Tuesday, 29 October 2019

بين بحرين نموذج جيد للسينما المباشرة



"بين بحرين" .. بين العلم والجهل

ينتمي " بين بحرين" للسينما المباشرة التي تتوجه للجماهير العريضة بهدف التوعية، نوع السينما المباشرة معروف على مستوى العالم وتحتاجه الأمم التي تنتشر فيها الأمية على درجة واسعة. في مصر يستقبل الجمهور العريض هذه الأفلام باهتمام ويشعرون أنه قريب منهم ويعبر عن واقعهم المعيش، بينما يختلف حوله نقاد السينما المحترفون كل حسب ما يره مناسبا في وقته. وجدت فيلم " بين بحرين" عملا مصريا خالصا نجح فيه مخرجه في التخفيف من ثقل الحوار المباشر والقضية الساخنة المطروحة، بداية بتوفيقه في مواقع التصوير المعبرة عن بيئة الطبقة الوسطى النازحة من الريف إلى القاهرة وطنطا وغيرها من المدن الكبرى، وثانيا بنجاحه في اختيار ممثلين كل الأدوار بداية من فاطمة عادل "زهرة" مرورا بالطفلة شهد وثناء جبيل، ويارا جبران والسيدتين عارفة عبد الرسول ولبنى ونس، والممثلين محمود فارس  ومحمد يوسف ومحمد الحمامصى ، حين ينجح المخرج في عمل الكاستنج لفيلمه بتسكين الممثل المناسب فى الدور الذي يلائمه تكون مهمته أسهل ويصدق المشاهدون ما يعرض عليهم ويتواصلون معه. ، وتأثره بقضية الفيلم الرئيسية عن الصراع بين العلم والجهل جتى لو تبث ثوبا من حماية ما تم الاستقرار عليه. السيناريو الذي كتبته أماني التونسي وشاركها كريم من خلال ورشة كتابه أشرفت عليها مريم نعوم تناول قضايا العنف ضد المرأة، وتطرق إلى ضرورة عمل المرأة لتستقل اقتصاديا ولا تركن إلى الاعتماد على زوج غير مسئول أو أخ مشغول بتطلعاته ناسيا أمه وأخته.  من مشاهد الفيلم الجيدة والتي تشهد على قدرة المخرج في التعبير السينمائي الوحدة المشهدية التي تبدأ بتظاهر الجدة بالتعب وإبعادها الأم فاطمة عادل لتحضر لها دواء من البر الثاني، ويحضر حلاق الصحة وتجرى عملية جراحية بوجود الأب في لقطات معبرة عن مأساة احتمال موت طفلة في عملية يقوم بها شخص غير مؤهل لذلك. مشهد موجع ومؤثر أوصل الرسالة عن الاحتمال الكبير لموت البنات الصغيرات في عملية من موروثات الجهل والفهم الخاطيء عن حماية النساء والحفاظ على عفتهن. المشهد الآخر حين صور الأم وابنتها الباقية بإضاءة سيلويت مع موسيقى حزينة في مشهد جمالي مؤثر. لم يتطرق الفيلم إلى مناقشة حقائق علمية بل ركز على المشاعر بتلميح دون تصريح عن الاحتقان لدى  نساء مقموعات تشعرن بالرغبة ولا تتمكن من الراحة منها. عبر فريق العمل بشكل مباشر عن مفاهيم خاطئة يمارسها المجتمع برجاله ونسائه وتكون ضحيته النساء وبدرجة تالية الرجل الذي يتزوج في كثير من الأحيان ليجد من تتجاوب معه ولا تكره العلاقة الزوجية. الأذى النفسي لما يجري مع البنات والذي يمارس فقط في مجتمعات متخلفة مرتبط أيضا بالفقر الذي نجح الفيلم في عرضه من خلال أسرة الأخ الغائب والأم التي تبيع التموين لتتمكن من العيش هي وابنتها وأحفادها.
نجح الفيلم أيضا في عرض نموذج إيجابي لوالد طبيبة الوحدة الصحية المستنير والمستعد للعطاء، ونموذج ضابط البوليس المجد في عمله ولكنه أيضا يفكر كأغلب الرجال الشرقيين في تفضيل بقاء المرأة في بيتها وعدم تعرضها لمشاكل عملها وسط الجهلة. لاشك أن الكتابة اعتمدت على حكايات من الواقع ومنها تعرض الطبيبة للضرب لرفضها عمل ختان لطفلة يصر والدها وأمها على إجرائها اعتقادا منهم أن هذا يحميها من ارتكاب فعل معيب يرفضه المجتمع. عرض الفيلم لجهود الجمعية لدفع النساء للعمل وتعليم من فاتهن التعليم المتعاون فيه خريج الأزهر مع الناشطة المجتمعية مستمد أيضا من جهود المجتمع المدني في مصر الفيلم بلغة أهل المهنة تم تقفيله جيدا، صورة جيدة وشريط صوت ومكساج لفنان الصوت أحمد جابر ومونتاج محكم مع بناء جيد في السيناريو بخبرة مريم نعوم.
فيلم " بين بحرين" لمخرجه الشاب أنس طلبة الذي نجح في عمله الأول في تقديم فيلم واقعي هادف لتوعية الناس وأتصور أن عرض الفيلم على نطاق كبير في كل أنحاء الجمهورية سيحقق الهدف منه في مناقشة تقاليد خاطئة وفي توعية النساء والرجال بدورهم في تنمية مجتمعهم.
الفيلم حاصل على أفضل فيلم مصري بمهرجان أسوان الدولي الثالث لأفلام المرأة الذي عقد بداية هذا العام حسب ما أعلنته الكاتبة الصحفية كريمة كمال ، كما أعلنت عن جائزة للمخرج أنس طلبة مقدمة من نقابة المهن السينمائية وكان الإعلان أمرا مفرحا لفرق عمل الفيلم وكلهم من الشاب فتيات وفتيان أخلصوا في عملهم ونجحوا في توصيل رسالتهم. قدمت الفنانة ليلى علوي الجائزة للمخرج الشاب . شعر كثيرون بالسعادة بأن يتم تقدير هذا النوع من السينما الذى نحتاجه لمناقشة عادات وتقاليد تجر المجتمع الى الخلف.
صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 29 أكتوبر 2019 رئيس التحرير عماد الغزالي




No comments:

Post a Comment