين بالأمم المتحدة في إطار
محادثات المناخ. مشاهد كثيرة تحقق تأثير الدراما حين نشاهده يختار حلة رسمية ليظهر
بها في الاجتماع ومعه زوجته المحبة والمساندة. نتوحد مع الشخصية التي لا تقل
سيرتها عن أي بطل درامي ، ونتمنى له النجاح في مهمته في عرض أفكاره على كبار
المجتمعين في كل بلاد العالم. المادة المصورة الغنية والصياغة الفنية جذبت
المشاهدين إلى عمل وثائقي تم ترشيجه لعدة جوائز في مهرجانات متخصصة للسينما
التسجيلية ومنها مهرجان الإسماعيلية.
صفاء الليثي
نشر بجريدة
القاهرة الثلاثاء 13 من نوفمبر 2018 رئيس التحرير عماد الغزالي.
No comments:
Post a Comment