ملانيخوليا الكوكب الأحمر والكهف السري
" الأرض
شريرة ، ليس علينا أن نحزن عليها، لن يفتقدها أحد " هذا ما تصرح به جستين
لأختها كلير المنزعجة من احتمال فناء كوكب الأرض بكوكب أحمر يقترب وشيكا من الأرض.
يتماهى لارس فن
ترايلر في هذا الفيلم مع بطلته ويضع على لسانها ما يريد قوله في فيلمه "
سوداوي ميلانخوليا" الذي قدم فيه رؤية مختلفة تماما عن نوعيات أفلام نهاية
العالم المليئة بالتفاصيل والشروح العلمية، عبر بصيرة المرأة الذكية جستين وحسابات
علمية لرجل لديه قدرة على القياس وطفل موهوب ومكتشف بالفطرة، وحصان اسمه ابراهام.
ما من حياة سوى
على الأرض ولن تدوم طويلا، هكذا تقرر جستين ، ويقول جون أنه عند التعامل مع العلم
والحسابات يجب توقع نسبة من الخطأ. قاصدا مسار النجم الذي يقترب من الأرض وتراه
جستين بعينها المجردة، والطفل يحسب اقترابه باختراعه السلكي وجون الأب يحسب
بالتلسكوب بينا كلير الأم في حالة إنكار شديد وقلق على مستقبل طفلها ليو. والآخرون
لاهون في مشاغلهم وحساب مكاسبهم وخسائرهم غير مهتمين بمصير كوكبهم ويبدو أنه لن
يفتقده أحد كما صرحت جستين.
مشهد ما قبل
العناوين يبدو رمزيا يجمع جستين وأختها كلير وابنها الطفل الذكي الذي اخترع سلكا
بسيطا يقيس به مدى اقتراب الكوكب الأحمر من الأرض.
يقسم فون ترايلر فيلمه
إلى قسمين الأول معنون باسم جستين ويكون حدثه عن زفافها الذي رتبته أخنها كلير
بشكل برجوازي كبير، وهناك الأم الغاضبة والكارهة لفكرة الزواج فتحرض جستين على
الهرب، ووالدها المنفصل عن أمها والذي يتصرف بحماقة ، وسيمضي الحفل إلى كارثة بتصرف
جستين مع موظف طلب منه صاجب الشركة ملاحقتها ليحصل على شعار للشركة قبل انشغالها بشهر العسل، يمنجها ترقية
لاحتياجه إلى ابتكارها ولكن جستين تتمرد على كل ما يطلب منها، أن تتصرف بكياسة في
الحفل، أن تقدم لصاحب الشركة الشعار الذي يريده، وأن تمنح نفسها للعريس الغافل مايكل،
تتركه وتهرب الى الحديقة وتغتصب الموظف الذي يعتقد أنه بذلك سيبقى في وظيفته ولكنه
يرفد لعدم حصوله على التصميم. يجمع العريس حقيبته ويترك قصر الزفاف، تصر كلير على استضافة
أختها في بيتها الريفي خشية أن تنتحر وفي البيت الفخيم يدرك الزوج اقتراب الكوكب ،
يخزن طعاما كثيرا، يتأكد من حساباته عن
نهاية العالم فينتحر بأقراص كانت كلير قد أعدتها لليوم المشهود. وفي تصرف برجوازي
تغطي جثته في الاسطبل بالقش وتسرع إلى القرية مذعورة وهي تحمل ابنها في محاولة للنجاة ولكن الأعاصير تزداد والأجواء
ضبابية فتعود فاقدة الحيلة لتجد جستين ثابته بعد أن تدفأت بأشعة كوكب ميلانيخوليا وينتهي
الثلاثة جستين وأختها كلير وابنها ليو في الكهف السحري . صور المخرج المؤلف جستين كتعبير
عن فص المخ الأيسر للإنسان المسئول عن عواطفه وخياله وشطحاته، وكلير كفص المخ
الأيمن المسئول عن الحسابات الدقيقة وكل ما يخضع للمنطق، ومعهما المخيخ المتمثل في
ليو الصغير. في أكثر من موضع بالفيلم يسأل خالته متى ستلعب معه لعبة الكهف
السحري؟ وفي نهاية الفيلم فقط سنغهم
المقصود بالكهف السحري حين ستجمع معه بعض الحطب وتقيم خيمة من الأغصان تطلب منه
الجلوس وتنادي أمه يجلسون معا والطفل مغمض العينين محاولا إبعاد الخوف ، يحدث
الصدام وينصهر كوكب الأرض كلية بمن عليه. نهاية تبدو نوعا من التشفي من شخص غاضب
ومكتئب.
الفيلم وترجمة
عنوانه بالعربية " سوداوي" يمثل الجزء الثاني من ثلاثية الاكتئاب
الصادمة للمشاهدين وقد تغير الإعجاب بصاحبها من الاحتفاء بأسلوبه " دوجما 95
" وتوجهه اليساري إلى معاملته كمريض نفسي ليس فقط لمحتوى أفلامه ولكن
لتصريحاته النارية والصادمة التي أخرجته من جنة كان.
"
ميلانيخوليا Melancholia 2011 " فيلم مختلف تماما أفلام الخيال
العلمي وأفلام نهاية العالم المستقبلية الأمريكية، يمثل إنجازا فريدا لسينمائي من
الدنمرك يعبر بشكل فلسفي نفسي، وإنساني وجمالي عن احتمالية انتهاء العالم الشرير
الذي نحياه. قاصدا بالأرض البشر وعقولهم المتباينة وليس الكوكب بحجارته وعناصره
الطبيعية.
صفاء الليثي
نشر بمجلة
روزاليوسف باب للفن فقط اشراف شيماء سليم
العدد 4801
No comments:
Post a Comment