Wednesday, 27 November 2019

عن فيلم نوع معين من الهدوء بالمسابقة الرسمية CIFF 41


A Certain Kind of Silence
عبادة غريبة  في نوع معين من الصمت
كما عنوان الفيلم يلف المشاهد نوع من الصمت في شريط صوت يتحدث فيه الناس همسا ، ومع صورة تغلب عليها الرماديات في المنزل العصري بديكوراته الحديثة. هناك اقتصاد شديد في الحكي يدفع إلى التركيز مع توقع حدوث أمر ما، فعندما تصل فتاة قادمة من التشيك إلى هذا البيت في بلد غربي لأثرياء، لا نعرف تماما طبيعة عملهم. يستقبلها الرجل وزوجته التي تشرح لها مهام عملها المنزلي ، مع منزل نظيف بداية ومرتب لا يبدو عملها شاقا، لها حجرة خاصة ويمكنها أن تمارس اهتماماتها بعدما تفرغ من أعمال النضافة، ولكن هناك الصبي ، الابن الذي لا يتحدث ، صامت تماما ، يجيب فقط عندما يطلب منه الحديث. 

هي تراقبه في البداية، هل يعاني من عرض ما، ستجد أنها مكلفة بتأديبه لأي خطأ يفعله، تأديبه نعم، نام وبلل فراشه، تنادي المربية الأم ، تعطيها عصا وتطلب منها ضربه حتى لا يكرر خطأه، الفتاة ترفض بشدة ثم تجد نفسها مهددة بالطرد فتفعل ما يأمرونها به، يتطور الأمر لتجد الصبي يحضر العصا بنفسه وفي صمت ينحني لتؤدبه. لا تجد ميا وهذا ليس اسمها الحقيقي بدا من طاعة الأوامر، تتحول إلى ما يشبه إنسان آلي وسط هذه الأسرة الغريبة التي تبدو لها كالقادمين من الفضاء . يترك المخرج المشاهد يحلل كما حدث معي معتقدة أنه ينتقد شكل حياة عصرية جافة يهم الناس فيها النجاح بصرف النظر عن المشاعر. الإصرار على مناداة المربية باسم مثل كود ما، ومعاملة الطفل سباستيان بجفاء مع منحه ما يحتاجه، كأنه سيارة ، قطعة جماد أو إنسان آلي ، هناك قهر والغاء لرغباتها وخاصة ما يطلب منها بتأديب سباستيان بالضرب بالعصا ترفض في البداية ولكنها تجد نفسها غير قادرة على الرفض ولا على العودة لبلدها. 

تظهر المدينة مميكنة والمشاعر آلية. سباستاين يطعنها بسكين حين تمادت في اذلاله بضربه وتركه ثم العودة لضربه، يتم إبعاده وإحضار صبي آخر باسم جديد، هناك نوع من التحقيق الرسمي دون أن نتأكد من الجهة . في النهاية كتابة على الشاشة عن عبادة بدأت في ألمانيا، يربون أطفال ليصبحوا أنقياء حتى يعود المسيج. و تأتي الكتابة لتفسر المصدر الذي أخذ عنها المخرج فكرته من خبر عن هذه العبادة الغريبة.
الفيلم منفتح على كافة التفسيرات وينبه الى خطورة المجتمع (المثالي) المريض.  بدون المعلومة أو قبلها تلقيت الفيلم كنقد لمجتمع يهدف الى المثالية ، وهي فكرة نمطية نعممها على أوربا المتقدمة وخاصة في ألمانيا، الديكور والصورة وشريط الصوت والتمثيل كلها في خدمة الفكرة جيدا. الفكرة الأعم التي التقطتها والتخصيص الذي حدده المخرج عن هؤلاء المتطرفون وعبادتهم الغريبة. حينما يتمرد سباستيان، يذهبون به بعيدا ويحضرون صبيا غيره، الصدمة تحدث للفتاة فتقوم بالإبلاغ عندما لا تتحمل ما يفعلونه وخاصة حين تدعوها السيدة لتعرض على صديقاتها المهارة التي دربوها عليها وتقوم بضرب ابنة لصديقة السيدة وكأنها تحولت إلى عشماوي أو جلاد فاقد المشاعر يقوم بمهمة التهذيب والإصلاح. رغم الاحتياج المادي واحتمال الطرد والعودة إلى بلدها، تقوم الفتاة – التي عرفناها باسم ميا- بمحاولة إنقاذ الطفل دفاعا عنه وعن ذاتها المهانة.  نجح المخرج في جعلي أتعاطف مع الفتاة والصبي، وفي التحضير لمشهد القبض على الرجل وزوجته لمنع هذه الجرائم التي تمارس كمعتقد ديني لتنشئة ملائكة سيسمح وجودهم بعودة السيد المسيح  كما يعتقدون. إن فكرة العمل لدى أسرة في مجتمع مختلف تماما فكرة مرعبة في حد ذاتها ، يحولها المخرج التشيكي ميشال هوجينور في عمله الثاني إلى كابوس غريب ومقلق. تستند إلى أحداث حقيقية تدور حول طائفة ألمانية حاولت تربية الآلاف من الأطفال "المثاليين" باستخدام العقاب البدني.
الإيجاز وتوافق الصورة بألوانها المحايدة مع برودة الحياة التي وضع الأبطال فيها مع التركيز الشديد وعدم الخروج عن المكان وساكنيه، الاقتصاد في استخدام حركة الكاميرا إلى أقصى درجة، حالة سكون تضعنا في ترقب وقلق. نجاح كبير للمخرج التشيكي ميشال هوجنور في عمله الأول المعتمد على قصة حقيقية من الواقع ينبه فيه إلى خطورة بعض الممارسات غير الشائعة والتي لا نتصور وجودها في عامنا المعاصر.
عرض الفيلم بقسم شرق غرب بمهرجان كارلو فيفاري، ويأتي عرضه الدولي الأول خارج بلده بمهرجان القاهرة ليؤكد مكانته وتبنيه للأعمال الأولى التي تعكس موهبة مخرجيها وتعرفنا على اهتمامات العالم التي اتسعت ما بين نقد الماضي ونقد الحاضر، يلتزم فيها صناعها بالتعبير عن قضايا مهمة في أطر فنية وأسلوبية من خلال سينما جديدة تتكامل عناصرها لتجمع بين عمق الأفكار والتميز الفني.

في حوارللمخرج بمهرجان كارلو فيفاري صرح "من الضروري أن تجد لغة الفيلم الخاصة بك والحساسية الشعرية الخاصة بك" نعم وقد وجدها في عمله الطويل الثاني لافتا الانتباه إليه كمخرج صاحب أسلوب ومستمرا في التميز بعد عمله الثاني الذي قدمه عام 2012 بعنوان " المتخرج" متوسط الطول في 58 ق وعرض بقسم نصف شهر المخرجين بمهرجان كان. 
صور الفيلم في لاتفيا بفريق عمل هولندي ، نوع معين من الصمت هو إنتاج دولي مشترك بين جمهورية التشيك (بيتر أوكروبيك وبافل سترناد ، لصالح الشركة التشيكية نيجاتيف) ، وهولندا (ستينيت بوسكلوبير وليزيت كيلدر لفيلم سيرس السينمائي) ولاتفيا (أييا بيرزينا ، من فيلم تاسي) ). تلقى المشروع أيضًا دعمًا من الصندوق التشيكي للأفلام ، وصندوق الأفلام الهولندي ، والمركز الوطني للأفلام في لاتفيا ، وصندوق ريغا السينمائي. وقبلها حصل على منحة تطوير من الأورو ايمدج.

عن طريق أسلوب الإنتاج هذا بتجميع المطلوب من أكثر من جهة دولية سمح بظهور مبدعين جدد نجحوا في التواجد وفرض أعمالهم وسط الكيانات الكبرى الاحتكارية وهو ما نحتاجه بمصر ليتمكن شباب وشابات مبدعينا من تحقيق أفكارهم وإنجاز أعمال كسينما بديلة عن سينما تنتجها شركات كبرى وتهدف إلى تحقيق ربح سريع دون أن يشغلها قضايا التعبير عن الواقع المعاصر وعن هموم الفئات المختلفة من شعبنا المصري والعربي.
صفاء الليثي
نشر بالعدد السادس من نشرة مهرجان القاهرة 41
رئيس التحرير خاد محمود، مدير التحرير سيد محمود سلام، المدير الفني محمد عطية
حاز الفيلم على جائزة الهرم البرونزي مناصفة مع الفيلم الصيني " الحائط الرابع". في CIFF 41 > 

Tuesday, 26 November 2019

فورمان مقابل فورمان وملص وفتح أبواب السينما


روائع تسجيلية بالقاهرة 41 في قالب السيرة ذاتية

عملان تسجيليان ممتعان يعرضان بقسم عروض خاصة 
 من بين خمسة أفلام تسجيلية تعرض في قسم عروض خاصة اخترت الحديث عن عملين يجمعهما أسلوب واحد يتناول سيرة ذاتية لمخرجين كبيرين يقومان بشرح أعمالهم دون اللجوء لمعلق من الخارج ودون الاستعانة بمن يقدم شهادات عنهم.



يضم قسم البانوراما الدولية فيلم "فورمان مقابل فورمان" عن المخرج الشهير ميلوش فورمان فيه يحكي الرجل عن طفولته في التشيك، أمه وأبيه ناشطان ضد النازية، مدرسته لأطفال يتامى الحرب. يحكي وهو في الأماكن التي يحكي عنها وتتقاطع مشاهد وثائقية، سنعرف أنه مخرج سينمائي من مجموعة الموجة الجديدة في التشيك. منها " غراميات شقراء" الذي وضع اسمه على خريطة أهم مخرجي العالم ، يحدثنا فورمان عن لعبة استغماية مع الرقابة والتصريح بالعرض. أنه ميلوش فورمان الشهير. كما بالفيلم قصة سحب فيلمه "رجال الإطفاء" من مسابقة كان تضامنا مع ثورة الطلاب 68. واحد من أهم أفلام الكوميديا السياسية على مستوى العالم، يروي قصة  اجتياح براغ وتهريب أسرته الى باريس حيث لا عمل هناك فيأتيه عرض لعمل فيلم في أمريكا عن الهيبز ووجد أحوالهم مملة فقدم فيلما على طريقته وفشل، استعان بقصة أمريكية وجد فيها عمله التالي" طار فوق عش الوقواق" واعتبرها حياة حقيقية وليست رواية.  فيلم مميز عن الحرية الحرية . وحصوله على الأوسكار عنه. يمارس رياضة ال جري ثم يخبرنا أنه فقط يريد كتاب أو سيناريو، لكي يقوم بالعمل الذي يحبه، صنع فيلم. ويكمل أفلامه التالية مع أجزاء منها، ومن الميكنج وهو في التصوير بحماس . العمل تسجيلي في فورم تقليدي، ولكن مشاهدتها مع تعليقه الشخصي عليها أمتعني كثيرا.
به من روحه وكأنه من أخرجه. وتأتي الأهمية فيما يحكيه وفي وجود وثائق بوفرة. 

وفي استعادتنا لما نعرف جانبا كبيرا منه وخاصة فيلمه الذي عرض جماهيريا بالقاهرة ونجح مع الجمهور العريض وفيلميه " غراميات شقراء" و" رجال الإطفاء وكنا ندرسهما بمعهد السينما ، يتخذه أستاذي القدير محمود مرسي خلفية ليشرح لنا السياسة وراء قصص الحياة في الفيلم .
على نفس المنوال وفي قالب السيرة الذاتية أيضا يأتينا من سوريا " فتح أبواب السينما" الذي يقدم سيرة ذاتية للمخرج محمد ملص رائد من رواد السينما العربية كما يصفه بإيجاز المخرج الشاب نزار عنداري في عمل فيه احترام كبير للمخرج، ترك له التعليق والشرح مع الالتزام بالتتابع الزمني للأعمال التي قدمها بداية من مشروع التخرج من معهد موسكو وحتى "سلم إلى دمشق" الذي قدمه عام 2013 عن شجاعة شباب دمشق. بيوفيلموجرافيا مصورة للمخرج السوري الكبير بفريق من الشباب أبدع في تصويره يان سيفرين، وفي مونتاجه شوناز دليمي، شارك المخرج في الإنتاج هناء مكي ونجا الأشقر. في 62 ق غنية بتقديمه الهام  للعام من خلال الخاص يقوم فيه ملص بدور البطل والراوي والناقد لمشواره وما قدمه من أعمال روائية وتسجيلية ذاكرا باعتزاز اختيار النقاد لفيلمه " أحلام المدينة" ضمن أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما العربية وذلك في استفتاء جرى عام 1987. يظهر المخرج في مشهد البيانو، يضبط فيه مفاتيح البيانو، يقول لملص إنه محتاج دوزنة فيرد ملص البلد كلها تحتاج دوزنة.
في تفصيل أكثر سأترككم مع ملص يستعرض محطات حياته الغنية كما فعل المخرج نزار عنداري .

  " فتح أبواب السينما"  تسجيلي عن محمد ملص
" الله ما أحلى الشام.. الشام يا أمي"
لافتة من رواد السينما العربية ، صوت غناء  قديم من أسطوانة، صوت عبد الناصر يخطب، لقد ظلت هذه الأمة، أمة عربية واحدة، صور مقربة من بوستر فيلم الوردة البيضاء ويأتينا صوت ملص معلقا تلك الأيام في دمشق ارتبطت بصوت الراديو ، أرجع إلى الوراء خمسين عاما وأتذكر خطابات ومسلسل، أول عرض سينمائي أحضره في القنيطرة في سينما الدنيا، أبي نجار سقفها وكيف لا أدخلها، ينادى على ، تعالى، أدخل من باب وأحضر فيلم الوردة البيضاء. ثم في موسكو اغتنيت بصريا من الواقع، المعلم مخرج شاب ينتمي  إلى سينما المؤلف علمني كيف أشوف نفسي ، إعادة اكتشاف الذات أكثر من تعليمي تققنيات السينما. الكاميرا لها مشاعر تحب أو لا تحب ، سينما المؤلف تعني أن تحقق فيلما من الأشياء التي يختزنها البصر والتي تريد أن تعبر عنها من جديد. يتحدث للكاميرا من منزله العربي بأحجاره ونوافذه الملونة، بيت يليق بفنان من نوع خاص. يقطع المخرج على لوحة عن فيلم التخرج " كل شيء على ما يرام سيدي الضابط" 1970 ، يحكي ملص عن زمالته في السكن بالكاتب المصري صنع الله ابراهيم وكان كتب " تلك الرائحة" عكست في فيلم الدبلوم تجربة صنع الله في السجن، أسندت له الدور الأساسي، قاريء الصحف التي تصل السجن متأخرة بضعة أيام، تقرأ أخبار النصر بينما الواقع يحكي عن الهزيمة، خطاب التنحي كاملا ثم يغلق ملص جهاز الكومبيوتر وهو جالس في حديقة جميلة بمنزله، المخرج يجعلنا نعيش اللقاء بشكل حي.
لوحة للفيلم الثاني القنيطرة 74 (1974) رحلة إلى مسقط الرأس وقد دمرته الحرب، يتساءل ، هل هناك تشابه بين المصير الشخصي ومصير مسقط الرأس؟ تركت القنيطرة وعشت في دمشقعدت فقط أحقق فيلم قنيطرة 1974 . ليس لنتفرج على دمارها ، لاستعادة الذاكرة والتعايش فيها من جديد، مشهد من الفيلم الأم تنظف زجاج نافذة زجاجها مكسور( سيكرر اللقطة في فيلم أحلام مدينة بشكل مختلف) .
لوحة مكتوبة، الذاكرة 1075 محاولة غير تسجيلية للدخول في ذاكرة وداد نصيف ، القنيطرة 1975) السيدة التي بقيت بالبلدة مع 12 شخص فقط مع كل احتلال لها ، نشاهد مقطعا تتسلم فيه خطابا من قريب مسافر.
ثم فيلم مفقودة صور 1977، نسخته وحتى النيجاتيف بعنوان الفرات مزج بين الغناء الشعبي ومشاكل الفلاحين ، منع ثم ضاع .. يعلق أنه شيء مؤلم جدا. ستمضي سنوات حتى عام 1984 ليحقق " أحلام المدينة" يعرض نزار فيما يشبه النافذة صورة الفيلم ثم حركة عرضية إلى ملص يصعد سلم البيت واهنا، يجلس في الحجرة التي صور الفيلم بها والمعبرة عن بيت الأسرة ، البيت فارغ، يستند الى سلم حائط يجلس ويحكي: أنه حاول من خلال الفيلم الجمع بين الذاكرة الخاصة والعامة ، يقول ولهانا " الله ما أحلى الشام" كلمة الصبي عند وصوله إلى دمشق. ويزعق " الشام يا أمي" المدينة وحين انكسر الحلم بها.
في الخمسينيات انتخابات ديمقراطية في سوريا، جوهر الفكرة هذا الزمن المفقود، بعد عناء وفي غفوة عن العصر رأي الصبي بطل الفيلم، وجدناه في مدرسة قريبة رحب أهله بأدائه الدور كانوا يعرفونني.
صنف " أحلام المدينة" ضمن أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما العربية وذلك في استفتاء للنقاد جرى عام 1987. ( رحلة تجاوز المحكي عن المسكوت عنه) .
الليل 1992 ،  يحكي في عام 1936 عندما غادر الكثيرون من رجال العرب منازلهم متجهين إلى فلسطين، توقف الكثير منهم في القنيطرة ، يهدي ملص الفيلم إلى الذين جاهدوا وماتوا . أحلام المدينة زمن مفقود، الليل مكان مفقود. بين الذاكرة المعاشى ويمثلها الصبي والذاكرة المحكية وتمثلها الأم. المجاهدين كأنهم يخرجون من الصورة. " تعالوا ناخد صورة" هذه الفوتوغرافية هي ما بقي من المكان.
المنام 1987 وثائقي عن أحلام وكوابيس اللجئين الفلسطينيين في بيروت ، بالنسبة لي الفيلم الأجمل من بين أفلام ملص، قامت صديقتي وزميلة دفعة مونتاج معهد السينما 1975 أنطوانيت عازرية، يحكي ملص أنه وجه سءالا لسكان المخيمات ، ماذا يرون صورة فلسطين في المنام، سجلت مع كثيرين واخترت المنامات التي تعكس صورة الإنسان في وجدانهم. تجربتي بعد حادث أصابني كيف انفصلت رؤية كل عين عن الأخرى، اليمين غير الشمال، لم تعد الصورة تتطابق كما يحدث في المخ. بدت الصورة أقل سحرا ، خرجت من الموت وعلاقتي بالسينما تحمل شيئا من البرود. ساعدت يوسف شاهين في اختيار أماكن تصوير توقع أن يجدها بدمشق، ثم عرض على التمثيل، قبلت على مضض، بعد التجربة سألني " ليس بالفصحى ولكن ما معناه" هل عادت السينما إلى دقئها؟أ ذكر هذا عرفنان بقامة كبيرة ساعدتني.
" حلب مقامات المسرة" لوحة عن صبري مدلل ( 1918-2006) من أعلام الغناء العربي في القرن العشرين، نشاهد جزءا من الفيلم وصوت ملص: كان عمره 85 سنة وقت التصوير ، سمعني الأذان الذي أشتهي أن يذاع على كل مساجد المدينة، استخدم خمسة مقامات في أدائها، أداعبه خمسة بعين الشيطان. امتد صوته على مئذنة الجامع الكبير التي دمرها الإرهابيون اليوم، ومن قلعة حلب إلى بانوراما المدينة وصوت مدلل يشكو إلى الله، أشكو إليك أمورا أنت تعلمها، ... ملص يغني في مطبخ بيته وهو يعد الشاي للمخرج، نوار الذي يضع لنا لوحة " باب المقام 2005 ، صور بمدينة حلب عاصمة الموسيقى العربية ، ويحكي ملص عن خبر في جريدة لسيدة تحب الغناء فشكوا في أخلاقها فقتلوها ، روائي عن قصة حقيقية وهو شكل لم يتطرق إليه سابقا.
قبل الدخول ليحكي عن فيلمه الأخير يذكر حكمة – وهو مولع بذكر ما يشبه القول المأثور – يقول، السينما يجب أن تحمل الأسئلة وليس الإجابات. سلم إلى دمشق 2013 ، عن شجاعة شباب دمشق. بيوفيلموجرافيا مصورة للمخرج السوري الكبير بفريق من الشباب أبدع في تصويره يان سيفرين ، ومونتاجه شوناز دليمي شارك المخرج في الإنتاج هناء مكي ونجا الأشقر. في 62 ق غنية بتقديم الهام من خلال الخاص يقوم فيه ملص بدور البطل والراوي والناقد لمشواره وما قدمه من أعمال روائية وتسجيلية، يظهر المخرج في مشهد البيانو، يضبط فيه مفاتيح البيانو، يقول لملص إنه محتاج دوزنة فيرد ملص البلد كلها تحتاج دوزنة.
صفاء الليثي
نشر بمجلة الفيلم العدد 19 نوفمبر 2019 رئيس التحرير سامح سامي رئيس التحرير التنفيذي حسن شعراوي





Wednesday, 20 November 2019

أفغانستان خارج مسابقات مهرجان القاهرة 41

أفغانسان في ثلاثة أفلام مختلفة
روائي وتسجيلي وتحريك                           
                                               
يعرض مهرجان القاهرة في دورته الحالية 20-28 نوفمبر 2019 ثلاث نماذج مختلفة تعبر عن جوانب من أفعانستان في رؤى وأساليب متنوعة، حيث حفل الواقع الأفغاني بدراما تفوق ما يمكن للخيال أن يؤلفه .
لسنوات ظلت أفغانستان سااحة للصراع الدولي منذ احتلال الاتحاد السوفيتي لها ومحاولة فرض نظام موالي لهم، فكان التحرك الأمريكي لتشجيع وخلق جماعات إسلام سياسي لطرد الروس نتج عنه انقلابا كبيرا للبلاد وسقوطها تحت حكم طالبان، من دولة مدنية حصلت فيه النساء على حريتها وتساوت مع الرجال إلى دولة متشددة تقمع النساء وتفرض عليهن البقاء تحت برقع موحد تظهر صورهن كأكياس قمامة بلون موحد.
Hava, Maryam, Ayesha حواء ومريم وعايشا" ، عنوان فيلم لمخرجة تحكي فيه قصص لثلاث  نساء ظروفهن مختلفة من وجهة نظرها خلال ساعة ونصف في سيناريو محكم تلتقي النساء الثلاث في المشهد الأخير معبر جيد عن وضع النساء في مجتمع ذكوري.  )نشاهده في القسم الرسمي خارج المسابقة)
حواء حامل تقوم على خدمة حماها الغليظ ، وحماتها القعيدة وزوجها الغائب الذي يحضر ضيوفا لتخدمهم ويهمل اصطحابها للطبيب . في نصف ساعة الأولى تليها قصة مذيعة أخبار تركها زوجها بعد سبع سنوات زواج ولم تنجب. في تليفون طويل نتعرف على مأساتها، الثالثة فتاة الكبرى لأسرة كلها بنات مات عائلها وهي كانت على علاقة بشاب ولكنها ستتزوج من ابن اعم القادر، تبيع مصافها للتخلص من حمل غير مرغوب فيه ولكي تستعد للزواج من ابن العم. 3 قصص لنساء ظروفهن مختلفة من وجهة نظر مخرجة في سيناريو محكم تلتقي النساء الثلاث في المشهد الأخير معبر جيد عن وضع النساء في مجتمع ذكوري. التمثيل جيد والتفاصيل متنوعة . المخرجة Sahara Karimi صحراء كاريمي من أفغانستان.
 
THE SWALLOWS OF KABUL " ابتلاع كابول" فيلم تحريك فرنسي طويل في ساعة وثلث برسوم تقليدية بنظام البعدين، على التتر مكتوب أن الفيلم عن رواية للكاتبة الجزائرية ياسمينا، وتتر آخر كابول تحت حكم طالبان والبداية مع مشهد لرجم سيدة آثمة، يشارك أطفال في قذفها بالطوب، والبقاء مع محسن يبدو غير راض عما يحدث ثم في بيته مع حبيبته زنيرة التي ترسم، هناك عتيق السجان بجند الرجال ليكونوا في طابان، قصص كثيرة تربطها عدم السماح لهم بترك البلاد وكأنهم سجناء. معلم القرآن يعلم التلاميذ التاريخ ومواد أخرى أيضا بشكل سري يقول ليكونوا أحرارا، ويطلب من محسن إحضار زوجته لتعلم أيضا فهي معلمة. زوجة عتيق مريضة بالسرطان في حالة متأخرة وتحتاج إلى مورفين. جثث المجاهدين تفوح منها رائحة كريهة خلاف لادعاء أن الشهداء ليس لجثثهم رائحة. محسن يسقى زوجته رافعا البرقع فيهاجمه جنود طالبان. في بيتهما يحاول خلع البرقع ولكنها غاضبة وتبعده يعنف فيموت على حجر وتتهم بقتله. في السجن يراها عتيق بلا برقع وينشغل بها خاصة أن زوجته مريضة . زوجته المريضة الموشكة على الموت تبدل نفسها بالسجينة تضحية منها لزوجها الباكي على الجميلة، يصحب القائد عتيق ليشهد الإعدام وحين يكشف الوجه لا يجدها فيتحول إلى وحش يبحث في كل الوجوه عن زنيرة الجميلة. ينتهي الفيلم بلقطة تتحول فيه النساء بالبرقع السماوي إلى طيور وتختفي الجميلة. الفيلم شارك في إخراجه زابو بيتيمان وإيلي جوبيه ميفيليك .
لم أفهم لم الحديث بالفرنسية، فالصورة مع موسيقى اللغة تعطي مصداقية وتضفي على الفيلم روحه الخاصة. قد يكون بسبب أن العمل مأخوذ عن رواية مكتوبة بالفرنسية. تقنية الرسم بألوان مائية تقنية موفقة. واختيار التحريك للرواية يمنحها سحرا خاصا. قصص كثيرة ليس بها جديد عما نعرفه عن كابول تحت حكم طالبان. باستثناء استبدال المريضة بالسجينة، لا بأس من عرضه رغم أنه قد يثير جدلا كبيرا من الناحيتين الدينية والإنسانية. ( نشاهده في قسم رسمي خارج المسابقة)
 هذه المرة من روسيا " Leaving Afganistan  مغادرة أفغانستان " فيلم شديد التقليدية نشاهده في قسم عروض خاصة. للمخرج الروسي بافل لونجن ، قدمه فيما يقارب الساعتين متخذا جانب نظام بلده في سرد الحقائق. لا يفندها ولكنه يسعى لإظهار معاناة الجنود الروس نهاية الحرب. كفيلم حركة دون تعمق في التحليل السياسي.
مع البروسترويكا 1989 يتم الاتفاق على انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، عملية الانسحاب ليست سهلة، يسقط طيار بالبارشوت وتنفجر طائرته، يتم أسره ويتبين أنه الابن الوحيد للجنرال، ويكون على إحدى الفرق العثور عليه كمهمة أخيرة . عبر ممر سالانج وسط الجبال في عملية قوية. المجاميع، وتفاصيل المعارك قوية، أصبت بحيرة مع من أتعاطف؟ هل المجاهدين هم الأشرار؟ المخرج متمكن ولكن القصة اتخذت منحى فردي وحيد بدلا من تناول كافة أطراف النزاع. نوع من القوالب المعروفة لتناول فكرة انسحاب في حرب كمهمة أخيرة..
صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 
رئيس التحرير عماد الغزالي


Wednesday, 13 November 2019

"شغف أنا " في قسم عروض خاصة بمهرجان القاهرة 41


عشاق السينما سيكونون على موعد بدءا من مساء الأربعاء 20 نوفمبر وحتى 29 نوفمبر الجاري مع وجبة سينمائية مميزة، يقدمها مهرجان القاهرة السينمائي في دورته ال41 ، وقبيل الانطلاق اخترنا أن نشير إلى واحد من خمسة أفلام يعرضها المهرجان ضمن قسم عروض خاصة، تتناول شخصيات أسهمت في صناعة السينما وارتبط بهم عشاقها. 
                                                                     ( مقدمةالمحرر)

أنا مانياني أيقونة الواقعية الإيطالية الجديدة
كلما مرت لقطة لها من الفيلم كنت أتوقف وأصطاد صورة ثابته لهذا الوجه الوحشي المفعم بالحياة، فيلم وثائقي عنونه مخرجه شغف أنا مانياني، ولم أستطع أن أمنع نفسي من شغفي بها ، شعفي بهذه المرأة الشجاعة المعبرة عن أصل الحياة وكأنها خارجة من طين الأرض.
عبر لقاء مطول معها وهي في لحظات توقف بعد عمل كبير وشهرة، ثم تعليق على صور ومشاهد  متنوعة بلغة المخاطب، رجل محب يخاطبها ويوجه لها أسئلة، لقاءات مع من عملوا معها على اختلافهم ، فيسكونتي وفيلليني، ولقاء مع ابنها في منزلهما وهي  وبقايا صورها ومقتنياتها ثم جزء من فيلمها في "روما مدينة مفتوحة" قبله حوار عن كونها عنيدة وصريحة، تقول إنه نوع من الدفاع عن النفس. الحياة تمت تحت حكم الفاشيست، والأمهات تعلمن كيف يربون أولادهم ليصبحوا فاشيست. لكنها رفضت، كانت ولدت عام 1908 وأمها كانت 18 عام أنجبتها دون زواج وسافرت على مصر وتزوجت من نمساوي منح الطفلة اسمه. عادت وتعلمت الغناء . المخرج الذي توافقت معه هو روسوليني ، ينتقل الفيلم إلى قصته مع انجريد برجمان ومشاهدتها لفيلم "روما مدينة مفتوحة" أثناء بحثها عن شيء جديد ومختلف. روسوليني عاد من أمريكا ومعه برجمان، نعرف قصتهما معا من فيلم عرض بالقاهرة قبل عامين، هنا عبور موجز على قصتها والعودة لأنا التي تجاوزت محنة فقد مخرج في العصر الذهبي لصحافة الفضايج التي طاردت برجمان، مانياني عادت للعمل مع فيسكونتي الذي يوافقها على طريقة أدائها لدرجة تأثره ببكائها مع طفلة الفيلم ، في فيلم بعيد عن الواقعية فى نوع الموجة الجديدة التي يفضلها فيسكونتي. حملت وولدت لوكا 1942 ابنها الوحيد الذي يتحدث عنها في الفيلم. ابنها يحكي كيف تغلق على نفسها البيت لفنرة قبل تصوير فيلم والتحضير للدور.
يحكي مخرج فرنسي عن طريقة اندماجها في الدور بعد عدد من الإعادات لتصبح كطفلة صغيرة مدهشة.
بعد فيلم فيسكونتي، في أمريكا هناك اسنقبال حافل لها، تقابل بيتي ديفز ونشاهد صورة كبيرة لها عليها توقيع في منزل مانياني التي تقول عنها إنها أقوى منها . قابلت الكاتب تنيسي ويليامز الذي انبهر بها وكتب لها عملا رفضته في البداية ثم مثلته مع بيرت لانكستر بعنوان " وشم الوردة" ، قال إنها تعبر عن الروح الإيطالية. تركوها تمثل بحريتها قائلين نريد مانياني مانياني وليس مانياني هوليوود . في 21 مارس 1956 اتصلوا بها فجرا ليعلموها أنها حصلت على الأوسكار، أعلن مارلون براندو الخبر ، قدمت معه فيلما للمخرج سيدني لوميت ، ومع أنطوني كوين بالفيلم مقابلة معه يحكي عنها ، قدمت ثلاثة أفلام في أمريكا وخافت من التنميط وشعرت بالوحدة فعادت الى روما. وحين عرض عليها فيلم امرأتان لتمثل الأم وابنتها صوفيا لورين، رفضت أن تكون ابنتها فأسند دور الأم إلى صوفيا وحصلت عنه على اوسكار. التقت بازوليني الذي أخبرها أنه لايحب الواقعية وقدم لها فيلم " ماما روما" . توقفت لعشر سنوات لم تجد دورا مناسبا لها وفي عام 1965 قدمت مسرحية بروسيا نجحت نجاحا ساحق، ثم فيلم مع ماستورياني ثم قامت بدورها مع فيلليني في روما فيليني ، توقفت لعشر سنوات وماتت عام 1973 ، مشهد موتها ككل مشاهد وداع ناصر وأم كلثوم وحليم، بحزن الجماهير التي أحبتها ينهي المخرج فيلمه بمشهد لها من فيلم روما فيلليني تغلق الباب تودعه وتودعنا.
صفاء الليثي
نشر بالقاهرة الثلاثاء 12 من نوفمبر 2019 رئيس التحرير عماد الغزالي


Friday, 8 November 2019

"باكوراو" من أفلام " سينما بلاحدود" في بانوراما الفيلم الأوربي 12

"باكوراو" وكيف أعادها السكان إلى الخريطة
يظهر طبق طائر يصور سكان بلدة صغيرة، هل هو هجوم من سكان فضاء؟ دراجتين ناريتين، موتوسيكل رجل وامرأة بملابس غريبة، ببراءة يستقبلهما السكان كسائحين ثم يبدآن في قتل عشوائي غير مفهوم، اجتماع مع مجموعة غريبة بينها الممثل الألماني أودو كير صاحب النظرة الشريرة والعين الزجاجية، من هؤلاء؟ رجل سلطة يحضر لهم طعام وماء عند ظهوره يختفي الجميع ثم في لحظة واحدة يظهرون ويقبضون عليه، يركبونه حمارا بالمقلوب، أين شاهدت هذا المنظر من قبل؟ تجريسة بلدي تجري في ريفنا المصري. تبدأ خيوط الفيلم في التجمع داخل رأسي، ممثل لسلطة فاسدة يؤجر فرقة قتل دولية ليرهب سكان بلدة صغيرة جدا حتى أنها لا توجد على الخريطة لكي يقيم بها مشروعهم الكبير. هل يستسلمون ؟، رغم فارق السلاح ينجح السكان في النصر على فرقة القتل ويدفن حيا كبيرهم بالتعاون بين شباب مقاومة
 وكبارها وحتى الأطفال.
 عودة للمقاومة الشعبية وتوحيد الصفوف
في المستقبل القريب يدور الفيلم البرازيلي المعروض في قسم "سينما بلا حدود " بالبانوراما 12 ، يتبع الفيلم تيريزا (باربارا كولين) ، التي تعود إلى منزل باكوراو ، وهي قرية تقع في شبه جزيرة سيرتاو في البرازيل ، لحضور جنازة جدتها. عند وصولها ، تراقب تيريزا على الفور علامات على أن باكوراو في ضائقة شديدة. هناك نقص في وسائل الراحة الأساسية ، كما أن تغطية الهواتف المحمولة تتلاشى ، وإمداد المياه النظيفة مدمر والشاحنة التي تصل المياه الصالحة للشرب مليئة بثقوب الرصاص. سرعان ما أصبح واضحًا أن الحكومة الفاسدة قد تخلت عن القرية تمامًا: ليس فقط تم محو باكوراو حرفيًا من الخريطة ، ولكن مواطنوها يتعرضون للهجوم. عند الاقتراب من المسؤولية ، يجب على القرويين إعداد مقاومة منظمة لتجنب المزيد من الأضرار. وتظهر قيادة من الفتاة القادمة من العاصمة ومن مدرس القرية، وأشقياء يتزعمهم فدائي.
اختار المخرجان شكلا يجمع بين خيال افتراضي وواقع أليم لفضح المشاكل المعقدة في البلاد في موقع بشمال شرق البرازيل. تقع في منطقة سيرتاو - أو المناطق الداخلية التي تحتل الركن الشمالي الشرقي للبلاد - "باكوراو" تبني ببطء المواجهة بين سكان قرية نائية ومجموعة من الزوار الأميركيين الأثرياء ، بقيادة أودو كير ، الذين رتبوا لمطاردتهم للرياضة. هؤلاء الغرباء البيض يرون أنفسهم متفوقين ، ولكن بمساعدة عقاقير نفسية موجودة في الصحراء ، خاض الناس معركة أكثر مما توقع هؤلاء المرضى.
مشهد يعيدنا إلى الواقعية السحرية لسينما أمريكا اللاتينية يظهر كبير البلدة عاريا تماما يجري طقوسا مع عشبة يزرعها في صوبة بالصحراء، فجأة يحدث هجوم من فرقة البيض ولكنه يخرج سلاحا ويقتلهم، تخرج السيدة عارية مثله لا تصرخ كعادة النساء بل تقتل الغرباء في مشهد رهيب يكون مقدمة لانتصار السكان الأصليين على الغزاة الأمريكان رغم طائرة تجسسهم وسلاحهم المتطور.
في أحد المشاهد تتحمس قاتلة من المجموعة ومعها زميل ويقتلان بلا رحمة مسنة ومسن قررا الخروج من الحصار في البلدة، نشوة القتل تدفعها لكي تحتفل على طريقتها بممارسة جنسية بحماس بجوار القتلى.
فيلم لا يمكن تلخيصه لغنى مشاهده وتعدد أسلوبها بين فيلم حركة، وفيلم واقعي، وفيلم فانتازيا، عمل المخرجان معا لكي يتم دمج الأساليب الفنية المتعارضة في نسيج قوي لفيلم ثوري من أفلام المقاومة ، مقاومة الشعوب لجشع الرأسمالية وخيانة السلطة المحلية، والميل للقتل لدى بعض الغربيين.
يذكر بفيلم  "باكوراو" أن ما  يحدث  يتم في بعد بضع سنوات من الآن،  لكننا بالكاد نشعر بالمستقبلية ، نظرًا لحقيقة أن بعض المجتمعات في سيرتاو لا تزال تفتقر إلى المياه أو الكهرباء الجارية ، وأن هذه المدينة بالذات قد انعكس تقدمها المحدود من قبل رئيس بلدية فاسد ، الذي دمر إمدادات المياه النظيفة. وحين يكتشف مدرس القرية أن باكوراو قد تم محوها من جميع الخرائط. يتم التحرك مع جماهير البلدة وينتصرون .
الفيلم يحقق رؤية بصرية سمح بها الموقع المختار الذي يظهر وكأنه ما بعد حرب ما حيث لا ماء لا مؤونة وحوادث قتل، وبرج مراقبة من فرقة مقاومة تتخذ شكل البطل الشعبي . ليس قالب الديستوبيا تماما ، كخراب مستقبلي افتراضي للعالم، ولكن عمل من أعمال مواجهة انعدام العدالة في النظم المعاصرة. 
الفيلم فاز بجائزة لحنة التحكيم قي أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان كان الأخير. وجوائز أخرى للمخرجين، جوليانو دورنيلز وكليبر ميندونسا فيلهو في مهرجان ليما أمريكا اللاتينية السينمائي 2019 ومهرجانات عديدة أخرى.
المخرج كليبر ميندونسا فيلهو ولد عام 1968 في ريسيفي ، بيرنامبوكو ، البرازيل. وهو مخرج وكاتب ، معروف باكوراو (2019) ، الدلو (2016) والأصوات المجاورة (2012). شريكه في الإخراج جوليانو دورنيلزهو مصمم ومنتج للإنتاج ، ومعروف باسم باكوراو (2019) ، ومان سانا في كوربوريو سانو (2011) ولوخا دي ريبتيز (2014).كتبا الفيلم معا وأسندوا البطولة إلى سونيا براغا ، أودو كير ، باربارا كولين ، توماس أكينو.
أجدني أسمي الفيلم بالبرازيلي نظرا لجنسية مخرجه ميندوسا رغم مشاركة فرنسا بالإنتاج حيث يدور الفيلم في بلدة برازيلية ويعبر عن مواطنيه البرازيليون، الإنتاج الفرنسي يساند أعمالا من بلاد مختلفة انحيازا للفن وللقضايا الإنسانية التي تعبر عنها الأفلام.
تمنح الإنتاجات المشتركة فرصا أكبر لكي يكون  الإنتاج  غنيا ، تضمن مشاركته أقوى المهرجانات كما تضمن توزيعه جماهيريا على نطاق واسع. شاهدت الفيلم في عروض مهرجان الجونة الثالث، ويشاهده جمهور القاهرة في بانوراما الفيلم الأوربي الذي تنظمه أفلام مصر العالمية ، يوسف شاهين وشركاه، ينتظره كل عشاق السينما ليتابعوا أهم وأجمل الأفلام التي عرضت.
صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 5أكتوبر 2019 رئيس التحرير عماد الغزالي